معنى وشروط التنمية المستدامة


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 5232 - 2016 / 7 / 23 - 13:08
المحور: الصناعة والزراعة     

معنى وشروط التنمية المستدامة
لعل مقولة التنمية أمست اليوم محوراً مشتركاً لمعظم العلوم الإنسانية وتطبيقاتها، وقد عرّف إعلان " الحق في التنمية " الذي أقرته الأمم المتحدة في العام 1986 عملية التنمية بأنها " عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ". وهناك الكثير من التعريفات للتنمية المستدامة، والتعريف المتفق عليه هو " التنمية المستدامة هي التنمية التي تفي باحتياجات الحاضر دون التقليل من قدرة أجيال المستقبل على الوفاء باحتياجاتها ".
إنّ التنمية المستدامة عملية مجتمعية يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات بشكل متناسق، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة ومورد واحد. فبدون المشاركة والحريات الأساسية لا يمكن تصوّر قبول الشعب بالالتزام الوافي والخلاّق بأهداف التنمية وبأعبائها والتضحيات المطلوبة في سبيلها، أو تصوّر تمتعه بمكاسب التنمية ومنجزاتها إلى المدى المقبول، كما لا يمكن تصوّر قيام حالة من تكافؤ الفرص الحقيقي وتوّفر إمكانية الحراك الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة والدخل.
ومن هنا اكتسب مفهوم التنمية البشرية رواجاً كبيراً منذ العام 1990 حين تبنّى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مضموناً محدداً ومبسّطاً له، شمل ثلاثة أبعاد: أولها، خاص بتكوين القدرات البشرية، مثل رفع مستوى الرعاية الصحية وتطوير القدرات المعرفية. وثانيها، يتعلق باستخدام البشر لهذه القدرات للاستمتاع في الحياة وزيادة إنتاجية العمل. وثالثها، ينصرف إلى نوع ومستوى الرفاه الإنساني بجوانبه المختلفة.
ولعله من المفيد التركيز على العناصر الأساسية التالية كمؤشرات للتنمية المستدامة:
(1)- التنمية عملية وليست حالة، وبالتالي فإنها مستمرة ومتصاعدة، تعبيراً عن تجدد احتياجات المجتمع وتزايدها.
(2)- التنمية عملية مجتمعية، يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة أو مورد واحد.
(3)- التنمية عملية واعية، وهذا يعني أنها ليست عملية عشوائية، وإنما عملية محددة الغايات، ذات استراتيجية طويلة المدى، وأهداف مرحلية ومخططات وبرامج.
(4)- التنمية عملية موجهة بموجب إرادة تنموية، تعي الغايات المجتمعية وتلتزم بتحقيقها، وتمتلك القدرة على تحقيق الاستخدام الكفء لموارد المجتمع، إنتاجاً وتوزيعاً، بموجب أسلوب حضاري يحافظ على طاقات المجتمع.
(5)- إيجاد تحولات هيكلية، وهذا يمثل إحدى السمات التي تميّز عملية التنمية الشاملة عن عملية النمو الاقتصادي. وهذه التحولات - بالضرورة - تحولات في الإطار السياسي والاجتماعي، مثلما هي في القدرة والتقنية والبناء المادي للقاعدة الإنتاجية.
(6)- بناء قاعدة وإيجاد طاقة إنتاجية ذاتية، وهذا يتطلب من عملية التنمية أن تبني قاعدة إنتاجية صلبة وطاقة مجتمعية متجددة لم تكن موجودة قبلاً. وأن تكون مرتكزات هذا البناء محلية ذاتية، متنوعة، ومتشابكة، ومتكاملة، ونامية، وقادرة على التعاطي مع التغيّرات في ترتيب أهمية العناصر المكونة لها، على أن يتوفر لهذه القاعدة التنظيم الاجتماعي السليم، والقدرة المؤسسية الراسخة، والموارد البشرية المدربة والحافزة، والقدرة التقنية الذاتية، والتراكم الرأسمالي الكمي والنوعي الكافي.
(7)- تحقيق تزايد منتظم، بمعنى أنه ينبغي أن يكون تزايداً منتظماً عبر فترات زمنية متوسطة وطويلة، وقادراً على الاستمرار في المدى المنظور، وذلك تعبيراً عن تراكم الإمكانيات واستمرارية تزايد القدرات وإطلاق الطاقات وتصاعد معدلات الأداء المجتمعي، وليس تعبيراً عن تغيّرات متأرجحة تلقائية المصدر غير متصلة السبب.
(8)- زيادة في متوسط إنتاجية الفرد، وهذا يمكن التعبير عنه بالمؤشر الاقتصادي المعروف " تزايد متوسط الدخل الحقيقي للفرد " إذا ما أخذ بمعناه الصحيح، وإذا ما توفرت له إمكانية القياس الصحيح.
(9)- الإطار الاجتماعي - السياسي، ويتضمن آلية التغيير وضمانات استمراره. ويتمثل ذلك في نظام الحوافز القائم على أساس الربط بين الجهد والمكافأة، إضافة إلى تأكيد انتماء الفرد لمجتمعه من خلال تطبيق مبدأ المشاركة بمعناها الواسع، وكذلك جانب العدالة في توزيع ثمرات التنمية وتأكيد ضمانات الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، وللمجتمع نفسه. فهذه الجوانب، بالإضافة إلى كونها تمثل أهداف التنمية، هي في الوقت نفسه مصدر قوة وسائلها وفاعلية وكفاءة أدائها.
وفي سياق الاقتراب من تحقيق المؤشرات السابقة بُذلت جهود متعددة لتعريف الأبعاد السياسية لماهية الحكم الرشيد، وهي تتراوح بين حكم القانون ومحاربة الفساد وفاعلية القطاع العام، وصولاً إلى قدرة المواطنين على حرية التعبير من خلال نظام حكم ديموقراطي. إذ أنّ مؤشر المساءلة العامة يقيس مدى انفتاح المؤسسات السياسية ومستوى المشاركة واحترام الحريات العامة وشفافية الحكومات وحرية الصحافة.
إنّ الحكم الرشيد لا يضمن - في ذاته - نتائج جيدة في مجال التنمية، لكنه شرط لا غنى عنه لمنع استمرار النتائج المخيبة والسياسات غير الفعالة، والانتقال إلى نتائج وسياسات أفضل.
غازي عينتاب في 23/7/2016 الدكتور عبدالله تركماني
باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة