بولس : مسيح الاستكانه


هشام حتاته
الحوار المتمدن - العدد: 5232 - 2016 / 7 / 23 - 12:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

سبق لى وان كتبت على هذا الموقع ( تكريس مفهوم العبودية فى الاسلام ) http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=299932&r=0
وكنت انوى ان يكون عنوان هذا المقال ( تكريس مفهوم الخنوع فى المسيحية ) ولكنى رأيت ان العنوان سيكون صادما ، فكان العنوان الذى تصدر المقالة اكثر صدقا واكثر واقعيه للاسباب التى ساذكرها فى نهاية المقال
ورغم هذا اعرف انه سيثير العديد من قرائى المسحيين سواء على هذا الموقع او على صفحتى فى الفيس بوك وهم كثيرون
ولكن ....
علينا ان نفتح الجروح وننظفها ولامانع من وضع مزيد من الملح على الجرح حتى يلتئم دون ان يمتلئ بالصديد مرة اخرى ويعاود الالم
العلمانى لابد وان يكون ليبرالى ، والليرالى لابد ان يؤمن بكل منظومة حقوق الانسان ، ومن هنا كان دفاعى عن حقوق الاقليات المضهدة وعلى راسها مسيحى مصر بعد اشتداد العداء السلفى الوهابى لهم
وبقدر تعاطفى معهم الا ان الاستكانه والخنوع مقابل مايلاقونه كان بالفعل يثير فى نفسى الاستهجان لاننى من المؤمنين بان الحق لابد له من قوه تحمية ، ومررت بالعديد من المواقف التى اصريت فيها على حقى وحصلت عليه
وكتبت عدة مرات على صفحتى فى الفيس بوك اناشد فيها الاهوة المسيحيين فى عمل جماعى يستنكر الاعتداء عليهم ، ولتكن وقفة جماعيه حضارية توقد فيها الشموع وترفع فيها اعلام مصر دون اى شعارات و ساكون اول المشاركين فليها امام مجلس الشعب
وآخر منشور كتبته امس يقول ( النائبة الايزيدية فى البرلمان العراقى ابكت العالم وحركت مشاعره
فى البرلمان المصرى حوالى 40 نائب مسيحى
هما فين ؟
لاتنظروا من الاخرين ان يخوضوا معارككم مالم تتقدموا الصفوف ) انتهى
وجائت التعليقات كسابقتها ، تبرير للضعف والاستكانه والتعلل بماحدث فى ماسبيرو ( رغم اختلاف الظروف ) وان اعضاء المجلس المسيحيين صناعه الدولة ولن يخرجوا عنها ، وان الكنيسة لاتتدخل لانها كيان روحى ، وماذا تفعل الاقلية المضطهدة ؟ وفى النهاية المسيح ناصرهم
فالسادات قتل لانه عزل الباب
وعن معجزة نقل جبل المقطم يتحدثون
وعن انهيار المعابد المصرية القديمة ( الاوثان ) امام الطفل يسوع اثناء تجواله فى مصر

بالنسبة لقتل السادات فهو نتيجة لمقدمات حسب قانون السببية ، اطلاق يد الاخوان ثم توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل فكان المصير المحتوم ولادخل فيها للمسيح
اما المعجزه التاليه فليس لها اى سند تاريخى موثق
والثالثة كانت تبريرا لما قام به المسيحيين المصريين الاوائل من اضطهاد المصريين الذين ظلوا على عبادة امون ووصمهم بالوثنيين وهدم المعابد بل واتخاذ بعضها اديرة وكنائس

ولكن وعلى مدى 1400 عاما منذ بدا الاسلام ينتشر فى البلاد المحيطة التى يقطنها او يقطن غالبيتها مسيحيين لم نراه يتدخل مرة واحدة رغم كل مالحق بهم من اذى
على مدى 1400 عام لم يتدخل المسحي لانقاذ رعيته ، فكم من الزمن سيمر حتى نراه يتدخل ؟

ثم نأتى الى النقطة المفصلية فى هذه المقالة وهى اعادة قرائة ثلاثة اقوال للسيد المسيح تعتبر من اهم الاسباب فى الخنوع والاستكانه والاستسلام المسيحى
( احبوا اعدائكم ، احسنوا الى مسيئيكم ، من ضربك على خدك الايمن اعطى له الايسر ....)
هذه الاقوال الثلاثة تستحق وقفة تحليلية تفكيكية للاسباب التى جعلتها بين دفتى الاناجيل الاربعه ، وماهو الدور الذى لعبة شاول البيزنطى اوبولس الطرسوسي او بولس الرسول أو القديس بولس – بولص فى هذا الموضوع
ونتسائل : كيف لاى نبى او رئيس جماعه او قائد مجموعه من المؤمنين به ، او قائد سياسى يقول لاتباعه هذا الكلام
اى نفس بشرية بما فيها من خير وشر لاتستطيع ان تقتل كل الشر لتقول هذه الاقوال
هل ياتى الانبياء لتخليص شعوبهم من الاضطهاد ام يأتوا لتكريس وتبرير منظومة الظلم الواقع عليهم
ربما فعلها المسيح وعبرت عنه شخصيا ، ولكن البشر هم البشر ولايستطيعوا ان يكونا جميعا هذا المسيح
المهاتما غاندى او نلسون مانديلا ، وهم من اشهر من دافعوا عن قضيته بلادهم امام الاستعمار الانجليزى واللذان يعتبران مثالا للمقاومة السلبية ضد محتليهم بدون عنف ، لم يطلب احد منهم من مواطنيه ان يحب الانجليز ، ولا ان يعطيهم خده الايسر اذا ضربه على الايمن ، ولم يطلب منهم الاحسان اليهم ، كل ماطلبوه هو المقاومة السلبية ، المقاطعه ، الاحتجاج
فكيف يقول المسيح لاتباعه هذه الاقوال التى تحطم لديهم كل رغبة فى المقاومة ، كيف يحبوا اعدائهم ؟ وكيف يحسنوا الى مسيئيهم ؟ كيف يجعلون من وجوههم ملطشة للضرب على الخدين يمينا ويسارا ؟
انهم ليسوا ملائكة
فماذا حدث ؟ وكيف تسللت هذه الاقوال الى دفتى الاناجيل ؟
عقيدة الصلب والفداء :
ما اروع ان يتخيل الانسان أن إلهه يحبه ، ومن شدة حبه له ينزل من ملكوته السماوى ليطارد ويعذب ويهان ويعانى كافة الوان الآلم وفى النهاية يقتل مصلوبا من اجل الانسان ، من اجل ان يعفيه من خطية ابوهم الاول ومن كل خطاياهم اذا آمنوا بقصته فسوف يخلصون ، انه جاء من اجل الخلاص ، ومات مصلوبا من اجل الانسان
ان إلهه لايجلس فى السماء متعاليا ولكنه يفتديه بروحه وبآلامه ، وبعذابه ، وبقتله مصلوبا ................ انه الاله الفادى
والسؤال : الم يكن فى امكانه وهو كلى القدرة وكلى المقدرة ان يغفر هذه الخطية وهو جالس على عرشه السماوى ؟

اذن اين الحقيقة ؟
اذا لم يكن المسيح قد مات مصلوبا ، فكيف مات ؟
ولماذا قالت الاناجيل القانونية انه مات مصلوبا وما يستتبع ذلك من قصة الفداء ؟
انا لاازعم بوصولى الى الحقيقة كاملة من بين هذا الكم الهائل من السياج الدوغمائى المغلق الذى غلفت به هذه القصص ، ودور الكنائس ( كما المساجد ) فى ترويجها بين العامه وحتى بين الخاصة
سبق لى وان كتبت عشره مقالات على هذا الموقع بعنوان ( اساطير التوراه واسطورة الاناجيل ) خلصت فى نهائتها الى رؤيتى التى ساعيدها مختصرة

بولس الرسول والذى يعتبر المؤسس الحقيقى للمسيحية ، كان ضابط رومانى عمل على محاربة المسيحية الناشئة باعتبارها فرقة يهودية ضالة تهدد الديانة اليهودية الرسمية ، وذلك بعد ان عاد يسوع من مصر الى فلسطين بعد ان بلغ الثلاثين من عمره ( نعم ... الثلاثين ) مبشبعا بالاسطورة المصرية متقمصا شخصية حورس ليعلن انه ملك اليهود من نسل داوود الذى بشرت به التوراه والذى سيحررهم من الرومان محرضا لهم على الثورة وعدم دفع الضرائب قائلا : ماجئت لالقى سلاما ولكنى جئت لالقى سيفا .
كان اليهود فى هذا الوقت فى ثورات مستمرة ضد الحكم الرومانى انتهت عام 70 م بتدمير الرومان للهيكل وجلاء اليهود عنها
ويتم قتل يسوع فى احدى هذه الثورات ، وحتى يقضى الرومان نهائيا على روح الثورة التى اشعلها يسوع جاء دور الضابط الرومانى شاول ليعلن انه وهو فى الطريق الى دمشق متتبعا المسيحيين ليسوقهم موثقين الى اورشليم حدثت له رؤيا كانت سببا فى تغيير حياته ، حيث اعلن الله له عن ابنه بحسب ماقاله فى رسالته الى الغلاطيين قائلا انه راى الرب يسوع ، والتى يتحدث عنها الاصحاح التاسع قائلا (وفي ذهابهِ حدث أنهُ اقترب إِلى دمشق فبغتةً أبرق حوله نورٌ من السماء"، بعد ذلك حصل حوار بينه وبين المسيح اقتنع شاول على إثره بأن يسوع الناصري هو المسيح الموعود ) و يتكرر ذكر هذه الرؤيا في سفر أعمال الرسل مع بعض الاختلافات الطفيفة في (22: 6-11) و(26: 13-18).

ويصبح شاول هو بولس وتتعدد رحلاته التبشيرية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا مخترعا قصة يسوع المسيح التى عرفتها الاناجيل والهدف الاساسى منها تطويع تابعيه وبقيايا اليهود بالاذعان للسلطة الرومانية ودفع الضرائب ، وان يسوع ماجاء ملكا لليهود ثائرا على السلطة الرومانية ولكنه جاء الها فاديا ليغفر الخطايا ويبشر تابعيه بملكوت السموات بدلا من ملكوت الارض ومن اجل الانسان يموت ويصلب على الصليب و ( اعطوا مالله لله ومالقيصر لقيصر .... !!! )، وكل القصة الجميلة التى تؤثر القلوب وتجعل الجميع متعاطفا مع هذا الالهة الفادى
ومايؤكد وجهه نظرنا هو تاكيد الاناجيل الاربعه ان بلانطس الحاكم الرومانى كان يريد العفو عنه بمناسبة عيد الفصح اليهودى ، ليبرأ السلطة الرومانية من دمه ، ولكن رؤساء الكهنة حرضوا الجموع على المطالبة بصلب المسيح فخضع الوالي لرغبتهم
وبهذه الاقوال التى لاتتناسب مع بنى البشر يتم تطويع اليهود ومن اتبع منهم يسوع على حب محتليهم والاحسان اليهم وجعل خدهم مداسا لهم
الخلاصة :
لن يخرج مسيحى مصر مما يعانوه وهم متخندقين داخل نفوسهم وداخل الكنيسة
لاتنتظروا السيد المسيح ، فهو لم ياتى ولن ياتى ، فقد انتظره اليهود الفى عام وعاشوا فى الحارات ( الجيتو ) حتى انتشلهم هرتزل ووضعهم على اول الطريق
عليكم ان ترفضوا هذا الواقع المهين
انا لا ادعوا الى ثورة مسيحية فى مصر ، ولكنى ادعوا الى مقاومة سلبية فى احتجاجات ووقفات بالشموع والاعلام المصرية امام مجلس الشعب وحتى امام قصر السيسى ، وتاكدوا ان العديد من العلمانيين والمسلمين المستنيرين مع قضيتكم العادلة وسيكونوا معكم فى نفس الخندق وانا اولهم
والى اللقاء فى مقال آخر