العلمانية والاإنسانية الإسلاموية


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 5227 - 2016 / 7 / 18 - 22:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

جاء في تعريف العَلمانية أو العالمانية والأليكية؛ (Secularism وتترجم حرفيا "دنيوية) أنها " فصلُ الحكومة والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة أو الشّخصيّات الدّينيّة. وتعني أيضًا عدم قيام الحكومة أو الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ على اعتناق وتبنّي معتقدٍ أو دينٍ أو تقليدٍ معيّنٍ لأسباب ذاتيّة غير موضوعيّة، كما تكفل الحقّ في عدم اعتناق دينٍ معيّنٍ وعدم تبنّي دينٍ معيّنٍ كدينٍ رسميٍّ للدّولة. وبمعنى عامّ، فإنّ هذا المصطلح يشير إلى الرّأي القائِل بأنّ الأنشطةَ البشريّة والقراراتِ - وخصوصًا السّياسيّة منها - يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المُؤسّسات الدّينيّة ".
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/علمانية
ولا يحدِّد كون الدولة علمانية أو غير علمانية بديانتها، كأن نقول بأنها كذلك لأنها إسلاموية أو مسيحية أو يهودية أو بوذية .... إلى آخره، ولكن بمدى ما يحدده طبيعة دور رجال الدين في الدولة. ومدى تدخلهم بشكل ثيوقراطي في شؤونها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكذلك بالمدى الذي تتبناه الدولة لحماية التعددية الدينية للمقيمين على أراضيها، وعدم إجبارهم على اعتناق عقيدة أو دين معين، بل وعدم تبنيها لدين رسمي معين، الأمر الحادث بشكل فج، حتى وإن كان بدرجات متفاوتة في الدول الموبوءة بداء الإسلاموية.

قبل مايزيد على مئة عام تنبَّه الشيخ الأزهري المتنور محمد عبده ( 1849 - 1905م) إلى أهمية وضرورة فصل الدين عن الدولة، فقال مقولته الشهيرة : “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”. وبعده جاء السياسي المصري المخضرم سعد زغلول (1927 - 1858م) ليقول مقولته الشهيرة أيضاً “الدين لله والوطن للجميع”. ولكن كما هو واضح ذهبت المقولتان أدراج الرياح في مجتمعات يتفشى فيها الجهل والفقر والمرض، وفي بلد شاء حظه التعس أن يتولى أمره منذ منتصف عام 1952م أناس من العسكر الفاشلين في عملهم الأساسي، فقفذا إلى السلطة بشرعية معدومة وكرامة مهضومة. لذلك كان من المحتم عليهم أن يتحالفوا مع أكثر الناس تأثيرًا على الشعب، وهم رجال الدين وسدنته وتجَّاره الذين يبيعون الوهم للمواطنين، فالدين في الدول المتخلفة سياسيا واقتصاديا وثقافيا هو الملاذ السهل والأخير للأوغاد.

إن فصل الدين عن الدولة لا يعني بأي حال من الأحوال فصل الدين عن المجتمع، أو حرمان المؤمنين من العبادة في أي مكان، وإنما يعني فقط عدم السماح لرجال الدين ووعاظه وتجاره وسدنته وكافة الدجالين المرتزقين من ورائه باستغلال التعليمات الدينية وتوظيفها في المجال السياسي والاقتصادي وغيرهما، لإشباع حاجاتهم ومصالحهم الخاصة، كما يعني من ناحية أخرى منع الحكومات أو الدّول من حمل المواطنين على اعتناق معتقدٍ أو دينٍ أو تقليدٍ معيّنٍ بهدف الابتزاز السياسي أو الاقتصادي. باختصار يعني عدم استغلال الدين كمبرر إلهي للتخلف والفساد والانحطاط، وذلك إنطلاقا من حقيقة إنسانية عامة وشاملة لخصها الزعيم سعد زغلول في مقولته الشهيرة.

ولكن من الثابت والواضح أن رجال الدين ومعهم حكام الدول الموبوءة بوباء الإسلمة يصرون على عدم فصل الدين الإسلاموي عن الدولة ومقاومة أي توجه نحو العلمانية بكل عنف وشراسة. فيَهُـبُّون دائما ودون تأخير لإخماد أي صوت يعلو على صوت التخلف والفساد والانحطاط وكل الموبقات بإسم الدين، وتحت غطاء كثيف من تعليماته الخرقاء!!.

من الثابت أن للسلطة رونق لا مثيل له، والإسلاموية تمكن الحكام بأوامر إلهية من هذا الرونق وتدعمه وتحفظه لهم، فالحاكم المتسلط، له في رسول الله أسوة حسنة، وكل ما يطلبه من الرعية هو الطاعة العمياء والتسليم التام. إنه تجريد المواطن من إرادته وكرامته، بل ومن إنسانيته. فلا عجب إذا صعد الحاكم إلى السلطة بناءً على حرية المواطن في اختياره بوسيلة ديموقراطية، ليبدأ في الحد من هذه الحرية وهدم الديموقراطية، وإحلالها بالإسلاموية الفاشية لأنها إرادة الله ورسوله. إن الأمر يريح جوانبه ويعطيه الحرية في عمل أي شيء وكل شيء تبعا لهواه ورغباته الشخصية أسوة بنبيه (الكريم) والمعترض أو المتضرر يذهب إلى الجحيم. جميع الحكام، بلا استثناء، في الدول الموبوءة بهذه الديانة لديهم ميول قوية للتأسِّي بنبي الأسلمة، وإن لم تكن لديهم هذا الميول يتعرضون لضغوط لا طاقة لهم بها من رجال الدين وقطاع كبير من العوام والسذج والمخدوعين للحاق بها.

في مقالات سابقة أشرت إلى أن الديانة الإسلاموية - تحديدًا وعلى وجه الخصوص - لا يمكن أن تزدهر إلَّا في وجود وفرة من الجهل والفقر والمرض في المجتمع، تمام كما لا تنمو بعض النباتات إلَّا في الروث. والروث في المجتمعات الإسلامية من الوفرة بحيث يدلف حتى إلى غرف النوم لكي يلاحق العقول ويلوث النفوس.
ما هو السبب في ذلك ياترى!!

القاعدة الأساسية في ذلك كانت ولازالت "طاعة الله ورسوله وإلى الأمر"
المتأسلمون تعساء بالفعل لأنهم يواجهون إلها إسلامويًا يقول عن نفسه إنه ماكر جبار ولكنه في الحقيقة عاجز ومتلبِّد، صنعته فئة من الخبثاء الشريرين المنحدرين من أصول فارسية لأسياد جدد من البدو العربان الذين يتسمون بالغباء الفطري، والخمول الذهني. وصنع الخبثاء لهذا الإله أذنًا من طين وأخرى من عجين، وعينين لا تبصران ويدَيْن مغلولتيْن، بلادة لا حدود لها، ووضعوه بعيدا عن أعين وعقول الناس، وأتوا له بنبي، كان قد مات قبل 150عام على الأقل، وصنعوه من بين المنتصرين الأغبياء وعلى شاكلتهم كي يتماهوا معه ويتأسوا به، وتركوه يهذي ويهلوس لهم ويقتل ويدمر بينهم، زاعمًا أنه يتحدث على لسان ذلك الإله (رب الخلق أجمعين)، ويأتمر بأوامره ونواهيه. فكان من الطبيعي أن تتشكل مجموعات عديدة من العملاء المرتزقين الذين سرعان ما انتظموا في حكومات ومؤسسات وجمعيات وجماعات وأحزاب وجيوش وأزهريات وحسينيات وكتائب قتالية وفرق انتحارية لا حصر لها، لتقوم بترويج البضاعة الإلهية التي أوجدها الخبثاء لترضي نزوات المؤمنين الأغبياء والحكام الجهلة والعجزة على حد سواء. وراحوا جميعا يفرضون بضاعتهم الفاسدة والمفسدة على سائر البشر تحت شعار الأسلمة النبوية (إسلم تسلم).

من الطبيعي والمنطقي للغاية أنه عندما يصنع شخص بضاعة ما لكي يعتاش من تسويقها، لابد وأن يجمِّلُها دائما في أعين زبائنه، ويدافع عنها وعن عيوبها بكل ما أوتي من قوة ومن رباط الخيل.

ومع ظهور الجماعات الإسلاموية الإجرامية حديثا على الساحة الدولية، وانتشارها في ربوع العالم، خاصة تنظيم القاعدة وما تلاه من جماعات وتنظيمات أخري كثيرة، انتهجت أسلوب القتل والتدمير تحت نفس الشعار، ظهر تعبير "الإسلام السياسي" على ألسنة المنظرين والمفكرين وفي وسائل الإعلام ومراكز البحث العلمي. وسمعنا من طالب مرة أخرى بضرورة فصل الدين عن الدولة، أو تجديد الخطاب الديني!!

ورأينا البعض من العملاء المنتفعين من الاتجار في أوهام الديانة الرابحة باستمرار، يقولون بأنها ديانة وسطية، فمؤسسة الأزهر وحركة الإخوان المتأسلمين في مصر المقهورة بالدِّين والعسكر معا، وما يتبعهما في عالم العربان من أشكال حزبية سياسية، مثل (جبهة العمل الإسلامي في الأردن، حماس في فلسطين ، حركة مجتمع السلم في الجزائر، حركة النهضة في تونس ، حزب التجمع والإصلاح في اليمن ،العدل والإحسان في المغرب، الإخوان المسلمين في العراق، الإخوان المسلمين في سوريا....إلخ)، تركز جميعها على أن الإسلاموية ديانة وسطية، دون أن توضح ماذا تعني بذلك!!. وكيف يكون ذلك؟؟؟؟

بينما نجد البعض الآخر ممن يلتزمون بحقيقة الإسلاموية يَرَوْنها ديانة واحدة، لا تتجزَّأ إلى: إسلاموية عبادات أو إسلاموية عقائد أو قلوب أو معاملات (سياسة) أو اقتصادية أو معتدلة (وسطية) أو متطرفة، بل هي ديانة كاملة تشمل كل هذا وغيره من نواحي الحياة المختلفة، فكل نشاط للإنسان فيه حكم لله (تبارك وتعالى!!) لا يوجد نشاط للإنسان خارج عن حكم الله (جل وعلا!!) فالحلال والحرام، والطعام واللباس والشراب والزينة والطهارة والنجاسة ودخول المرحاض والخروج منه، والفسا والضراط، والزواج والطلاق، والنكاح ( وهي كلمة مهذبة للكلــمة التي جاءت على لسان نبيهم، وتجري على ألسنة الرعاع والسوقة) حتى وصل الأمر إلى نكاح الميتة، ونكاح البهيمة، والزنا، والكسب المشروع وغير المشروع، والتعامل مع البشر على اختلافهم، والتعامل بين المتأسلم والكافر، وبين أعداء الله وَرَسُولِكَ والمؤمنين الذين قد يكونوا محاربين وقد يكونوا مسالمين، وقد يكونوا معاهدين أو ذميين مستأمنين، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. كل هذه الأمور وغيرها الكثير، الحكم فيها لإله المتأسلمين وحده لا شريك له. وأن علاقة العبد بربه (سبحانه وتعالى!!) تنحصر فقط في العبادات، مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج والخضوع لله ولرسوله وألى الأمر منهم.

وما دام الدجال يعرِّف نفسه بـ"فضيلة العالِم الجليل" ويعرفه الآخرون بنفس الصفة، فلا بد أن يتكلم هو وحده فقط، ويفتي في أي شأن من شؤون الدنيا والآخرة، ويتكلم عن الكون والطبيعة والعلم والتكنولوجيا، ولا يحق لأحد أن يسأله لأن ربه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} المائدة/ 101، بمعنى لا تسألوا عن أشياء إذا ظهرت لكم وعرفتموها تسبب لكم إساءة. باختصار، إبقوا على جهلكم وأقفلوا أفواهكم، فالأفواه المقفلة لا يدخلها تراب العملاء الأفاضل، في حين - وكل حين - التساؤلات هي أساس المعرفة والتقدم والرقي المعنوي والمادي للبشر دون استثناء.

لا ريب في أن الإسلاموية السياسية من صميم وجوهر الديانة نفسها بل هي العمود الفقري في فبركتها؟؟ يقول الشبح الأكبر في هلوساته: {إن الله يأمُرُكُم أن تُؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتُم بين الناس أن تحكُمُوا بالعدل إن الله نعما يعظُكُم به إن الله كان سميعًا بصيرًا}، ثم يواصل قائلا: {يا أيها الذين آمنُوا أطيعُوا الله وأطيعُوا الرسُول وأُولي الأمر منكُم فإن تنازعتُم في شيءٍ فرُدوهُ إلى الله والرسُول إن كُنتُم تُؤمنُون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}، ثم قال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.

يقولوا عن هذا الهراء إنه كلام الله ( تعالى!! ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما أن ما صح من سنة نبيه (إذا صح منها شيئا بالمطلق) هو أيضاً وحي من الله؟ وهو في حقيقة الأمر كلام إنشائي لا يصلح كما هو واضح إلا للشعارات واليفط والكتابة على صفيح وزجاج السيارات وللاستهلاك الشخصي فقط. إذ نجد في الآيات السابقة أن هذا الإله - المفبْرَك بخبث وبلا عناية في ورشة الفرس ليقتنيه الأغبياء - مجرد داعية وواعظ إسلاموي، يهذي ويهلوس ويقول عن نفسه إنه كان سميعًا بصيرًا، ولم يقل متى كان سميعًا أو بصيرًا، وماذا فعل بسمعه وبصره المزعوميْن، والأهم من ذلك هو، ماذا أصبح الآن، هل فقد سمعه وبصره ليتولى قُطَّاع الطرق مهمة الهذيان والهلوسة ليلا ونهارا نيابة عنه؟؟

ورغم أن الدجالين لا يركزون كثيرا على أية الخضوع والطاعة هذه عند تفسيرها، ولا يلجأون إليها بإصرار إلَّا عند الضرورة، كيلا تثير مشاعر العقلاء الأحرار في المجتمع، إلَّا أنها تبقى دائما آية كارثية بامتياز لأنها تأمر بالطاعة العمياء لأشباح مقدسة لا وجود لها إلَّا في أذهان السذج والمخدَّرين، ولا تعني سوى (أن يسلموا لما يحكم به تسليما) أي بدون معارضة، والهدف النهائي هو أن يُسْلِموا كي يَسْلَموا، أي ينجوا بحياتهم. ونظرًا إلى أن الأشباح لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، وليس بمقدورها أن تحرك ساكنًا، وتكمن في الأذهان العليلة، فقد تولى أمرها أشخاص منتفعون من بيع الأوهام والخرافات والهلوسات الدينية. ويزعمون بأن الله هو المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف في شؤونهم، فقد خلقهم كما يشاء.. لذلك يحكم فيهم بما يشاء. دون أن يكون باستطاعتهم التدليل على وجوده، فضلا عن استدعائه ليمارس حكمه فيهم، ولا يترك هكذا الكلاب المسعورة من الدجالين والكذابين وقطاع الطرق والقتلة المجرمين تعيث في الأرض فسادًا.

يعرّفُ الكاتب والباحث في الفكر الايديولوجي صادق جلال العظم: الإسلام السياسي: "بأنه إيديولوجية تعبويه شديدة التأثير مستمدة ومشكلة، بصورة انتقائية وجزئية، من بعض نصوص الإسلام المقدسة ومن عدد من مرجعياته التراثية ومن عدد من سوابقه التاريخية ومن حكاياته المتداولة أبا عن جد، ومن حاضر العجز الإسلامي المزمن ومن هامشية العالم الإسلامي والعالم العربي في مجريات التاريخ الحديث والمعاصر".

ومع أن التعريف السالف واضحا، إلا أن العظم، شدد أيضا على ضرورة تجنب الخلط بين الإسلام السياسي وبين التدين الشعبي التلقائي للمتأسلمين، فكلاهما ينهل من معين حضاري وتاريخي وسياسي واحد.

أخيرا يقول أحد أشهر المحللين الأمريكيين في شؤون الإسلام روبرت سبينسر وهو من أصول تركية إنه "لايوجد فرق بين الإسلام والإسلام السياسي وأنه من الغير المنطقي الفصل بينهما فالإسلام بنظره يحمل في مبادئه أهدافاً سياسية"
وقال سبينسر ما نصه "ان الإسلام ليس مجرد دين للمسلمين وانما هو طريقة وأسلوب للحياة وفيه تعليمات وأوامر من أبسط الأفعال كالأكل والشرب إلى الأمور الروحية الأكثر تعقيداً".

الفصل بين الدين الإسلاموي والدولة ليس غير منطقي فحسب، بل ومستحيل أيضا، إذ يقتضي أولا أن يتم الفصل بين الله ونبيه من ناحية، والفصل بين نبيه والذين يقتدون به من ناحية أخرى، كيلا ينتفعوا من التجارة فيما قاله وما لم يقله. وآمل أن يكون هذا الشأن موضوعا لمقالات أخرى في المستقبل، لنرى هل يمكن أن يتحقق المستحيل، وما هو الثمن؟؟؟.