سيناريو الحل المقبل


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5223 - 2016 / 7 / 14 - 09:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


منذ بداية الأزمة السورية وحتى اليوم ما انفكت التحليلات والتنظيرات والتخمينات حول قرب الخروج منها بحل ما تتواصل، وكل منها يبني ذاته على معطيات لحظة الكتابة الظاهرة منها بفعل الوقائع، أو المتخيلة بدافع الرغبات. اذكر جيدا أن شخصية سورية معروفة حجزت لنفسها موقعا بارزا في صفوف النخبة السورية، وخاصة النخبة الاقتصادية قالت في سياق حديث بيننا جرى في نيسان من عام 2011 أن النظام سوف يسقط خلال أسابيع، وعندما قلت له بان عليه أن لا يتسرع بإصدار أحكام تنم عن الرغبة وليس عن التحليل، فالنظام لن يسقط قريبا، كدت أخسر صداقته المديدة. كثيرون راهنوا على سقوط النظام نتيجة الانشقاقات التي حصلت في صفوف مؤسساته العسكرية والأمنية، وآخرون راهنوا على ذلك نتيجة تنامي قوة المعارضة المسلحة وسيطرتها على مساحات واسعة من البلاد، وثمة فئة ثالثة راهنت على التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام وتنصيبها في السلطة مكانه على غرار ما فعل الأمريكان في العراق. وكنت شخصيا قد كتبت بضع مقالات في السنتين الأخيرتين حول قرب الخروج من الأزمة السورية تبين أنها لم تكن واقعية، مع أنني وضعتها في إطار الاحتمالات. واليوم أيضا، في هذه المقالة كغيرها، سوف أجيب عن السؤال : هل بات الحل قريبا؟ وما هو السيناريو المحتمل؟ كفرصة محتملة، أو كاتجاه عام ،من خلال تحليل معطيات اللحظة الراهنة.
بداية أود الإشارة مرة أخرى، في سلسلة مرات عدية، إلى حقيقة صارت اليوم محط إجماع كل المعنيين بالأزمة السورية، وهي أن هذه الأزمة على درجة عالية من التعقيد بسبب القوى المحلية والإقليمية والدولية المتدخلة فيها، والمسببة لها، والمحددة بالتالي لمسارات الخروج منها،والتي يصعب التوليف بينها بسبب تناقض المصالح. فعلى صعيد القوى المحلية، أي المعارضة والنظام، فكل طرف لا يقبل بأقل من هزيمة الطرف الآخر، وهو لا يزال على موقفه هذا حتى اليوم. في البدء حاول النظام بكل قوة قمع الحراك السلمي، وعندما فشل دفعه دفعا نحو حمل السلاح كي يجد المبرر السياسي والقانوني لقمعه تحت يافطة محاربة الإرهاب وقد نجح في ذلك. بدورها المعارضة السياسية التي وجدت في الحراك الشعبي خشبتها لإعادة تعويمها، ساهمت في دفعه نحو مسارات قاتلة بدأت برفع شعار " الشعب يريد إسقاط النظام" مرورا بالدعوات المتكررة لتسليح المعارضة، ولم تكتفي بذلك بل طالبت الدول الغربية مرارا ،وخاصة أمريكا بضرورة التدخل العسكري المباشر في سورية لإسقاط النظام، وحضتها على ذلك، لكنها لم تحقق شيئاً. إن موازنة بسيطة بين نهج النظام الذي بنى إستراتيجيته منذ البداية على محاربة الإرهاب، واشتغل عليها بدعم صادق من حلفائه يتبين أنه حقق الكثير من المكاسب السياسية والعسكرية. أما المعارضة بشقيها السياسي والعسكري التي بنت إستراتيجيتها على إسقاط النظام، ورئيسة بصورة خاصة، بدعم من حلفاء إقليميين ودوليين غير صادقين وجدت نفسها اليوم محمولة على قوى إرهابية متطرفة بات العالم كله يتوجس منها، وهي تكاد تخسر كل شيء.
مشهد الأزمة اليوم يحدده، داخليا، النظام والقوى الإرهابية المتطرفة وهي قوى استبدادية تهدد من خلال صراعها وجود البلد ذاته بعد أن كادت تقضي على الحلم الذي ثار السوريون من أجله، حلمهم بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون. أما المعارضة السياسية فهي لا تزال أسيرة أوهام ورغبات في حدود ما هو مسموح لها بذلك، وهي كما النظام لا تملك من حرية الإرادة شيئا، ولذلك من المستبعد أن يكون لهما أي دور مقرر في الخروج من الأزمة، فهذا الدور صار في الخارج، لدى الدول الإقليمية ولدى روسيا وأمريكا بصورة خاصة.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية وقطر وغيرها من دول الخليج، وهي المتدخل الرئيس في الأزمة السورية تمويلا وتسليحا وسياسة وإعلاما، على غرار تدخلها في جميع دول ما يسمى "بالربيع العربي" فإنها توهمت أنها بتدخلها هذا تدافع عن أنظمتها بعيدا عن حدودها، كما توهمت في حينه بدفع صدام حسين لشن حرب شعواء على إيران، وما إن توقفت الحرب حتى توجه نحوها فغذى الكويت، لتقوم من جديد بتشجيع أمريكا وحلفاؤها لطرد صدام من الكويت، بل وإلى إسقاط نظامه في نهاية المطاف. كانت نتيجة هذه السياسات الخاطئة أن تم تدمير العراق وتقسيمه واقعيا، وهو الذي كان عبر التاريخ خط الدفاع عن الجزيرة العربية من جهة الشرق، والسد المنيع ضد طموحات إيران، ليصير اليوم تحت الهيمنة الإيرانية بالكامل. وهي تكرر الخطأ ذاته في سورية فتعمل على تدمير آخر خطوط الدفاع عنها، بل عن العرب، في الشمال. انا أتحدث هنا بالمعنى الاستراتيجي العام ،وليس دفاعا عن صدام حسين أو غيره.
من البلاهة السياسية القول أن دول الخليج التي تحكمها أنظمة عائلية أرادت من تدخلها في دول " الربيع العربي" دعم الشعوب العربية في هذه الدول من أجل الحرية والديمقراطية، فهذه الأنظمة على الضد من كل قيم الحداثة السياسية والاجتماعية وغيرها، فهي لا تستطيع أن تقدم لشعوب الدول العربية ما ليس فيها قيمة أو فكرة أو علاقة. لقد أدركت في وقت مبكر، أو ربما أُملي عليها إدراكها، بأن انتصار قيم الحرية والديمقراطية وحكم القانون في الدول العربية التي حصل فيها حراك شعبي ، سوف يشكل أكبر خطر على أنظمتها، فعمدت بكل الوسائل لديها، المالية والدعائية والسياسية والعسكرية للتدخل لحرف التحركات الشعبية المطالبة بالتغيير باتجاه هذه القيم عن مسارها، وبالتالي تحويل الصراع فيها من كونه بين هذه الشعوب والأنظمة السياسية في بلدانها إلى حروب أهلية طاحنة أخذت فيها جانب القوى الإرهابية المتطرفة.
لكن في النهاية وكما خسرت سياسيا وأمنيا واقتصادياً في العراق فسوف تخسر في اليمن وسورية وليبيا ومصر وتونس والبحرين، وإن ما توهمته من حماية لأنظمتها من رياح التغيير، فإن هذه الرياح سوف تهب عليها عواصف فتقتلعها من جذورها، ولن يكون ذلك بعيدا.
بالنسبة لإيران فهي الدولة التي استفادت من أزمات المنطقة كثيرا، رغم الكلفة البشرية والاقتصادية الكبيرة التي دفعتها خلال حربها مع العراق في عهد صدام حسين، لكنها في النهاية حولت خسائرها إلى مكاسب سياسية إستراتيجية. لقد صار العراق تحت وصايتها السياسية، بل والأمنية، بعد أن قدمته لها أمريكا وحلفاؤها ،وفي مقدمتهم دول الخليج، هدية من جراء غزوه في عام 2003. وفي سورية واليمن ولبنان ازداد تدخلها وحضورها بحيث صارت مقررة في الشؤون السياسية لهذه الدول تحت يافطة محاربة الإرهاب وإسرائيل.والأهم من كل ذلك أنها أسست إستراتيجيتها السياسية بالكامل على مشروع تنموي وطني جعلها ليس فقط دولة قوية في المنطقة، بل ودولة مهابة ومحترمة دولياً.
بالنسبة لدور تركيا وقطر في الأزمة السورية يبدو ظاهريا غير مفهوم، خصوصا وقد كانت حكومتا الدولتين على صداقة مع النظام السوري.لذلك لفهم هذا الدور الذي نمى وازداد تأثيرا في الأزمة السورية لا بد من إضاءة بعض الجوانب المخفية من الأزمة السورية وخصوصا تلك الجوانب المتعلقة بأنابيب النفط والغاز الذي كانت بعض الدول الأوربية والعربية تطمح لبنائها عبر سورية.
ليس معلوما لكثيرين أن بعض الدول الأوربية، وغير الأوربية، كانت قد طرحت على النظام السوري منذ أكثر من عشر سنوات، عندما كان عبد الله الدر دري مسؤولا عن الملف الاقتصادي، مشروعا كبيرا جداً لتحويل جميع أنابيب النفط والغاز من الجزيرة العربية والعراق وإيران وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى سورية على أن تخرج منها مشتقات نفطية عبر تركيا، مع الوعد في حال موافقة النظام السوري على ذلك بأنها سوف تساهم في حل الأزمة مع إسرائيل، غير أن النظام السوري وضع الملف في الدرج دون أن يرفض أو يوافق. إذا صحت المعلومات المتعلقة بهذا المشروع يكون أحد الأسباب الرئيسة لتدخل تركيا وقطر في الأزمة السورية قد توضح.
لكن إضافة إلى هذا السبب الرئيس هناك أسباب أخرى لتدخلها في الأزمة السورية منها أن تركيا عمدت إلى الرد على امتناع أوربا عن قبولها في عضوية الاتحاد الأوربي بالتوجه شرقا وجنوبا نحو البلدان الإسلامية لخلق مجال حيوي لها، فاستفادت من التحركات الشعبية في العديد من هذه الدول للتدخل وتحميل مشروعها السياسي على القوى الأقرب لها وهي قوى الإسلام السياسي.
أما بالنسبة لقطر الدويلة الصغيرة في الخليج العربي فمن غير المنطقي فهم الدور السياسي وغير السياسي الكبير الذي تلعبه بدلالة مصلحتها الخاصة فقط، بل لا بد من البحث عن مصالح آخرين وجدوا في قطر الحامل الأمين لمشروعهم وفي مقدمتهم إسرائيل. هذه الأخيرة التي لم تغب عن الصراعات الداخلية في الدول العربية، بل ربما كانت الفاعل الأكبر فيها من وراء ستار، كانت المستفيد الأكبر من أزمات المنطقة على المدى القصير والمتوسط.
يلاحظ اليوم انكفاء الدور القطري لصالح تقدم الدور السعودي، كما يلاحظ بدء استدارة حادة في السياسة التركية باتجاه إعادة تحسين علاقاتها مع سورية والعراق ومصر وغيرها من دول المنطقة. هذه بعض ملامح مرحلة جديدة سوف تفيد في تسريع الخروج من الأزمة السورية.
من جهة أخرى وبعيدا عن أدوار الدول الإقليمية في الأزمة السورية، يتفق جميع المراقبين والمتابعين للشأن السوري أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية إلى جانب النظام قد غير بصورة جذرية وجوهرية من جميع المعادلات المرتبطة بها السياسية والعسكرية والدبلوماسية والإستراتيجية.لم يكن باستطاعة روسية أن تقف مكتوفة الأيدي وهي تجد آخر موقع لها في الشرق الأوسط يخرج من إطار سيطرتها، خصوصا وان علاقاتها بسورية لها أبعاد تاريخية. لقد ذلت في البلقان، وفي ليبيا وفي جورجيا، وما كان بالتالي بمقدورها أن تقبل الإذلال في سورية وأوكرانيا، فتصرفت بصورة حاسمة وواضحة. روسيا بتدخلها في سورية لا تدافع فقط عن مصالحها السياسية والعسكرية المباشرة، بل أرادت أن تذكر العالم وخصوصا الدول الغربية بأنها لا تزال قوة عظمى وعليهم أن يأخذوا مصالحها بعين الحسبان، وان ينصتوا بالتالي لما تقوله.
على العكس من الدور الروسي في الأزمة السورية فإن التدخل الأمريكي والغربي عموما في سورية كان يهدف منذ البداية إلى تدمير سورية كدولة وتحويلها إلى مستنقع لتغرق فيه إيران وروسيا وحزب الله وجميع القوى الإرهابية المتطرفة التي تم تعويمها وسوقها من مختلف بلاد العالم إلى سورية، وهذه الأطراف مصنفة أمريكيا على أنها أعداء. الهدف الأمريكي والغربي عموما من تدمير سورية وربما غيرها من البلدان العربية الأخرى لم يكن هدفا مباشرا وخالصا لها، ربما إلا في جوانبه الاقتصادية ، بل بالنيابة عن إسرائيل بالمعنى المباشر والموضوعي. سورية كما العراق كما مصر وليبيا واليمن، وحتى البلدان العربية الأخرى صارت دولا فاشلة تحتاج إلى عقود لمداواة جراحها إذا سمح لها أصلا بمداواتها. كم كان مخادعا أن ينضوي التدخل الغربي عموما تحت يافطة مناصرة الشعب السوري في سبيل الحرية والديمقراطية ، في حين كان موجها بالأساس ومباشرة إلى دعم وتسليح القوى الإرهابية المتطرفة. واليوم بعد أن صارت سورية عبئا ثقيلا سلمت ملفها بالكامل تقريبا إلى روسيا.
في نهاية هذا العرض الوصفي لوقائع المرحلة الراهنة من تطور الأزمة السورية وسياقاتها نكثف القول ببعضها:
أ-لقد حقق النظام خلال الشهرين الأخيرين مكاسب سياسية وعسكرية ودبلوماسية كثيرة ، في حين خسرت المعارضة بشقيها العسكري والسياسي ما كسبه النظام، مما سوف يعزز من موقعه التفاوضي في الجولات القادمة .
ب-لا يزال حلفاء النظام صادقين معه، في حين حلفاء المعارضة لم يكونوا كذلك في أية مرحلة من مراحل الأزمة، وهاهم اليوم يقومون باستدارات حادة لإعادة الانفتاح على النظام.
ت-لقد نجح النظام في لعب ورقة الإرهاب، الذي بات اليوم يشكل تهديدا دوليا حقيقيا، وأخذ كثير من الدول التي ناصبته العداء ينظر إليه ويتعامل معه على انه القوة الرئيسية لمحاربة الإرهاب في سورية، وفي غير منطقة.وفي المقابل خسرت المعارضة بشقيها العسكري والسياسي عندما حملت مشروعها بالكامل على كاهل القوى الإرهابية المتطرفة.
ث-على صعيد "حلفاء" المعارضة الإقليميين فهاهي تركيا الدولة الأكثر تأثيرا في الحرب في سورية تعيد تقويم سياساتها باتجاه الانفتاح على النظام السوري، ويصرح قادتها جهارا بذلك ، كما أنها أجرت معه مفاوضات أمنية في الجزائر.
أما بالنسبة لقطر فقد انكفأت عن الشأن السوري وتراجع دورها في الأزمة السورية إلى حد كبير لصالح تقدم الدور السعودي، غير أن هذه الأخيرة غارقة في اليمن وفي البحرين وفي شؤونها الداخلية من جراء تهديد الإرهاب لها، والمشكلات الناجمة عن تنازع مراكز القوى في الأسرة الحاكمة، لذلك ليس مستبعداً أن تشهد هي الأخرى إعادة تقويم سياساتها التدخلية في الأزمة السورية،وفي غيرها من أزمات المنطقة، وان تقوم باستدارة حادة هي الأخرى باتجاه الانفتاح على النظام . ما له الأولوية اليوم لدى السعودية هو إيجاد حل لأزمة اليمن يؤمن لها خروجا مشرفا من المستنقع اليمني لذلك فهي في كل علاقاتها الدولية تعمل على الربط بين حل أزمة اليمن والحلول المطروحة لأزمات المنطقة وخاصة الأزمة السورية.
أما بالنسبة لحلفائها الغربيين فقد قلت منذ البداية أنهم لم يكونوا صادقين معها، بل استخدموهم كأدوات تدخل في الأزمة السورية وتسعير نارها، وهاهم قادة المعارضة البارزين يكتشفون ذلك اليوم متأخرين كثيراً.
ج-على صعيد حلفاء النظام، فليس خافيا اليوم الدور الأبرز للتدخل الروسي دعما للنظام ميدانياً، لكن على الصعيد السياسي فلا يزال ثمة هوة كبيرة بين موقف روسيا وموقف النظام تجاه الحل المحتمل للأزمة السورية يمكن أن تستفيد منه المعارضة في حال غيرت من نهجها التفاوضي. الروس يريدون فعلا دستورا جديدا لسورية وتشكيل حكومة ذات مصداقية تشارك فيها المعارضة، وانتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية بعد ثمانية عشر شهراً،كما جاء تماما في نص القرار الدولي 2254 ،في حين أن النظام لا يزال يناور، تحت يافطة محاربة الإرهاب، لإعادة إنتاج نظامه، بتعديلات غير جوهرية، على أن يقوم بذلك بعد الانتهاء من محاربة الإرهاب كما يزعم. يدعمه في نهجه هذا إيران، التي تذهب بعيدا في تشددها ببقاء النظام، والتمسك ببقاء رأسه حتى في أية تسوية سياسية قادمة. إيران لا تزال تحلم وتعمل على إنشاء قوس لنفوذها السياسي الإقليمي يشمل العراق وسورية ولبنان، وسوف تحاول تزيينه بنجمتين على الأقل في كل من اليمن والبحرين. يتوقف تحقيق الحلم الإيراني على الفوز في المعركة ضد الإرهاب في كل من العراق وسورية.والمفارقة في هذا المجال أن إيران تسعى لتحقيق مجال نفوذها الحيوي تحت يافطة محاربة الإرهاب وإسرائيل وهي يافطة لا يزال لها تأثيرها رغم البلى الشديد الذي اعتراها، في حين وضع الآخرون كل بيضهم السياسي في سلة الإرهاب والتعاون المكشوف مع إسرائيل.
ح-على صعيد القوى المحلية فلا تزال المعارضة السياسية على حالها ممزقة، غير واضحة الرؤية السياسية، تنازعها تأثيرات إقليمية ودولية عديدة، أسيرة رغباتها من جهة، والأجندات الخارجية من جهة ثانية.
أما المعارضة العسكرية فهي معارضة متطرفة تحمل مشاريع سياسية إسلامية غير مقبولة من عامة الشعب، بل غير مقبولة دوليا، وهي اليوم قد صارت ،في أغلبها الأعم، قوى إرهابية.
في هذا السياق تستحق المعارضة الكردية إلقاء بعض الضوء، فهي المعارضة الوحيد التي تتميز بعلمانيتها، وفي انفتاحها الحقيقي على قيم الديمقراطية والحرية وفي محاربتها للإرهاب وطليعته داعش، فهي نقيض الاستبداد بكل أشكاله. معارضة بهذه المواصفات لن تكون مقبولة لا من النظام ولا من المعارضات المختلفة، بل ولا من قطاعات واسعة من الشعب السوري خصوصاً وأنها تعمل في سبيل رؤية خاصة بها لبناء سورية كدولة اتحادية. رغم هذه المواصفات للمعارضة الكردية إلا أنها كغيرها من المعارضات لا تزال أسيرة كثير من الرغبات بدافع من حقوق بعضها حقيقي، وبعضها الأخر مزعوم. لقد تسرعت كثيرا في إعلام مشروعها للفدرالية من طرف واحد، فوضعت نفسها في بؤرة العداء لها ليس فقط من قبل المكونات الأخرى للشعب السوري وخاصة العرب، بل من قبل الدول الإقليمية وخاصة تركيا. يؤكد بعض المراقبين الدوليين أن العامل الكردي السوري من الأسباب الرئيسة للاستدارة التركية. يتوهم بعض الأكراد أن الدعم الأمريكي لهم نهائي وثابت،في حين هو مؤقت وبرغماتي، فلا يمكن لأمريكا أن تقبل بخسران تركيا مقابل كسب ود الأكراد. أخشى أن يكون الأكراد الخاسر الأكبر في أي حل مستقبلي للأزمة السورية.
إن أي حل للأزمة السورية في ظل الظروف الراهنة لا بد أن يسترشد بجملة من الحقائق منها:
أ--أن الحسم العسكري رغم كل ما حققه النظام من مكاسب على هذا الصعيد لا يزال احتملا غير واقعي، ويمكن أن يستمر سنوات أخرى.
ب- لا يمكن إسقاط النظام ، ولا إسقاط رئيسه بالقوة أو كشرط لنجاح المفاوضات. السبيل الوحيد الممكن واقعيا لهزيمته يمر عبر صندوق الاقتراع من خلال انتخابات نزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة والهيئات الرقابية الدولية والمحلية المختلفة كما نص على ذلك القرار 2254
ت-من جهة أخرى لن يستطيع النظام أن يستمر بالحكم بالطريقة السابقة، فالمعركة ضد الإرهاب وكذلك معركة أعمار البلاد تتجاوز حدود طاقته فهي تتطلب وحدة وطنية حقيقة وانفتاحا على جميع دول العالم بما فيها تلك التي ساهمت في تدمير البلاد من خلال دعمها للإرهاب.
ث-إن المرجعيات القانونية الدولية المختلفة التي صدرت بخصوص الأزمة السورية لم تكن يوما للتطبيق المباشر، بل خلفية لعملية التفاوض، يحدد سقوفها الفعلية الواقع الميداني، وتوليفات المصالح الدولية.
في ضوء كل ما تقدم فإن الحل الممكن واقعيا ينبغي أن يركز على ضمان المستقبل الديمقراطي لسورية بدستور جديد وقوانين مكملة له، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لتنفيذ الدستور الجديد، وقيادة المعركة ضد الإرهاب بقوى الجيش السوري، وقوى المعارضة المسلحة التي تقبل بالحل السياسي، ودعم القوى الدولية، والعمل على تطبيع الحياة السياسية بقدر ما تسمح الظروف، والاستعداد لخوض الانتخابات في التواريخ التي يتم الاتفاق عليها. على الجميع أن يدرك أن البلد قد دمر وأن الشعب قد صار ممزقا وقسم كبير منه يهوم على وجهه في أصقاع الأرض. هل من بقايا ضمير يصرخ أنقذوا ما تبقى من سورية!!!