اللاجئون السوريون ..والحق الضائع لأبناء السبيل


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5218 - 2016 / 7 / 9 - 04:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أولا : وجع القلب
1 ـ أوجع قلبى هذا السؤال : ( نجد في شوارع المغرب سوريين الذين فروا من بلادهم بعد الكارثة التي حلت بهذا البلد.هل يعتبرون أبناء السبيل؟ )، ليس فقط فى معاناة السوريين الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجرى فى وطنهم والذى أجبرهم على الهرب من الجحيم هناك ، ولكن أيضا لغياب مفهوم ( ابن السبيل ) وحقوقه بحيث يستحق الأمر توجيه سؤال عنه .
أوجع قلبى أن الغرب قام بتطبيق حق أبناء السبيل بدافع إنسانى ، وهذا الغرب يعلم أنه يحتضن قنابل موقوتة تم زرعها بين هؤلاء الأبرياء بما يشكل خطورة محققة على مواطنيه ، ومنهم مواطنون عرب و ( مسلمون ) يرتكبون التفجيرات . وفى نفس الوقت فإن الوهابية ـ الدين العملى الواقعى لمعظم دول الشرق الأوسط ـ تؤمن بفرضية كراهية الغريب غير الوهابى وتحتم عدم مودته ، وقتله إذا أمكن ، ومن هذا المنطلق فإن السائح والزائر تسرى عليه هذه الشريعة السُّنية الوهابية ، مع أن هذا السائح يأخذ إسلاميا حكم ابن السبيل ويستحق حقوقه المنصوص عليها قرآنيا . بل يتم تطبيق الشريعة الوهابية على اللاجئين السوريين ، فهم ممنوعون من دخول تلك الدول الوهابية ، مع أن الوهابية هى المسئولة أساسا عن تدمير سوريا والعراق وتهجير الملايين من السوريين والعراقيين والأفغان والباكستانيين والمصريين والسودانيين والأمازيغ ..الخ .
2 ـ أقول للسائل : نعم وبالتأكيد . فإن اللاجئين السوريين ـ وغيرهم ـ هم أبناء سبيل ، ولهم حق أبناء السبيل ، وأهل البلاد التى يلجأون اليها عليهم تأدية حق ابناء السبيل القرآنى لهم .
3 ـ ويشمل مفهوم ابن السبيل كل غريب ليس له محل إقامة فى البلد الذى يأتى اليها ، من اللاجئين والسياح والوافدين . كما يشمل أبناء البلد الذين لا مسكن لهم مثل أطفال الشوارع والذين يبيتون بالعراء والذين يعيشون فى المقابر والعشوائيات . كل هؤلاء لهم حق الصدقة ، ولهم حق الرعاية أى الاحسان، وإلا فهم قنابل موقوتة فى خاصرة المجتمع . وتجربة التاريخ تؤكد أن إنفجارهم يدمر الأخضر واليابس . هؤلاء المهمشون هم عتاد ( داعش ) البشرى . العلاج هو بالصدقة التى حق شرعى لهم وبالاحسان الذى يعنى الاحترام والغفران .
ثانيا : تجربة شخصية فى أمريكا :
1 ـ الصدقة :
جئت لاجئا الى أمريكا ، تركت زوجتى وأولادى فى مصر وقد جاوزت الخمسين ، وبمعونة د ايرفنج المحامى قدمت طلب اللجوء السياسى ، وحدثت تعقيدات فانتظرت ستة أشهر ، حتى حصلت على الموافقة . أثناءها كنت أعيش على اريكة فى صالة شقة من غرفة واحدة ، وأحصر نفقاتى الأسبوعية فى سبعة دولارات فقط ، وكانت تكفي الضروريات الفعلية . بالحصول على الموافقة توجهت طبقا لتوجيهاتهم الى مكتب الولاية المختص برعاية اللاجئين ، وهناك تعرفت بالدكتور عوض الحسينى ، وهو سودانى حصل على الدكتوراة فى الاخراج السينمائى من موسكو ، وعاد الى السودان ، فواجه إضطهادا هرب منه الى أمريكا وحصل على الجنسية الأمريكية وعمل فى الرعاية الاجتماعية فى ولاية فرجينيا لرعاية اللاجئين العرب . وقد تفضل ـ أكرمه الله جل وعلا ـ بتعريفى بحقوقى كلاجىء فى أمريكى ، واصطحبنى الى تلك الأماكن . وعرفت أن اللاجىء فى أمريكا تتنافس على رعايته رسميا الولاية و شعبيا الكنائس ، خصوصا الكاثولوكية والبروتستانتية ، وكل منها لها هيئات متخصصة للصدقات بمكاتب ضخمة وآلاف الموظفين ، وهم يساعدون اللاجىء فى الحصول على سكن مجانى أو رخيص ، وفى تعلم اللغة الانجليزية وفى تدريبه على كتابة الطلبات و تدريبه على عمل يناسبه ثم فى التوسط له فى الحصول على العمل . وبالاضافة الى التأمين الصحى لمدة عام وكوبونات الطعام المجانى الذى تعطيه الولاية لمدة عام فهناك كنائس يسجل فيها اللاجىء إسمه ليحصل اسبوعيا على كل أنواع الطعام من لحوم ومعلبات وخبز وفطائر ، هذا غير مستودعات الطعام الضخمة للفقراء التى تستقبل الفائض من المتاجر الكبرى ، وتوزعه مجانا لمن يقوم بتسجيل إسمه عندهم . ثم مخازن الملابس التى تأتى للكنائس ، وتوزعها على المسجلين لديها من اللاجئين والفقراء ، ثم المساعدة المالية الشهرية من الولاية والتى تستمر عاما للاجىء ، وتستمر للفقراء الذين يعولون أطفالا . وهناك عرب ومصريون يتعيشون من الصدقات العينية والمالية المُعطاة لأطفالهم ، ويتكالب عليها بعض العرب بينما يترفع عنها الأمريكيون البيض بالذات .
2 ـ الاحسان :
( ماجد ) صاحب الشقة الذى كنت أشاركه فيها ،كان مقاولا فى مصر ثم فى السعودية ثم فى الامارات ، وخسر هنا وهناك فجاء أمريكا ليعمل عاملا فى شركة بناء بأجر زهيد مقابل أن يحصل على إقامة من خلال هذه الشركة . حكى لى أنه كان يعمل فى ترميم قصر لصاحب شركة كبرى فى بيع الملابس الجاهزة ، إتضح انه يهودى ، وحين تعرف بماجد وعرف أنه مصرى ومسلم وترط أطفاله باحثا عن لقمة العيش ملأ سيارة ماجد بملابس لأولاده وأكرمه فى الأجرة ، وشعر ماجد بالحرج ولكن حماس الرجل فى ملء صندوق السيارة بالملابس أزال الحرج عن ماجد .
وقال ماجد إنه عمل تبعا لشركته فى ترميم ما تهدم من مبنى البنتاجون ـ بعد كارثة 11 سبتمبر ، وكان فى ساعة الغذاء يذهب الى المطعم يقف فى الطابور بملابس العمل الملطخة بالتراب والقطران ، ويأتى خلفه فى نفس الطابور كبار الضباط العاملون فى البنتاجون ، قال إنه كان فى البداية يحسُّ بالخجل من مظهره ، ولكن إبتسامتهم الودودة له وإحترامهم له أزال عنه الحرج .
وهو نفس الحال معى حين إضطرتنى الظروف الى تقبل كوبونات الطعام والملابس ، كنت أحس بمنتهى الحرج ، وآخذ على قدر الحاجة ـ وغيرى يجعلها إستثمارا يأخذ من كل الجهات بقدر المستطاع . الحرج الذى كنت أُعانى منه أزالته الابتسامة الرقيقة والترحيب من الموظفين العاملين فى هذه الأماكن .
هذه المعاملة الطيبة هى ( الاحسان ) الذى يقوله رب العزة جل وعلا فى القرآن . إحسان المعاملة عند إعطاء الصدقة . ليس بالمنّ والأذى الذى يتعامل به آل سعود حين يعطون الناس بعض حقوقهم ، ويسمونها ( مكرمة ملكية ).
3 ــ هذه حقائق عشتها ولمستها بنفسى ، وأراها تطبيقا إنسانيا للشريعة الاسلامية القرآنية فى رعاية الفقراء والمساكين وابناء السبيل والاحسان اليهم .
ثالثا : حقوق أبناء السبيل :
الصدقة :
1 ـ هناك الصدقة الفردية التى يعطيها الفرد للمستحقين ومنهم إبن السبيل . يقول رب العزة جل وعلا : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) الاسراء )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم )
2 ـ وهناك الصدقة الرسمية فى الدولة الاسلامية ، والتى كان يطبقها خاتم النبيين فى المدينة ، وهذا فى الغنائم ، يقول رب العزة جل وعلا : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الانفال )، وفى الصدقات التى تجمعها الدولة ، يقول رب العزة جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ) ، وفى الفىء الذى يفىء أى يرجع الى بيت المال ، يقول رب العزة جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ).
3 ـ الدولة عليها أن تنشىء مستشفيات وملاجىء للأطفال ، وبيوت ضيافة لابناء السبيل ، ومساكن شعبية للمشردين ومطاعم شعبية للفقراء ، ونظام دعم غذائى للفقراء والمستحقين . الفرد يتعامل مع أفراد من الوالدين والأقارب واليتامى والفقراء والمساكين وأبناء السبيل ، أما الدولة فهى تتعامل مع ( شرائح ) إجتماعية من الفقراء ( الفقر يعنى الاحتياج الى الطعام والدواء والتعليم وسائر الحقوق ) وابناء السبيل . . السائح قد يكون غنيا غير مستحق للصدقة ، ولكن من حقه الترحيب والإكرام ، أى الاحسان .
الاحسان
بالاضافة للصدقة فهناك الاحسان لهؤلاء وأيضا للجيران ، يقول رب العزة جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء ). الاحسان يعنى المعاملة الطيبة التى تشمل الاحترام والغفران .
أخيرا :
من ذا الذى يطبق شريعة الاسلام ؟ الغرب أم العرب ؟