العرب والقبيلة المقدسة


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 5218 - 2016 / 7 / 9 - 04:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من الكلمات الشائعة جدًّا في الخطاب السياسي والإعلامي والشعبي والغامضة في مدلولاتها بل والمضللة في استعمالاتها كلمة "العرب". فالكل يتكلم عن العرب، والكل يفتخر بانتمائه للعرب، والكل لا يعرف معنى كلمة عرب، والكل عربي - عند العرب - طالما يفعل ما يسُرُّهم ويُفرِحهم، ومصري ومغربي وعراقي ...الخ، ولا ينتمي إليهم عندما يفعل مالا يسرهم ولا يفرحهم.
العرب والمستعربون لا يخجلون كعادتهم دائمًا وأبدًا من الكذب والخداع منذ مايقرب من 1500عام، ومنهم {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} الانتهازيين المنتفعين، فيقولون لنا أن العربي هو كل من ينطق بالعربية. الألماني يخجل أن يقول بأن النمساوي أو السويسري ألماني لمجرد أن لغته ألمانية، والبريطاني يخجل من القول بأن الأمريكي أو الأسترالي أو الجنوب أفريقي بريطاني لأنه ينطق بالإنجليزية والأسباني يخجل أيضا من القول بأن أميركا اللاتينية أسبانية وبالمثل البرتغال عن البرازيل ..... وهكذا!!
العربان وحدهم هم الذين يسعدون ويطربون وتثرى جيوبهم وترتاح جوانبهم إذا ما استحب الآخرون العيش في سلتهم المتهالكة، وحظيرتهم المتعفنة. الوحيدون الذين يستفيدون من إنسداد الحواس وجمود العقل وانعدام الإرادة.
مثقفوا قبيلة العربان يؤكدون باستمرار على عروبة المنطقة برمتها عندما تدلف أموال النفط إلى عقولهم، وتكون العروبة سوقًا كبيرًا لمنتجاتهم. ومادامت منتجاتهم تمتدح القبيلة وتعمق ثقافتها. فيطبع الكتاب في لبنان ويباع علنًا أو سرًّا في المغرب وتونس وغيرهما.
لا مانع لدي البعض منهم أن يأكد على "العالم الإسلاموي أو الأمة الإسلاموية" كي يسوِّق برامج الدجل التليفزيونية التي ينتجها وتحقق له أموالا طائلة على حساب السذج والجهلة الأشقياء المقهورين !!!
الفوارق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بين دول المنطقة الموبوءة بثقافة القطيع تذوب أمام المصالح، وعلى حساب الملايين من المخدوعين والمغيبين.
قالوا له أنت عربي لا أكثر ولا أقل، فصدَّق، وقالوا له أنت مسلم فصدَّق، وقالوا له إن سبب مشاكلك هي أنك إما غير مسلم أو أن إسلامَك ناقصٌ، فصدَّق أيضًا. ولا بد أن يصدِّق، إنه الخضوع بلا تردد لثقافة القبيلة ، ونهج القطيع.
لا يمكن أن يقتنع المرء السوي عقليا بأن يكون المغربي عربيًّا واللبناني عربيًّا والسوري عربيًّا وحتى اليمني عربيًّا .... وهكذا دوليك، لمجرد أنهم ينطقون بلغة لا يفهمونها، كما لا يفهمون بعضهم البعض بها!!!
يا سادة يا محترمين: كلمة العرب سريانية الأصل وظهرت لأول مرة لتعني " سكان الكمائن الصحراوية " في المخطوطات الأثـرية الأشـورية (السـريانية) التي تؤرخ لعصر الملك شلمنصر الثالث ( في الفترة من 858-823 ق.م )، وكانت تنطق بأشكال مختلفة، لتصف أولئك الجياع الذين يخرجون من صحرائهم من وقت إلى آخر للانقضاض على المدن والقرى المجاورة لهم في منطقة الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين) فيسلبونها وينهبونها ويقتلون من يعترض طريقهم ثم يعودون ثانية إلى صحرائهم للاحتماء بها. ولم تكن تعني أنذاك قاطني صحراء شبه الجزيرة.

وفي وصف لمعـركة وادي قـرقـر شمال مدينة حمص السورية عام 853 ق.م جاء في آخر قائمة بأسماء أعداء الملك (شلمنصر الثالث) ذِكْرٌ لكلمة " العـرب وجمالهم الألف "، قاصدا بذلك البـدو الذين كانوا يقيمون في بادية الشام تحت حكم أمير يلقب نفسه بلقب "ملك" يقال له "جنديبو" أو "جندب" وكانت علاقاته سيئة بالأشوريين، ثم ذكـرت مـرة أخـرى في عصـر الملك بيجلاث الثالث (745 ـ 627 ق.م) بصفتهم أعدائة مرة وحلفائه مـرة أخـرى، في إشارة واضحة إلى المـرتزقة من البدو العبرانيين الذين كانوا يبيعون أنفسهم للجيوش المتحاربة في المنطقة. ثم جـاء في الكتابات البابلية تعـبير « ماتو أرابي » بمعنى « بلاد الأعـراب »، حيث أطلق على صحراء النفود الواقعة جنوب منطقة الهلال الخصيب في مملكة آل سعود، كذلك ذكرت عدة مرات بنفس المعنى في بعض الوثائق الفارسية القديمة المكتوبة باللغة الأخمينية، حيث استعملت كلمة « عربية » بمعنى « كمين » لوصف كافة المناطق الصحراوية التي تغلب فيها حياة البداوة سواء كانت في مصر وسيناء أو جنوب الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربان، وهي مناطق يضربها الجفاف والقحط وتسفعها أشعة الشمس الشديدة ومن غير المشوق أو الممتع العيش فيها [arid]، وتفـرض على سكانها حياة البداوة، ومن هنا عُـرِف « العـربي أو البدوي » بأنه الشخص الذي يخرج من مكمنه في الصحراء للانقضاض على الآخرين والفتك بهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم. ولم تكن هذه الكلمة تشير من قـريب أو بعـيد إلى أي أصل أو جنس عـرقي لهؤلاء الناس، إذ أنها لا تعدو كونها مجرد صفة لمجموعة من الناس يعيشـون تحت ظـروف بيئـية واجتماعية متشابهة.

تلك الظروف البيئية والاجتماعية المتشابهة فرضت على البدوي بجانب سعيه وراء الماء والعشب والكلأ وعدم ارتباطه بالمكان أو الزمان، وعدم القدرة على التعايش مع من لا يمت له بصلة، أن يكون أيضـا انعـزاليا وحذرا بطبيعته، ويخشى من الغزو والسبي ويخاف على دوابه ونسائه من مـزاحمة أو سيطـرة الآخـرين. ومازال العـربان المتسعودون يحافظون على هذه الخصال حتى الآن، بمن فيهم أولئك الذين هجـروا حياة البداوة ويقيمون في منازل المـدن المتلاصقة.

وكان أولئك البدو العربان بوجه خاص وقبل الجذوة الإسلاموية نيامًا، لا يهتم بهم أحد، فليس لهم وطن يجمعهم ولا هوية تميزهم، فكانوا ينتسبون إلى قبائلهم، وعندما أفاقوا من ثباتهم ورأوا أن يكون لهم إسم وهوية خاصة بهم ، وسمعوا الآخرين ينعتونهم كما ينعتون غيرهم في الصحراء بكلمة "العرب" أخذوا منهم هذا الصفة وأطلقوها على أنفسهم. وجاء قرآنهم ليؤكد لهم هذه الهوية المنقولة.
وعندما غزوا البلدان الحضارية المجاورة لهم واحتلوها أسوأ احتلال عرفته الإنسانية عمدوا إلى محو هويتها الوطنية بما فيها اللغة والدين وجزء كبير من العادات والتقاليد، لتصبح عبيدا لهم.

من السخريات أن البكباشي الدكتاتور عبد الناصر لم يزر دولة "عربية" قط قبل استيلائه عنوة على السلطة في مصر وتأسيس دولة الجنرالات الحالية، ولـم يـكـن يـعــرف إلا الـقـلـيـل عـن الـعـرب . ولـم يـكـن يـشـعـر بـأنـه عـربـي، وظـل الـسـعـوديـون أقـذارا فـى نـظــره حتى توفى في عام 1970، ولكنه ومع ذلك استعمل شعارات "القومية العربية والعروبة ...." الوهمية، واعـتـقـد أن بإمكانه بسط نفوذه على المنطقة برمتها مـن بـوابـة هذه الشعارات،"(أنظر كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلا : تعريب: مروان خير، ط 1 ص90، توزيع مكتبة الزيتون بيروت 1970). ولذلك أنشأ محطة "صوت العرب" الإذاعية وأطلق منها أبواقه (أحمد سعيد مثالا) ... فصرخت تقول: "البترول دخل المعركة يا عرب!!" ولكن البترول لم يدخل إلا في معركة السادات عام 73 على يد فيصل بن سعود لا لهدف إلا لزيادة سعر البرميل من 3 دولارات إلى 59 دولار خلال عدة أسابيع، دخل البترول أنذاك لتجني دوله ثمار المعركة، وخرج السادات خالي الوفاض، باستثناء أنه جنَّب مصر مزيدا من الحروب الناصرية العبثية.

ولأن التراث الإسلاموي المفبرك يقول بأن العناية بالعرب (طبعا، عرب شبه الجزيرة ، مملكة أل سعود حاليا) حقّ على كلّ مسلم لارتباط تاريخهم بتاريخ الإسلام، فقد إحتكروا هذا التعبير، الغامض والمضلل، وفي غياب الوعي الشامل لدي التعساء والمخدوعين، راحوا ينعمون من خلاله بأموال السياحة الإسلاموية (الحج). وإذا حدث وتوصل أحد التعساء إلى شيء مشرِّف فهو عربي حقيقي في دعايتهم، أما إذا ارتكب شيئًا سيِّئًا فهو مصري أو يمني أو مغربي .... إلخ، ولا يمت لهم بصلة، لا ينتمي لقبيلة العربان المقدسة.