من هو سلام عادل؟ (6) والأخيرة


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 5208 - 2016 / 6 / 29 - 00:11
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

لقاء مع علي صالح السعدي
كنت مندوباً للحزب الشيوعي العراقي بمجلة "قضايا السلم والإشتراكية" المجلة النظرية للأحزاب الشيوعية خلال الأعوام 1970 - 1974 في العاصمة التشيكوسلوفاكية ـ براغ. إتصل بي أحد موظفي السفارة العراقية، وأخبرني بأنه يريد اللقاء بي، وإلتقيته فعلاً في وقت لاحق. نقل لي طلباً من علي صالح السعدي حول رغبته في اللقاء معي، فوافقت، وعصر أحد الأيام إلتقيت السعدي في وسط العاصمة براغ بالقرب من شاطىء نهر "فلتافا" مقابل المسرح الوطني.

بدأ حديث عام بيننا، أخبرني السعدي في بدايته بأنه مريض بالقلب، وهو يعالج حالياً في أحد المصحات التشيكية المتخصصة. ووفق تقديرات الأطباء التشيك أنه سوف لن يعيش طويلاً، وعليه أن يعلم بأن الفترة المتبقية من حياته قصيرة للغاية.

ثم إنتقل الى الموضوع الذي يقف خلف دعوته للقاء بيننا.
قال: أحتفظ بسر أريد إفشاءه لك.
وأضاف: نحن نعرف بأنك صندوق أسرار، وعليه لديّ الكثير من ألأسرار، أريد أن أدع أحد تلك الأسرار عندك.
وتوقف قليلاً، ثم قال: أتمنى أن تحافظ على ذلك السر حتى النهاية، وأن لا تبوح به لأحد حتى قيادة حزبك إلا بعد موتي.

ثمّ بدأ يسرد عليّ تفاصيل ذلك السرّ، قائلاً: أنا كنت أتردد على قصر النهاية في بداية الإنقلاب. وقد شكلنا لجنة من المسؤولين في حزب البعث، وكانت مهمة تلك اللجنة تعذيب ونزع إعترافات القادة الشيوعيين، وكانت مهمتي إدارة شؤون تلك اللجنة، أي رئيسها. وقد أشرفت على إعتقال وتعذيب سلام عادل.

وأضاف السعدي: حاولت مناقشته أثناء ذلك. وكانت مناقشاتي معه ـ يقول السعدي ـ تدور حول سياسة الحزب الشيوعي ومواقفه من قضية رفع السلاح بوجه الإنقلاب. ولكن سلام عادل كان يصر على أن الإنقلاب رجعي وصناعة إستعمارية موجه أساساً ضدّ المدّ الشيوعي في العراق، خاصة بعد أن شعرت الدول الإستعمارية بذلك المد، وحرّكت الأطراف المعادية مجتمعة، وبدفع من شركات النفط التي رأت بأن مصالحها مهددة.

قال السعدي: كان سلام عادل يقول لي إذا تصرّون على الحوار فليس لدينا ثمة ما يمنع من حواركم، ولكن قبل ذلك يجب عليكم أن تقطعوا علاقتكم وصلتكم بالقوى الإستعمارية، وتطلقوا سراح المعتقلين كافة، بعد ذلك يمكن النظر في الحوار معكم.

أما بخصوص حمل السلاح، فقد أجاز سلام عادل المقاومة المسلحة، وكان يصر على الإبقاء عليها ما دام هناك إنقلاب إستعماري. ولم يتنازل عن موقفه على الرغم من شدّة التعذيب.

قال لي علي صالح السعدي أيضاً: إن المجموعة التي كانت تعذّب سلام عادل لم تتهاون ولو للحظة واحدة عن مواصلة تعذيبه.
وأضاف السعدي: طلبت من رئيس المجموعة أن يوقف التعذيب، ويبقي سلام عادل حياً الى أن أعود من سفري الى القاهرة لمقابلة جمال عبدالناصر.

عندما زرت القاهرة (والحديث مازال للسعدي) إمتدت المقابلة مع الرئيس جمال عبدالناصر طويلاً، وتكررت اللقاءات بيننا خلال الزيارة ثلاثة أيام متتالية. وأدى ذلك الى تأخير موعد العودة الى بغداد.

وفي صدد المحادثات مع الرئيس جمال عبدالناصر في القاهرة، لخص السعدي ما توصل إليه عبد الناصر، وعكسه خلال المحادثات بصراحة، مما ساعد في ذلك أن الزيارة نفسها جاءت تحت ضغط الغضب الدولي على ما قام به الإنقلابيون في بغداد.

قال عبد الناصر حسب ما رواه السعدي: صحيح، لقد تأكد لي أن البعثيين ليسوا حزباً للوحدة، همهم الوحيد أخذ السلطة فقط.

وجاء في حديث السعدي: عندما عُدّت من القاهرة توجهت الى قصر النهاية في الحال، وعلمت أن المجموعة واصلت عمليات التعذيب ضد سلام عادل، وأبلغوني أنه أخذ يهذي من شدة التعذيب الذي تعرض له. وتوجهت لرؤيته، وحينما وصلت إليه، وجدته في وضع يرثى له، وجدت رجلاً مهشماً بالمعنى الحرفي للكلمة من شدة التعذيب الذي طال جسده بالكامل، ولم يعد يدرك ما يدور حوله كلياً. فأخرجت مسدّسي وأطلقت عليه "رصاصة الرحمة" وفارق الحياة في الحال.

رجاني السعدي بأن أحتفظ بذلك السر الى حين موته، وبعد ذلك يمكن نشره على الملأ. حصل أول نشر لتلك المعلومة أثناء زيارتي الى لندن بمهمة حزبية، حين دعاني للعشاء خلالها الرفيق عامر عبدالله الذي كان لاجئاً هناك، ودعا الى ذلك العشاء عدداً من السياسيين العراقيين في صفوف المعارضة، ومن بينهم هاني الفكيكي، الذي كان من بين أعضاء لجنة التعذيب في قصر النهاية، والسفير العراقي السابق في براغ عبد الستّار الدوري. وجري نقاش حاد بين عامر وهاني حول ثورة 14 تموز 1958.
سألني عند الستار الدوري: لماذا أنت ساكت؟
قلت: القيادات السياسية في ذلك الوقت لم تكن في مستوي مجابهة المهمات التي طرحتها ثورة 14 تموز.
قال: صحيح.

وفي تلك الفترة كان علي صالح السعدي قد مات منذ مدة طويلة، فكشفت السرّ الذي رواه السعدي أثناء العشاء المذكور. تفاجأ عبد الستار الدوري.
وسألني: هلّ حقّاً أن علي صالح السعدي هو نفسه الذي قال لك ذلك؟
قلت له: طبعاً.
ويبدو أن عبد الستار الدوري كان يعرف ذلك الموضوع من علي صالح السعدي نفسه، وأكد صحت المعلومة حول إستشهاد سلام عادل السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
طبعاً لم يعلق هاني الفكيكي بشيء، لأنه كان أحد المشاركين في عملية تعذيب سلام عادل وتصفيته.
وهكذا كتب إنقلابيو 8 شباط الدموي 1963 نهاية حياة بطل وشهيد ومخلص من أبرز مناضلي الشعب العراقي والطبقة العاملة وكل الكادحين والفقراء.

إنتهى