المكان العربي الرأسمالي مهندس عقل العامل والفلاح


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5204 - 2016 / 6 / 25 - 09:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

المكان العربي الرأسمالي
مهندس عقل العامل والفلاح

" المكان " مساحة أو فضاء به يكون الشغل والإنتاج علما بأننا لا نحصر تحديده في المعنى الفزيائي فقط بقدر ما أنه أكثر من ذلك: فالقانون مكان،والعقل مكان،والشعور مكان،والقيم مكان،والبصر مكان،والمصنع مكان،والعامل مكان،والأرض الفلاحية مكان،والفلاح مكان،...الخ.لذا، تركز أشكال الدولة السلبية العربية على تشكيله وتنظيمه ومراقبته وتدبيره إذ بدون ذلك يحصل تدميرها. إنه أساس ومرجعية بناء وضامن استمرار تلك الأنظمة. ولنشخص ذلك على سبيل المثال بالمصنع والأرض الفلاحية.
يعتبر المصنع المكان/العمل الذي فيه وبه يتم تبادل قيم الزمن والأجر؛ لذا، فالمصنع بنية تضم الرأسمال،والعامل،والأجر والحاجيات الأسرية،والعلاقات القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية.إنه مجتمع مصغر حيث أنه كلما كانت المكونات تلك سليمة كلما حصل الارتقاء إلى الأعلى. إلا أن ذلك ليس حال العمال العرب – وكذا الشعوب العربية – حيث افتقار المصنع ك"مكان" لمميزات ما يجب أن تكون عليه مكوناته. فهو على المستوى الفزيائي غير صحي،وعلى المستوى التنظيمي قمعي،وعلى المستوى السياسي سلطوي،وعلى المستوى الاجتماعي استغلالي،وعلى المستوى الثقافي تجهيلي.إنه المصنع العربي الذي غابت فيه مميزاته السليمة المتمثلة في افتراض كونه مرجعية التأسيس للعدالة الاجتماعية والمساواة؛ فيكون العامل العربي بذلك سيد نفسه وبالتالي المصنع كعلاقات سليمة وإيجابية غير مفروضة أو قل عادلة. فالفهم السليم "للعامل" العربي هو الفهم المبني على تحرير المصنع بالشكل الشمولي. وفي هذه الحالة نقول أن"العامل" العربي يتمتع أو يمتلك حقوقه ك"وجود". أو بصيغة أكثر دقة نقول أنه تمكن من امتلاك الوعي بحقيقة وجوده الذي هو التحرر من الاستغلال واسترجاع الكرامة. إلا أن ذلك يتطلب، كما سبق القول، ممارسة الصراع ليبقى المصنع وبالتالي"العامل" في راهنيته ملكية شخصية لأشكال الدولة السلبية العربية ومن ورائها الأب الرأسمالي.
أما "المكان" الثاني فيتمثل في الأرض الفلاحية ومن داخلها الفلاح العربي.فلا أحد يمكنه أن ينكر أهمية هذا المكان كإنتاج مادي واجتماعي سياسي وثقافي.فالأرض الفلاحية هي كل هذه البنية. لذا، فهذا المكان يجب أن يكون،وبالفعل،أرضا فلاحية حقيقية؛ ففيه تتشكل عقلية ووعي الفلاح العربي من حيث تفاعله مع باقي المكونات من قبيل التعامل مع التربة وأشكال الماشية وفصول الاشتغال وبناء وتربية الأسرة وربط العلاقات والقدرة على تخمين المردودية والاستثمار؛ وبطبيعة الحال، كل هذه العمليات يجب أن تخضع للنظام السياسي الذي يجب أن لا يكون غريبا عنه، بقدر ما يجب أن يكون هو مصدره. وفي هذه الحالة، نكون أمام العدالة على مختلف المستويات؛ وبلغة أخرى، فالأرض الفلاحية ك"مكان"، ستكون الأرض الخصبة في أشكالها الإيجابية وهو، في نفس الوقت ما يعني أننا أصبحنا أمام الفلاح العربي ذو الوعي والتشكل والتجربة البناءة والمنفتحة على غيرها من الفاعلين والمنتجين؛ إنه الفلاح الذي سيتخلص قدر الإمكان،وفق قواعد التراكم، من الفكر الخرافي والماورائي والانتظاري الذي طالما،وما زال، يعرقل وعيه وأنشطته وتصوره للوجود. وهذا سينتج عنه بناء الفلاح العربي ذلك، أسرة أكثر يقظة وأكثر تحررا: فالأطفال يصبح لهم حق التعليم، والمرأة حق المساواة والتخلص من الأمية،والحق في الصحة والنقل ومختلف الخدمات، بل والحق في التمتع بالحريات العامة. تحرير الفلاح باستحضار تحرير "المكان" الذي هو الأرض الفلاحية معناه إغناء باقي الأمكنة التي هي ، وبالكاد، العالم العربي.لكن سيطرة أشكال الدولة السلبية العربية والأب الرأسمالي مارسوا ويمارسون السيطرة على هذا "المكان" للتحكم في مكوناته الإنتاجية المادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.إنها السيطرة على مجتمع مصغر يعتبر استلاب وعيه هذا من ضرورات استمرارية تلك الأنظمة. وبلغة أخرى نقول أن السيطرة على الأرض الفلاحية يعني، وفي نفس الآن، السيطرة على باقي مكونات المكان ذاك من فلاح وأسرة وأبناء وتوجيه ومطالب وعدالة...الخ. هكذا،فنحن أمام "مكان" مكوناته التي منها الفلاح تم الحرص على الاستمرار في العمل على تجميدها والزيادة من تهميشها.
هذين المكانين: المصنع والأرض الفلاحية وبالتالي "العامل" و"الفلاح" العربي يعتبران، بتجميدهما، من أهم مرتكزات أشكال الدولة السلبية العربية إذ هي الأمكنة الأساس نظرا لأهمية شموليتها من جهة، ووزنها في الإنتاج من جهة ثانية، وإنتاجها قوى الإنتاج بعدها من جهة ثالثة، ونفورها من كل ما هو سياسي من جهة رابعة. إنها المميزات التي مكنت أشكال الدولة السلبية العربية والأب الرأسمالي من ترويض هذه القوى وإخماد حدة صراعها أو إفراغها من محتواها كما هو حال الاحتجاجات والحراكات.
لقد فضلنا إعطاء هذين المثالين لنبرز مدى أهمية مكاني المصنع والأرض الفلاحية في خلخلة الاستبداد العربي؛ وفي نفس الوقت نبرز ضرورة إعادة النظر في مفهومي "العامل" و"الفلاح" العربي والعمل على مساعدتهما لتخليصهما من أشكال الوصاية الممارسة عليهما. فالصيرورة تقتضي إعادة تأهيل "المكان" العربي بتدمير الراهن منه الذي لن يحصل إلا إذا تبنى اليسار العربي أولوية "الثورة الثقافية ".