فصل المقال فيما بين الغنوشي وبنكيران من انفصال.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 5200 - 2016 / 6 / 21 - 08:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تثير المقارنة بين راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس وبين عبد الإله بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي أكثر من سؤال حول الكاريزما والمواقف والرؤى والقناعات الفكرية والسياسية للزعيمين ، ومدى اتصالهما/تشابههما أو انفصالهما/تباعدهما . والمقارنة بينهما ، بقدر ما هي بسيطة بقدر ما هي صعبة. وتكمن الصعوبة في كون السيد بنكيران كائن شفهي ليست له مساهمات مكتوبة تعكس عمقه الفكري ومنهجه التحليلي بخلاف راشد الغنوشي الذي له آثار مكتوبة وحوارات مطولة تجسد بُعده الفكري وأفقه السياسي . ورغم الصعوبة التي تطرحها عملية التتبع للآثار الشفهية للسيد بنكيران التي لا يحكمها منطق تحليلي خاضع لقواعد التفكير الممنهج ، فهناك ما يكفي من التصريحات والمواقف التي عبر عنها في أكثر من مناسبة ، والتي تعكس سطحية التفكير وشعبوية الخطاب ،الغاية منهما تهييج العواطف واستدرار التعاطف باستعمال مفاهيم وتعابير مستقاة من القاموس "السوقي" المنحط ،من قبيل رده على انتقاد برلمانية حزب الأصالة والمعاصرة (ديالي كبير عليك) . هو تعبير سافل وزادت سفالته لما صدر عن رئيس حكومة ومن داخل مؤسسة البرلمان.
الحزب أم الوطن؟
عاشت تونس كما المغرب ، لحظات دقيقة ارتبطت بالمناخ السياسي العام الذي أطر صياغة الدستور .وكانت لحزب العدالة والتنمية وحركة النهضة مواقف متباينة من عدد من القضايا أبرزها : التنصيص على سمو التشريع الإسلامي على غيره من التشريعات ، إسلامية الدولة ، حرية المعتقد ). خلال تلك الفترة ، صدرت عن الرجلين مواقف متباينة ، بحيث ظل السيد بنكيران يهدد بالالتحاق بحركة 20 فبراير ، أي الدفع بالبلاد إلى الهاوية في حالة إسقاط إسلامية الدولة وسمو التشريع الإسلامي . فما كان يهم السيد بنكيران ، ومن ورائه الحزب والحركة الدعوية ، ليس الوطن وأمنه واستقراره ، بل الحزب ومشروع أسلمة الدولة . إن لعبة التهديد بالنزول إلى الشارع أكسبت حزب بنكيران امتيازات كثيرة وبوأته صدارة الانتخابات . لهذا صار مدمنا عليها؛ فكما هدد بتفجير الأوضاع الأمنية إذا لم يفز بانتخابات 2011 ، ها هو يهدد وبحدة أكبر إذا خسر انتخابات 2016 كما هو واضح من تهديده( هل تعرفون كيف سيصبح الشعب المغربي إذا سمع نتائج غير التي ينتظر والآمال التي يعلق عليها قلبه؟.. أي مناورة تلغي النتائج الحقيقية، ستكون لها كلفة سياسية باهظة الثمن على المغرب). إن بنكيران جعل الحزب أوْلى من الوطن ، وجعل الوطن في خدمة الحزب ، وجعلهما معا في خدمة الدعوة مهما كانت التكلفة ثقيلة على الشعب والوطن. موقف لا يتمثل قيم المواطنة ولا يعكس الحرص على استقرار الوطن ، بخلاف ما نجده عند راشد الغنوشي الذي ساهم في الارتقاء بالوعي الوطني لدى حركة النهضة وحرصه على استقرار تونس رغم أن الظروف السياسية كانت تسمح له بابتزاز بقية الأطراف السياسية . هكذا وصف الغنوشي تلك اللحظات التي شهدت التوافق حول الدستور حيث حيى أعضاء كتله (في المجلس التأسيسي الذين ذللوا لتونس بقراراتهم الصائبة والصعبة طريق السلم الأهلي والتوافق، حين اختاروا المحافظة على الفصل الأول من دستور 1959 ، واسقطوا قانون العزل السياسي، ووافقوا على خارطة الطريق، ودعموا الحوار الوطني، وبرهنوا بذلك على أن النهضة حزب وطني يغلب مصلحة تونس على مصلحته). طبعا حركة النهضة حاولت أن تمرر بعض مقتضيات الأسلمة في الدستور وبرامج الحكومة ، فكان تواطؤ الغنوشي مع "أنصار الشريعة" ، لكن يقظة الشعب التونسي وقواه الحية وما وقع في مصر بقيادة السيسي ، جعل الغنوشي يراجع مخططه ويقبل بحل الحكومة التي كانت ترأسها حركته حفاظا على أمن تونس واستقرارها عكس ما يهدد به بنكيران .لم يتشبث الغنوشي برئاسة الحكومة ولا بنتائج الانتخابات كما يفعل بنكيران وفعل قبله مرسي لما جعل "الشرعية الديمقراطية" فوق الشرعية الشعبية وفوق مصلحة الوطن .ميزة الغنوشي أنه يقرأ الواقع ويتفاعل مع حركيته كما نلمس في كلمته أمام المؤتمر العاشر للحركة ( وعندما كنا نناقش التنازل عن حكومتنا المنتخبة، كررنا مرارا، أننا يمكن أن نخسر الحكم، لكن ستربح تونس، وأن تونس أعز علينا من أنفسنا ومن حزبنا محطات تاريخية خرج منها النموذج التونسي منتصرا). أيا كانت الخلفية العقدية والإيديولوجية لحركة النهضة ، فإنها تتفاعل مع الأحداث والنوازل بواقعية واضحة وبراجماتية صرفة ، ما جعلها تصطف إلى جانب القوى الحية التونسية في محاربة الإرهاب وكذا دعم الرئيس قايد السبسي وبرنامجه السياسي( أجدد دعم النهضة الكامل لسيادته، في سياسته التوافقية فاني أقول اليوم لمن يراهن على غنيمة سياسية من إظهار العداوة للنهضة : لا تقسموا بلادنا ،أيدينا ممدودة للجميع)(من كلمة الغنوشي أمام المؤتمر العاشر .