تحريك المياه الأسنة في الإسلام


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5198 - 2016 / 6 / 19 - 19:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أسن الماء: فَسَد ، تغيَّر طعمًا ورائحةً ولونًا فلا يُشرب. والقرآن يعد الصالحين بجنة "فيها انهار من ماء غير اسن" (سورة محمد 15)

المياه الراكدة سريعًا ما تتحول إلى بؤرة للجرائيم وانتشار الأوبئة والروائح المنتنة. فلا بد من تحريكها. واتذكر زيارة لي لمدينة جدة في الجزيرة العربية عام 1999. وقد تفاجأت بالروائح الفاسدة التي تخيم عليها عندما تهب الرياح من اتجاه البحر. وظننت حينها أن مجاري الصرف الصحي كانت معطلة. وقد اخبروني بأن سبب هذه الراوئح وجود جرف بحري تتجمع فيه مياه البحر ولا تتجدد فتصبح منتنة.

وكلنا نعرف انه يجب فتح الشبابيك من وقت لآخر لللسماح بتهوية البيت وتجديد الهواء والتخلص من الروائح المنتنة.

وفي حدائق الحيوانات وفي التجمعات البشرية التي يتم فيها التزاوج من داخل نفس المجموعة، يلاحظ وجود عاهات جسدية وعقلية تهدد بقاء هذا التجمع. ولذلك يحبذ عدم التزاوج بين الأقرباء -- فيقال تجديد الدم. واعرف احدى القرى السويسرية الكاثوليكية التي كانت محاطة بقرى بروتستنتية. وبما إن الطوائف كانت تتزوج من اعضاء نفس الطائفة، تلاحظ تشويه جسدي عند افراد تلك القرية. وبين السامريين في فلسطين ربما نجد اعلى نسبة للتشوية الجسدي والعقلي في العالم بسبب التزاوج بين افراد الطائفة التي لا يزيد عدد اعضائها عن الف شخص. واليوم، يفوق الذكور الاناث، بنحو 3 لكل امرأة. مما فتح الباب أمام استيراد زوجات من اوروبا الشرقية. ولكن قوانين هذه الطائفة الصارمة لا تساعد على تأقلم هذه الزوجات المستوردة. مما يعني فناء تلك الطائفة.

وعدم التزاوج بين الشيعة والسنة والطوائف المختلفة في الشرق الأوسط أدى إلى تأزم الأوضاع السياسية ونشوء الطائفية البغيطة التي تجعل الشخص يرى في كل من لا ينتمي لطائفته عدوا يجب تصفيته. وبطبيعة الحال تخاف الطوائف الذوبان والإنقراض من خلال التزاوج مع افراد طوائف اخرى، خاصة عندما تفرض الطائفة ديانتها على الأبناء أو حتى على الزوجة. فيمنع زواج المسلمة من غير المسلم إلا إذا تحول للإسلام بينما يسمح للمسلم من الزواج بغير مسلمة ويفرض الدين الإسلامي على الأطفال. مما يؤدي إلى جرائم وتعدي على حقوق الأقليات وخطف بنات، ناهيك عن انتهاك للحرية الشخصية. وقد تم حل هذه المشكلة في المجتمعات الغربية بين الكاثوليك والبروتستنت بتكريس مبدأ الحرية الدينية، إذ تقر الدساتير لكل شخص بحرية الإنتمناء للدين الذي يريده وأن يغير دينه بكل حرية. كما يعطي للزوجين الحق في اختيار الدين الذي يريدونه لأطفالهم دون تدخل الطائفة. وحذفت مانع الدين في الزواج، وفرضت الزواج المدني.

وما يقال عن البشر والحيوانات ووالمياه التي لا تتجدد، يمكن قوله عن النظم الفكرية والدينية. فكل نظام أو دين مغلق على نفسه يؤدي إلى نشوء عيوب تؤدي إلى عفن وعنف يأكل الأخضر واليابس. وهذا العيب نجده بصورة واضحة في الإسلام حيث يمنع اتباعه على الإطلاع على كتب الديانات الأخرى، مما يمنع التلاقح بين الأفكار.

فقد سئل الشيخ ابن عثيمين «ما حكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها؟» فأجاب:
"أولًا يجب أن نعلم أنه ليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد لله بقراءته وليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد الإنسان لله تعالى بما شرع فيه إلا كتابًا واحدًا وهو القرآن. ولا يحل لأحدٍ أن يطالع في كتب الإنجيل ولا في كتب التوراة. وقد روي عن النبي [...] رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة فغضب وقال أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب؟ والحديث وإن كان في صحته نظر لكن الصحيح أنه لا اهتداء إلا بالقرآن. ثم هذه الكتب التي بأيدي النصارى الآن أو بأيدي اليهود هل هي المنزلة من السماء؟ إنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا فلا يوثق بأن ما في أيديهم هي الكتب التي نزلها الله عز وجل. ثم إن جميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن فلا حاجة لها إطلاقًا. نعم لو فرض أن هناك طالب علم ذا غيرةٍ في دينه وبصيرةٍ في علمه طالع كتب اليهود والنصارى من أجل أن يرد عليهم منها فهذا لا بأس أن يطالعها لهذه المصلحة، وأما عامة الناس فلا. وأرى من الواجب على كل من رأى من هذه الكتب شيئًا أن يحرقه" (http://goo.gl/dBiRVf).

وقد جاء في فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز:
«أن العلماء العارفين بالشريعة المحمدية قد يحتاجون إلى الاطلاع على التوراة أو الإنجيل أو الزبور لقصد إسلامي، كالرد على أعداء الله، ولبيان فضل القرآن وما فيه من الحق والهدى، أما العامة وأشباه العامة فليس لهم شيء من هذا، بل متى وُجد عندهم شيء من التوراة أو الإنجيل أو الزبور، فالواجب دفنها في محل طيب أو إحراقها حتى لا يضل بها أحد». ويذكر ابن باز أن محمد رأى في يد عمر شيئًا من التوراة فغضب، وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ لقد جئتُكم بها بيضاء نقيةً، لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا إتباعي» (http://goo.gl/RgkUdI).

ركود الأفكار مثل ركود المياء يؤدي إلى انتشار روائح منتنة وأوبئة قتالة. وعدم وجود تهوية كافية للدين الإسلامي ادى إلى فاسد هذا الدين. ولذلك لا بد من تحريكه. ولكن للأسف يرفض رجال الدين الإسلامي ذلك خوفا على سلطتهم وامتيازاتهم. فعندما قام المفكر السوداني محمود محمد طه - طيب الله ثراه - بطرح فكرة الرجوع للقرآن المكي وترك القرآن المدني، قام الأزهر وغيره عليه إلى ان تم شنقه. وعندما انتقد فرج فودة الإسلام، تم قتله. وعندما حاول اسلام بحيري طرح افكار جديدة، تم سجنه.... ولا يسع هنا المجال لذكر جميع من قامت المؤسسة الدينية في مصر وغيرها بتصفيتهم وسجنهم وتكميمهم. ولكن لا بد من تجميع ملفات كل من حاول تحريك المياه الراكدة للتخلص من الروائح المنتنة داخل الإسلام.

وقد يكون افضل تحريك للمياه الأسنة في الإسلام هو نشر وتوزيع القرآن بالتسلسل التاريخي كما فعلت لأنه يفرض على المسلم مراجعة أفكاره الدينية. فالشجرة المريضة يجب معالجة جذورها. فلا يكفي تزيينها أو رش بعض المبيدات على أوراقها. فالقرآن هو أساس الإسلام وهو أساس مشاكلنا في العالم العربي والإسلامي وأساس مشاكل البشرية اليوم.

النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية للقرآن مجانا من هنا http://goo.gl/JpqIST أو ورقيا من موقع امازون http://goo.gl/GmV3Ty
كتبي المجانية http://goo.gl/cE1LSC
اشرطتي http://sami-aldeeb.com/video
حسابي لمن يريد التبرع https://www.paypal.me/aldeeb