هل حركة فتح علمانية ؟!


عبدالله أبو شرخ
الحوار المتمدن - العدد: 5198 - 2016 / 6 / 19 - 16:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هل حركة فتح علمانية ؟!

قد يعتقد غالبية الناس، خاصة ذوو الميول الإسلامية، أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي حركة نقيضة لحركة حماس الإخوانية، والواقع أن ما سأقوله في هذا المقال لا يعدو عن كونه رأي شخصي وتحليل عقلاني، وللأصدقاء الفتحاويين حرية انتقاد هذا المقال بالفكر والحجة.

لسنا بحاجة إلى العودة للجذور التاريخية لقيادة حركة فتح التي انحدرت من تنظيم الإخوان المسلمين، ولكني سأحاكم الميول الثقافية والفكرية لأغلبية من القاعدة العريضة لحركة فتح، والذين هم أصدقائي على مواقع التواصل وفي الواقع أيضاً.

إن علمانية أي توجه سياسي يقضي أساساً بالعمل على الفصل الكلي بين الدولة وسلطة الكهنوت الديني، وأن العلمانية لا تعني الكفر والإلحاد، بدليل أن جميع مسلمي أوروبا وأمريكا لهم حرية بناء المساجد وحرية العبادة وحرية مقاطعة الخمور وحرية عدم أكل الخنزير وحرية الصيام وحرية الحج. يجب أن يدرك عامة الناس أن العلمانية تعني تجريد الكهنوت الديني من سلطته المزعومة وقبضته القوية في توجيه سلوك العامة من خلال ما يسمى بالإفتاء.

والسؤال المهم والجوهري هو، هل عملت السلطة الفلسطينية " الفتحاوية " وفق الفكر العلماني الحر ؟! والإجابة الصادمة هي أن حركة فتح والسلطة لم تعملان قط على ترسيخ أي مبدأ علماني سوى اللهم حرية سماع الموسيقى والغناء، أي أنه من الإجحاف وضع حرية فتح في نفس السلة مع الفكر الإخواني الوهابي، ولكن كما سنرى، فإن كلا من فتح والإخوان ينتميان للإسلام السياسي السائد في البلاد العربية منذ ما بعد موت النبي ( ص ) !

وأول ما يجب التفكير به عميقاً، هو تخصيص وزارة للأوقاف في فلسطين للسيطرة على عقول الدهماء من خلال الخطاب الديني السلطوي، حيث لم تخرج فتح عن أي نظام عربي يحكم الناس بالفتاوي.

أما ثاني ظواهر التدين الشكلي المظهري الفتحاوي، فهي تلك المناهج والمقررات الدراسية التي فرضتها وزارة التربية والتعليم بعد نشوء السلطة واستقلالنا عن الإدارة المصرية ( غزة ) والإدارة الأردنية ( الضفة ). شيء يبعث على القلق والفزع بالفعل، فكتب مناهج اللغة العربية لا تزيد عن كونها إعادة إنتاج لكتب التربية الدينية، بمعنى أن الجرعة الدينية في المناهج المقررة هي أضعاف ما يفترض أن يكون من تمليك الأطفال للثقافة العامة، فهل أصبحت كتب الأدب العربي والفلسطيني خالية إلى هذا الحد من الشواهد والأمثلة التي ترسخ حب الحياة وأساليب التعايش السلمي مع الآخر المختلف ؟!
يوجد مثال بسيط ذكرته في أكثر من مقال، وهو منهاج القراءة للصف الخامس الابتدائي الذي يورد درساً فيه ذكر لسؤال وهو " لماذا رفضت السيدة أم حبيبة ( زوجة النبي – ص ) أن تجلس أباها على فراش رسول الله ؟! والإجابة كانت بالطباشير وفي الكتاب " لأنه كافر " !!! بالطبع نذكر هنا ذلك الداعشي الذي نحر والديه في الموصل قبل أيام لأنهما رفضا انضمام إخوته إلى التنظيم !!! هذه أفكار داعشية يجب تدقيق المنهاج منها، ذلك أن كتابة وتأليف المناهج هي أخطر سلطة ممكن أن تمارسها الدولة لتحقيق مستقبل الرفاه والسعادة لأبناء الوطن، أو بالمقابل، لزراعة بذور التكفير والكراهية والدعشنة على طريقة المناهج الفلسطينية !

أما ثالث الظواهر التي تصلح لانتقاد علمانية فتح، فهو ذلك الكم الهائل من الدروشة والتسبيح وترديد محفوظات القبور والموتى صباح مساء، بل ومشاركة المنشورات الدعوية الوهابية، على حساب التفكير العلمي والديمقراطي المسؤول الذي يصارح الناس بحقيقة التحدي المفروض على أجيالنا القادمة، خاصة في ظل العولمة والتنافس الشديد بين الأمم في إنتاج البرمجيات ونظم أمن المعلومات.

الخلاصة:

1- إن قيام السلطة في عهد الراحل عرفات بتسليم حماس والإخوان حرية تأليف مناهج الأطفال هو ما أدى في النهاية إلى سيطرة حماس شبه المطلقة على الشارع الفلسطيني باسم الدين، وكانت حركة فتح هي أول من دفع ثمن تلك المناهج !

2- تحتاج حركة فتح إلى قيادات علمانية حقيقية تؤمن بضرورة فصل الكهنوت عن إدارة الدولة.

3- على الفتحاويين – أكثر من غيرهم – يقع عبيء تقديم ثقافة علمية تنويرية للمجتمع، بصفة فتح هي الحركة الأكثر قبولاً بين الناس، فنحن نعيش ظلام القبور أثناء يقظتنا، ونحلم بالموت ولا نعيش الحياة. إن الثقافة الإسلامية المسيطرة على عقول الناس ليست هي الثقافة الوسطية المعتدلة بل ثقافة وهابية تكفيرية خطيرة حتى على النسيج الاجتماعي وتماسك الأسرة نفسها !

4- الرحمة للمفكر والمثقف الشهيد ماجد أبو شرار الذي قال يوماً ( إن مسألة تحرير الإنسان الفلسطيني من التخلف هي أكثر صعوبة وتعقيداً من مسألة تحرير الأرض ) !