ممكنات الديمقراطية في الدول العربية(الحلقة 5)


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5194 - 2016 / 6 / 15 - 07:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ممكنات الديمقراطية في الدول العربية
منذر خدام
(5)
(الديمقراطية في الوطن العربي لها تاريخ)
الديمقراطية في الوطن العربي ليست وليدة اليوم بل لها تاريخ يعود بها إلى نحو قرن من الزمن. ففي مصر صدر القانون الأساسي للدولة لأول مرة في عام 1883،وفي عام1913 صدر أول دستور فيها يقوم على أساس نظام المجلسين وقد حكمت حكومة الوفد بموجبه.وفي عام 1923 صدر دستور جديد وسَّع كثيرا من صلاحيات الجمعية التشريعية، لكنه لم يلبث أن عُدل في عام 1930[1].
وفي سورية صدر أول دستور في عهد الحكم الفيصلي في عام 1920 وكان يتضمن 148 مادة تحدد بناء الدولة الملكية وصلاحيات مستويات الحكم المختلفة فيها بالإضافة إلى حقوق المواطنين والجماعات وعلاقاتهم فيما بينهم،أو في علاقاتهم بالدولة ،على أساس مبدئي الحرية والمساواة في إطار القانون.وقد فصل الدستور بالحقوق والحريات الممنوحة للمواطنين بحيث شملت حرية المعتقد وحرية الاجتماع وإنشاء الجمعيات والمنظمات الاجتماعية والسياسية المختلفة.كما نص الدستور على حرية المعتقد وحرية الصحافة والحق بالتعليم وغيرها. لكن مع دخول الفرنسيين إلى سورية واحتلال دمشق في العام نفسه بعد معركة ميسلون في 25 تموز/يوليو 1920 ألغت السلطات الاستعمارية دستور عام 1920 ،لتعود فتسمح بصدور دستور جديد في عام 1926 صادقت عليه الجمعية التاسيسية المنتخبة. وفي عام 1928 حاولت الجمعية التاسيسية تطوير هذا الدستور فأصدرت دستورا بديلا عنه عارضته السلطات الاستعمارية ولم تعترف به.وفي عام 1943 أعيد إصدار دستور جديد أقره المجلس النيابي المنتخب وكان مؤلفا من115 مادة خلت جميعها من أي حقوق ،أو مزايا انتدابية ،وشكل في حينه تأسيساً دستوريا لمرحلة الاستقلال . ومنذ عام1949 وحتى عام 1958 بدلت سورية دستورها ثلاث مرات. ففي عهد حسني الزعيم تم إلغاء دستور عام 1943 ،وفي عهد الحناوي وضع دستور1950 ،الذي ألغاه بدوره الشيشكلي ،واستبدله بدستور جمهوري رئاسي عام 1953 ،وبسقوط الشيشكلي تم العودة إلى دستور عام 1950 ،الذي بقي معمولا به حتى قيام الوحدة مع مصر في عام 1958.
وكان لبنان أقرب الدول العربية إلى سورية وأكثرهم تأثرا بما كان يجري فيها لذلك شكل الدستور السوري في عام 1926 أساس الدستور اللبناني الذي صدر بعده.
وفي الأردن صدر أول قانون أساسي لدولة شرق الأردن في طور التشكيل عام 1928، وبعد قيام مملكة شرقي الأردن صدر دستور جديد لها في عام 1946[2].
وفي العراق وضع دستور في عام 1943 من قبل جمعية تأسيسية وظل معمولا به حتى عام 1958 حيث ألغاه عبد الكريم قاسم.
هذه إرهاصات مبكرة لكنها حقيقية للخيار الديمقراطي في الوطن العربي، سرعان ما تحولت بعد الحرب العالمية الثانية وخصوصا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين إلى ظاهرة عامة في جميع الدول العربية تقريبا.فلا يخلو بلد عربي في الوقت الراهن من وجود قانون أساسي للدولة (دستور) تحدد فيه هياكل الدولة والسلطة وصلاحياتها، وحقوق المواطنين.وبدأت بعض الدول العربية تأخذ بالنظام التمثيلي ،وتجري انتخابات دورية للهيئات التشريعية ، وتسمح بوجود الأحزاب السياسية والنقابات والتنظيمات الأهلية والمدنية الضرورية للحياة الديمقراطية.ونتيجة للتطور المتفاوت بين الدول العربية ،واختلاف الظروف الموضوعية والذاتية ،يلاحظ تقدم الخيار الديمقراطي في بعض الدول العربية أكثر من غيرها.ففي مصر ولبنان على سبيل المثال يتقدم الخيار الديمقراطي بصورة أكثر رسوخا.في مصر يتقدم الخيار الديمقراطي بسبب حجم السكان الكبير ، وإنجاز مصر لثورتها الصناعية وتحقيق الانصهار الاجتماعي على أسس مدنية.
أما لبنان ،فهو البلد العربي الوحيد، الذي استمرت فيه الحياة الديمقراطية دون انقطاع منذ استقلاله، بسبب تركيبته الطائفية والحكم القائم على التوازن بين الطوائف.
وللسودان، أيضا ،تاريخ في مجال الديمقراطية والارتداد عليها، فهي لم تغب خلال وجوده المستقل عن الصراعات الاجتماعية والسياسية الجارية فيه .
وفي الكويت ، للديمقراطية حضور في الوعي العام ، وفي الممارسة ، وتحوز القبول من مختلف قطاعات المجتمع.
وفي الأردن بدأت الديمقراطية تتقدم بخطى واثقة وكذلك الحال في المغرب العربي وفي الجزائر وفي تونس.وأخيرا أخذت الديمقراطية تشق طريقها في اليمن وموريتانيا وجيبوتي وفي البحرين. وحتى في سلطنة عمان والإمارات وقطر بدأت تتشكل فيها مجالس استشارية وأجرت جميعها نوع من انتخاب المجالس البلدية .وفي السعودية البلد العربي الأكثر محافظة في المجال السياسي أنشئ مجلس استشاري ، وثمة دعوات متزايدة إلى مزيد من الانفتاح.
وفي الأنظمة "القومية" التي يوجد فيها دساتير وهياكل تمثيلية شكلية كما في سورية والعراق وليبيا تطرح الآن وبقوة قضايا التجديد والتغيير.
اللافت في هذا الخصوص ما يجري في سورية في العهد الجديد من دعوات إلى الإصلاح والتطوير والتجديد وإحياء مؤسسات المجتمع المدني وإلغاء حالة الأحكام العرفية ، وهي دعوات تصدر عن السلطة الحاكمة كما تصدر عن القوى الاجتماعية والسياسية سواء أكانت في موقع الموالاة أم في موقع المعارضة.
لا شك بأن ثمة فارقاً كبيراً بين ما يعلن ويوثق من حقوق ديمقراطية في الدساتير والقوانين وما يطبق منها فعلا، مما يجعل من هذه المكتسبات الديمقراطية المنصوص عنها ، مجرد مكتسبات شكلية بلا مضمون حقيقي.هذه المفارقة بين الدعوة إلى الخيار الديمقراطي من قبل جميع القوى الاجتماعية ، كل على طريقته ، وبين ما يمارس في الحياة الواقعية ، لا يغير من حقيقة أن هناك ظاهرة آخذة في التوسع والتعمق هي ظاهرة التحول من الأنظمة الدكتاتورية المغلقة ، ملكية كانت أم جمهورية ، باتجاه أنظمة أكثر مرونة وأكثر انفتاحا وأكثر تقبلا لشكل أو لآخر من أشكال الديمقراطية الواقعية ،تراعى فيه أكثر فأكثر حقوق الإنسان، ويسود فيه حكم القانون والمؤسسات ،وربما يتحقق فيها قريبا تبادل للسلطة بصورة سلمية عبر صناديق الاقتراع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الدجاني ،أحمد صدقي،" تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث " في أزمة الديمقراطية في الوطن العربي(بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية،1987) ص133.
2- الدجاني،أحمد صدقي " تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث"،مرجع سبق ذكره ،ص134.