هذا الحديث الفاجر الكافر : ( رُبَّ أشعث أغبر ...) .!!


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5169 - 2016 / 5 / 21 - 23:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مقدمة :
1 ـ من خمسين عاما تقريبا ـ فى مرحلة المراهقة ـ كنت أتندر علناعلى هذا الحديث ( رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه)، وكان مقررا علينا وقتها بالثانوى الأزهرى ، وكنت أقول ـ باللهجة المصرية طبعا ـ : ( يعنى لازم يكون أشعث وأغبر ومعفن ونتن وزبالة عشان ربنا يستجيب له ؟ ايه اللى يمنع انه يكون نضيف ومستحمى.!؟ ) . وكان مكتوبا إنه حديث صحيح رواه أبو هريرة فى صحيح مسلم . ولكن هذا لم يُقنع عقلى المُشاغب وقتها .
2 ـ نحن نُنكر الأحاديث كلها ، وقلما نتوقف مع حديث ما بالرد والنقد إلا إذا كان حديثا بالغ الكفر وشديد الفُجر مثل هذا الحديث . نناقشه لإثبات كُفره وفُجره . ونقول ( راجين التوفيق من رب العزة جل وعلا ):
الملمح الأول : (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب..) :
الاحاديث كاذبة فى نسبتها للوحى الالهى ـ وصادقة فى التعبير عن كفر أصحابها .
1 ـ الأحاديث تعبر عن الأهواء المختلفة والمتناقضة لأصحابها . هناك أحاديث تعبر عن اصحاب السطوة والجاه ، منها ما يأمر بقتل من يخرج على الجماعة ، ومنها ما يأمر بالسمع والطاعة . وهذا الحديث يعبر عن ( المثقفين ـ أو الفقهاء ) الفقراء من وضاعى الحديث ، الذين وجدوا المتنفس لهم فى ميدان العلم ، والذى كان وقتها يعنى ( الحديث ) أى صناعة الحديث ونشره وروايته ، وبه كانوا يجمعون حولهم الناس ويحوزون الشهرة ، كما يضعون أحلامهم الضائعة وأراءهم فى صيغة أحاديث تكتسب الصُّدقية ، وإذا كانوا قد ضاعت منهم الدنيا وإحتكرها دونهم الخلفاء وحواشيهم من الشعراء والمطربين والندماء والقادة والزعماء ، فقد وجدوا بديلا فى الدين الذى صنعوه على مقاسهم يعبر عن وضعهم . وما لبث أن إستجاب لهم المؤرخون الذين هم أيضا من نفس الفئة ( الفقهاء المحدثين / المثقفين الفقراء ) فأصبحوا يؤرخون لمن أسموهم بالعلماء والمحدثين والزهاد والفقهاء سواء فى الطبقات كالطبقات الكبرى لابن سعد أو فى ركن الوفيات فى التاريخ الحولى كما فعل ابن الجوزى فى ( المنتظم ).
2 ـ هذا الحديث من تلك الأحاديث التى تعبر عن أحوال أولئك الفقهاء المحدثين الفقراء المحبطين المهمشين المثقفين الذين تميزوا برثاثة الهيئة وتعرضوا لاحتقار السادة ، وكان محرما عليهم الاقتراب من أبواب السلاطين والولاة ، كان البوابون والحراس مأمورين ب ( دفع ) أولئك ( العوام / السُوّقة ، الدهماء / الفقراء ) من الاقتراب من قصور المترفين السادة . لذا وضع أولئك المثقفون المهمشون إحباطاتهم فى هذا الحديث (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه) ، القصور مفتوحة على مصراعيها للشعراء و النخاسين تجار الرقيق والقادة وأصحاب الجاه ، وهم مطرودون بالأبواب . وبالتالى فلهم جاههم ( المزعوم ) ومنزلتهم ( المزعومة ) عند الاله الذى إخترعوه ، والذى ـ بزعمهم ـ لو أقسموا عليه لأكرمهم وأبرّهم وإستجاب لهم .
إذن فهذا حديث ( صادق ) فى التعبير عن واضعيه وصانعيه ، وهو أيضا حديث كاذب فى نسبته للنبى محمد عليه السلام . وفى كتاب لنا صدر فى عام 1984 بعنوان ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ) ــ وكان مقررا على قسم التاريخ فى جامعة الأزهر ــ أفردنا فصلا عن ( الحديث ) بإعتباره من مصادر التاريخ الواقعى للحياة الاجتماعية والفكرية فى العصور الذى تمت كتابته فيها ، بإعتبار أن واضعى الأحاديث كانوا يعكسون فى أحاديثهم المصنوعة أوضاعهم الاجتماعية وثقافتهم الفكرية وهواجسهم النفسية . وقد نجا هذا الكتاب من المصادرة وقتها لأن مواشى جامعة الأزهر وقتها لم يلتفتوا اليه .
الملمح الثانى :( لو أقسم على الله لأبرَّه ):
هذا الحديث يعبر عن كفرهم فى عقيدتهم فى الله جل وعلا.
1 ـ كان أحدهم لا يجرؤ على الاقتراب من أبواب الولاة والسلاطين ، وكان لا يجرؤ أن يتصور نفسه فى حضرة السلطان وهو ( يُقسم عليه ) أن يفعل كذا ، ويستجيب له السلطان . نقول هذا من واقع الفهم للعصر حيث يملك الوالى ـ أن يضرب عنق من يريد بكلمة يقولها ، فكيف بالخليفة نفسه ؟ . لم يكن يجرؤ أحدهم على هذا التخيل مع السلطان ، لكن وجدوا الجرأة لكى يزعموا هذا على رب العزة جل وعلا ، إذ يجعلون الأشعث الأغبر يقسم على الله جل وعلا فيستجيب له الله جل وعلا . يقسم على الله يعنى يأمر الله . وهى عادة سيئة فى كل الأديان الأرضية أنهم يرفعون أنفسهم وآلهتهم المخلوقة فوق رب العزة جل وعلا . منها أساطير الشفاعة التى يجعلون فيها آلهتهم تملك يوم الدين ، ويجعلون الله جل وعلا القائل (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) ق ) يبدل قوله ويخرج من النار بعض الناس ويدخلهم الجنة بناء على اوامر من صاحب الشفاعة بزعمهم . ومنها هذا الحديث الذى يزعمون فيه ان شخصا ( زبالة ) يقسم على الله حل وعلا ، وبزعمهم يستجيب له الله جل وعلا .
2 ـ هذه النظرة المتدنية لفاطر السماوات والأرض العزيز الجبار ـ قد وصفها رب العزة فى القرآن الكريم بالظن السىء برب العزة جل وعلا . يقول جل وعلا عموما عن مصير الكافرين الصرحاء والمنافقين ذكورا وإناثا : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (6) الفتح ) . وهى كثيرة أنواع الظن السىء برب العزة ، منها قول ابراهيم لقومه عابدى البشر والحجر: ( أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) الصافات ) وقوله جل وعلا للكافرين يوم القيامة : (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23) فصلت ). وفى الجحيم سيرون من رب العزة ما لم يكونوا يحتسبون ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) الزمر).
3 ـ وهذه النظرة المتدنية لرب العزة جل وعلا من أولئك الكفرة الفجرة لا تنفصل عن الجريمة الكبرى التى يقع فيها البشر الذين لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره . وقد تكرر هذا ثلاث مرات فى القرآن الكريم ، عن بعض أهل الكتاب الذين دفعهم تطرفهم فى تكذيب القرآن الكريم الى الزعم بأن الله جل وعلا لم ينزل كتابا على أى بشر ، يقول جل وعلا : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) الانعام ). وعمّن يقدس البشر من الأنبياء والأئمة والشيوخ ـ وهم لا يستطيعون أن يخلقوا ذبابا ولو إجتمعوا له يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)الحج ) . ثم أخيرا يأتى لهم يوم الفزع الأكبر ، يقول جل وعلا : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)الزمر )
الملمح الثالث : تناقض هذا الحديث مع الاسلام :
أولا : ( رُبَّ أشعث أغبر ).
1 ـ المؤمن لا يمكن أن يكون أشعث أغبر أبدا ، لأنه مأمور بالطهارة الحسية والطهارة القلبية المعنوية . مأمور أن يتطهر بالوضوء وبالغسل ، بل ألّا يقترب جنسيا من زوجته عند الحيض لأنه أذى ، أى مامور بالتطهر الحسى من النجاسة والقذارة الحسية كما هو أيضا مأمور بالتطهر من رجس الاعتقاد فى البشر والحجر . (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة ). بالاضافة للوضوء والغسل فالمؤمن مأمور بطهارة ثيابه،يقول جل وعلا:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)المدثر ). المؤمن الذى يصلى خمس فرائض يوميا محافظا على طهارته مستحيل أن يكون ( اشعث أغبر ). هذا فى الاسلام .
2 ـ ولكن فى بعض الديانات الأرضية يتم تقديس القذارة ، وكلما أمعن أحدهم فى تقذير نفسه زادت قداسته ، وهذا فى التصوف وفى بعض الأديان المسيحية ، وانتشر هذا فى العصور الوسطى حيث شاع تقديس المجاذيب والرهبان الذين تفننوا فى القذارة. ومنشور لنا هنا كتاب ( أثر التصوف فى الانحلال الخلقى ) وفيه فصل عن (تقديس القذارة ) التى كانت إحدى القيم الدينية الاجتماعية التى نشرها التصوف فى مصر المملوكية .
3 ـ ولأن الأديان الأرضية مملوكة لأصحابها فكل من يشاء يستطيع أن يضع فى دينه ـ الذى يملكه ـ ما يشاء من هوى . إن كان هواه فى القذارة يجعل الأشعث الأغبر صاحب جاه عند الاله الذى يصنعه فى خرافات هذا الدين . وهذا بالضبط ما فعله مؤلف هذا الحديث الفاجر الكافر، ونسب ذلك للنبى مٌسيئا لرب العزة جل وعلا. ونقول إن وضع هذا الحديث فى ( صفيح مسلم ) فى القرن الثالث الهجرى دليل على أن من قام بتأليفه كان من رواد الصوفية ، فهذا القرن الثالث الهجرى هو الذى شهد مولد دين التصوف ، وبدأ رواد التصوف فى سبك احاديث تنشر عقائده وتشريعاته مثل حديث الولى فى البخارى ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) وهذا الحديث عن الأشعث الأغبر ...
ثانيا : :( لو أقسم على الله لأبرَّه)
1 ـ قلنا إن الدين الأرضى يقوم بتصنيع آلهته من هواه وبأحاديث الشيطانية ، مفتريا على رب العزة جل وعلا ، ومتناقضا مع الاسلام دين الرحمن . ورأينا أن مؤلف هذا الحديث الفاجر الكافر قد صنع الاها يدخل عليه الأشعث الأغبر ويقسم على هذا الاله المزعوم أن يفعل ( كذا ) فيستجيب له هذا الاله المزعوم . وفى معرض التناقض بين الاسلام وهذا الحديث الفاجر الكاذب نقول :
1 ـ معنى العبادة هو الطاعة للخالق جل وعلا ، بفعل الأوامر وإجتناب النواهى، وهنا يكون الاختبار . ورب العزة جل وعلا قد إختبر آدم وزوجه بأوامر ونواهى :( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (35)البقرة ) . ولقد خلق رب العزة الجن والانس كى يعبدوه ، أى كى يطيعوه فى أوامره جل وعلا ونواهيه . (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات )
2 ـ وتنفيذ العبادة يكون بالخشوع والاخبات والتذلل للخالق جل وعلا ، وخصوصا فى الدعاء ، فلا بد عند الدعاء من التضرع والتكلم فى خفوت صوت ، وإلا كان معتديا على جلال الرحمن جل وعلا ، يقول جل وعلا لنا فى أمر مباشر : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف ). تخيل إبنك وقد أتى اليك يطلب منك شيئا ، فأخذ يطلبه صارخا زاعقا،أو يطلبه راقصا مستهزئا . عندها ستطرده لأنه ( تعدى) على الاحترام الواجب لك . نفس الحال حين تطلب شيئا من المدير ، ولا نقول السلطان ، فكيف بالرحمن جل وعلا . هنا نرى هذا الإفك الذى وقع فيه مؤلف هذا الحديث الفاجر الكافر الذى يزعم أن أشعث أغبر يقسم ـ تدللا على رب العزة ، ويستجيب له ـ بزعمه ـ رب العزة .!! . اين هذا من دعاء نبى الله زكريا عليه السلام حين نادى ربه جل وعلا نداءا خفيا تضرعا ورهبة : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) مريم )
3 ـ ليس فقط التضرع رهبة وطمعا ، بل البكاء خشوعا . مؤمنو أهل الكتاب حين كان يُتلى عليهم القرآن الكريم كانوا يسارعون بالسجود والبكاء خشوعا ، يقول جل وعلا :(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الاسراء ) . وعن مؤمنى النصارى من القسيسين والرهبان يقول جل وعلا عن دموعهم عند سماع القرآن الكريم : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) المائدة ) . وعن بعض السابقين من المؤمنين الصحابة الفقراء العاجزين عن تكلفة الجهاد والذين جاءوا للنبى ليساعدهم على الخروج معه فإعتذر لهم فرجعوا تفيض أعينهم من الدمع بسبب فقرهم ، يقول جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة ) . هؤلاء فقراء وهم محسنون برغم أنهم لا يجدون ما ينفقون ، ولا يمكن أن نتصور واحدا منهم ( اشعث أغبر )..
أخيرا :
مشكلة أصحاب الديانات الأرضية أنهم بالقرآن لا يؤمنون ، وإذا قُرىء عليهم القرآن لا يسجدون ، بل هم به يكذبون وبه يتغنون ويتسامرون : ( فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) الانشقاق) .
ودائما : صدق الله العظيم .!!