رسائل ماركس-انجلز: الرسائل 63 و55 و66 و72


فريدريك انجلز
الحوار المتمدن - العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 21:35
المحور: الارشيف الماركسي     



-63-
انجلز غلى ب. ف باتن، نيويورك (4)

لندن، 18 نيسان/أبريل 1883

الرفاق الأعزاء،

سأرد باختصار ووضوح على استفهامكم بتاريخ 2 نيسان/أبريل بصدد موقف كارل ماركس من الفوضويين بوجه عام، ومن يوهان موست بوجه خاص.

منذ عام 1845 ترسخ لدينا، ماركس وأنا، اليقين بأن واحدة من النتائج النهائية للثورة البروليتارية السائرة قدما إلى الامام ستكون الانحلال التدريجي، وفي نهاية المطاف زوال التنظيم السياسي المسمى بالدولة، وهو تنظيم كان هدفه الرئيسي على الدوام تأمين وضع غالبية الشغيلة تحت وصاية أقلية المالكين بواسطة القوة المسلحة. وبزوال الاقلية المالكة تزول ضرورة قوة الدولة المسلحة العاملة في خدمة أهداف القمع. وقد قدرنا في الوقت نفسه على الدوام أن على البروليتاريا، حتى تحقق ذلك وتحقق الغايات الأخرى الأهم بكثير للثورة الاجتماعية القادمة، ان تبدأ قبل كل شيء بالاستيلاء على قوة الدولة السياسية المنظمة لتحطم بمساعدتها مقاومة طبقة الرأسماليين وتعيد تنظيم المجتمع. وهذا كله متضمن أصلا في «البيان الشيوعي» لعام 1847، في نهاية الفصل.

أما الفوضويون فيطرحون المشكلة بالمقلوب. يقولون ان على الثورة البروليتارية أن تبدأ بتصفية تنظيم الدولة السياسي. لكن الدولة، بعد انتصار البروليتاريا، هي التي تمثل بالتحديد التنظيم الوحيد الذي تجده الطبقة العاملة الظافرة قائما بخدمتها. صحيح ان هذه الدولة تتطلب تعديلات هامة قبل أن يغدو في مستطاعها أداء وظائفها الجديدة، لكن القضاء عليها بتمامها في مثل تلك اللحظة يعني القضاء على الجهاز الوحيد الذي يمكن للبروليتاريا الظافرة بواسطته ان تقوم بأعباء السلطة التي استولت على مقاليدها، فتقمع أعداءها الرأسماليين وتنجز ثورة المجتمع الاقتصادية التي بدونها سيكون المآل المحتوم لانتصارها كله الهزيمة والابادة الجماعية للعامل، كما حدث بعد كومونة باريس.

هل من حاجة إلى البرهان بوجه خاص على ان ماركس أبدى معارضته لهذا الهذر الفوضوي من اليوم الذي بدأ باكونين بالترويج له في شكله الحالي؟ ان كل التاريخ الداخلي لـ«رابطة الشغيلة الأممية» لشاهد على ذلك. فقد حاول الفوضويون ابتداء من عام 1867 ان يتزعموا «الأممية» باللجوء إلى أسفل الاساليب، وكان ماركس العقبة الرئيسية في طريقهم. وبعد صراع دام خمس سنوات فُصل الفوضويون من «الأممية» بعد مؤتمر لاهاي، في أيلول/سبتمبر 1872. وكان الرجل الذي بذل اقصى ما في المستطاع لجعل هذا الفصل امرا واقعا هو ماركس. وفي وسع صديقنا القديم ف. أ. سورجه، من هوبوكن، الذي حضر ذلك المؤتمر بصفته مندوبا، ان يقدم لكم، إذا شئتم، معلومات اوسع.

بضع كلمات الآن عن يوهان موست. فالتوكيد بأن موست كان، بعد أن اصبح فوضويا، على صلة ما بماركس أو حظي بتأييده لا يمكن أن يصدر إلا عن انسان مضلَّل أو عن كذب أشر.

فبعد صدور العدد الأول من «فرايهايت» (5) اللندنية لم يزرنا أكثر من مرة أو مرتين. كما أننا لم نذهب اليه ولم نلتق به مرة واحدة، ولو من قبيل المصادفة، منذ أن تجلت فوضويته بصيغتها الجديدة في تلك الصحيفة. واخيرا، أوقفنا اكتتابنا في هذه الصحيفة على اعتبار انها «لا تحتوي على شيء البتة». وقد قابلنا على الدوام فوضوية موست وتكتيكه الفوضوي بالازدراء نفسه الذي كنا نقابل به فوضوية الناس الذين تعلم منهم هذا كله.

يوم كان موست ما يزال في المانيا، اصدر عرضا «شعبيا» لـ«الرأسمال». وقد رجا ماركس أن يقرأه قبل الطبعة الثانية. وفعل ماركس ذلك بمساهمتي. وما كان في الامكان غير تصحيح أفحش الأخطاء، وإلا لكان علينا أن نعيد الكتابة من الأول الى الآخر. وقد قبل ماركس أن يجري تصحيحاته مقابل شرط صريح هو أن لا يذكر اسمه من قريب أو بعيد في نص يوهان موست هذا المعدل مرارا وتكرارا، حتى ولا في الصيغة المصححة (6).
أنتم احرار، إذا رغبتم في ذلك، في أن تنشروا هذه الرسالة في «صوت الشعب» (7).

تحيتي الأخوية
ف. إ

1884

-65-

انجلز إلى إ. برنشتاين، زوريخ

لندن، 24 آذار/مارس 1884

… ان مفهوم الديموقراطية يتغير في كل مرة يتغير فيها الديموس (1)؛ ومن هنا فانه لا يتقدم بنا إلى الأمام قيد أنملة. في رأيي، كان ينبغي أن يقال ما يلي: ان البروليتاريا بحاجة ايضا، كي تستولي على السلطة السياسية، إلى اشكال ديموقراطية، لكنها لا تعدو أن تكون بالنسبة اليها وسيلة، مثلها مثل الاشكال السياسية جمعاء. وعليه، إذا سعى أحدهم الآن إلى الديموقراطية بوصفها هدفا، فلن يكون أمامه مفر من الاعتماد على الفلاحين وعلى البورجوازية الصغيرة، أي على طبقات محكوم عليها بالزوال ورجعية تجاه البروليتاريا بمجرد أن تعقد العزم على إطالة بقائها بصورة مصطنعة. ثم لا يغب عن اذهاننا ان واحدا من الاشكال المنطقية للسيطرة البورجوازية هو بالتحديد الجمهورية الديموقراطية. صحيح ان هذه الجمهورية اصبحت خطرة اكثر مما ينبغي بحكم مستوى التطور الذي أدركته البروليتاريا، لكنها ما تزال ممكنة، كما تثبت ذلك فرنسا وأمريكا، بوصفها سيطرة مباشرة للبورجوازية. وعليه، ليس «مبدأ» الليبرالية في جوهره، بوصفه «شيئا محددا، متكونا تاريخيا»، سوى إحالة منطقية. أما الملكية الدستورية الليبرالية فهي شكل واف بالمرام للسيطرة البورجوازية: 1-في البداية حين لا تكون البورجوازية قد انهت بعد تماما أمر الحكم الملكي المطلق، و2- في النهاية حين تمسي الجمهورية بسبب البروليتاريا أخطر مما ينبغي. لكن هذا لا يحول دون أن تكون الجمهورية الديموقراطية الشكل الأخير لسيطرة البورجوازية، الشكل الذي يضع لها حدا نهائيا. وهنا انهى انشاءاتي.

نيم يبعث بتحياته. البارحة لم أر توسي.

الملخص لك

ف. إ

-66-

انجلز إلى إ. برنشتاين، زوريخ

لندن، 23 أيار/مايو 1884

… ان الحق في العمل هو من اختراع فورييه، لكنه غير موضوع عنده موضع تطبيق إلا في المَشرَك، وهذا يستوجب سلفا بالطبع تبني هذا الأخير.

كان أنصار فورييه، أولئك الأدعياء الجهلة المسالمون من جماعة «الديموقراطية السلمية» (2) –هكذا كانت تسمى صحيفتهم- يقيمون وزنا عظيما لهذه الجملة على وجه التحديد لأنه تلوح عليها سيماء الشيء الذي لا يؤذي. وقد أفسح عمال 1848 البارسيون، الذين كانت مدركاتهم النظرية في غاية الابهام، في المجال لفرض هذه الجملة عليهم لأنها كانت تبدو لهم عملية جدا، بعيدة كل البعد عن الطوباوية، وقابلة للتحقيق بمنتهى اليسر وقد حققتها الحكومة بالطريق الوحيدة الممكنة في المجتمع الرأسمالي، بإنشائها تلك الورشات القومية البلهاء (3). وبصورة مماثلة، تم تحقيق حق العمل في لانكاشاير، اثناء أزمة 1861-1864 القطنية، عن طريق الورشات البلدية. وفي ألمانيا كذلك يجري تحقيقه في شكل تلك المخيمات العمالية، مخيمات المجاعة الخاضعة لنظام الاشغال الشاقة، التي يطبل لها الآن الدعي الجاهل الالماني ويزمر. وبالفعل، حين يطرح حق العمل كمطلب منفصل، فلال سبيل إلى تحقيقه بطريقة أخرى. ولئن طولب المجتمع الرأسمالي بتحقيق هذا الحق، فان هذا المجتمع يعجز عن تطبيقه إلا في حدود شروط وجوده الذاتية، ومتى طولب بحق العمل فان هذه المطالبة تتم في سياق معطى محدد، وتكون بالتالي مطالبة بإنشاء ورشات قومية ودور ومخيمات عمالية. لكنه إذا كانت المطالبة بحق العمل تعبر بصورة غير مباشرة عن مطلب تدمير نمط الانتاج الرأسمالي، فإنها لا تعدو ان تكون، من منظور الحالة الراهنة للحركة، خطوة رعديدة إلى الوراء، تنازلا أمام القانون المناوئ للاشتراكيين، جملة ليس لها من مرمى سوى تضليل العمال وتشويش تفهمهم للأهداف التي ينبغي عليهم أن يسعوا إلى بلوغها وللشروط التي يمكنهم فيها ان يتوصلوا إلى ذلك…

احالات 1884

1-الديموس: الشعب باليونانية. والديموقراطية هي حكم (قراطية) الشعب (ديمو).

2-صحيفة يومية أصدرها أنصار فورييه في باريس بين 1843 و1851، وكان رئيس تحريرها ف. كونسيديران.

3-أنشئت «الورشات القومية» غداة ثورة شباط/فبراير 1848 بموجب مرسوم صادر عن الحكومة الفرنسية المؤقتة. وكانت الغاية منها تنفير العمال من افكار لوي بلان عن تنظيم العمل، واستخدام المؤقتة. وكانت الغاية منها تنفير العمال من افكار لوي بلان عن تنظيم العمل، واستخدام العمال المجندين في الورشات القومية لمكافحة البروليتاريا الثورية. بيد ان الخطة الرامية غلى تمزيق وحدة الطبقة العاملة فشلت (إذ تشبع العمال العاملون في الورشات بالروح الثورية)، واتخذت الحكومة تدابير لتصفية تلك الورشات. وثارت ثائرة البروليتاريا الباريسية، وكانت انتفاضة حزيران/يونيو في باريس، تلك الانتفاضة التي قمعت واعقبها اغلاق الورشات القومية.

-1889-

-72-

انجلز إلى ج. تريير، كوبنهانغن

لندن، 15 كانون الأول/ديسمبر 1889

عزيزي السيد تريير

عظيم الشكر على رسالتك المثيرة للاهتمام في 8 الجاري.

إذا لم يكن هناك بد من بيان رأيي بالعملية المسرحية التي نظمت مؤخرا في كوبهانغن (1)، والتي وقعت أنت ضحية لها، فسأبدأ بنقطة لست أنا على وفقا معك بصددها.

أنت ترفض من حيث المبدأ كل عمل مشترك ولو بصورة مؤقتة مع أحزاب أخرى. أما أنا فلديّ ما فيه الكفاية من الخبرة الثورية حتى لا أحظِّر على نفسي مطلق التحظير هذه الوسيلة حين يتضح، تبعا للظروف، انها الأعظم فائدة، أو الأقل ضررا في كل حال.

اننا متفقون على ما يلي: ان البروليتاريا لا تستطيع أن تضمن لنفسها الهيمنة السياسية –الباب الوحيد الذي يفضي إلى المجتمع الجديد- بدون ثورة عنيفة. وحتى تكون البروليتاريا على قدر كاف من القوة لكي تنتزع الغلبة في اللحظة الحاسمة –دافعنا أنا وماركس عن هذا الموقف منذ عام 1847- فلا بد أن تؤلف حزبا خاصا بها، متمايزا عن سائر الأحزاب الأخرى ومعارضا اياها، حزبا طبقيا واعيا كونه كذلك.

لكن هذا لا يعني انه ليس في مستطاع الحزب، في بعض الأحيان، ان يستخدم الأحزاب الأخرى. كما انه لا يعني انه ليس في مستطاعه، حتى يصل إلى غاياته، ان يؤيد احزابا أخرى في النضال من أجل تدابير فيها أما فائدة مباشرة للبروليتاريا وأما خطوة إلى الأمام نحو التقدم الاقتصادي أو الحرية السياسية. ان من يناضل في ألمانيا فعلا وحقا في سبيل الغاء اقطاعيات البكورة وغيرها من مخلفات النظام الاقطاعي، ومن يكافح ايضا البيروقراطية ومكوس الحماية والقوانين المناوئة للاشتراكيين، ومن يرغب في أن يرى القيود المفروضة على حق التجمع والاتحاد وقد رفعت، ان انسانا كهذا سأمحضه تأييد. ولو كان حزبنا التقدمي الألماني أو حزب «الفنستر» (2) الدانماركي عندكم من الأحزاب الراديكالية-البورجوازية حقا بدلا من كونهما لمامة من المهذارين التافهين الذين يختبئون في الآجام عندما يوجه اليهم بسمارك أو استروب أول تقريع، لما كانت بحال من الأحوال سأتخذ من غير قيد أو شرط موقفا معارضا لأعمال مشتركة مؤقتة كائنة ما كانت، وان تكن أهداف محددة موضع خلاف بيننا. وحين يقترع نوابنا إلى جانب اقتراح مقدم من الطرف الخصم (وهم يفعلون ذلك بلا شك في أحيان كثيرة)، أفليس ذلك عملا مشتركا؟ لكنني لا أؤيد ذلك إلا إذا كان فيه لنا فائدة مباشرة أو إلا إذا كان تطور البلاد التاريخي على طريق الثورة الاقتصادية والسياسية لا يحتمل نقاشا ويستأهل أن نوليه عنايتنا؛ وهذا كله بشرط ألا يتعرض البتة للخطر الطابع البروليتاري للحزب. ان ذلك في نظري حد مطلق. وأنت تجد عرضا لهذه السياسية منذ عام 1847 في «البيان الشيوعي»، وقد انتهجناها عام 1848 في «الأممية» وفي كل مكان…

احالات 1889

1-الاشارة هنا إلى الصراع بين جناحي الحزب الاشتراكي-الديموقراطي (المؤسس في عام 1876)، الجناح الاصلاحي والجناح الثوري الذي كان على راسه تريير وبترسون. وكان «الثوريون» يعارضون السياسة الاصلاحية للجناح الانتهازي من الحزب ويناضلون في سبيل تحويله إلى حزب بروليتاري. وفي عام 1889 الاقلية الثورية من الحزب. واسس المفصولون تنظيمهم الخاص بهم الذي ما أمكنه بنتيجة سياسة التعصب الخاطئة أن يصبح حزبا بروليتاريا جماهيريا.

2-فنستر (اليسار): حزب ليبرالي بورجوازي تأسس في الدانمارك عام 1870.