القاموس القرآنى : ( الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 02:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القاموس القرآنى : ( الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ )
أولا : ( الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ ) أى اصحاب الديانات الأرضية الذين يؤمنون ببعض الكتاب وليس كل الكتاب ، والذين يجعلون إفتراءاتهم حكما على الكتاب
1 ـ تعبير (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ ) أى الذين يؤمنون ببعض الكتاب أو بجزء منه ويكفرون بباقى الكتاب الذى لا يوافق هواهم ، ومن هواهم يفترون احاديث واقاويل وأساطير يتأسس بها دينهم الأرضى ، ومن خلالها ينظرون للكتاب الالهى ، يحرفون منه ما يشاءون من تشريعات . ويحدث هذا فى تاريخ الضالين من أهل أى كتاب سماوى، وقد قال جل وعلا عن تلاعب بعضهم بتشريعات التوراة :( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ َتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) البقرة ).
2 ـ وهى ظاهرة فاشية فى الأديان الأرضية ، ومنها التفريق بين الله جل وعلا ورسله وتفضيل بعض الرسل على بعض ورفعهم الى مستوى الالوهية ، يقول جل وعلا فى حُكم عام يؤكد كفرهم : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (151) النساء ) .
3 ـ والمؤمنون حقا يؤمنون بالكتاب المُنزّل كله عكس المنافقين ، يقول جل وعلا للمؤمنين فى عهد النبوة عن المنافقين المخادعين :( هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) آل عمران ). والراسخون فى العلم المؤمنون بالكتاب كله يقولون : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) آل عمران ) ، فهم لا ينتقون من الآيات ما يوافق ظاهرها أهواءهم ثم ينكرون ويتجاهلون غيرها . بل يسجدون للقرآن كله ، بآياته كلها ، يهتدون بها كلها .
ثانيا : السياق القرآنى عن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب :
وقد جاء تعبير (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ ) ثلاث مرات ، فى ملامح الضلال للمشركين من أصحاب الأديان الأرضية ، سواء كان الكتاب هو القرآن أو الانجيل أو التوراة . وفى كل آية منها يتصدر السؤال من رب العزة للنبى ولكل مؤمن يقول (أَلَمْ تَرَ ) . وهنا إشارة الى إستمرار هذه الملامح الضلالية طالما يوجد فى الناس من يؤمن ومن يرى : .
1 ـ يقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) النساء ). أى دُعاتهم ينشرون الضلال لإضلال الناس ، وهم هكذا يفعلون ، ولا يزالون . ويؤكده هذا الهُراء التى يتقيأونه فى قنواتهم الفضائية وفى مساجدهم الضرار ومعاهدهم .
2 ـ ويقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) آل عمران ). يزعمون أن من يدخل منهم النار سيخرج منها بالشفاعة ، ويتمسكون بهذا الافتراء ، وإذا دعوتهم الى الاحتكام الى رب العزة فى كتابه الكريم رفضوا وأعرضوا . هذا ليس خاصا بالضالين فى عهد النبوة ، بل هو سائد حتى الآن ، وأحاديث السنيين وغيرهم يتردد فيها الافتراء بالخروج من النار. ولنا كتاب منشور هنا ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار .. ) ، وسبق أن أدخلونا السجن فى مصر بسببه عام 1987 .
3 ـ ويقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) النساء ). وهذا موضوع خطير نتوقف معه :
ثالثا : تمسك الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ببعض ملامح الديانة الفرعونية
يقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) النساء ) .
1 ـ ( الجبت ) هو إسم الديانة المصرية القديمة ، وعندما إنتشرت هذه الديانة فى الامبراطورية الرومانية وفى اوربا وأثّرت على المسيحية أطلقوا هذا الاسم على ( مصر ) منبع هذه الديانة ، فقالوا ( أيجبت ) من ( الجبت ). خصوصا وأن المصريين عندما إعتنقوا المسيحية قاموا بتمصيرها ، فإختلفت المسيحية المصرية عن المسيحية الرومية فى روما ، وعن المسيحية الشرقية فى بينزطة ( القسطنطينية ) ، وتعرض المصريون الى فترتين من الاضطهاد . الاضطهاد الأول عندما كانت روما وثنية ، فاضطهد الامبراطور الوثنى ( دقيلديانوس )(284 : 305 ) المسيحيين المصريين إضطهادا دينيا . وبعد أن إعتنق الروم البيزنطيون المسيحية حدث إضطهاد آخر ( مذهبيا ) للمسيحيين المصريين ، نتج عنه أن المصريين رحبوا بالفتح العربى كراهية فى البيزنطيين، وساعدوا الجيش الهزيل لعمرو بن العاص فى إحتلال مصر . المسيحية المصرية ( القبطية ) تقول بالالوهية الكاملة للمسيح ، وتعتبر له طبيعة الاهية واحدة ، عكس الكنيسيتين الرومانية الكاثولوكية و البيزنطية الشرقية . بهذا ترسّخ وصف هذه المسيحية المصرية بالقبطية ، وترسخ إسم مصر بأنه ( أيجيبت ) نسبة لهذه الديانة . وحدث بعدها أن انتشرت المعرفة فى اوربا بأسطورة ايزيس وأوزوريس وحورس ( الثالوث الالهى ) والذى أثّر فى شكل المسيحية الأوربية نفسها ، فتأكد ترسيخ ( إيجيبت ) إسما لمصر .
2 ـ وعند الغزو العربى لمصر وجد العرب فيها مذهبين مسيحيين : المسيحية الشرقية التى يعتنقها البيزنطيون المحتلون بزعامة المقوقس ( قيرس ) ومن معه من جنده وملئه ، ثم ( المسيحية المصرية القبطية ) التى يؤمن بها أغلبية المصريين ، فأطلقوا على المصريين إسم ( القبط ) نسبة لمذهبهم ، ولم يقولوا عنهم ( مسيحيون ) أو ( مصريون ).
وبينما أطلق العرب الغزاة على المصريين إسم ( القبط ) فقد أطلقوا إسم ( المصريين ) على الأعراب من جنود الفتح الذين بقوا مع عمرو بن العاص فى ولايته على مصر ، ثم مع الوالى التالى عبد الله بن أبى السرح . وعندما ثار هؤلاء الأعراب على الخليفة عثمان بن عفان وجاءوا من مصر الى المدينة لقتل عثمان أطلقوا عليهم لقب ( المصريون ) . وظلت تسمية المصريين بالقبط سائدة حتى دخل معظم المصريين الى دين الغزاة العرب من العصر الفاطمى ( تشيع ، ثم تصوف سنى ، وأخيرا وهابية سنية متطرفة ) .وإحتفظ المسيحيون المصريون بإسم القبط أو ( الأقباط ) ، وحتى الآن .
3 ـ وقد نزل القرآن الكريم باللسان العربى ، وهذا اللسان العربى إستعار كثيرا من المفردات اليونانية والرومانية والفارسية والمصرية القديمة ، وصارت جزءا من نسيجه المقروء المنطوق والمسموع والمكتوب .
4 ــ والتأثير المصرى كان هائلا فى الجزيرة العربية ، فتسربت كثير من المفردات المصرية القديمة الى اللسان العربى ، إذ انه بعد إكتمال وإزدهار الحضارة الفرعونية بعشرات القرون ظهر العرب ، وحين زاروا مصر ورأوا عمائرها إستعاروا كلمة ( مصر / أمصار ) بمعنى المدن ، و ( مصّر ) أى أقام مدينة . فقد رأوا المدن لأول مرة فى مصر . ولهذا فإن كلمة ( مصر ) فى القرآن الكريم تأتى اربع مرات بمعنى ( مصر الوطن ) وتأتى بمعنى المكان الحضرى غير الصحراوى : ( اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ) (61) البقرة ) .
5 ــ وكان الحجاز ـ ولا يزال ـ أقرب مناطق الصحراء العربية تأثرا بمصر . وكانت مكة حاضرة الحجاز والجزيرة العربية أكثر إنفتاحا وتأثرا بمصر ، لذا إستوردت من مصر عبادة الثالوث ( ايزيس / أوزوريس / حورس ) . أسماؤها فى اللسان المصرى القديم ( عزى ، عوزير. ) ولكنها تحولت فى اللسان اليونانى الى ( ايزيس ، أوزيريس ) حيث لا يوجد فيه حرف العين . إتخذ العرب من ( عزى / ايزيس ) المصرية إلاهة أسموها ( العزى ) وأكملوا الثالوث من إختراعاتهم، وقال جل وعلا عن هذه الأسماء التى إخترعوها وقدسوها : (أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23) النجم ).
6 ـ بنو اسرائيل ( بنو يعقوب ) الذين تكاثروا بمصر بعد موت يعقوب ويوسف عليهما السلام تشربوا الديانة الفرعونية ، وظلت مؤثرة فيهم برغم الاضطهاد الفرعونى وبرغم ما رأوه من الآيات التى أعطاها رب العزة جل وعلا لموسى عليه السلام . بل إنه بمجرد أن أنجاهم الله جل وعلا وأغرق فرعون وجنده وصاروا فى سيناء رأوا معبدا فرعونيا فطلبوا من موسى أن يجعل لهم آلهة فرعونية مماثلة : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) الاعراف ). ثم كانت فضيحتهم الكبرى حين عبدوا ( عجل أبيس ) الذى صنعه لهم السامرى . الأجيال التالية من بنى إسرائيل حافظوا على المؤثرات الفرعونية ، باعتبارها ( الثوابت ) التى وجدوا عليها آباءهم . وكان منها عبادة ( أوزيريس ) أو ( عوزير ) وتقديس الكهنة .
7 ــ وبنو اسرائيل وغيرهم ممّن دخل فى المسيحية ما لبث أن إتبع الانحراف الذى قال به بولس ، والذى ربط فيه شخصية المسيح بالديانة الفرعونية . وبالتالى تشابهت المسيحية واليهودية فى القول بألوهية المسيح ( عند المسيحيين ) وعزير ( أو عوزير / أوزيريس ) عند بنى اسرائيل فى عهد نزول القرآن الكريم . لذا يقول جل وعلا : (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) التوبة ) . ( اليهود ) فى المصطلح القرآنى هم الضالون المعتدون فقط من بنى اسرائيل ، وهم الذين كانوا وقتها يزعمون أن ( عوزير ) المصرى ابن لله ، تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . وكان ( المسيحيون ) ولا يزالون ـ يقولون بأن المسيح ابن الله ـ جل وعلا ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا . والله جل وعلا يقول عن الفريقين : (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ) أى يتشابهون مع قول اذين كفروا من قبل ، أى قدماء المصريين .
8 ــ جدير بالذكر أنه بعد نزول القرآن الكريم بأجيال عادت إسطورة ( عوزير / أوزيريس ) الذى كان إلاها للموت فى الديانة الفرعونية ليصبح عندنا ( عزرائيل ) ملك الموت ، والذى يزعم البخارى أن موسى لطمه على عينه ففقأها .!!
9 ــ أخذ اللاحقون من الديانة المصرية القديمة تقديس رجال الدين ، الكهنوت ، وبعد الآية السابقة يقول جل وعلا : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة ). ولا يزال سائدا سيطرة الكهنوت الدينى فى الأديان الأرضية من بابوات وائمة وشيوخ واصحاب فضيلة وروح الله وآية الله ..! .
10 ـ ولأنهم حالة مستمرة فإن رب العزة يأتى بالآية التالية بالاسلوب المضارع الذى يعنى الاستمرار فيقول جل وعلا عن حرب الكهنة للحق الالهى ـ وحتى الآن ـ : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) ( التوبة )..
11 ـ وذكرنا الاختلاف بين الكنيستين المصرية القبطية وكنيستى بيزنطة وروما فى طبيعة المسيح .
11 / 1 : المصرية القبطية تأثرا منها بالثوابت الفرعونية وما وجدوا عليه آباءهم قالوا بالطبيعة الالهية الواحدة للمسيح ، أى جعلوه هو ( الله ) تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . وردّ عليهم رب العزة فقال : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة ) ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة ).
11 / 2 : الأوربيون قالوا باللاهوت والناسوت والطبيعتين الالهية والبشرية مع إختلاف عقيم فى كيفية المزج بينهما ، وأعلنوا الثليث ( الاب الابن الروح القدس ) ، ورد عليهم رب العزة جل وعلا فقال : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172 ) النساء ) ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَانظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) المائدة )
12 ـ ودخل ملايين من أهل الكتاب الى اديان العرب الأرضية من سنة وتشيع وتصوف ، وسرعان ما صنعوا للنبى محمد شخصية إلاهية تقترب من تأليه المسيح . لم يجرأوا على القول بأن محمدا ( إبن الله ) فقالوا المعنى ، وهو أنه ( مخلوق من نور الله الأزلى ) وانه ( مخلوق قبل خلق العالم ) و ( من اجله كان خلق العالم ) ، وإفتروا أحاديث فى هذا منها : ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، وكنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين ) ( أول ما خلق الله نور بيك يا جابر ) ..
أخيرا
ومن هنا فإن قوله جل وعلا عن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب لا يشمل الماضى فقط بل الحاضر والمستقبل ايضا ، فالشيطان لم يقدم إستقالته. !