إعلان رأي بخصوص المسألة الوطنية السورية


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 1393 - 2005 / 12 / 8 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يعمل المشروع الأميركي العالمي للتحكم والسيطرة على استتباب الأمن والسلم في أوربا الموحدة تحت ما يسمى بـ الاتحاد الأوربي عدا روسيا التي تتم مساومتها بين وقت وآخر، والصين التي يتم تحييدها عن الصراع العالمي عبر مجاملة طموحاتها الاقتصادية والسياسية أحياناً. كما تعمل الولايات المتحدة الأميركية على تثبيت أوربا كموطئ قدم للنظام الأميركي ولشركاته الاحتكارية متعددة الجنسية وذلك لغزو ما كان يسمى بالعالم الثالث بغية "تنظيف" جميع البؤر العالمية التي نالت شيء من الامتياز أو شبه الاستقلالية الاقتصادية والسياسية أثناء الحرب الباردة .
يستهدف مشروع الغزو الأميركي بعد انتهاء ما سمي بالحرب الباردة وتفكك الدولة السوفيتية الدول المتوسطة الحجم التي لديها قابلية النمو و قابلية عرقلة تقدم مشروع التحكم الأميركي بالعالم . ومن هذه الدول يوغسلافيا السابقة ، العراق وإيران وسوريا وكوريا الشمالية والجزائر(الدول التقدمية في العالم الثالث) وأفغانستان وغيرها ، أما الهند و الباكستان ومصر والعربية السعودية فهي عرّابة هذا المشروع سلفاً .
يهدف الغزو إلى إزالة كل إعاقة من وجه المشروع الأميركي للعالم في سبيل السيطرة على منابع النفط لقطع الطريق على الحلفاء والمنافسين من الأعداء، خاصة الدول المصنعة حديثاً في آسيا كالصين .
إضافة إلى إزالة النظم المعرقلة للمشروع الأميركي مما كان يسمى الدول التقدمية ، يسعى مشروع التحكم والسيطرة الأميركي إلى تأمين تطبيع وضع إسرائيل في المنطقة العربية والعالم عبر انسحابات انتقائية صغيرة تقوم بها إسرائيل يقابلها هجوم أمير كي شامل على العالم عموماً والمنطق العربية خصوصاً وذلك لحشر خصوم إسرائيل بمساعدة قرارات "الشرعية الدولية" وإرادة المجتمع الدولي التي تحكمها الولايات المتحدة .
يدخل النظام السوري حسب الرؤية السابقة تحت ما كان يسمى "بالدول التقدمية " التي حققت بعض الاستقلال على شرف الحرب الباردة والصراع العالمي ، كما أنجزت إصلاحاً زراعياً و بعض التأميمات خاصة قطاع النفط والغاز الطبيعي وملحقاتهما . مما أعطاها بعض الهوامش للمناورة الإقليمية والدولية وحقق لها بعض الاستقرار المشوب بمواجهات عنيفة أحياناً مع طبقات وقوى تقليدية .
بهذا المعنى النظام السوري مستهدف في شكله الاستبدادي و العصبويّ آخراً وفي اقتصاده السياسي أولاً . النظام الإمبريالي العالمي تحت الحكم الأميركي غير معني بأشكال الحكم سواء أكانت مستبدة أم تعددية ، جل انشغاله بالاقتصاد السياسي لبلد من البلدان ودرجة استقلاليته وخروجه عن التحكم الأميركي الإمبريالي.
في الشرق الأوسط يطمح النظام الإمبريالي الأميركي لتحويل نظم المنطقة إلى ما يشبه النظام في إسرائيل وإيران ولبنان والعراق ، إلى نظام طوائف ، والطائفية هنا ليست الفرقة الدينية بثقافاتها المتنوعة وعواطفها الملوّنة تجاه بعض رموز الميراث الديني ، بل هي أي الطائفية نظام كولونياليّ متجدد تحت وقع إحباط التحديث الاجتماعي/الاقتصادي في البلدان العربية، إحباط جاء الغزو الإمبريالي الأميركي الجديد ليبتزه ويكرسه معيداً المنطقة مئة عام نحو الخلف .
النظام السوري مستهدف من هذه الناحية كنظام علماني تلفيقي ، حتى هذه التلفيقية لم تعد مواتية لمشروع التحكم الأميركي الجديد .
نقاط ضعف النظام السوري القائم: الاستبداد معرفاً بانفراد حزب بعينه بالسلطة السياسية وبالإشراف الكلي على جميع قطاعات المجتمع ، مما يعني تجويفاً سياسياً للمجتمع مترافق مع تكييف شديد للأنصار من الحزب الحاكم وللأصدقاء والمتعاطفين معه. مما يخلق نوع من اللامبالاة السياسية العامة ومن قلة المبادرة الشعبية المستقلة ومن شعور بالعدمية تجاه الشأن العام .
العصبوية بما يخص النظام الحاكم أي عدم إشراك المزيد من ممثلي الطبقات الهامشية في صنع القرار السياسي منه والاقتصادي وسيطرة عصبة صغيرة على القطاعات الرائدة والمربحة في الاقتصاد السوري واحتكارها . مع انكشاف أيديولوجي للنظام بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد وبعد طي جزئي لأيديولوجية البعث للتخفيف من مظاهر حزبية الدولة المنفرة
العصبوية والاستبداد منبع ثر للفساد بكل أشكاله الإدارية والاقتصادية وهذا الفساد يعمل على مؤازرة اللامبالاة تجاه الشأن الوطني العام وتعزيزها .
ارتفاع نسب البطالة إلى مستويات غير مقبولة بالتزامن مع استثمار فقير خاصة في قطاع الدولة الذي تم إهماله بشكل متعمد تمهيداً لبيعه للقطاع الخاص الجديد في المزاد العلني .
نقاط قوة النظام :
لاشك أن نقطة القوة الرئيسية للنظام السوري هي في وضعه الإقليمي فهو نافذ في فلسطين ولبنان والعراق والأردن وهذا آت من وضع سوريا الرئيسي بما يخص الوضع الجيوسياسي ومن حرص نظام البعث في سوريا على تعزيز نفوذه ودوره الإقليمي خاصة بعد "الحركة التصحيحية " 1970 فقد عزز النظام علاقاته العربية مع العربية السعودية ومصر ، وبعد الثورة الإيرانية عزز تحالفه مع إيران وتبنى المنظمات الفلسطينية المقاومة، إسلامية وغير إسلامية ، ودعم المقاومة الإسلامية في لبنان بالتفاهم والتنسيق مع إيران بما فيها حزب الله وحركة أمل . وهو يدعم أحزاب ومنظمات "علمانية وقومية" في لبنان كحلفاء وأنصار .
كما أن المنظمات الفلسطينية المقاومة تجد في دمشق قاعدة لاستقرار قياداتها السياسية في الخارج
النظام السوري لا يخفي تعاطفه ودعمه الضمني للمقاومة العراقية على الرغم من التعقيدات السياسية والإقليمية والعقائدية لهذه المقاومة وتعرقلها ببعض الأعمال الإرهابية المشبوهة .
إنني إذ أؤكد على ضرورة شن هجوم مضاد منسق مع الحلفاء والأصدقاء مدروس ومحسوب النتائج السياسية رداً على الهجوم الإمبريالي الأميركي ، ومن رؤيتي بأن أي اقتلاع للنظام في هذه الظروف سوف يولد كارثة ودماراً في سوريا لا يمكن التكهن بمدى اتساعه وخطورته ، ومن حرصي على نجاح المواجهة تجاه الغزو الكولونياليّ الجديد فإننا أشدد على التالي :
تعزيز عناصر القوة الداخلية عبر مزيد من الثقة بالشعب السوري ونخبه السياسية الكامنة والمعلنة عبر طرح قانون الأحزاب للنقاش العام وعلى الفور. وإطلاق سجناء الرأي وإعادة الحقوق المدنية للسجناء المفرج عنهم والتعويض عليهم . كما تتطلب تعزيز عناصر القوة الداخلية الإسراع الإداري والتقني في حل مشكلة الأكراد البدون بطاقة هوية سورية . ويتطلب ذلك أيضاً تحديث قطاع الدولة وتجديده بما فيها قطاع الخدمات في المدن السورية ، وهذا يفترض مواجهة جدية ومن أعلى المستويات السياسية لظاهرة الفساد المنتشرة كالوباء في جميع المفاصل الإدارية والاقتصادية . يضاف إلى ذلك التحسين المستمر لمستوى معيشة الجماهير الكادحة ومن ذوي الدخل المحدود ، لتتماشى مع الأسعار المتصاعدة باستمرار. وتبقى أخيراً مسألة تجديد الاستثمار في قطاع الدولة للتخفيف من البطالة بشكل جوهري وفعال إضافة إلى التسهيل الإداري لقروض البطالة .
التنسيق مع عناصر القوة الإقليمية بحكمة وتأني لأن الخطأ هنا مكلف وغير قابل للإصلاح .
لا يمكن الدفاع بشكل جيد وخلق هوامش للمناورة تجعل الأخطاء أقل إلا باستنفار جميع عناصر القوة الداخلية والإقليمية والتنسيق معها بترو وصبر . ذلك أن النظام الأميركي يعمل بتأني، وهو يتصيد الأخطاء ويصعّد مع كل خطأ وكل بلبلة تحدث .
كان جيداً أن يحسم الخطاب الرئاسي مبدئياً خيار الصمود و المواجهة لأن التراخي وعدم الحزم في الأشهر السابقة على الخطاب خلق بلبلة إضافية غاية في الخطورة على الوضع السوري العام. إن ما يقلقنا في الخطاب الرئاسي الأخير هذه الفقرة من الخطاب التي تقول: "مرة أخرى أننا منفتحون للتعاون مع الأخوة العراقيين من دون حدود سواء لضبط الحدود مباشرة أو لضبط ما هو خلف الحدود من خلال التعاون الأمني وغيرها من الإجراءات الأخرى. و التي قد يفهم منها إمكانية مساعدة الاحتلال الأميركي في العراق تحت أية ذريعة للخروج من مأزقه في مواجهة المقاومة الوطنية العراقية وكان يفترض توضيح هذه الإمكانية للتعاون ، هل هي مع وجود الاحتلال أم مع حكومة عراقية تنتخب بعد خروجه يأتلف حولها جميع القوى السياسية والشعبية في العراق مع تأمين أمن بديل عن "أمن الاحتلال" الأميركي .
إنني أؤكد على أن المسألة الديمقراطية في سوريا لا يمكن إنجازها إلا عبر انفتاح النظام القائم وتحسين أداءه ، وليس عبر اقتلاعه واستبداله بنظام كولونياليّ طائفي. هذا التغيير في النظام وبواسطته يكون عبر بناء تعددية حزبية تبدأ بطرح قانون الأحزاب للنقاش العام كي تشارك جميع القطاعات الناشطة السورية في نقاشه واعتماده . في سبيل بناء مشاركة سياسية حقيقية مترافقة مع تحديث لقطاع الدولة التي تكون قد جردت من حز بيتها ونظفت من الفساد الإداري والاقتصادي.