رسالة مفتوحة الى السادة رئيس الوزراء و زعماء الاحزاب الاسلامية الحاكمة في العراق


بهاءالدين نوري
الحوار المتمدن - العدد: 5146 - 2016 / 4 / 28 - 10:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     


أوجه اليكم هذه الرسالة، وقد تكون آخر رسالة لانني شيخ في التسعين من عمري و أعيش أواخر أيام حياتي على فراش المرض. وقد قدر لي أن اتابع تطورات الوضع في العراق و في العالم منذ ان انتميت الى الحزب الشيوعي العراقي عام 1946 و بعد أن تركت صفوفه عام 1984 و حتى اليوم. كرست زهرة شبابي و كل حياتي للنضال من أجل الشعب، وخاصة من اجل الفقراء، أبان 12 سنة من العهد الملكي مرورا بعهد عبدالكريم قاسم فالعهد البعثي، وصولا الى عهدكم الاسلامي . و قد ظللت سياسيا نظيفا لم يلوثني الفساد السياسي ولا الفساد المالي.
ذكرت ما اسبقت لأعطي نفسي الحق في توجيه النقد و النصح اليكم و في دعوة الشعب بجميع مكوناته من العرب و الكرد و الاقليات الى توحيد كلمته و ممارسة الضغط بجميع الاساليب السلمية المشروعة عليكم لحملكم على الاستجابة لمطالبه في الحياة الحرة الديمقراطية المرفهة. حيث ترفرف راية السلم و الأمان و الديمقراطية و رفاه العيش على ربوع البلاد، الذي وهبته الطبيعة ثروات هائلة، سيما البترولية، التي اتخذ منها حكامه المتخلفون الحمقى وسيلة لا لتقدم البلد و رفاه الشعب، بل لاشاعة الارهاب و الدكتاتورية و لاثارة الحروب و التدمير و سفك دماء الابرياء.
صحيح انكم استلمتم السلطة، ايها السادة، عبر الانتخابات البرلمانية و بعد أن شاركتم في النضال وقدمتم التضحيات الكبيرة لازاحة النظام الدكتاتوري البغيض، لكن الجماهير لم تصوت لكم لكي تستغلوا تسلطكم على الحكم بغية اقامة حكم طائفي يثير الانقسام في صفوف الشعب و اشاعة الفساد المالي الواسع و نهب مليارات الدولارات من الاموال العامة التي كان من المفترض أن تنفق على الخدمات العامة ، لتوفير الكهرباء و مياه الشرب و اعادة بناء الخراب الواسع الذي خلفه صدام حسين. و يؤسفني ان أقول لكم انكم قلدتم صدام التكريتي في نواح شتى من حيث اساليب الحكم، و بالأخص خلال ثماني سنوات من رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية حيث بلغت المبالغ المنهوبة مئات المليارات من الدولارات حسب مقال نشره وزير النفط عادل عبدالمهدي. و هو من قادة المجلس الاسلامي الاعلى. و ذكرت الادارة الامريكية، على لسان سفيرها السابق كريستوفر هيل في جوابها لكم. عندما طلبتم منها الدين و المساعدة لتسديد نقص الميزانية، أن 220 مليارا من الدولارات قد نهبت من موارد الدولة. و دعتكم الى استرجاعها و دفع الرواتب منها. فماذا عملتم انتم سوية لتشخيص الفاسدين و استرجاع المنهوبات، ام سكتتم لأن الجميع مشاركون في نهب اموال الشعب؟ و لماذا لم تتخذوا ابسط الاجراءات ضد المتهم الرئيسي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يسرح و يمرح في شوارع بغداد سكرتيرا لحزب الدعوة و ناشطا من أجل الحفاظ على الطابع الطائفي للنظام القائم ؟ ان السراق لم يكونوا من خارج صفوفكم، انتم الحاكمين. فمن منكم حوسب و عوقب ؟ وهل يصلح لحكم البلد ولادارة شؤونه"حرامية" كبار ينهبون ثرواته و موارد ميزانيته؟ ورغم ان تهمة الفساد وحدها بهذه الضخامة تكفي لاقصاء أي امريء عن الحكم و تقديمه الى القضاء، في ظل دولة القانون، الا أن هناك خطيئة اخرى لاتقل خطورة عن خطيئة الفساد المالي _ و اعني بناء أحزابكم شيعية كانت ام سنية على أسس دينية _ مذهبية. صحيح أن السلطنة العثمانية _ السنية_ كانت وراء اثارة أولى الخطوات الطائفية.المنحازة الى السنة في توزيع المناصب، الا أن ظهور الحياة الحزبية الحديثة في العراق بعد الحرب الثانية كان بشكل صحيح بعيد الحرب الكونية الثانية اذ بنيت الاحزاب ( الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجى و الاحرار بزعامة سعد صالح و الاتحاد الوطني بزعامة عبدالفتاح ابراهيم و التحرر الوطني بزعامة حسين محمد الشبيبي.. الخ. على اسس وطنية عراقية بعيدا عن العنضات الدينية_ الطائفية.وقد سار صدام حسين في سني حكمه على نهج مغاير، طائفي، بل عشائري اذ وضع ابناء عائلته و اقاربه مواطنين من الدرجة الأولى. وكان المفروض أن ينتهي ذلك مع نهاية حكم صدام. ولكنكم قلدتموه و بنيتم احزابكم منذ البداية من منطلقات مذهبية_ طائفية، للشيعة أو للسنة.ولم يبق في الساحة العراقية أي حزب وطني يتحدث بأسم العراق سوى الشيوعيين، الذين لم يعد لهم دور يذكر. ونجم عن تأسيس الاحزاب الطائفية تأجيج الصراعات الطائفية الرهيبة الدموية، وتشكيل الميلشيات الطائفية. ولم تتردد حتى عن تفجير الجوامع و الحسينيات و الاضرحة المقدسة و قتل مئات الابرياء من المواطنين.
وبدلا من ان يعترف المالكي بفشله في ادارة الحكم و يتنحى عن الكرسي، كما يفعل الساسة في البلدان الاوروبية، فانه استغل منصبه لتشديد الطابع الطائفي للحكم و وتر الخلافات مع السنة العرب و مع الاكراد و تصرف منفردا لاعادة لملوم من فلول جيش صدام و رفض الاستجابة لطلب السنة بجعل منطقتهم اقليما في عراق فيدرالي بزعم ان ذلك معناه الانفصال عن العراق و قطع الرواتب عن موظفي الدولة في اقليم كردستان و انصرف الى النشاط المكثف لتمديد رئاسته الى ولاية ثالثة، و استمر على دعمه لنظام البعث السوري الذي لم يختلف في شيء عن نظام صدام سوى انه كان طائفيا علويا، حتى بوغت باحتلال عصابات داعش الارهابية للموصل و انهيار الجيش الذي كان يعتمد عليه كأنهيار عمود من الرمال و وقوع قسط ضخم من مختلف اصناف اسلحة الجيش العراقي في أيدي الارهابيين. و لولا مبادرة قوات البيشمركة في التصدي لداعش لوسع الارهابيون المناطق المحتلة و طوقوا العاصمة بغداد من الغرب و الشمال. وبدلا من التنحي عن السلطة كثف جهده في تجنيد الميلشيات الطائفية حتى فاق عددها عدد افراد الجيش و باتت تهدد بانقلاب عسكري ميليشياوي قد يؤدي الى حرب اهلية.
ان الوضع الذي يمر فيه العراق اليوم، بعد 12 عاما من حكمكم، انتم الاسلام السياسي، بالغ التعقيد من شتى النواحي، السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية. فالعراق اليوم يعيش في أزمة عنيفة و شاملة، سياسة و اقتصادية و اجتماعية و عسكرية، بعد مرور اكثر من عشر سنوات من وجودكم في الحكم. ولم تأت هذه الأزمة الا كنتيجة طبيعية للسياسة الطائفية التي اتبعتموها باسم الاسلام و اسأتم بها الى الاسلام و المسلمين. فالاسلام أياكان المذهب، لم يأت ليبيح لمن يحكمون البلد حق السرقة و نهب الاموال العامة كما حدث في سني حكمكم. فالرجل الذي يسرق و ينهب هو الذي يساق الى قاعة المحكمة، علمانيا كان ام اسلاميا، و لايحاكم دينه مسلما كان أو مسيحيا، بل يحاكم نفسه على ما فعله شخصيا. وقد اثبتت الوقائع الدامغة أنكم، انتم قادة الاسلام السياسي الحاكمين في العراق خلال السنوات الاخيرة في العراق انكم متورطون في فساد مالي كبير اضافة الى شق الصفوف الوطنية من منطلقات طائفية، الامر الذي هيأ الظرف الملائم لتمكين العصابات الارهابية من احتلال قسم كبير من العراق و الحاق أذى و اضرار جسيمة بالبلاد، و خصوصا بالمناطق المحتلة. ان مباديء العدل تتطلب تقديم المتورطين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الى القضاء، كما ان الواجب الاخلاقي يقضي من المتهمين بالفساد تقديم الاستقالات من الوزارات، بأستثناء من يثبت براءته. وبالنظر الى أن تجربة حكم الاسلام السياسي في العراق قد انتهت الى الفشل و أن تجربة السياسي اللبرالي السيد أياد علاوي لا تبشر بخير، خصوصا بعد نشر وثائق بنما و اتضاح ان علاوي كان أحد المتورطين، فان الديمقراطيين اللبراليين في العراق من شتى القوميات و الطوائف و الأديان مدعوون الى اقامة تجمع جديد لخوض الانتخابات النيابية و تكوين كتلة برلمانية علمانية في البرلمان، اللاحق. ومادام الطريق السلمي البرلماني هو الصحيح فان ذلك أمر منطقي و ضروري و سوف يتكلل بالانتصار.
وفي ختام رسالتي اناشدكم، ايها السادة الحاكمون اسلاميين كنتم ام علمانيين، ان تستمعوا الى صوت العقل و المنطق و تدركوا مسؤوليتكم التأريخية ازاء هذا الشعب المنكوب، الذي عانى الكثير من الويلات و المصائب عبر العهود المتعاقبة. اناشدكم حل المشاكل و الازمات، التي صنعتموها بانفسكم وراء المصالح الشخصية و الفئوية، بالسبل السلمية الديموقراطية. ولاعيب في أن يتنازل المرء عن مصالحه لمصلحة الشعب و الوطن. و قد قال الحكماء( التراجع عن الخطأ فضيلة) و اسمحوا لي بأن اطرح أدناه مقترحاتي للاصلاح:
برنامج للاصلاح
1- مفتاح الحل الحقيقي الراسخ للمشاكل انما هو تطبيق الديمقراطية على الطراز الاوروبي باقامة دولة القانون و المؤسسات و اعتماد الانتخابات البرلمانية الحرة النزيهة و تداول السلطة، واصلاح نظام ادارة الدولة على الطراز الحديث.
2 – نبذ النظام الطائفي بشتى مظاهره و رفض المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب و اعتماد المواطنة العراقية و الكفاءة و الاخلاص و النزاهة في توزيع المهام و الوظائف.
3 – تشكيل حكومة تكنوقراط لاحزبية لمدة سنة الى سنتين و انهاء عملها بأجراء انتخابات برلمانية حرة و نزيهة في جو ديمقراطي حر.
4 – اصدار تشريع متكامل يضمن الشفافية التامة مقرونة بالرقابة القانونية على مصروفات الدولة و معاقبة المتجاوزين على الاموال العامة.
5 – تحويل العراق الى دولة فيدرالية طوعية تضم اقاليم من مكوناته الرئيسية مع ضمان الحقوق العادلة لكافة الاقليات العرقية و الدينية.
6 – الاتفاق مع حكومة الاقليم على: تحديد موعد لتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي + اعطاء حصة الاقليم من الميزانية (17%) و استلام ملف النفط الاقليمي لبغداد + دفع تعويض معقول الى حكومة الاقليم عما انفقته على الاسهام في ايواء المهجرين الى كردستان هربا من الدواعش.
7 – تقوية الجيش نوعا و عددا و الغاء كافة الميلشيات الطائفية و الحزبية، وحصر السلاح في ايدي الدولة و اصدار قانون التجنيد الاجباري لمدة ستة اشهر.
8 – اعطاء الاولوية لتحرير الموصل و بقية المناطق من الدواعش و اعادة كافة المهجرين الى بيوتهم و تقديم العون لهم لاعادة البناء.
9 – الحفاظ على استقلالية القرار الوطني العراقي و منع التدخل من كافة الدول المجاورة.