من سفك الدماء الى تأسيس أديان أرضية : الكيسانية وتوابعها الالحادية


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5129 - 2016 / 4 / 10 - 19:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

من سفك الدماء الى تأسيس أديان أرضية : الكيسانية وتوابعها الالحادية
أولا : خزعبلات الكيسانية :
1 ـ ظهرت السبئية فى حياة (على بن أبى طالب ) تؤلهه ، ثم ظهرت الكيسانية بعد موت محمد بن على بن أبى طالب ، تؤلهه أيضا ، وتختلف فيما بينها ، بعضها يتطرف فيجعل ابن الحنفية أفضل من أخويه الحسن والحسين وبعضها يقدسه ولكن يعاقبه لأنه بايع عبد الملك بن مروان .
2 ـ لم يكن اسم الكيسانية موجودا فى حياة ابن الحنفية ، ظهر وشاع بعد موته ، ولذا كان مختلفا فى أصله يقول ابو الحسن الأشعرى فى كتابه ( مقالات الاسلاميين ): الكيسانية : (وإنّما سمّوا كيسانية لأنّ المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد ابن الحنفية كان يقال له كيسان ، ويقال إنّه مولى لعلي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ) وبعضهم يطلق على ابن الحنفية ـ بعد موته ـ إسم كيسان . وهذا يعنى ان الاختلاف والاختلاق صاحبا الكيسانية من البداية حتى فى إسمها .
3 ـ . ويذكر الأشعرى الفرق المختلفة للكيسانية : ( وهي إحدى عشرة فرقة : الفرقة الأولى من الكيسانية : يزعمون أنّ علي بن أبي طالب عليه‌ السلام نصّ على إمامة ابنه محمد ابن الحنفية. والفرقة الثانية : يزعمون أنّ علي بن أبي طالب نصّ على إمامة ابنه الحسن بن علي وأنّ الحسن بن علي نصّ على إمامة أخيه الحسين بن علي وأنّ الحسين بن علي نصّ على إمامة أخيه محمد بن علي وهو محمد ابن الحنفية. والفرقة الثالثة من الكيسانية ، هي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير ، يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية حيّ بجبال رضوى ، أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه ، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه. ومن القائلين بهذا القول كُثَيِّـر الشاعر وفي ذلك يقول :
ألاّ إنّ الأئمّة من قريش ولاة الحقّ أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط ، سبطُ إيمانٍ وبرّ وسبطٌ غيّبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الخيل يَقْدُمها اللواء
تغيّب لا يُرى فيهم زمان برضوى عنده عسل وماء
الفرقة الرابعة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية إنّما جُعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك ابن مروان وبيعته إيّاه. والفرقة الخامسة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية مات وأنّ الاِمام بعده ابنه أبو هاشم : عبد اللّه بن محمد الحنفية . والفرقة السابعة : قالت إنّ الاِمامة بعد موت أبي هاشم لابن أخيه الحسن بن علي بن محمد ابن الحنفية. والفرقة الثامنة : قالت إنّ أبا هاشم أوصى إلى أخيه علي بن محمد ، وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن ، فالاِمامة عندهم في بني الحنفية لاتخرج إلى غيرهم . والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور. الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه. الفرقة الحادية عشرة : يزعمون أنَّ الاِمام بعد أبي هاشم عبد اللّه بن محمد ابن الحنفية وعليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب . )( وقالت فرقة من الكيسانية إنّ محمد بن الحنفية هو المهدي ، وهو وصيّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولايُشهّر سيفه إلاّ بإذنه ، وإنّما خرج الحسن بن علي عليهما‌ السلام إلى معاوية محارباً له بإذن « محمّد » وأودعه وصالحه بإذنه ، وأنّ الحسين إنّما خرج لقتال يزيد بإذنه ، ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلاّ ، وأنّ من خالف محمد ابن الحنفية كافر مشرك. ) أى يفضلون ابن الحنفية على أخيه الحسين .

4 ـ ونضع بعض ملاحظات :
4 / 1 : عاش الجيش الذى صحب ابن الحنفية معه ثم مع اولاده بعده ، متمتعين بكرم الأمويين ، ولم يمنعهم هذا من التآمر على الدولة الأموية بتكوين تنظيم سرى عنقودى للدعوة الى إقامة خلافة لشخص مجهول ( الرضى من آل محمد ) كان هو ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية . وإكتشف الأمويون الأمر عام 99 ، ووضع الخليفة سليمان بن عبد الملك فى طريق أبى هاشم من سقاه السُّم ، وأحسّ ابو هاشم بالموت وهو فى الطريق ومعه أسرار الدعوة العنقودية ، وكان فى طريقه وقريبا منه ابن عمه ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) فسار اليه وأفضى اليه بأسرار الدعوة ، وجعله ( الرضى من آل محمد ) صاحب الدعوة . وبهذا إنتقلت الدعوة السياسية من فرع الطالبيين الهاشميين الى فرع العباسيين الهاشميين . ولم يحس الأتباع بهذا التغيير على رأس الدعوة وصاحبها . وإختلفت الكيسانية عندما نجح العباسيون بالدعوة الكيسانية فى إسقاط الدولة الأموية واكتشفوا أن جهادهم ذهب الى بنى العباس وليس الى بنى (على بن ابى طالب ) . إختلفوا . منهم من عارض التحول الجديد تمسكا بحق اولاد (على ) ومنهم من وافق على الوضع الجديد ، ورضى بتحوّل الأمر الى بنى العباس .
وظهر هذا الاختلاف ضمن الفرق الجديدة للكيسانية ، ونسترجع ما قاله الأشعرى عنهم : (والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور. ).
4 / 2 : وبعض الكيسانية أخرجت العلويين من الموضوع تماما ، وهى : ( الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي ، وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه. ). أى إن تنازل أبى هاشم لابن عمه العباسى جعلهم يزعمون أنهم الأولى بوراثة الكيسانية .
ثانيا : توابع الكيسانية :
1 ـ هذا المسمى ( بيان بن سمعان التميمى ) تحالف معه أفّاق آخر إسمه المغيرة بن سعيد . وقد قتلهم الوالى الأموى المشهور خالد بن عبد الله القسرى والى العراق عام 119. تقول الرواية : ( ذكر قتل المغيرة بن سعيد وبيان: في هذه السنة خرج المغيرة بن سعيد وبيان في ستة نفر، وكانوا يسمون الوصفاء، وكان المغيرة ساحراً، وكان يقول: لو أردت أن حيي عاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً لفعلت. وبلغ خالد بن عبد الله القسري خروجهم بظهر الكوفة وهو يخطب فقال::( أطعموني ماء؛ ) فقال يحيى بن نوفل في ذلك: أخالد لا جزاك الله خيراً ** وأير في حر امك من أمير
وكنت لدى المغيرة عبد سوء ** تبول من المخافة للزئير
وقلت لما اصابك أطعموني ** شراباً ثم بُلت على السرير.
لأعلاج ثمانية وشيخٍ ** كبير السن ليس بذي نصير ). وواضح ان الشاعر من الكيسانية . وتقول الرواية أن خالد القسرى أحرقهم بالنار . ( فأرسل خالد فأخذهم وأمر بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع وأمر بالقصب والنفط فأحضرا فأحرقهم. ) وتعرض الرواية لمعتقدات المغيرة الكيسانية : ( وكان رأي المغيرة التجسيم، يقول: إن الله على صورة رجل على رأسه تاج، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء، ويقول ما لا ينطق به لسان؛ تعالى الله عن ذلك، يقول: إن الله تعالى لما أراد أن يخلق تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع على تاجه، ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات، فلما رأى المعاصي ارفض عرقاً، فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والآخر عذب نير، ثم اطلع في البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار فأدركه فقلع عبيني ذلك الظل ومحقه فخلق من عينيه الشمس وسماء أخرى، وخلق من البحر الملح الكفار، ومن البحر العذب المؤمنين. وكان يقول بإلهية علي وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلا من ثبت مع علي، وكان يقول: إن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع، وكان يقول بتحريم ماء الفرات وكل نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة، ..وجاء المغيرة إلى محمد الباقر فقال له: أقرر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق. فنهره وطرده. وجاء إلى ابنه جعفر بن محمد الصادق فقال له مثل ذلك، فقال: أعوذ بالله! ) وتقول الرواية عن بيان بن سمعان التميمى ( الكيسانى ) : ( وأما بيان فإنه يقول بإلهية علي وإن الحسن والحسين إلهان، ومحمد بن الحنفية بعدهم، ثم بعده ابنه أو هشام بن محمد بنوع من التناسخ، وكان يقول: إن الله تعالى بفنى جميعه إلا وجهه، ويحتج بقوله: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}. تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. وادعى النبوة، وزعم أنه المراد بقوله الله جل وعلا : (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) آل عمران )
2 ـ المغيرة وبيان لم يكونا من قريش ، وكانت مفاجأة أن يأتى الالحاد من ذرية الطالبيين ، وهو (عبدالله ابن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ) ظهر فى فترة الاضطراب التى صاحبت سقوط الدولة الأموية ، ثار بالكوفة وتبعه ناس ، وانتهى أمره الى المسير الى اصفهان ، ( وغلب على تلك الديار , ثم ظفر به أبو مسلم الخرساني فقتله وقيل : سجنه إلى أن مات ) . وفى رواية تفصيلية : ( وكان قد خرج عبدالله هذا قبيل الدولة العباسية أوان اختلاف التزارية واليمينية وقال : " إني اجد الذي يلي الخلافة من بني هاشم اسمه عبدالله وليس فيهم من اسمه عبدالله يستحق ذلك غيري . " . فقدم الكوفة وجمع وأظهرأمره في الجبانة . وعلى العراق عبدالله بن عمر بن عبد العزيز من قبل مروان بن محمد ، فوجه اليه بخالد بن قطن الحارثي فهزمه عبدالله. ثم انه خرج إلى المدائن وغلب على الماهيين وهمزان واصبهان والري . وخرج الىه العبيد وتلاحق به الشداد ، ودخل فارس وجبى الاموال في سنة ثمان وعشرين ومائة. واتسع امره ، واستعمل اخاه الحسن على الجبال واخاه يزيد على فارس . وقصده الناس من بني هاشم وغيرهم . وقدم يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أميراً على العراق ، فوجه لحربه نباتة بن حنطلة الكلابي ، فهزمه . ثم وجه بابن ضبارة مع ابنه داوود بن يزيد ومعه معن بن زائدة فانهزم عبدالله بن معاوية من اصطخر، وقتل منهم ابن ضبارة واسر منهم خلقا. ومضى ابن معاوية الى سمنان ثم الى خرسان ثم وصل هراة هو واخوه الحسن ويزيد اخوه، فأخذهم مالك بن الهيثم ,وكان من قبل أبي مسلم فكتب اليهم يخبرهم فقال : " احبسهم إلى ان يأتيك أمري.". ووجه اليهم بعين ( جاسوس ) فحُبس معهم ، وكانوا يقولون ولا يدرون بمكان العين :" ابومسلم كذاب . ". فكتب العين إليه بذلك ، فجهز يطلبهم فحملوا اليه، فأطلق الحسن ويزيد ابني معاوية، وقتل عبدالله بن معاوية اخاهم. وقيل : بل مات سنة تسع وعشرين ومائة . ).
وقد ذكره ابن حزم في " الملل والنحل " ،وقال :( كان ردئ الدين معطلا يصحب الدهرية وذهب بعض الكيسانية إلى أن عبدالله حي لم يمت وانه بجبال أصفهان ولا بد أن يظهر . وكانت قتلته في حدود الثلاثين ومائة . , وهو مؤسس فرقة ( الجناحية ) الشيعية . ومنسوب لهم قولهم : ( أن الارواح تتناسخ ، وأن روح الله حلت في آدم ثم في الانبياء إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم في (علي ) ثم في أولاده الثلاثة من بعده , ثم صارت إلى عبدالله بن معاوية . وأنه حي لم يمت ومقيم في جبال اصبهان . وذهبوا إلى القول بإلهية الانبياء والائمة وكفروا بالقيامة فأنكروها وأباحوا شرب الخمر وأكل الميتة فكفروا بجميع ذلك . ).
أخيرا : أسئلة بريئة :
هل قدّم الشيطان إستقالته بعد موت النبى عليه السلام أم إتسع له المجال ؟ هل مسيلمة الكذاب .. هو وحده الكذاب ؟ وهل انتهت حركات الردة بعد مقتل مسيلمة و توبة طليحة وسجاح ؟ وهؤلاء الأمويون والقرشيون الذين أمضوا معظم حياتهم حربا للنبى محمد عليه ..ثم دخلوا فى الاسلام قبيل موته ..هل إنصاعوا الى الاسلام أم إستخدموه لمصالحهم ؟
وأخيرا ..الى متى يظل معظم تاريخ ( المسلمين ) فى القرن الأول الهجرى مسكوتا عنه ؟ والى متى يظل التطبيل لتاريخ الخلفاء مناخا لأحلام عودة الخلافة بكل ما فيها من حمامات دم وفسق وإلحاد ..؟ وهل جاءت داعش وأخواتها من فراغ أم من مناهج التعليم وتزوير التاريخ ؟