بؤس النقد لدى السيد أحمد شركت، الجزء الثالث


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5118 - 2016 / 3 / 30 - 08:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من خلال الورقتين السابقتين حاولت استعراض بعض الأمثلة عن أوجه بؤس نقد السيد أحمد شركت لورقة عبد السلام أديب ولشخصه، حيث تحول هذا النقد الى مجموعة من الشتائم الشخصية وخدمة النقيض الطبقي، وتتناول أبعادا تغرق صاحبها في الكثير من التناقض مع نفسه وترمي به ضبابية المثالية المجردة من كل منطق بعيدا عن ما يدعيه من تحليل مادي طبقي مع غياب مطلق للموضوعية.

ونواصل من خلال هذه الورقة الثالثة مظاهر بؤس نقد السيد أحمد شركت، خاصة وأن الناقد يعتبر نفسه "ماركسيا" بحسب مقاله النقدي بالذات، وفي نفس الوقت كطالب جامعي بكلية الحقوق وبصدد تحضير شهادة الماستر، وحيث يجب أن تكون كتاباته أكثر دقة من هذا البؤس المفضوح في ورقته، بل لقد أورد الناقد كلمة الماركسية أربع مرات معزولة عن سياق مضامين نقده، فأولا في عنوان مقاله النقدي: "الماركسيون المزيفون وكيف يشوهون الماركسية"؛ ثم ثانيا في الفقرة الثانية من المقال: "الادعاء بالتحليل الماركسي"؛ ثم ثالثا في الفقرة الخامسة: "اعتمد الكاتب مصطلحات ومفاهيم لا علاقتها مع الماركسية"؛ ثم رابعا في الفقرة الأخيرة: "اقول لهؤلاء التحريفيين والتحريفين الجدد اتركوا الماركسية".

فمن جهة لا يدري قارئ المقال النقدي عن أية "ماركسية" يتحدث الناقد، فهل هي ماركسية "ماركس" فقط أم هي "ماركسية لينينية" أم هي "ماركسية التحريفيين برنشتاين وكاوتسكي"، أم هي "ماركسية روزا لوكسمبورغ" أم هي "ماركسية تروتسكي" وهل يتحدث عن "ماركسية ستالين" أو "أنور خوجة" أم "ماركسية ماوتسيتونغ"، وهل يتحدث الناقد عن "ماركسية الشرق" كما تبلورت في روسيا والصين أم "الماركسية الغربية" كما حاولت الدفاع عنها "مدرسة فرانكفورت". فالناقد يعتبر الماركسية "ككلمة فقط" ملكية اقطاعية له ربما ورثها عن أجداده ومن حقه ان يطرد منها من يشاء ويقبل داخلها بمن يشاء، لكن لم يوضح لنا السيد شركت عن أية ماركسية يتحدث، وحيث أن لكل ماركسية أهلها وورثتها والطريقة التي فهموها بها. أما بالنسبة لعبد السلام أديب المقصود بالنقد، فهو يعلن بشكل واضح أنه ماركسي لينيني الانتماء الفكري، بينما ظل الناقد يتحدث عن "الماركسية" بشكل مطلق دون أن يحدد طبيعة فهمه لها.

بالإضافة الى ما سيق فإن السيد أحمد شركت يتناول بنقده قضايا سياسية لا علاقة لها بالماركسية بينما يحاول في المقابل ان يسقط عليها طابع الماركسية، ولنأخذ على سبيل المثال كافة محاور نقده، حيث لم يرد أي محور منها صراحة في كتب كارل ماركس المعروفة طبعا من الأيديولوجية الألمانية حتى رأس المال. فبغض النظر على المفاهيم العامة التي أوردها الناقد في مقدمة نقده مثل حديثه عن "مبادئ التحليل الطبقي الثوري المادي الديالكتيكي التاريخي للواقع الملموس" وهي جملة اعتراضية "مهلهلة" يرمي الناقد من ورائها در الرماد على العيون فقط لإيهام القراء بجدية وصلاحية نقده، في حين أن المقال النقدي نفسه يؤكد على أن الناقد لا يدرك حقيقة تلك المصطلحات التي يرددها كالببغاء اليوم الكثير من الشباب مثل السيد أحمد شركت دون فهم مضمونها؛ فإن كافة مضامين محاور النقد الأخرى، عبارة عن مواقف سياسية قد تكون انتجتها مواقف لتيارات سياسية بعينها، قد نتفق معها وقد لا نتفق. فقد انتقد السيد أحمد شركت استعمال مصطلحات بعينها مثل "الاستهداف الإمبريالي الرجعي لشعوب دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" فالناقد اعتبر أن استعمال هذه "المصطلحات والمفاهيم لا علاقتها مع الماركسية" أريد أن أسأل الناقد هنا، ألم يستعمل ماركس كلمة الأنظمة الرجعية أو على الأقل المواقف الرجعية ثم هل سبق له أن قرأ كتابا للرفيق لينين اسمه "الامبريالية أعلى مراحل الامبريالية" كما أطلب منه أن يذكر لي أمثلة عن بعض كتابات البرجوازية والبرجوازية الصغرى تتحدث عن الأنظمة الامبريالية والرجعية؟. فإذا كان السيد شركت يعتبر هذه المصطلحات غير ماركسية فما هي الماركسية بالنسبة له؟ فهل السيد شركت من أتباع أصحاب "مفهوم الجوهر الحي للماركسية" كما بلورها بعض التحريفيين في بلادنا والذين نقلوه حرفيا عن كتاب التحريفي روجي غارودي "ماركسية القرن العشرين" الصادر سنة 1966.

ثم متى كان استعمال مصطلحات من قبيل تلك التي انتقدها السيد شركت: "استهداف دول الشرق وشمال إفريقيا، الأزمة السورية، الأزمة اليمنية، الأزمة الليبية" يعتبر فهما ليبراليا؟ ففي أي كتاب لكارل ماركس تعلمت ذلك يا سيد شركت؟ ثم هل سبق لكارل ماركس أو للرفيق لينين ان استعمل عبارة "اللوبي الطبقي الصهيوني" في كتاباتهما حتى تتهمني لعدم استعمالي لها بخروجي عن الماركسية؟ ألا يعتبر هذا هو بؤس النقد بعينه؟ ثم هل لمجرد أنني لم استعمل العبارة التالية "دول طبقية رجعية لاوطنية لا ديمقراطية لا شعبية تبعية للإمبريالية والصهيونية" يدخل تحليلي في زمرة "المنظور البورجوازي للواقع المادي، وليس المنظور البروليتاري الذي لا يقبل الغموض والتحريف" كما تقول؟ فمتى استعمل ماركس ولينين مثل هذه العبارة في كتاباتهما؟ وعن ماذا تتحدث يا سيد شركت؟ فهل تعني المفاهيم السياسية المستحدثة خارج الماركسية أم تتحدث عن المفاهيم الماركسية المحددة في كتابات وتجربة كارل ماركس؟

إن بؤس نقد السيد أحمد شركت يتعمق أكثر عندما يختلط عليه الأمر فيتهم صاحب المقال "بتناول الأحداث من منظور ديني شيعي"، فكيف توصل السيد شركت الى هذا الاكتشاف العبقري الهائل؟ عبد السلام أديب محلل شيعي !!!! لماذا؟ لكونه كان يصف طبيعة الصراع الديني القائم فعلا بشكل مادي في المنطقة بين الشيعة والسنة بمختلف تلاوينها، وليس كما تتصوره ذهنية السيد شركت المثالية المجردة. المقال ينتقد الشيعة والسنة معا والنظامين القروسطويين السعودي والإيراني معا. فهل السيد شركت مأجور من طرف السنة السعوديين الوهابيين للدفاع عن أضاليلهم ضد تحليل ونقد عبد السلام أديب الشيعي؟ ان مجرد التفكير في ذلك، أمر مقزز لي ويفضح بؤس نقد السيد أحمد شركت، بل يفضح الجهل المطلق للسيد شركت بالتحليل الملموس للواقع الملموس والذي حاولت تأكيده من خلال الورقة السابقة.

في مكان آخر من نقد السيد أحمد شركت، يلجأ فيه الى شن حملة شعواء على عبد السلام أديب لأنه "لم يستخدم ولو كلمة واحدة تعبر عن حركة الصراع الطبقي الدائر في سوريا بين التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي من جهة ومن جهة أخرى الشعب الثوري السوري" ليلاحظ القارئ المتتبع كيف عاد السيد شركت الى استعمال نفس العبارة التي انتقدها سابقا في مقال عبد السلام أديب وهي "التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي" ثم ينزلق بعد ذلك ليقع مرة أخرى على رأسه عندما يشوه مفهوم الصراع الطبقي المحدد بوضوح في النظرية الماركسية على أنه صراع بين طبقتين أساسيتين هما الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، لكن السيد شركت يحرف هنا هذا المفهوم ويحوله الى هنا بين "التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي والشعب الثوري السوري العظيم"، ان جميع التحريفيين ركزوا أساسا على تحريف هذا المفهوم بالذات أي الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية والذي يقود حتما في سيرورة تاريخية الى الثورة وبالتالي الى نظام ديكتاتورية البروليتاريا حيث تكون السيادة للطبقة العاملة للقضاء على الطبقات ثم الانتقال الى المجتمع الشيوعي. فهؤلاء التحريفيين حاولوا دوما انكار أي دور للبروليتاريا واستبداله بمفهوم "الشعب" الذي يعني النظام الطبقي القائم في زمان ومكان معين، وبطبيعة الحال الانتصار للبرجوازية المهيمنة بدون شريك داخل هذا النظام. فعندما ينتصر السيد أحمد شركت "لثورة الشعب السوري العظيم" فإنه ينتصر في الواقع "لنظام بشار الأسد البرجوازي الطبقي الدكتاتوري" لأن مفهوم الشعب يضم كافة الطبقات الخاضعة لهيمنة الطبقة البرجوازية الحاكمة. وهذا الموقف السياسي هو موقف تحريفي مناهض للماركسية على طول الخط. فهل السيد أحمد شركت يريدني أن أنتصر للنظام السوري الطبقي الديكتاتوري حتى أصبح متمركسا مثله؟. إن أشكال الصراع متعددة ومن بينها الصراع الطبقي، لذلك فان الصراع بين الامبريالية والصهيونية والرجعية ضد الشعب السوري، لا علاقة له بالصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية. لذلك عليك السيد شركت أن تصحح مفاهيمك وتحدد مواقفك.

أخيرا، عندما يتناول السيد شركت القضية الفلسطينية التي لم تكن أبدا قائمة في عهد كارل ماركس، فإنه يبدأ بالهديان ويعيب على عبد السلام أديب استعمال عبارة الانتفاضة الثالثة للشعب الفلسطيني وعدم تطرقه لإسرائيل !!!! فهل هذا الاستعمال دليل على عدم ماركسية الكاتب؟ إن بؤس نقد السيد أحمد شركت يفوق كل تصور، فهو نابع عن بؤس فكري وأخلاقي، وعن نوع من الرعونة والتسرع، لا تليق بشخص يدعي الماركسية ويعتبر طالبا جامعيا بكلية الحقوق بوجدة والتي من المفروض أن تجعله يتحلى بالكثير من التواضع والحرص على الدقة في اختيار المصطلحات.