الاشتراكية ذات الخصائص الصينية


صلاح عدلى
الحوار المتمدن - العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 07:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

بدعوة من الحزب الشيوعي الصيني قضيت في الصين عشرة أيام ممثلا للحزب الشيوعي المصري، ضمن وفد للاحزاب الشيوعية اليسارية العربية ضم 20 قياديا لـ 16 حزبا من 8 دول عربية، وقد شارك في الوفد من مصر الزميل محمد الطنبولي عن حزب التجمع والسفير معصوم مرزوق عن حزب التيار الشعبي، وكان الغرض من الزيارة هو تدعيم اواصر التعاون والصداقة بين الحزب الشيوعي الصيني والاحزاب اليسارية العربية. وكان لها هدفان رئيسيان الاول هو التعرف عن قرب على تجربة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والتي من اهم جوانبها "اشتراكية السوق"، وهي النظرية التي صاغها الرفيق دنج هسياو بنج بعد وفاة الزعيم التاريخي ماوتسي تونج، وبدأ تطبيقها في الصين منذ عام 1978 وعرفت باسم سياسة الاصلاح والانفتاح. والهدف الثاني من الزيارة هو عرض رؤي الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية للاوضاع المتفجرة التي تتعرض لها البلدان العربية في المنطقة وكيفية مواجهتها.




*ارتفاع مستوي المعيشة*


تم تنظيم لقاءات وجلسات مباحثات مع رفاق من كبار المسئولين في دائرة العلاقات الخارجية، ودائرة التحرير والترجمة، والاكاديمية الوطنية للادارة، التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. كما تم ترتيب لقاءات مع مسئولين حزبيين في مدينتي شانغهاي وتشانج شا بالاضافة الي عقد ندوة مهمة في بكين بعنوان "حول الاوضاع في المنطقة العربية وافاق الاشتراكية".
ولا شك ان هذه اللقاءات بالاضافة الي حفاوة الاستقبال والتغطية الاعلامية تعد بمثابة خطوة مهمة عكست مدى اهتمام الحزب الشيوعي الصيني بتدعيم وتطوير علاقاته مع الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية، خاصة بعد صدور وثيقة المبادئ التي اعلنتها الصين حول علاقتها مع البلدان العربية قبيل زيارة الرئيس الصيني شي جين بنج للمنطقة اواخر شهر كانون الثاني الماضي والتي زار خلالها مصر والسعودية وايران.
لقد حققت الصين خلال الثلاثين عاما الاخيرة نهضة اقتصادية جبارة تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني وتجلى ذلك في الارقام المتحققة، حيث زاد متوسط دخل الفرد في الصين من 186 دولارا عام 1978 الى 7700 دولار بداية عام 2016 وسوف يصل الي عشرة آلاف دولار عام 2020، وحققت الصين متوسط معدل نمو سنوي 10% خلال الثلاثين عاما الاخيرة كما يعتبر الاقتصاد الصيني ثاني اكبر اقتصاد في العالم منذ عام 2010 بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ حجم اقتصاد الصين 10 تريليونات دولار، ومن المتوقع ان يصل الى 17 تريليونا عام 2020. وان تسبق الولايات المتحدة قبل عام2022، وارتفع مستوى معيشة المواطنين ومستوى التأهيل العلمي والمهني بنسبة كبيرة وزاد عدد السيارات الى 140 مليون سيارة، كما بلغ عدد السائحين الصينيين في الخارج العام الماضي 120 مليون صيني صرفوا ما يعادل 150 مليون دولار، واختفت تماما ظاهرة الاحياء العشوائية في المدن وزاد عدد مستخدمي شبكة الانترنت الي 700 مليون صيني.




*محو الفقر*


ويعترف المسئولون الصينيون بان الصين رغم كل ذلك ما زالت دولة نامية فمستوى دخل الفرد فيها مازال متدنيا قياسا بالبلدان المتقدمة نظرا لان عدد سكانها يبلغ 1,4 مليار نسمة وما زال اكثر من 70 مليون صيني يعيشون تحت خط الفقر، كما ان هناك فوارق كبيرة في الدخول وتناقضات واضحة بين المناطق المتقدمة والمناطق الفقيرة وكذلك بين الريف والحضر الا انهم يرون ان هذا ثمنا كان لا بد من دفعه حتى الآن، وان المرحلة القادمة سوف تشهد تحسنا ملحوظا حسب الخطط الموضوعة حيث سيتم محو الفقر عام 2020 كما سيحدث تحول جوهري في السياسة الاقتصادية للصين للتركيز على تلبية حاجات الطلب الداخلي وتحسين مستوى معيشة المواطنين.




*لمستقبل مشرق*


تأسس الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 وكان عدد اعضائه 50 عضوا والان يبلغ عدد اعضائه 87 مليونا ويحكم دولة مترامية الاطراف متعددة القوميات (56 قومية). وفي لقاء مع تشي بياو الخبير المتخصص في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني الذي يلقي محاضرات لاعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية دار حوار مهم حيث قال "ان الماركسية هي النظرية الوحيدة القادرة على ضمان مستقبل مشرق للامة الصينية وان الحزب لا يتمسك بالالتزام بالنصوص، لأن ذلك أوصل الصين الي اوضاع حرجة وطريق مسدود لذلك يعتمد الحزب على ماركسية "متصيننة" تسترشد بالماركسية اللينينية وافكار ماو ونظرية دنج هسياو بنج ومفاهيم وضعها الزعماء الذين اتوا بعده، وان الاساس هو الانطلاق من الواقع والتاكيد على تعدد نماذج الاشتراكية وانه على كل بلد اختيار النموذج الذي يتوافق مع ظروفه وواقعه مع ضرورة الاستفادة من دروس وتجارب الاخرين".




*خدمة الشعب*


كما اكد "ان الحزب الشيوعي الصيني لا يمثل فقط مصالح الطبقة العاملة بل يمثل الشعب الصيني كله. والشعار الرئيسي للحزب هو خدمة الشعب وانه القائد لكل مؤسسات الدولة وان هناك 8 احزاب ديمقراطية في الصين تقبل بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وهي مشاركة وليست معارضة، كما ان قيادة الحزب الشيوعي الصيني للجيش هي قيادة مطلقة ".

وجهتُ اليه سؤالا عن كيفية تمثيل الحزب لمصالح الشعب كله بينما مصالح العمال والرأسماليين هي مصالح متعارضة، وخاصة بعد تزايد دور القطاع الخاص الذي اصبح يمثل 60% من حجم الاقتصاد. وقدم الخبير الصيني اجابة تدعو الي التفكير والتأمل حيث قال "انا اشعر ان ما يهمكم هو معرفة هل سوف تنزلق الاشتراكية الصينية الي الرأسمالية ؟وهل ما زالت اشتراكية ام لا ؟فالمجتمع الاشتراكي من المفترض انه مجتمع يتميز بالعدالة وبتنمية اقتصادية واجتماعية رفيعة المستوى وثروات غنية، لذلك فهو مجتمع وفرة يتميز بالتقدم في القوى المنتجة. ونحن في الصين كنا نريد مجتمعا اشتراكيا صافيا 100% وانغلقنا على انفسنا ولكن برهنت الحقيقة على ان هذا الطريق هو طريق مسدود. فكيف نبني مجتمعا اشتراكيا عادلا ومتطورا؟". واضاف بان ماركس قد اعطى الاجابة :لا بد ان نبني مبنى اشتراكيا باستخدام المواد الرأسمالية، وأكمل "لقد برهن التاريخ على أنه لا بد من استيعاب العناصر المعقولة في المجتمع الرأسمالي قبل ان نبني المجتمع الاشتراكي، أي من اجل تحقيق اهداف الاشتراكية لا بد من التعاطي مع الشيطان. فهل نفتح شبابيكنا ام لا واذا فتحنا النافذة ودخل الذباب والناموس فهل هذا يشكل مشكلة كبيرة؟". ويواصل الرفيق الصيني ان سياستنا تسعى الي الغنى المشترك والعدالة فهل نحقق ذلك بتقسيم الثروات على كل واحد بالتساوي. هل هذا هو الاسلوب الذي يحقق الوفرة والغنى المشترك؟ لقد برهن التاريخ على ان نزعة المساواة المطلقة لا تساعد على تحقيق الغنى المشترك ولكنها تؤدي الي الفقر المشترك. اذ يكمن الحل في السماح لبعض الناس وبعض المناطق في تحقيق الغنى اولا ثم بامكاننا مساعدة الاخرين على الغنى والتطور بعد ذلك، وهذا ما حدث في التجربة الصينية التي لم تأخذ باسلوب الصدمة كما فعل السوفيت، ولكنها اخذت باسلوب الاصلاح المتدرج والتجريب في بعض المناطق اولا ثم التعميم الشامل بعد نجاح التجربة".




*روح عملية*


لقد حرصت على أن أنقل هذه الفقرات السابقة من حديث المسئول الصيني لأنها تعكس الروح العملية التي تسود فهم الصينيين للماركسية والاشتراكية، خاصة أنهم يؤكدون انهم مازالوا يعيشون في المرحلة البدائية من الاشتراكية التي سوف تستمر مائة عام حتى عام 2050 حيث ستنتقل البلاد بعد ذلك الى المرحلة الارقى. ولذلك فان التجربة لازالت غير مكتملة ولا يمكن الحكم عليها بشكل متعسف او احادي الجانب. والملاحظة الاخرى المهمة التي لاحظتها في حديثي مع المسئولين الصينيين ان قضية محاربة الفساد والدعوة الى النزاهة هي قضية حياة او موت بالنسبة للحزب ومكانته بين الجماهير ولقد اكدوا انه منذ عام 2012 تمت معاقبة 138 وزيرا من ضمنهم عضو دائم في المكتب السياسي. كما يتبعون سياسة ضرب "النمر مع الذبابة" أي ضرب الفساد في القمة والقاعدة مهما كان حجم الفساد ومستوى المسئول.




*اشتراكية صينية*


هناك بالتأكيد جوانب اخرى لا يتسع المجال لطرحها في هذا المقال تتعلق بموقف الحزب الشيوعي الصيني من قضية المركزية الديمقراطية، ومن قضية الديمقراطية السياسية في المجتمع، ومن علاقة الحزب بالمنظمات الديمقراطية والنقابية، وكذلك موقفه من حرية الاعلام ومن التعددية الثقافية والدينية.
ولكن يظل السؤال الملح مطروحا: هل هذه النهضة الكبرى التي تحققت في الصين تصب لصالح الاشتراكية أم لصالح الرأسمالية؟ وقد تعددت مواقف المفكرين الماركسيين بل مواقف الشيوعيين في العالم وانقسمت في الاجابة على هذا السؤال الي ثلاثة فرق اساسية. فريق يرى ان ما يحدث في الصين هو توجه نحو الاشتراكية وان نظريتها تستند جذورها الي السياسة الاقتصادية الجديدة "النيب" للينيين عام 1921 وطورها الزعيم دينج والصينيون في نظريتهم للاشتراكية ذات الخصائص الصينية. وفريق أخر يرى أن التنمية في الصين تسير نحو الرأسمالية، وانها لم تعد تمت للاشتراكية بصلة. وفريق ثالث يرى أن هذا التحول كان ضرورة، ولكنه يتريث ولا يتسرع في الحكم على التجربة حيث إنها من وجهة نظره مازالت مستمرة ولم تكتمل بعد. ويعد المفكر سمير أمين من أنصار هذا الفريق الثالث، كما انني شخصيا كنت منحازا لهذا الرأي ولكنني ورغم ان هذه الزيارة قد أثارت لدى العديد من التساؤلات، الا انه قد زاد تفاؤلي بعد ما شاهدته من قدرة وحيوية الحزب الشيوعي الصيني وقياداته الشابة التي تقابلنا معها في كل لقاءاتنا. بالاضافة لما وجدته من سعة افقهم ورحابة صدرهم وصراحتهم في الاعتراف بالمشاكل وأوجه القصور في تجربتهم، واصرارهم على التمسك بالاشتراكية باعتبارها الحل الوحيد لمستقبل مشرق للصين والعالم.