وقائع وحقائق مسيرة الشيوعية التاريخية (5)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5089 - 2016 / 2 / 29 - 19:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

وقائع وحقائق مسيرة الشيوعية التاريخية (5)

لئن نجح البلاشفة الروس بقيادة لينين في النصف الأول من القرن الحشرين بتفجير ينابيع التقدم والسلام للبشرية، فقد نجح الرأسماليون الانجليز بقيادة مخابراتهم القذرة بالمقابل بإغراق مسارات الانسانية بالصديد والسموم القاتلة . فحال إعلان لينين الثورة الاشتراكية العالمية في مارس آذار 1919 قامت وزارة الحرب البريطانية وعلى رأسها ونستون تشيرتشل بارسال ثلاثة جيوش للتدخل في روسيا وخنق البولشفية في مهدها كما أعلن تشيرتشل في مجلس العموم . نجح البلاشفة في إنزال هزيمة مذلة بجيوش بريطانيا وستة عشر جيشاً أجنبياً أخرى . الرأسمالية العالمية لم ترض بالهزيمة وانثنت بقيادة المخابرات الانجليزية تقيم سوراً حديدياً يعزل الثورة في موسكو عن باقي العالم وتبني مصدات قوية لأمواج الثورة الشيوعية الهادرة . أقامت المخابرات الانجليزية الفاشية بقيادة رجلها بنيتو موسوليني في العام 1922، وفي العام 1927 أقامت في مصر منظمة الاخوان المسلمين بقيادة رجلها حسن البنا، وكانت أكبر جرائمها هو إقامة النازية في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر، وعاونها في ذلك موئل الخيانة الحزب الاشتراكي الألماني وقد رشت المخابرات الانجليزية قادة هذا الحزب كيلا يتحالفوا مع الشيوعيين في انتخابات 1933 ليفوز بالتالي النازيون بالأغلبية في البوندستاغ (البرلمان) .

ما يتوجب التوقف عنده هنا هو نهايات المؤامرة الكبرى التي بدأت تحيكها المخابرات الانجليزية ضد الاتحاد السوفياتي منذ العام 1921 وهزيمة جيوشها على يد البلاشفة . الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا هما من صناعة المخابرات الانجليزية غير أن جوهرهما ليس من خيارها . صحيح أنهما في الجوهر معاديان للنظام الإشتراكي لكنهما أكثر عداء للنظام الرأسمالي أيضاً . انهما تعبير صارخ عن فشل الدولتين في بناء نظام رأسمالي إمبريالي نظيراً لما في انكلترا وفرنسا ؛ وكان هتلر صادقاً عندما يعلن مراراً عداءه للنظام الرأسمالي . معاهدة فرساي 1919 لم تثقل على ألمانيا فقط وجردتها من مستعمراتها وفرضت عليها تعويضات هائلة حالت دون تطورها في المسار الصحيح بل أنكرت أيضاً أية حقوق لإيطاليا لقاء مشاركتها في الحرب بجانب الحلفاء وخسارة حوالي نصف مليون من جنودها وديون هائلة للولايات المتحدة ؛ حنثت بريطانيا وفرنسا بوعدهما ولم تمنحا ايطاليا الأرض الموعودة على شاطئ الأدرياتيك .
النازية والفاشية اللتان خلقتهما المخابرات الانجليزية من باب التآمر على وجود الإتحاد السوفياتي والقضاء على الثورة الاشنراكية دون أن تتحسب من أن الفاشية لا تتواجد داخل إطار نمط الإنتاج الرأسمالي وأنها ستكون بنيوياً أكثر عداء للرأسمالية منها للإشتراكية ؛ فخلافاً للمفهوم العام السائد بأن الفاشية أو النازية إنما هي ظاهرة ناجمة عن أزمة حادة لنظام الانتاج الرأسمالي، إلا أن العكس هو الصحيح . تخلى النازيون في ألمانيا عن النظام الرأسمالي وحولوا كل قدرات الانتاج البضاعي إلى إنتاج الأسلحة والتي هي ليست بضاعة إذ لا قيمة تبادلية لها في السوق . وحولوا فائض قوى العمل إلى جنود يتدربون على الأعمال الحربية بدل التدريب على أعمال الانتاج . الفاشيون في إيطاليا كانوا قد انتهجوا ذات المنهاج . انتهجت الدولتان، ألمانيا وبريطانيا، نهج روما القديمة الكولونيالي، ما قبل الرأسمالية، وهو نهب الشعوب دون مقابل . الإمبريالية تصدر فائض الإنتاج للمستعمرات لكن النازية والفاشية لا يصدران إلا القتل والدمار .
عندما أحس الامبرياليون في بريطانيا وفي فرنسا بخطر النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا عليهم سعوا لإرضائهما استكمالا لمخطط المخابرات الاتجليزية في محاربة الشيوعية والقضاء على الاتحاد السوفياتي فكان مؤتمر ميونخ في سبتمبر 1938 بحضور تشمبرلن عن بريطانيا ودالادييه عن فرنسا وهتلر عن ألمانيا وموسوليني عن إيطاليا حيث مُنح هتلر جوائز ترضية ومنها احتلال منطقة السوديت من تشيكوسوفاكيا، بالرغم من أن بريطانيا وفرنسا متعهدتان بحماية استقلال تشيكوسلوفاكيا، والاعتراف باحتلال هتلر للنمسا وضمها إلى ألمانيا ؛ أما موسوليني فقد اعترفت بريطانيا باحتلال موسوليني للحبشة وأجزاء من الصومال وكانت من مستعمراتها . تلك الجوائز الثمينة إنما كانت عربون الحرب على الاتحاد السوفياتي

كان ستالين على حق حين اعتبر نتائج مؤتمر ميونخ مؤامرة على أمن وسلام الاتحاد السوفياتي الأمر الذي دفعه لإرسال رئيس الوزراء فياتشسلاف مولوتوف إلى بريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة من أجل عقد تحالف يحاصر النازية والفاشية في ألمانيا وايطاليا كيلا يعاني العالم من جموحهما العدواني . رفض الدول الثلاث مقترح ستالين كان أسوأ منعرج للتاريخ وهو ما تسبب بالحرب العالمية الثانية ومآسيها الكارثية التي لم تواجه الإنسانية مثيلاً لها عبر التاريخ . بعد رفض الدول الثلاث التحالف ضد الفاشية وقد مثل ذلك دلالة قوية على المؤامرة الدولية ضد الاتحاد السوفياتي لم يجد ستالين بدّاً من التفاوض مع هتلر لضمان تطور الحياة السوفياتية وعبور الاشتراكية دون حروب لأطول فترة ممكنة . فكان أن توجه مولوتوف إلى برلين في أوغست آب 1939 لمفاوضة يواكيم روبنتروب وزير خارجية هتلر لعقد اتفاقية عدم اعتداء بين الطرفين والتي جرى توقيعها في 23 أوغست . وما يجدر ذكره في هذا السياق هو أن مولوتوف أثناء المحادثات قابل هتلر الذي اقترح عليه أن يتشارك ألمانيا والإتحاد السوفياتي في احتلال بريطانيا وتقسيمها وكافة مستعمراتها بين الطرفين طالباً أن ينقل اقتراحه إلى ستالين الذي تجاهل الاقتراح تماماً .

إتفاقية عدم الاعتداء (مولوتوف ـ ربنتروب) سمحت لهتلر باحتلال بولندا في الأول من سبتمبر 1939 التي كانت بحماية بريطانيا وفرنسا ولذلك أعلنت الدولتان الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر إلا أنها كانت حرباً صوتية كاذبة (phoney war) لعلمهما أن هتلر لا يستطيع أن يشن حرباً على الاتحاد السوفياتي دون احتلال بولندا . هتلر وقد وقع اتفاقية عدم اعتداء مع الاتحاد السوفياتي من أجل احتلال بولندا، إهتبل الفرصة وشن هجوماً كاسحا على فرنسا وبريطانيا واحتل فرنسا وكل القارة الأوربية تقريباً خلال أسابيع قليلة وحاصر بريطانيا وراء المانش بعد أن هربت جيوشها مهزومة في دانكرك .
كان ستالين يدرك تماماً أن هتلر سينتهك اتفاقية عدم الإعتداء ويشن حرباً على الاتحاد السوفياتي ليس قبل ديسمبر 1941 واحتلال بريطانيا وقد بدا وشيكاً حين يكون قد جند كل موارد أوروبا المادية والبشرية في ماكنته الحربية . كان ستالين واثقاً من تقديراته حتى أنه لم يأخذ بمعلومات الصحفي الألماني الشيوعي ريتشارد زورغه التي استقاها من السفارة الألمانية في طوكيو والتي حددت تاريخ الإعتداء الهتلري علىى الاتحاد السوقياتي ب 22 يونيو 1941 . لذلك لم يكن الاتحاد السوفياتي بكامل اليقظة والاستعداد التام للحرب عندما اخترقت الجيوش الهتلرية الحدود السوفياتية في ذات اليوم الذي حدده زورغه وكلفه حياته ووصلت خلال ثلاث شهور فقط أسوار موسكو . بالرغم من تقديرنا الذي لا حدود له لرفيقنا البلشفي الأعظم يوسف ستالين لكن أن يعزى انهيار الاتحاد السوفياتي بسبب اعتماده غير المبرر على اتفاقية عدم اعتداء مع هتلر من الصعب النقاش فيه حيث أن محاكمة التاريخ ضرب من ضروب الهلوسة . لكننا نوافق تماماً على أن ما بناه الحزب الشيوعي البولشفي بقيادة ستالين منذ العام 1922 وهو كثير جداً وما يفوق الوصف دمرته الحرب تماما لكن أساساته ما زالت عميقاً في الأرض الروسية .

(يتبع)