حرية الاعتقاد بين القرآن والشريعة.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 5086 - 2016 / 2 / 26 - 01:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تطرح حرية الاعتقاد إشكالية حقيقة في المجتمعات الإسلامية لكونها المدخل لبناء الدولة المدنية الحديثة والقطع مع الدولة الدينية وامتداداتها الفكرية وتجلياتها السياسية والدستورية. ذلك أن الوصاية على الضمير ظلت أداة لتكريس الاستبداد منذ نشأة الدولة الإسلامية ، وهي الوسيلة المثلى للقضاء على الخصوص السياسيين في كل العصور . وإذا كانت الأنظمة الحاكمة هي من يستفيد من مصادرة حرية الاعتقاد ، فإن التيار الديني بكل فصائله صار يتغذى على التكفير والتحريض على الكراهية بما يخدم أجندته حتى إن الأنظمة الحاكمة صارت موضوع التكفير من طرف أغلبية هذه الفصائل. فالطرفان معا يصادران حرية الاعتقاد ويناهضان دعاتها باسم الدين. فهل الإسلام يضمن حرية الاعتقاد أم يحرّمها ؟
يمكن التمييز بين الإسلام كعقيدة والإسلام كشريعة .
1 ـ الإسلام كعقيدة هو ما تحدده نصوص القرآن الكريم وما يوافقها من أحاديث نبوية . فنصوص الدين والآيات المحكمات تؤسس لحرية الاعتقاد وحرية الاختيار بين الإيمان والكفر . ذلك أن الإيمان بالله وتوحيد الربوبية مبنيان على الاقتناع والاختيار . وقد أجمعت النصوص المحكمة على منع إكراه الناس على الإيمان بالله ، ومنها :
ــ (ليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء) .
ــ ( أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟).
ــ ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)
ــ ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك .ولذلك خلقهم )هود 118.
ــ (لا إكراه في الدين).
بل إن مبدأ الثواب والعقاب يقوم على حرية الاختيار (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) . فمهمة الرسل هي التبشير والإنذار (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) النساء 167.
في سياق هذه الآيات ، لن يستقيم أي تضييق على حرية الاعتقاد لأنه سيكون مناقضا لمبادئ الدين وكلياته وأهدافه .فإذا كان الله تعالى لم يشأ أن يجعل الناس أمة مؤمنة به ، فكيف سيجيز لغيره من البشر أن يكرهوا الناس على الإيمان به؟ فكيف يسمح الحكام والفقهاء والمتطرفون لأنفسهم أن يفرضوا على الناس الإيمان بالله ؟ من وضع قانونا يعاقب على حرية الاعتقاد أو زعزعة عقيدة مؤمن فهو ينصب نفسه وصيا على الله ، وحاشى أن يكون الله في حاجة إلى أوصياء عليه يرغمون خلقه على عبادته أو ينزلون عليهم سوط عذاب ؛ علما أن الله تعالى لم يشرع ، في محكم كتابه ، حدودا للردة مهما تكررت (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمونا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) النساء37.
فالإيمان بالله هو عقد بين الله وبين العبد مبني على الحرية والمسئولية والالتزام ، لهذا لا يحتاج إلى شهود أو توثيق .
2 ـ هل الشريعة الإسلامية تقر بحرية العقيدة ؟
المقصود بالشريعة الاجتهادات الفقهية وكل الفتاوى والتشريعات الفقهية والقانونية المستندة على الشرع . فالشريعة تحكمت فيها ظروف سياسية واجتماعية وتاريخية ، وأبرزها النزوع القوي إلى تأسيس إمبراطورية إسلامية على غرار الإمبراطوريات السائدة حينها ؛الأمر الذي حوّل الدين إلى أداة لخدمة السلطان . هكذا برزت أنواع من الفتاوى :
أ ـ تحكم على القبائل والرافضين دفع الزكاة للسلطة المركزية بالردة والقتل .
ب ـ تحرّم الخروج على السلطان وتوجب الخضوع له ما أقام الصلاة .
ج ـ تجعل طاعة الحاكم من طاعة الله وعصيانه من عصيان الله .
د ـ تحرّم الاختلاف والخلاف (لا يحل دوم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، النفس بالنفس ، التارك لدينه المفارق للجماعة.)
فالشريعة ،إذن ، باتت تخدم السلطان وتناقض القرآن . وبسبب تحكم السياسة في الدين ، مارس الحكام والسلاطين والأمراء كل صنوف التعذيب في حق الفقهاء والفلاسفة الذين لم يناصروا الحكام ويشايعونهم أو كانت لهم آراء لا توافق هوى الحكام أو لا تخدم عروشهم . فالتعذيب شمل الفقهاء والفلاسفة على حد سواء . إذ تذكر لنا كتب التاريخ صنوف التعذيب والترهيب التي كان الفقهاء والفلاسفة ضحية لها على مر تاريخ الدولة الإسلامية . وكان الهدف هو تدجين الفقهاء وترويضهم ليكونوا في خدمة الاستبداد .وما عاناه الأئمة الأربعة ومن بعدهم الفلاسفة كالكندي والرازي وابن رشد إلا نموذج لذاك الترهيب الممنهج حتى تصير الشريعة خادمة للسلطان وللدولة .
لهذا وجب إنتاج فقه إسلامي يقطع مع سياسة التحكم في الأعناق والأرزاق ، ويحرر المسلمين من أسْر الأسلاف الذين يحكموننا من قبورهم التي صارت خبرا بعد عين لكن فتاواهم تزداد سطوة وقوة بفعل التقليد والاستغلال السياسي للدين .
وللخروج من هذه الوضعية المأزومة وجبت أنسنة الفقه الإسلامي وإعادة إنتاجه على مبادئ وقيم المواطنة وحقوق الإنسان ؛وهذا يقتضي:
1 ـ التحرر من سلطة السلف وأسْر الماضي .
2 ـ ربط الاجتهاد بحاجات المجتمع وحركيته في إطار دولة وطنية تربطها علاقات ومواثيق دولية
3 ـ إعادة تكوين الفقهاء والأئمة على أسس :
أ ــ قيم المواطنة وحقوق الإنسان .
ب ـ الدين لله والوطن للجميع .
ج ـ الدين مكوِّن من بين مكونات ثقافية أخرى في المجتمع .
د ـ التعددية السياسية ، اللغوية ، الدينية ، المذهبية ، الثقافية ..
هـ ـ المساواة بين الثقافات والحضارات الإنسانية .
و ـ ثقافة الحوار وقيم الاختلاف والتعايش والتسامح ..
4 ـ بناء الإنسان المسلم في بُعده العالمي/ الكوني عبر تقوية الشعور بالانتماء إلى الإنسانية جمعاء.
5 ـ إلغاء التمييز بين دار السلام ودار الحرب، فكل الدول هي دار سلام .
6 ـ شطب مفهوم الولاء والبراء الذي يتعارض مع بناء علاقات دولية قائمة على التعاون والمصالح المشتركة.
7ـ احترام كل الأديان والعقائد وعدم ازدرائها أو تسفيهها .