الاستهداف الامبريالي – الرجعي لشعوب دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5080 - 2016 / 2 / 20 - 21:27
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

1 – أزمة الامبريالية العالمية

تتعمق أزمة الامبريالية العالمية مع تسارع وتيرة انفجار الأزمات الاقتصادية الدورية منذ عقد السبعينات نتيجة افلاس نمط الإنتاج الرأسمالي وعدم قدرة الأسواق العالمية على استيعاب فائض الإنتاج وبالتالي العجز عن تحقيق الأرباح والتراكم الرأسمالي، وكرد فعل للامبرياليات على هذه الأزمات تلجأ (في اطار سياسات تدبير الازمة) إلى معالجتها على حساب الشعوب الأخرى عبر تعميق النعرات القومية والعنصرية والدينية والنزاع حول الحدود، فتتمكن الامبرياليات من خلال اشعال الحروب أو التهديد بها من رفع حصة المشتريات من الأسلحة ورفع حجم المديونية العالمية وإعادة بناء الدول التي خربتها الحرب بالكامل وتحقيق التمدد الامبريالي واكتساب مناطق نفوذ جديدة على حساب الشعوب الآمنة. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشرقية سنة 1991 انهارت الثنائية القطبية وظهرت الأقطاب الامبريالية المتعددة وتعددت استراتيجيات الهيمنة مع ما يشكله ذلك من احتداد الاصطدام بين القوى الامبريالية المتعددة. وقد شكل انفجار آخر حلقة من حلقات أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي سنة 2008، تعميقا جديدا وخطيرا لازمة الامبريالية العالمية حيث بدأت مختلف هذه القوى تتطلع الى اكتساب مواقع نفوذها الاستعمارية القديمة أو الهيمنة على مناطق نفوذ جديدة عبر فك ارتباطها بالامبريالية التي كانت تابعة لها سابقا، مع كل ما يرمز اليه كل ذلك من ضغوطات ومساومات سياسية على حكومات الدول للرضوخ الى مصالحها المتعارضة، أو تفجير أوضاعها السياسية الداخلية، كما ارتفعت وتيرة الاستغلال المزدوج للطبقة العاملة في البلدان التابعة من طرف الاحتكارات الكبرى من جهة ومن طرف الاحتكارات المحلية من جهة أحرى.

ولم يمض على انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية سوى ثلاث سنوات حتى بدأت الشعوب تغلي وتئن في كل مكان جراء الاستغلال الامبريالي، وقد دشنت شعوب شمال افريقيا في ظل هذا الغليان أولى الانفجارات الاجتماعية القوية خاصة في تونس ومصر وبعد ذلك انتقلت الشرارة الى بلدان أخرى خاصة في اليمن وليبيا وسوريا. لكن الامبريالية ظلت تتدخل في هذه الاحداث بكافة الوسائل للتأثير على هذه الانتفاضات الجماهيرية لاستثمارها لصالحها، في ظل ضعف القوى الثورية المحلية، موظفة لأجل ذلك الإسلام السياسي في المنطقة مستفيدة من الهيمنة الأيديولوجية السعودية الوهابية في هذه المناطق وحيث لا خلاف حول المصالح الاقتصادية الرأسمالية.

تعيش المنطقة اليوم في ظل حالة من الحروب الاهلية وعدم الاستقرار المنتشرة في اليمن وسوريا وليبيا وعدد من الدول الافريقية كمالي ووسط افريقيا ونيجيريا ... وهذه الوضعية هي نتيجة للمؤامرات الامبريالية وتواطؤ البلدان الرجعية، سواء في الحرب العدوانية المستعرة في اليمن، أو في التدخل الامبريالي الرجعي الخارجي في سوريا والعراق وليبيا. ومن نتائج هذا الوضع الكارثي الذي انتجته الامبريالية تدفق أعداد هائلة من المهاجرين نحو البلدان الأوروبية مع ما أنتجه ذلك من تصاعد النزعات العنصرية تجاه اللاجئين وظهور موجة غير مسبوقة من العمليات الإرهابية يبدوا ان القصد منها هو تعبئة الرأي العام لخوض الحرب في سوريا على الإرهاب كما يتم الادعاء بينما الواقع يؤكد انها حرب بالوكالة بين الامبرياليات المختلفة للهيمنة على مناطق النفوذ.

2 – الأزمة السورية

رغم الطابع الاستبدادي للنظام السوري والذي طال لمدى عقود من الزمن تحت قيادة حافظ الأسد ثم ابنه بشار الأسد، الى ان الوضع السوري الاستبدادي في منطقة الشرق الأوسط والذي كان خاضعا ما قبل 1990 الى التوازنات والتوافقات بين القطبين الامبرياليين السوفياتي والامريكي، مكنه من بعض الاستقرار والاستمرار. لكن منذ انهيار نظام القطبين وما نتج عن ذلك من غزو العراق مرتين، أصبح الوضع السوري الاستبدادي قابلا للانفجار، وهو ما تمكنت الامبرياليات القديمة والجديدة من تفجيره وتغذية تناقضاته منذ سنة 2011، فتمكنت المنطقة الكردية في شمال سوريا (روجافا) من اعلان الاستقلال الذاتي، ومن دعم الكيان السعودي الوهابي للتيارات الأصولية السنية في العراق وسوريا لتأسيس الدولة الإسلامية داعش وأيضا جماعة النصرة كقوتين سنيتين في مواجهة القوى الشيعية والعلوية في سوريا والعراق ولبنان وايران، وقد ركزت القوى الامبريالية على دعم هذا الكيان الجديد بهدف تفجير المنطقة بالكامل واضعاف النظام السوري الاستبدادي وفك ارتباط سوريا مع روسيا في افق إعادة تقسم المنطقة تحت نفود الامبرياليات الجديدة ولاسيما الكيان الصهيوني المتربص.

مصالح روسيا في الحفاض على النظام السوري كحليف استراتيجي مطل على البحر الأبيض المتوسط، وحاجة بشار الأسد للامبريالية الروسية لدعم نظام حكمه واسترجاع هيمنته على كامل التراب السوري، فتح الباب امام التدخل الروسي المباشر في سوريا في شتنبر 2015 بدعوى محاربة الإرهاب خاصة بعد اسقاط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء وتبني تنظيم داعش لهذه العملية. كما أن تطلع الامبريالية الفرنسية الى استعادة نفوذها الاستعماري الموروث عن مؤتمر سايس بيكو لسنة 2016، جعلها تعلن تدخلها المباشر لمحاربة داعش عقب العمليات الإرهابية فوق أراضيها في 11 يناير 2015 ضد مجلة شارلي ابدو وفي 13 نونبر 2015 في عدد من المواقع الاجتماعية بباريس. وسواء كانت هذه العمليات مفبركة أو كردود فعل على الإسلام السياسي، فقد استثمرتها الدبلوماسية الفرنسية لشحد الرأي العام المحلي والعالمي لغزو سوريا بدعوى محاربة أسباب الإرهاب الإسلامي.

إن ما يحدث في سوريا والعراق من أحداث والتي كان من نتائجها استقلال كردستان العراق عقب اسقاط نظام صدام حسين سنة 2003 وأيضا استقلال منطقة روجافا شمال سوريا مع بداية احداث سنة 2011، جعل النظام التركي يتخوف من هذه التطورات والتي تتيح أرضية مادية صلبة لتحقق انطلاقة جديدة لنظرية كردستان الكبرى لعبد الله أوجالان والحزب العمالي الكردستاني (PKK) في المنطقة، أي توحيد المناطق الجغرافية التي يعيش عليها الاكراد في شمال ايران وشمال العراق وشمال سوريا والجنوب الشرقي من تركيا. لذلك فإن تركيا أصبحت هي البلد الأكثر حساسية لما يحدث في سوريا بل تساهم بكل ما لها من قوة من جهة في تفتيت سوريا ومن جهة أخرى في اضعاف اكراد سوريا والعراق بل ومحاولة محاربتهم بشكل مباشر بدعوى الإرهاب وخلق منطقة عازلة، لكنها تبقى كلها محاولات امبريالية لبسط نفوذ تركيا على الشعب السوري بالقوة.
الاحداث المتفجرة في سوريا منذ سنة 2011 والتدمير الواسع لكافة المدن السورية وما أحدثه تنظيم داعش والنصرة من خراب مادي واجتماعي وفساد في البلاد دفع الملايين من السوريين ذوي الكفاءات الى مغادرة سوريا كلاجئين في البلدان المجاورة وتدفق اكثر من مليوني لاجئ نحو أوروبا بما حملوه من مشاكل ومعاناة نحو هذه البلدان.

3 – الأزمة اليمنية

ما حدث في اليمن منذ انتفاضات الشعب اليمني على حكم علي عبد الله صالح سنة 2011 والذي انتهى بتنازل هذا الأخير عن الحكم وصعود نظام موالي للسعودية اصطدم بمعارضة الحوتيين المدعمين من طرف النظام الشيعي الإيراني، وقد أدى انتصار الحوتيين في المعارك مع النظام المركزي وفرار الرئيس اليمني المنتخب نحو السعودية، الى شحد السعودية تحالفا دوليا من 10 دول لشن حرب عدوانية على الحوتيين باليمن والتي أدى استمرارها إلى مجازر ضد النساء والأطفال والشيوخ اليمنيين وتدمير مختلف المدن اليمنية الى توحد اليمنيين لمحاربة السعودية في عقر دارها.

ونظرا لتطلعات السعودية الامبريالية في المنطقة ورغبتها في الحد من نفود ايران الشيعية فقد لجأت الى عقد حلف دولي يضم 34 دولة في أكتوبر 2015، يتكون من دول سنية عربية وإسلامية في مواجهة "الخطر الشيعي الإيراني" كما عملت السعودية على استفزاز هذا الأخير عقب اعدام احد المعارضين الشيعة السعوديين باقر الصدر مع بداية سنة 2016. ودفعت السعودية نحو تنظيم مناورات حربية واسعة قصد انزال بري في سوريا كما ارسلت طائرات حربية نحو قاعدة انجيرليك بتركيا في افق انزال قوات برية فوق الأراضي السورية لتغيير النظام بالقوة. ويبدوا ان السعودية لا يمكنها أن تقدم على مثل هذه المغامرات بدون ضوء أخضر من الامبريالية الامريكية والصهيونية والتركية.

ويبدوا أن صراع المواقع والرغبة في فرض أيديولوجية دينية سنية موالية للقوى الإقليمية السعودية وتركيا، قد يدفع بالمنطقة الى حرب استنزافية، بل قد يدفع المنطقة بكاملها الى حرب عالمية نظرا لتضارب المصالح الامبريالية وقربها من منابع البترول.

4 – الأزمة الليبية

اتخذ قرار اسقاط النظام الليبي من طرف الامبرياليتين الفرنسية والبريطانية ومنذ اغتيال معمر القدافي تطورت الأوضاع في ليبيا نحو أوضاع اجتماعية واقتصادية كارثية بالإضافة الى توالد قوى متعددة مختلفة المشارب للإسلام السياسي ودخلت في صراعات في ما بين بعضها البعض من اجل بسط نفوذها، مستقوية بإحدى حلفائها الإمبرياليين الدين يزودونها بالأسلحة وبالأموال. وفي ظل هذا الوضع من الفوضى وعدم الاستقرار، أصبحت ليبيا أحد مصادر تصدير الإرهاب الى دول الجوار كمصر وتونس والجزائر والمغرب. وبديهي أن المصالح الامبريالية تقف وراء هذه التطورات، وترشح المنطقة الى مزيد من الانفجار لتسهيل عملية الهيمنة الامبريالية المطلقة ومعالجة مؤقتة لأزماتها السياسية والاقتصادية على حسابها.

5 – الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

تراجعت القضية الفلسطينية منذ انهيار نظام القطبين الامبرياليين سنة 1991، وأصبح الكيان الصهيوني يحاصر الفلسطينيين في كانطونات معزولة عن العالم، وأصبح أي نضال فلسطيني في حدوده الدنيا يقابله قمع متوحش شرس من قبل الصهاينة مع مباركة القوى الامبريالية لهذا القمع. لكن الشعب الفلسطيني المقاوم ما فتأ يبدع أشكال مقاومته مما يرعب الصهاينة ويفضح اساليبهم العنصرية ووجودهم على أرض فلسطين كمستعمرين في وضع امني صعب تدفع بالكثير من المستوطنين اليهود للهجرة أو للضغط سياسيا على الحكومة الصهيونية ليجاد حلول سلمية للتعايش بسلام مع الفلسطينيين. وقد دخل الفلسطينيون منذ أكتوبر 2015، في انتفاضة ثالثة عرفت بانتفاضة السكاكين ارعبت جنود الاحتلال والمستوطنين على السواء وجعلتهم في حالة عصبية يقدمون على الفتك بالفلسطينيين بالعشرات مما اثار الرأي العام العالمي، وجعله ينادى بإيجاد حلول سلمية للقضية الفلسطينية.

6 – أزمة اللاجئين

تتفاقم حاليا أزمة اللاجئين الهاربين من الحرب الاهلية السورية نحو أوروبا، حيث عدد المهاجرين الى ألمانيا وحدها فاق المليون لاجئ، وتتضخم معاناة اللاجئين سواء في طريقهم نحو البلدان المستقبل عبر البحر او الحدود المقفلة، أو عند بلوغ البلد المستقبل التي يعانون فيها من سوء المعاملة والعنصرية والاحتقار. علما أن هؤلاء اللاجئين السوريين عبارة عن كفاءات حاملين لدبلوماتهم وقادرين على العمل والإنتاج وتقديم مردودية في اعلى مستوياتها، خصوص عندما يحلون ببلدان أوروبية أغلبية سكانها تعرف هرما سكانيا مقلوبا، أي نقص كبير في الشباب وقاعدة شائخة. إذن ففائدة هؤلاء اللاجئين في البلدان المستقبلة سيكون إيجابيا مما يتطلب وضع حماية قانونية لهم. لكن في المقابل هناك نزعات عنصرية ومتطرفة كتيار بيكيدا في ألمانيا تبحت عن تشويه صورة اللاجئين ووصفهم بالمجرمين والقتلة من أجل طردهم من هذه البلدان المستقبلة، أو استصدار قوانين عنصرية يتم التعامل بها باحتقار مع هؤلاء اللاجئين.

تلك إذن هي حقيقة الأوضاع والتناقضات السائدة اليوم في منطقتي الشرق الأوسط وشمال افريقيا.