25 يناير .. ثورة عظيمة لم تحقق أهدافها بعد


صلاح عدلى
الحوار المتمدن - العدد: 5072 - 2016 / 2 / 11 - 08:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

ثار الجدل حول ثورة 25 يناير 2011 بل وتعرضت لحملات من التشويه والعداء وصل إلى حد إنكار الاعتراف بها كثورة ليس فقط من خصومها وأعدائها وهذا أمر طبيعي، ولكنها أيضا تعرضت إلى الكثير من النقد من بعض القوى التقدمية في الخارج والداخل الذين حاكموها بشكل غير موضوعي، وأحادي الجانب، وفي سياق غير علمي وغير تاريخي. فوقعوا في أثر النظرة الدوغمائية الضيقة التي تحمل الكثير من التعالي، وعدم تقدير الإمكانيات والتقاليد الثورية لدى شعوبنا العربية وقدرتها على التصدي لأعتى النظم الاستبدادية المدعومة من الامبريالية العالمية. في حين أن أي تقييم موضوعي ينطلق من الأوضاع العينية الملموسة، ويأخذ في اعتباره تفاعل كل العوامل بشكل جدلي سوف يجد أن ثورة 25 يناير هي بكل المعايير العلمية والموضوعية والتاريخية ثورة شعبية بامتياز. أعادت الاعتبار لمفهوم الثورة، ولحق الشعوب في التغيير الثوري، وسطرت صفحة جديدة في تاريخ نضال الشعوب في عصر العولمة الرأسمالية المتوحشة، ومهدت الطريق مع الثورة التونسية أمام انتفاضات وتحركات جماهيرية في أكثر من بلد عربي، ووصلت أصداء شعاراتهما إلى أوروبا وإلى المركز المالي في الولايات المتحدة "وول ستريت"، ووجهت صفعة شديدة لسادة ومنظري الرأسمالية الذين زعموا بان الثورات قد ولى زمانها وأنها أصبحت جزءاً من الماضي.

وتتجلى قيمة هذه الثورة العظيمة في ما رفعه الملايين من شبابها وشيوخها، ونسائها ورجالها من شعارات إنسانية نبيلة (عيش – حرية –عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية)، وفي ما قُدم من آلاف الشهداء والجرحى، واستخدامها لأشكال الاحتجاج السلمية التي أبهرت العالم، ومن خلال صمود الشعب 18 يوما هاتفا في ميادين الثورة "الشعب يريد إسقاط النظام" حتى نجح في إسقاط الديكتاتور مبارك وعصابته ومشروع توريثه.

وينبغي النظر إلى الثورة باعتبارها عملية إبداعية للشعوب تختلف من بلد لآخر حسب خصوصية وظروف وتقاليد كل بلد، كما أن نجاح أي ثورة في تحقيق أهدافها يتوقف على العديد من العوامل الموضوعية والذاتية الخارجية والداخلية . كما أن الثورة هي عملية تاريخية ممتدة ومستمرة، وتقاس قوتها بمدى عمقها وفاعليتها وتأثيرها في العلاقات الاجتماعية، وانعكاس ذلك على مزاج الجماهير ومستوى وعيها. ذلك لأن الجماهير – وكما قال لينين - تكتسب من الوعي والخبرات خلال أيام الثورة ما كان يمكن أن تستوعبه خلال عشرات السنين في الظروف العادية. والدليل على ذلك نجاح الشعب المصري في 30 يونيه 2013، وبعد عام واحد من وصول "الإخوان المسلمون" للحكم إلى إسقاط هذه الجماعة الفاشية الإرهابية. حينما خرج أكثر من 30 مليون مصري لإسقاط مخططهم المدعوم من الامبريالية والصهيونية الذي كان يهدف إلى إشعال الحرب الأهلية وتدمير مؤسسات الدولة وجيشها الوطني.

ونحن نرى أنه لا يمكن فصل ثورة 25 يناير عن ثورة 30 يونيو، وإنما ينبغي النظر إليهما بوصفهما موجتين لعملية ثورة واحدة تعد من أهم حلقات الثورة الوطنية الديمقراطية في تاريخ نضال الشعب المصري في سبيل التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتحقيق الاستقلال الوطني وإنهاء التبعية والاستبداد والاستغلال.

ولاشك أن تأمر جماعة الإخوان لسرقة ثورة 25 يناير، وتواطؤها مع المجلس العسكري، وبمباركة ودعم الولايات المتحدة الأميركية كان هو السبب الرئيسي في انتكاس الثورة، إلا أنه لا يمكن إعفاء القوى الوطنية والديمقراطية وفي القلب منها قوى اليسار عن المسؤولية أيضاً. نتيجة تشرذمها وعدم وجود برنامج ورؤية أيديولوجية واضحة وافتقادها للقدرة التنظيمية لتعبئة وحشد الطبقات الشعبية لمواجهة قوى الثورة المضادة وتنفيذ أهداف الثورة.

والآن وبعد مرور خمس سنوات على ثورة 25 يناير، وعامين ونصف على ثورة 30 يونيو لم يحدث أي تغيير في جوهر وأساس البنية التحتية لنظام مبارك الذي ثار عليه الشعب، ولم تتخذ السلطة الحالية وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة أي إجراءات ملموسة لتحقيق المطالب التي رفعتها الجماهير وخاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما انعكس في استمرار هيمنة الرأسمالية الطفيلية وممثليها المعبرين عن مصالحها والمدافعين عن سياساتها اليمينية المحافظة في الهيمنة على مراكز صنع القرار في الحكومة وداخل مؤسسات الدولة، وزاد الطين بلة خروج أنصار النظام وأعداء الثورة وجوقة المنافقين صناع الطغاة كل يوم في وسائل الإعلام والفضائيات المملوكة لكبار رجال الأعمال لكي يهيلوا التراب على ثورة يناير ورموزها الوطنية، ويتهجمون على الدستور بينما يتم إقصاء الرموز الوطنية الشريفة، واعتقال العشرات من الشباب الثوري في السجون فضلا عن السماح باستمرار دعاوي الحسبة لمصادرة حرية الرأي والتعبير وحبس المثقفين والفنانين، وتهيمن قوى اليمين وأنصار مبارك وكبار المسؤولين في الدولة على البرلمان نتيجة إصرار الحكومة على قوانين الانتخابات التي رفضتها معظم القوى الوطنية والديمقراطية، وبسبب تدخل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية في تشكيل القوائم، كما أصدرت السلطة العديد من القوانين وجاري إعداد قوانين تعادي الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور كحق التظاهر والإضراب كما تعادي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد صحة وحياة المواطنين وحاجاتهم المعيشية الضرورية.

ورغم إدراكنا لمدى عبء التركة الموروثة نتيجة سياسات النهب والتدمير المنظم لاقتصاد البلد واستنزاف ثروات الشعب لأكثر من أربعين عاما، ووقوفنا إلي جانب السلطة الحالية لمواجهة خطر الإرهاب وحماية مؤسسات الدولة والسعي إلي إقامة توازن في السياسة الخارجية . إلا أننا نؤكد أن هذه الخطوات لن تحقق الأهداف المرجوة منها ما لم تستند إلى خطة واضحة وإجراءات ملموسة لإنهاء التبعية وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مشروع للتنمية الشاملة المعتمدة على الذات أساساً والمستندة على التخطيط العلمي وعلى دور فاعل وقائد للدولة والقطاع العام والتعاون والتركيز على تطوير القطاعات الاقتصادية المنتجة في الصناعة والزراعة والتعدين والاهم أن يتم هذا في ضوء انحياز واضح للطبقات الشعبية من العمال والفلاحين والكادحين وهو الأمر الذي لم تقدم عليها السلطة حتى الآن وتعمل عكسه في أغلب الأحيان.

وينبغي لفت الانتباه إلى انه لا يمكن استمرار الصراع المتفاقم الآن داخل أجهزة الدولة وبين طبقات المجتمع دون حسم لأمد طويل، كما لا يمكن الرهان على سياسة إرضاء كل الأطراف والتعويل على صبر الجماهير الذي كاد ينفذ.

وفي الظن أن الفرصة ما زالت سانحة لاتخاذ خطوات وإجراءات حاسمة في محاربة الفساد بشكل جذري، وتقليم أظافر المحتكرين واتخاذ إجراءات فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتخلي تماماً عن تكرار تلك الأسطوانة المشروخة حول العلاقات الإستراتيجية مع أميركا، والإقدام على اتخاذ مبادرات فعالة تستعيد لمصر مكانتها كدولة إقليمية كبرى في المنطقة والعالم العربي. مع ضرورة النضال من اجل توفير الحريات والمناخ الديمقراطي لمشاركة الجماهير من خلال أحزابها ومنظماتها الديمقراطية وضمان حرية الرأي والتعبير وأشكال الاحتجاج السلمي كظهير شعبي يضمن الانتصار في هذه المعركة وإنجاز هذه التحولات في طريق تصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا من خلال العمل الجاد والدؤوب من خلال جبهة وطنية ديمقراطية تضم أحزاب اليسار الاشتراكي والناصري والقوى الوطنية والمنظمات العمالية والمهنية والاتحادات الفلاحية والشبابية والنسائية تلك القوى التي تشكل الأغلبية العظمى من الشعب المصري صاحبة المصلحة في التغيير الثوري، ولعلَّ مبادرتنا لتشكيل جبهة الأحزاب والقوى الاشتراكية أن تكون نقطة انطلاق لتحقيق هذا التحالف المنشود.