فيروزيّات أو تطبيع -الإسلام- ! علي السوري -13-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5046 - 2016 / 1 / 16 - 00:07
المحور: الادب والفن     

"كل نجمة حملت رسالة...

و رسائل النجوم يا حبيبي لا ترى الشموس

كيف تخبرني البلاد عن بلاها؟!

و أنا من جنس النواقص و القواصر!

دوماً تعلن الطبيعة عبر مفهوم الولادة

أن قدرة الخلق كما الأمل تماماً

وكالة حصرية للإناث...

أن الفصول تتعاقب في الدائرة الكبيرة..

و أن المكان الذي يسكنه فصل وحيد.. مصيره حتماً للفناء...".


لم أكن أتوقع تلك الدعوة للرقص..

ما أدراني أنا برقص (التانجو)؟! في بلداننا لا نتعلم الرقص..بل نكتسبه (ألماً)...

على أيّة حال: أناعلى مسافة خطوتين و قبول من كتفي "علي".. هل من مكان لقدميّ الحافيتين فوق أشواك أخبار الوطن؟!


دعاني إلى عشاء ( خفيف) في مطعم أمريكي هادىء اسمه " تانغو".. و راقصني..

رائحته تشبه رائحة الغاردينيا في ليل دمشقي.. لحقت خطواته، و كأني أركض في ذات زقاق طفولتي في دمشق القديمة.. بينما يصدح صوت الآذان مع جرس الكنيسة.. وهناك على الجدران العتيقة لمستُ حكايا حب لا دين لها و لا طوائف...

راقصتُ أحلامي و أصوات من أحببتهم.. و في مقهى صغير للعشاق اسمه على ما أذكر " عالبال"..شربنا القهوة العربية على صوت " فيروز"...

عندما انتهت الموسيقا و توقفنا عن الرقص كنت مازلتُ هناك.. في " دمشق".. أسمع:

" اتمرجح بقلبك.. و قلك أنا بحبك..."

قبل أن أنام في ذلك اليوم وصلتني رسالة منه على ( الفيسبوك):

"أنتِ لا تشبهين إلا ضوء القمر.. صدقيني...

أنتِ لستِ حقيقة و لست سوى ضوء شمس سرقه الليل ليضيء مكاناً مظلماً كقلبي...

لا تتمردي عليّ يا ذات العينين اللوزيتين، ما وجودك لولاي؟!

أيٌّ ستغوين إذا ما أفشيت سرّ هذا الضوء!"...

ماذا يقصد؟!

أظنّ أن رحلة دمشق القديمة كشفتني...

****************


لم تكن " هبة" على قدر - و لو ضئيل- من الدبلوماسيّة..

كيف تكون عراقيّاً ولا تكره كلمة "دبلوماسية"!
بعد خطاب مدير المجلة.. و تصفيق الجميع له، وقفت بهيبة و قالت:

-كيف تكون منصفاً و تتحدث عن حقوق من تعتقدهم أكثرية.. ما دمر إعلامنا إلاكم...

سجلوا:

أستقيلُ اليوم لأنني أدعمُ الأقليات البشرية من جميع الأديان.. الأعراق.. القوميات.. ( الأكثريات)..

الأكثرية في هذه ( الغابة) هي أكثرية لا دينية و لا قومية هي أكثرية الوحوش.. و لا يدعمهم سوى من كان مثلهم...

بعدها بيوم كان موعد مقال " هبة" الأسبوعي في صفحتها الشخصية على ( الفيسبوك)...

لم يكن " عمار " قد استيقظ تماماً.. بدأصباحه مع فيروز " وحدن بيبقوا.. متل هالغيم العتيق..".. و لم ينته من غسل وجهه عندما بدأ زميله الجديد في الشقة " عصام" بالحديث:

-لا أعتقد أن مقال " هبة" الأخير سيمرّ بسهولة .. أينقصها تمرد هذه العراقية؟!

تمعن في لُب المقال:

"منذ أن بدأ ( المسلمون) ب(إكساء) الكعبة تابعين بدبلوماسيةٍ و حنكة الكراسي ما كانت عليه قريش الجاهلية..

بدأ اتباع السلف و السماح بتزوير التاريخ و تطبيع الإسلام لخدمة الساسة و السياسيين!

لو فكر أحد الحجاج بذلك قليلاً لقام بالحج من بيته، و عرف أن أرضه المقدسة بكلّها و جلّ مزاراتها، يلفها سواد الاستبداد الحاكم في السعودية..

ليست الكعبة فقط من تحتاج لون البياض البسيط .. تلك البلاد كلها تحتاج السفور!"...


و اسمع كيف أنهت المقال:

"لم تسيطر وراثة دين على عقلي..

منحته حريته: قرأَ فلم أشبهْ أحداً..

احترمَ جميع الفضائل في كل الأديان..

رفضَ كل الجرائم التي تنكرت بلباس نبي أو طوائف.. سخرَ من توريث الأديان..

ما زلتُ و عقلي أقف في نقطة تقاطع الطرقات الكثيرة.. أشاهد غالبية الأشخاص يعيشون بمورثات أجدادهم لا بعقولهم..

نقطة التقاطع خاصتي هي : "الله" و في ما عدا ذلك:

عقلي هو مرجعيتي الأولى في تفسير و تقدير أمور الحياة...".

- و ما المشكلة في حديثها؟!

- البارحة هاجمت مدير المجلة و اليوم تهاجم ملايين الناس؟! يا رجل هي لا تخاف من أحد...

ابتسم " عمار".. و قال:

- تقصد مثلنا!.

و مضى يدندن:


"..يا زمان من عمر فيي العشب عالحيطان

من قبل ما صار الشجر عالي

ضوي قناديل وانطر صحابي

مرقوا وفلوا بقيت عبابي لحالي..."...

*****************



"و هي ذاتها أمه التي وقفت ملوحةً له بشالها الأبيض و هو يغادر القرية ليلتحق بالجيش.. ببساطتها و طيبتها حفرت في قلبه اسماً لوطنه، و علماً غالياً.. علّمته:

لا يبيع الوطن إلا الجبناء...

و مضى.. أكل البوط العسكري من قدميه، عضت كرامته سيارات ( المسؤولين)، و نخر الفقر في صورة حبيبته ..

نام يوماً ليستيقظ على كابوس .. أخوةٌ أعداء، و بنادق بلا ذاكرة تصوب نارها إلى قلبه.

وحده صوتُ أمه كان معه في الانفجار.. وحده حمل روحه بعيداً عن الجثة التي استخدمت لاحقاً في التجارة..

قال لها: كل عام و أنت وطني... لا هي سمعت، و لا الوطن عاد...".



أحست " عبير" أنها كبرت دهراً بعد عودتها من الجنازة.. الجنازة رقم مئة في قريتها الجبليّة الصغيرة..

احتضنت "سناء" و اجهشت للبكاء:

- معظم من مات في هذه الحرب من الفقراء.. هذا الجندي الذي قتلوه يعيل أسرة كاملة.. أخوته حفاة يبكون مع أمه اليتم و العوز ثم رحيل المعيل.. لا يعقل أن تكون نهاياتنا شهيد.. معتقل.. أو لاجىء ...

حاولت " سناء" جاهدة التخفيف عن " عبير".. لكن فاقد الشيء لا يعطيه، و سناء التي اختفى أخوها المعارض للنظام في لمح البصر، لم تستطع أن تُنقص من حزن المكان شيئاً...

بكيتا كثيراً.. بكيتا حلماً مكسوراً.. شباباً ضائعاً.. وطناً مباحاً و ديناً مقسماً.. بكيتا الغد قبل الأمس و لعنتا الجميع...




في صباح اليوم التالي، استيقظت " عبير" على صوت فيروز" :


"رُبَّ أرضٍ من شذىً وندىً وجراحاتٍ بقلبي عِدى

سكتت يوماً فهل سكتت؟ أجملُ التاريخِ كان غدا...".




- يا عزيزتي :

نحن لم نخلق يوماً تعساء.. كما قال مشاهير الغناء.. بل إننا ضيعنا وقتنا في تلوين التعاسة..

لم نفكر يوماً في نسج جديد.. لأن الحزين لا يعرف الجد و لا الاجتهاد...


لقد مات " الوطن" من يوم صرنا نتكلم بضمير الغائب!

و الدمار سيظلّ مستمراً.. فالحروب الأهليّة عبر التاريخ سببت فشل الاقتصاد وتمزق المجتمع...

عندما ننظر إلى تاريخ الدول المتطورة نرى أن الدول الأكثر تقدماً عانت من الحروب الأهلية قديماً جداً.. على سبيل المثال النرويج و فنلندا ...

الحرب الأهلية درسٌ لا ينسى و الشعوب الذكية التي تجربها لا تكررها!

الأحمق اليوم من يعتقد أن طرفاً في حرب أهليّة يعتقد و لو بنسبة ضئيلة أنه على خطأ..

فأنصاف الحقائق ليست بالخطأ و لا هي أكاذيب، هي أجزاء من الحقيقة.. تُصَدّقُ ببساطة...و كل طرف يتبنى جزء الحقيقة الذي يخدم صالحه...

الحقيقة الكاملة هي العنصر الغائب في زمن الحرب ..

لا يملكها أحد.. و لا يراها بأكملها طرف...

أما من يتوقعها فهو مُجرَّمٌ من الجميع...
**************


"أنتِ ذَهَبِي الغالي كما تقول "فيروز"..

و أتحوّل بكامل فُقر جيبي إلى ملك ثريّ .. أمشي كطاووس..

أتكلم من أنفي لزوم (البرستيج).. أُمضي اليوم في التنظير و الاعتراض...

و عندما يحلّ الليل و تبدأ معدتي بالمواء.. تلتف حولي كل كلاب الحي..

أنظر إلى السماء من فوقي..

أصلي .. و أطلب من الله الستر:

أيتها الليالي الفضية أما آن الأوان للذهب أن يزورك.. ".




هي رسالة " علي" إليّ.. لكنّي لست سعيدة.. هو لم يعلم ما حدث!!

يتبع...