معطيات المشهد السوري وتداعياته (2 - 3 )


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 5030 - 2015 / 12 / 31 - 01:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

معطيات المشهد السوري وتداعياته (*) (2 – 3)
التأثيرات الإقليمية والدولية على المشهد السوري
الصراع في سورية هو صراع إقليمي ودولي عبر السوريين، ولن ينتهي إلا إذا جرى توافق إقليمي - دولي على الخروج منه. وقد أضحى للقوى الخارجية كلها ميليشيات تحارب عبرها في هذا الطرف أو ذاك، ومؤسسات إغاثية تهيمن عليها، وتجمعات سياسية تؤثر في مواقفها.
(1) – التأثيرات الإقليمية
• تقوم تركيا بدعم المعارضة والجماعات المسلحة التي تعمل على الأرض، وتستقبلهم على أراضيها وتوفر لهم الدعم الكافي، وهذا ليس حباً في المعارضة، وإنما لأنّ عمقها الاستراتيجي للشرق الاوسط هو من خلال سورية، خاصة وأنّ إيران هي الموازن الاستراتيجي الأبرز لتركيا في السيطرة على المنطقة. وبالتالي فإنّ هذا يعتمد على ما يمكن أن نطلق عليه " الإزاحات الاستراتيجية "، أي كل فاعل يحاول إزاحة الفاعل الآخر من إحدى ساحات الصراع، من أجل ملء الفراغ الذي سيخلِّفه تخلِّي الفاعل الآخر.
كما تتمثل مصالح تركيا الجوهرية في قيام دولة سورية قادرة ومستعدة للمساعدة على احتواء المجموعات المسلحة العاملة حالياً في تركيا، وحماية حدودها، وعودة ما يقارب مليوني لاجئ سوري تستضيفهم، والعمل على بقاء المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال جزءاً لا يتجزأ من سورية.
وثمة اندفاعة عاطفية سورية تجاه تركيا باعتبارها الملاذ الآمن لمليوني لاجئ سوري، وفتح أبواب التعليم والعمل والإقامة أمامهم، وأيضاً الخوف من صعود المشروع الإيراني في المنطقة، وفهمه من الغالبية السورية مشروعاً مذهبياً بالدرجة الأولى، وقناعتهم أنه ليس ثمة من يستطيع الوقوف في وجهه غير تركيا السنِّية القوية.
• أما مشروع المحافظة على النظام فتمثله إيران، لكن ليس حباً فيه، ولكن لأنه يمثل حليفاً استراتيجياً وامتداداً لمشروعها في الهيمنة على المنطقة. لذلك نرى أنّ إيران تبذل ما بوسعها من أجل إجهاض التغيير في سورية، فهي تدعم النظام بالمقاتلين، فضلاً عن الدعم اللوجستي. حيث كانت تستغل كل حاجة للأسد لزيادة تغلغلها في مفاصل الدولة السورية.
ولا شك أنّ ما دفع إيران للقفز إلى هذا المستوى، من الوضوح والشفافية في تظهير أدواتها وأهدافها، استشعارها تغيُّرات قادمة في المشهد الإقليمي، من خلال احتمال تشكُّل تكتل من القوى الإقليمية المركزية يقف ضد طموحاتها، لذا فهي تندفع إلى تكريس أوضاع ثابتة في سورية حتى لو اضطرت إلى عدم مراعاة اعتبارات كثيرة لدى الأسد، عبر تحويل المرجعية الإيرانية إلى الثابت الوحيد فيما المنفِّذون متغيِّرون، قد يكون الأسد أو أيِّ واجهة أخرى فيما يبدو استنساخاً للحالة العراقية.
ويمكن تفسير الاهتمام الإيراني بالانخراط في الجهود السياسية الخاصة بالأزمة السورية في ضوء عدة عوامل: فبعيداً عن نظرية تبنِّي دبلوماسية إقليمية لتعزيز مكانة إيران، لا سيما بعد الوصول إلى الاتفاق النووي، وإظهار مدى استعداد طهران للمشاركة في الوصول إلى تسويات للأزمات الإقليمية المختلفة. فقد شكَّل وصول ربيع الثورات العربية إلى دمشق تهديداً، ليس فقط لعرش الأسد، بل لمشروع إيران في المنطقة، بما يحمله سقوط الأسد من تأثيرات سلبية وخطيرة على وضع إيران المميَّز في سورية، وانعكاسات ذلك على حزب الله في لبنان وعلى الاستقرار النسبي الذي حققه النفوذ الإيراني في العراق. والتوجه الإيراني كان على منحيين: أولهما، تمثل بدعم الأسد ونظامه عبر مده بالدعم المالي وبالسلاح والذخيرة. وثانيهما، عبر تحشيد المجموعات المسلحة الشيعية لتشارك بالقتال مع قوات الأسد، ولتشكل ما يشبه حكومة ظل تسيِّر إيران شؤونها الاقتصادية والمالية والعسكرية، لتكون ضامنة لمصالح إيران بعد سقوط الأسد. وبشكل موازٍ انشأت إيران قوة اقتصادية من مجموعة من التجار المتعاملين معها، الذين استفادوا من العمولات الممنوحة لهم لتغطية حاجة السوق من النفط والطاقة والمواد الغذائية. بالإضافة لشراء الإيرانيين العقارات، خاصة في مناطق حمص ودمشق، في محاولة منهم لإحداث تغيير ديموغرافي في بعض المناطق يشكل سنداً لهم ولسياستهم في سورية.
إنّ إحدى النتائج المترتبة على هذا الدعم العسكري والاقتصادي الهائل، هي تغيُّر نوعي في طبيعة العلاقة بين النظامين السوري والإيراني. فمن حليفين تاريخيين يتبادلان المنافع والخدمات، بات النظام الإيراني اليوم - عملياً - سلطة احتلال في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، إذ يتحكم الحرس الثوري وجنوده بشكل كامل بهذه المناطق.
وتعتبر إيران أنّ السيطرة على منطقة دمشق الكبرى، والتي تضم مدينة حمص بطبيعة الحال، أولوية لاتصالها بلبنان عبر القلمون وريف حمص، واتصالها بالعراق عبر البادية، وبفلسطين عبر سهل حوران والقنيطرة. والخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين (شيعة على الأغلب) مكانهم.
• تقف إسرائيل اليوم موقف المراقب - ظاهرياً - للأزمة السورية، فهي تعتبر أنّ طريقة تعامل النظام مع الأزمة وإقحام الجيش في مواجهة المواطنين المدنيين قد أدى إلى ضعف جوهري في قدرات الجيش السوري على المواجهة والردع، وإلى تراجع شديد في حصانة الأمن القومي السوري من الناحية العملية من خلال انهيار الوحدة الوطنية السياسية وتشظِّي بنية المجتمع والدولة.
إنّ المراهنات الإسرائيلية في الأزمة السورية هي على مزيدٍ من التفاعلات السلبية - أمنياً وسياسياً - وعدم التوصل إلى أيِّ حلٍّ في القريب العاجل. فمن مصلحة إسرائيل بقاء هذا الكابوس الجاثم فوق المشرق العربي والمهدِّد لوحدة الأوطان والشعوب، والمنذر بحروب أهلية في عموم المنطقة. وفي هذا السياق يبقى للجنوب السوري وضع خاص، نظراً لمتاخمته للحدود الإسرائيلية، التي تمثِّل بيضة القبان في الأمر برمته. فمن ناحية تستحيل إعادة سيطرة النظام على كامل درعا والقنيطرة، ومن ثم عودة النظام لممارسة وظيفته الرئيسية بحراسة حدود إسرائيل. ومن ناحية أخرى لن تسمح إسرائيل بسيطرة طرف جهادي إسلامي لا تستطيع التأكد من نواياه تجاه إسرائيل على تلك المنطقة الحيوية.
ومن جهة أخرى، يعتقد الإسرائيليون أنّ مصالحهم في سورية قد لا تتأثر سلباً مع هيمنة روسيا على أجوائها، من خلال نشر منظومة صواريخ إس 400، التي أجهضت مساعي تركيا لفرض منطقة آمنة شمال سورية. فلن يكون عصيّاً على إسرائيل التأقلم مع تلك المنظومة الروسية في سياق حالة التنسيق العسكري عالي المستوى مع موسكو، فيما قد يتعذر عليها التعاطي مع المنطقة الآمنة التي كانت تركيا تسعى الى إقامتها، والتي كانت ستقيِّد خروقات الطيران الإسرائيلي الذي يستبيح الأجواء السورية منذ سنوات.
ونعتقد أنّ إسرائيل لن تكتفي بموقف المراقب، فلابدَّ أن تحاول تحقيق اختراقات في المستقبل وترتيب أوراقها لمرحلة ما بعد الأسد.
• تشعر دول الخليج أنّ بقاءها خارج الأزمة السورية سوف يتيج لدول أخرى، مثل تركيا وروسيا وإيران، فرصة ملء الفراغ. لذلك تعمل المملكة العربية السعودية على دفع عجلة الحراك خطوات للأمام عن طريق الدعم المباشر وغير المباشر لأطياف من المعارضة السورية.
وتعي دول الخليج أنّ سقوط النظام السوري سيكون بمثابة ضربة لإيران واضعاف لنفوذها في المنطقة، مما يدفعها للمبادرة والتعاون مع المجتمع الدولي في زيادة الضغوطات على النظام. ولكنّ المعضلة بالنسبة لدول مجلس التعاون تكمن في خطر وصول جهات اسلامية إلى السلطة وامتداد موجة تسونامي لربيع الثورات العربية لتصل للخليج.
وعلى الرغم من أنّ دول الخليج تفتقر إلى موطئ قدم إقليمي في سورية، لكنها رسَّخت نفوذها من خلال دعم الجهود التركية والأردنية لتسليح الجماعات المعارضة المسلحة.
• من الناحية التقليدية، يتداخل نطاق النفوذ الأردني مع إقليم حوران، ومن خلال الاعتماد على المقاتلين ورجال القبائل في حوران، والذين تربطهم صلة قرابة بالأردنيين، أبقت الأردن بنجاح تنظيم " داعش " بعيداً عن جنوب سورية، وأبقت جبهة النصرة أيضاً تحت الرقابة، والتي تنحدر قيادتها الجنوبية من إقليم حوران.
وربما كانت السعودية وتركيا أكثر الأطراف المستهدفة من الانتشار العسكري الروسي، إذ تعتقد السعودية أنّ دمشق لا بدَّ أن تُنتزع من براثن النفوذ الإيراني وتعود عربية كما كانت، لذلك سيكون عليها تأكيد خطها الأحمر حول غوطة دمشق الشرقية وحوران. بينما ستجد تركيا نفسها أمام تحدٍّ كبير فيما يتعلق بإدلب، وأكبر فيما يتعلق بحلب.
(2) – التأثيرات الدولية
• لم تتغير السياسة الروسية جوهرياً تجاه الأزمة السورية منذ بدء الحراك الشعبي في مارس 2011 حتى الآن، ومازالت هذه السياسة تتبنى موقف السلطة السورية بالكامل ودون تحفظ وتقول معها: إنّ الانتفاضة السورية ليست ثورة، وإنما هي من فعل مغامرين وإرهابيين وعملاء لدول الخارج.
وهي تريد الإبقاء على نظام بشار الأسد، لأنه ضامن للمنفذ الوحيد لها وعمقها الاستراتيجي الرئيسي للتدخل في الشرق الأوسط وللوصول للمياه الدافئة (العقدة التاريخية). كما أنّ روسيا، التي وصلت إلى طريق مسدود في أوكرانيا، تعتقد أنّ بإمكانها الاستفادة من معطيات الحرب الدولية ضد الإرهاب من أجل تعويم نفسها دبلوماسياً، وفتح تجارة جديدة رابحة مع واشنطن.
فضلاً عن ذلك، تبدو المقاربة الروسية - الأمريكية للمسألة السورية، اليوم، أقرب منها في أيِّ وقت مضى. فالطرفان يركِّزان على جزئية " الإرهاب " في الصراع السوري، وهناك اتجاه لفصل التعاون في المسألة السورية عن الخلاف المحتدم في أوكرانيا. خصوصاً مع تنامي القلق من دور الجماعات الجهادية التي ما فتئت تستقطب مناصرين لها في المجتمعات الغربية.
كما أنّ تصاعد النفوذ التركي، ومعه تيارات الإسلام السياسي، وتأثيرها المحتمل على أقاليم روسيا المسلمة " السنِّية " في غالبيتها، أحد أهم محددات الموقف الروسي. وقد وجدت روسيا نفسها تلقائياً في صف المعسكر الإيراني الذي كان يدافع عن تغوُّله في المنطقة، في مواجهة قوى الإسلام السياسي " السنِّية " الصاعدة.
كما ثمة رغبة روسية بعدم ترك المنطقة للنفوذ الأمريكي، وتبدو سورية هي ورقتها الأخيرة في المنطقة. إذ تم إخراجها من المعادلة السياسية في ليبيا والعراق. وتجد روسيا في الأزمة السورية فرصة نادرة لتعظيم دورها الدولي من خلال إدراكها لحالة الوهن الاستراتيجي في الإدارة الأمريكية وافتقادها لأية رغبة في الانخراط في أيِّ نزاع جديد.
ويبدو أنّ أسباب التحرك الروسي تتلخص في محاولة روسيا العودة إلى المشهد السياسي الدولي، عبر بوابة الأزمة السورية. فمن الواضح ان الولايات المتحدة تسعى لأسباب مختلفة إلى تحجيم روسيا دولياً وتقليص دورها في نطاق إمدادات الطاقة عالمياً. وفي هذا السياق تشكل الجغرافية السورية واحدة من الضرورات اللوجستية للمشروع الروسي في مجال الطاقة، وذلك لما تملكه من إمكانيات ربط بين مواقع الإنتاج ومناطق الاستهلاك، وكمعبر للغاز القادم من آسيا الوسطى الواقعة تحت قوس السيطرة الروسية، مثل كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان، ولربط استثمارات الغاز على المتوسط بالغاز القادم من إيران، وكمعبر إجباري لخطوط النقل المتجهة إلى أوروبا. مما يجعل من سورية درَّة الاستراتيجية الروسية في المنطقة، وما يشجع على اعتماد سورية كذلك، وجود بنية تحتية روسية في سورية تتمثل بميناء طرطوس وباستمثارات عديدة في مجال النفط والغاز. إضافة إلى عوامل أخرى مؤثرة في الموقف الروسي، تتعلق بالنفظ والغاز، مفادها أنّ دولة قطر تخطط لتمديد أنابيب لنقل الغاز المسال عبر الأراضي السورية إلى أوروبا والذي سينافس الغاز الروسي.
إنّ تعاظم الانخراط الروسي منذ أواخر سبتمبر/أيلول الماضي غيَّر ديناميات القوة ووقائع المعارك في المحنة السورية، بعد أن كان النظام السوري قد بدأ يخسر أراضٍ على جبهات عدة. ويبدو أنّ موسكو تنفِّذ مخططاً واضحاً في سورية، يستهدف سحق المعارضة المسلحة وتحييد المليشيات الإيرانية واستعادة سيطرة الدولة تحت سلطة الأسد، قبل الانتقال إلى مرحلة مفاوضات تفرض فيها رؤيتها للحل، وتكرِّس مركزها المتفوِّق في المشرق العربي، في مواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي.
وتُعَدُّ منطقة الساحل السوري نقطة انطلاق للاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، فلموسكو قلق وهواجس من دور تركيا في شمال سورية، لانعكاساته المحتملة على استراتيجيتها البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وموسكو مهتمة بالتطبيقات الجيوسياسية للجغرافية السورية التي تشكل " مسرحاً استراتيجياً " يؤثر في قضايا حيوية عديدة للنظامين الدولي والإقليمي: الصراع العربي - الإسرائيلي، القضية الكردية، الصراع السني - الشيعي، أنابيب النفط والغاز، أمن الخليج.
هذه العوامل تجعل الاهتمام الروسي يطاول جميع أجزاء الجغرافية السورية، على أن يتم التعامل مع هذه الأجزاء وفق أولويات متدرجة، تشمل الساحل ومتعلقاته في إدلب في البداية، وفي الأهمية نفسها، زيادة طوق الأمان حول دمشق، ولاحقاً مدينة حلب، ثم تأتي بقية المناطق.
• مر الموقف الأمريكي بأربع تحوُّلات خلال أعوام الأزمة السورية: ارتباك في التعامل مع الأحداث المتسارعة مع مراقبتها أولاً، ثم دعم المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، في مقابل فرض عقوبات اقتصادية على النظام ثانياً، ثم تراجع الدعم العسكري للمعارضة المسلحة، وتغيير التحالفات الميدانية مع الاستمرار في استنزاف النظام وحلفائه ثالثاً. وأخيراً، الميل إلى إمكانية التفاهم مع حلفاء النظام في محاربة الإرهاب، وتهيئة الأرضية لإيجاد حل سياسي يلائم الواقع السوري.
والصيغة الأخيرة هي التي يحاول أوباما تكريسها في المرحلة المتبقية من ولايته، إذ تعمد إدارته إلى تعريف الأزمة السورية على أنها صراع بين متساوين، أي حرب أهلية. وبالتالي، لا يمكن أن تختزل مع تداعياتها الإقليمية والدولية بانتصار عسكري لهذا الجانب أو ذاك.
وليس مستبعداً رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في استكمال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وفق أسس تفكيكية، لذلك نراها تدفع باتجاه إغراق المنطقة بحروب طائفية وعرقية بين مجتمعات الشرق الاوسط بهدف تفكيكها واعادة تشكيلها من جديد، وأحد سياسات هذا المشروع هو آلية " الفوضى الخلاقة " التي اعتمدتها في المنطقة وتحديداً في العراق منذ سنة 2003، وحاولت نقلها إلى دول المنطقة، خاصة بعد التغييرات التي مرت بها المنطقة بعد ربيع الثورات العربية في سنة 2011.
ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة لا تنوي التورط في عملية تدخُّل عسكري في سورية، وذلك يعود لجملة عوامل: أولها، التعب الواضح في الرأي العام الأمريكي تجاه قضية الحرب. وثانيها، عدم الرغبة في التورط في أزمة اقليمية جديدة دون معرفة طريق الخروج منها. وثالثها، انتقال محور اهتمام السياسة الأمريكية إلى آسيا، وانفكاكها النسبي عن المنطقة عبر الانسحاب من العراق وأفغانستان.
وفي حسابات واشنطن، يبدو أنّ هناك أملاً بأن تغرق موسكو في نهاية المطاف في المستنقع السوري، فتتورط في كمٍّ هائل من المشكلات يوازي حجماً تلك التي تحاول إيجاد حلول لها، وينتهي بها الأمر في خوض مواجهة مع إيران حول تملُّك ما تبقّى من نظام الأسد. في هذا السيناريو، بوتين هو من سيتحوّل نحو الدول الغربية والعربية متوسِّلاً التوصل إلى حلٍّ مقبول.
وفي هذا الإطار، يبدو أنَّ أولوية أوباما في عامه الأخير في الحكم تتمثّل في ترسيخ مكاسب الاتفاق مع إيران، وإدارة النزاع السوري بأدنى حدٍّ من التكلفة، وتمريره إلى الإدارة الجديدة. إنه السبيل الأفضل لفهم الصيغة الديبلوماسية الجديدة التي وُضِعت في فيينا.
• الموقف الأوروبي
يبدو الموقف الأوروبي أكثر تشدُّداً من الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية، وأكثر استعجالاً في حل الأزمة واسقاط النظام الحالي، وذلك لعدة أسباب من أهمها: العوامل الجغرافية والتاريخية، إذ ستكون أوروبا أكثر تأثراً بحرب أهلية سورية أو بحالة الفوضى. وقد جاءت موجة اللاجئين السوريين لتبرز هذه العوامل. وهناك رغبة أوروبية بانهاء الأزمة لكنها لا تستطيع التحرك منفردة دون التنسيق مع الإدراة الأمريكية.
تونس في 26/12/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية
(*) – مقاربة قُدِّمت في ندوة " الحالة السورية: التحوُّلات والتداعيات " بدعوة من " منتدى الجاحظ " – تونس في 28 ديسمبر/كانون الأول 2015.