ستالين البيروقراطي !؟


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 15:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ستالين البيروقراطي !؟
(ما حقزني لكتابة هذا المقال هو مقالات الرفيق حسقيل قوجمان الأخيرة)

لا يعود الشيوعيون شيوعيين عندما يتوقفون عن الحديث عن ستالين، فالعالم ماكان ليتعرف على الماركسية اللينينية وعلى الشيوعية إلا من خلال ستالين . كان هذا من صروف التاريخ وليس من صناعة بني البشر .
في محاولة فاشلة دعا الحزب الشيوعي الأردني قبل بضع سنوات معظم الشيوعيين الذين كانوا قد تركوا الحزب لأسباب شتى بهدف إعادتهم للحزب بعد أن فقد الحزب كل وهجه في الشارع الأردني وقد كان ذا صول وجول في الخمسينيات . كنت من بين عشرات المدعوين وتيسر لي الحديث إلى الحضور فتحدثت عن ستالين وعن الصراع الطبقي الذي أودى بالاتحاد السوفياتي . فقام الأمين العام للحزب يرد علي مغتاضاً يقول .. "نحن لم نجتمع هنا للحديث عن ستالين"، وبالطبع هو ينكر أن حزبه لم يعد أكثر من آرمة ومكتب سياسي بسبب تراجع الاتحاد السوفياتي عن الاشتراكية وحتى الانهيار وكانت إشارة التراجع هو الهجوم على ستالين الذي بدأه خروشتشوف في العام 1956 . ولذلك نحن نؤكد اليوم أن التوقف عن الحديث عن ستالين إنما هو البداية في التخلي عن الشيوعية حيث ما كانت الانسانية أن تتعرف على الشيوعية وعلى الماركسية اللينينية إلا من خلال ستالين . وما لا يُنسى في ذلك الاجتماع الفاشل هو أن عضواً في المكتب السياسي للحزب علق على حديثي متعجباً من أن ثمة شيوعياً يتحدث عن الصراع الطبقي في الاتحاد السوفياتي !! لهذا الحد وصل الفقر الفكري حتى بات الحزب الشيوعي مجرد خربة بعد أن كان القوة السياسية الأولي في الأردن .

أتذكر تماما أنني في اجتماع الخلية الحزبية التي كنت عضواً فيها في العام 1954 ومن باب النقد والنقد الذاتي وجهت نقداً حاداً لجريدة الحزب "المقاومة الشعبية" وهي تعظم ستالين بين كل سطر وآخر وهو ما يتسم بالعبادة الشخصية الممجوجة في الأدب الشيوعي .
بعد أقل من عامين فوجئ العالم بهجوم خروشتشوف على ستالين بتهمة ممارسة طقوس عبادة الذات . طبعاً الحزب لم يعترض على هجوم خروشتشوف وأعتقد أن أحداً في قيادة الحزب لم يكن يعلم أن تقرير خروشتشوف كان تقريراً شخصياً لا علاقة للحزب الشيوعي السوفياتي به وأنه لم يكن من وثائق المؤتمر، وهم ليسوا ملومين إلى حد ما لذلك لأن أحداً من قادة الحزب الشيوعي السوفياتي لم يعلن ذلك وكان خطأً قاتلاً من جانبهم . بدأت تتسرب في صفحات "المقاومة الشعبية" عبارات تحط من قدر ستالين وهو ما كان موضع شجبي الحاد، فكان أن أكدت في اجتماع حزبي أن من يسب ستالين اليوم سيسب لينين غداً ؛ وبالفعل قال خروشتشوف في مؤتمر الحزب التالي مبرراً انحرافاته أن لينين لم يعايش الشركات المتعددة الجنسيات . كنت أعلم تماماً أن خروشتشوف لفق تهماً كاذبة لستالين وأكذب ما فيها ممارسة طقوس عبادة الذات حيث يمكن اتهام ستالين بمختلف الاتهامات إلا هذا الاتهام فقد كان ستالين يصر بصورة لافتة على التأكيد على أنه ليس أكثر من تلميذ للينين يجهد لأن يكون تلميذاً نجيباً بل إنه وقبل مائة يوم من موته وقد تعاقب على منبر المؤتمر التاسع عشر للحزب عدد من أعضاء المكتب السياسي يعلنون أنهم من تلاميذ ستالين، بعد أن كان ستالين قد انتقدهم نقداُ حاداً وطالب بابعادهم عن القيادة، ورد عليهم بفظاظته المعهودة قائلاً .. "ما تقولونه مجرد كلام فارغ (nonsense) فأنا ليس لدي تلاميذ حيث أننا جميعنا من تلاميذ لينين" . وأعرف أنه مات وصورة لينين فوق رأسه في مكتبه وليس صورته وهو رأس الدولة، ولم أكن أعلم أنه في حله وترحاله كان ينام ووجه لينين الشمعي مضاء فوق رأسه كما أخبرنا رفيقه مولوتوف، وأنه كان يعمل 16 ساعة يومياً دون انقطاع . لكنني كنت أعلم أنه لم يكن يوفر وقتاً لرعاية عائلته، وكنت أعلم أنه رفض استبدال ابنه الاسير يعقوب بأسير ألماني أعلى رتبة منه عكس ما كان يقتضي النظام ولذلك قتل ابنه البكر في الأسر، وكنت أعلم أنه لم يترك شيئاً ذا قيمة في ميراثه، ولم أكن أعلم أنه كتب لوالدته أنه لم يملك المال أكثر مما يرسله لها وأنه سيتدبر أمرة في حالة حاجة والدته، ولم أعلم أن راتبه كان حوالي نصف راتب عامل الفحم، ولم أكن أعلم أنه أصر على حذف كلمة العبقري من خطاب لمولوف يصفه بالعبقري، ولم أكن أعلم أنه رفض أن ينسب النصر على النازية لشخصه وليس للشعب الروسي تحديداً . من يصدق أن رجلاً من مثل هذا الطراز يمارس طقوس عبادة الذات !؟

ثم ماذا عن ستالين البيروقراطي وهي التهمة التي استعارها خروشتشوف من ميراث تروتسكي عدو ستالين والاتحاد السوفياتي !؟
المعالجة الرئيسية لموضوع بيروقراطية ستالين، وهي الاتهام الذي ما زال الشيوعيون من أيتام خروشتشوف يختبئون خلفه ليخفوا انحطاطهم السياسي، هي الحرب التي امتدت خمس سنوات أهلكت الزرع والضرع في الاتحاد السوفياتي المترامي على عرض قارتين . كان قادة الجيش الأحمر من مارشالات وجنرالات يخططون لخوض معركة كبرى واحدة حاسمة ضد النازية وكان ستالين يرفض رفضاً قاطعاً المراهنة على مصائر مشروع لينين بالثورة الاشتراكية العالمية بالإضافة إلى حياة ومستقبل الشعب الروسي والشعوب السوفياتية لتكون رهناً لكفاءة الجيوش في الحرب واحتمالات هزيمتها، فمثل ذلك الرهان على الأقدار لا تعقده إلا البروليتاريا السوفياتية بقيادة البلاشفة وقد أولاها لينين المسؤولية التامة عن مصائر العالم لدى إعلانه عن الثورة الإشتراكية العالمية في مارس آذار 1919 . مصائر الثورة إنما هي ملك البروليتاريا السوفياتية والشعوب السوفياتية . الشعوب السوفياتية بقيادة البروليتاريا هي التي ستحارب حربها الوطنية ضد النازيين الغزاة . يوسف سنالين وهو الماركسي اللينيني الرفيع لم يكن يتنبأ في الغيب . فعندما زاره أفريل هاريمان في مكتبه في نهاية سبتمبر ايلول 1941 مبعوثاً من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ليتعرف على أسباب هزائم السوفييت المتلاحقة في الحرب حتى كانت موسكو محاطة بزهاء ثلاث ملايين جندياً نازياً من الشمال والغرب والجنوب، قال له ستالين أن أسباب الهزائم المتلاحقة إنما تعود لفقر خبرة جنرالاتنا في الحرب، لكن لا عليك فالشعوب السوفياتية ستسحق النازيين الغزاة حتى التراب وهو ما أذهل هاريمان كيف لهذا القائد لا يعيش واقعه (!!) حيث العاصمة موسكو محاطة بثلاثة ملايين جندياً نازياً مسلحين حتى الأسنان بأحدث الأسلحة الفتاكة ومع ذلك يدعي بأنه سيسحق النازيين حتى التراب .
مع بداية أكتوبر بدأ الهتلريون الهجوم على موسكو وكان ستالين قد استعد للمعركة فحشد كل قوى الشعب بقيادة البروليتاريا المتسلحة بالبلشفية اللينينية وقد عملت 250000 إمرأة سوفياتية في حفر ثلاثة خنادق محيطة بموسكو مانعة لعبور دبابات العدو، وحشد ما يناهز 1.5 مليون مقاتل وقاد المعركة بنفسه وكان حضور ستالين يؤجج عزائم المقاتلين . وبعد أن أمر بإخلاء موسكو من مؤسسات الحزب والدولة وترحيلها إلى الشرق إجتمع عشية ذكرى الثورة السابعة عشرة بقادة الحزب والدولة وخطب متوعداً .. " أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً " ، ولعل ستالين كان يفكر أن يحارب النازيين حتى في فلاديفستوك على شواطئ المحيط الهادي شرق آسيا ويسحقه هناك إن لم يسحقه قبلئذٍ في سيبريا . أصر ستالين أن يحتفل السوفياتيون بعيد الثورة صباح اليوم التالي باستعراض الحرس في الساحة الحمراء حيث أكد أن النصر المؤزر سيكون لراية لينين الخفاقة . وهكذا انهزم النازيون لأول مرة في تاريخهم وقرعت أجراس كنائس انجلترا احتفاء بأول نصر على النازية .
البيروقراطي ستالين كان سيسلم مصائر دولته البيوقراطية لعساكرة الطيّعين، ليس غير مثل هذا يفعل البيروقراطيون، لكن قرار ستالين البلشفي الأرفع كان يقضي باشتراك كل الشعب رجالاً ونساءً شيباً وشباناً في الحرب ضد العدوان الهتلري الذي انهزمت أمامه أكبر امبراطوريتن استعماريتين، فرنسا وبريطانيا . في صلب قرار ستالين إعادة كل السلطة للشعب وليس للجيش وقائده الأعلى . الشعوب السوفياتية قاتلت وراء ستالين، خسرت 9 ملايين عسكرياً و 15 مليون مدنياً وكل العمار في روسيا الأوروبية ولم تلن قناتها قبل احتلال برلين ب 3 ملايين جندي وخلفهم 3.5 مليون جنديا مسلحين بأكثر من 10 آلاف دبابة وعشرات آلاف الطائرات ومئات الألوف من المدافع . لعل هذا الدكتاتور البيروقراطي امتلك من السحر ما لا يمتلكه غيره فسَحَر الشعوب السوفياتية حتى قامت بما لم يقم غيرها . في الحقيقة أن سحراً مختلفاً كان يسحر الشعوب السوفياتية في ستالين ليس مثله من بنى دولة تعنى بإنسانية الانسان هي دولة دكتاتورية البروليتاريا . كذلك كان سحر البلشفية اللينينية .
في مذكرة تاريخية وقعها الملك جورج السادس ملك بريطانيا العظمى ورئيس وزرائه ونستون تشيرتشل يعدان فيها ستالين أن شعوب بريطانيا ستظل مدينة إلى الأبد لتضحيات الشعوب السوفياتية في الحفاظ على حرياتها وحرية شعوب بريطانيا بنفس الوقت . فليعلم مجندو البورجوازية الوضيعة أن من يدافع عن الحرية هم الأحرار فقط دون سواهم .
ليس أغرب من أن كل هذه الحقائق الأقوى من التاريخ نفسه طالما أنها هي من صنع كل التاريخ الحديث لم تخرس كلاب البورجوازية الوضيعة عن النباح المتصاعد نحو شبح ستالين المرعب .
ليداوم الشيوعيون البلاشفة دون انقطاع في الحديث عن شبح ستالين المرعب . فلن يحرر البشرية من كل السخام الذي علق بها على مر التاريخ غير هذا الرعب لشبح ستالين .