الفاعلون من خارج الدولة السلبية العربية


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 12:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



صحيح أن العالم العربي قد عرف ويعرف تخلفا كبيرا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي الذي لعبت فيه أشكال الدولة السلبية العربية دورا كبيرا أسفر، بفعل التراكم، عن إفراز الحراك في مختلف مناطق العالم العربي وإن بدرجات. انه الوضع الذي أصبحنا أمامه، وبكل وضوح، أمام فاعلين آخرين مستقلين عن أشكال الدولة السلبية العربية، أصبحوا ينازعونها ويمتلكون بعض أدوارها التي جعلت منهم فاعلين معترفا بأهميتهم عالميا ومحليا تمت تسميتهم"بالفاعلين من خارج الدولة".
وفي هذا الإطار،إذا كانت أشكال الدولة السلبية العربية أشكالا مستبدة ومحتكرة لمختلف المجالات المادية بامتلاك واعتماد أهم مصادر القوة، مدعمة ومحمية في ذلك بالأب الرأسمالي المحتكر الأول للمجالات المادية تلك؛ فما مدى وطبيعة ودرجة فاعلية الفاعلين الخارجين عنها سواء بالمعنى العابر للجنسيات العربي المحلي إزاء أو بالمعنى هذا الوضع المزري؟ لن نطرح الموضوع بشكل مفصل بقدر ما أننا سنعمل على إثارة الانتباه لتلك المكونات لما لها من أهمية بصدد الصراع الدائر في علمنا العربي الراهن. وبصدد الجواب عن سؤالنا السابق،فالأجوبة تتعدد بتعدد الفاعلين من خارج أشكال الدولة السلبية العربية. فيصدد الفاعل الأول فيتمثل في المنظمات العالمية الغير حكومية التي تقوم بمتابعة ومراقبة أشكال الدولة السلبية العربية في إنجاز واتخاذ وتطبيق القرارات بشأن شعوبها ومدى احترامها كرامتها؛ وهذا ما جعل أشكال الدولة السلبية العربية تكن لها العداء لا لشئ إلا لأنها ترفض عبودية وهضم حقوق الشعوب العربية والدوس على كرامتها. فعلى الرغم من تعددية المنظمات تلك، فكلها تتقاطع حول تصور مشترك بصدد الإنسان العربي – والإنسان عامة – دون تمييز عرقي أو جنسي أو ديني لأجل حصول أو التأسيس لخلق شروط التغيير أو قل بناء مجتمعات عادلة.
وهناك فاعل آخر من خارج أشكال الدولة السلبية العربية يتمثل في اليسار الاشتراكي والشيوعي الذي كان مطاردا في كل مكان من طرف أشكال تلك الدول الذي عايش استبدادها وتبعيتها وفشلها في تحقيق نمو وتنمية شعوبها نظرا لتركيبتها الريعية والفاسدة,فتجنبا لقمعها كانت تعمل في السرية لمحاولة بناء أجيال تكون لها القدرة على تدمير تلك الأنظمة وإحلال أخرى محلها تكون أكثر عدلا وديمقراطية, لكن أنشطتها تلك كانت غير كافية وضعيفة مرحلة الحراك العربي بفعل العديد من الأسباب التي منها اعتماده أسلوب"العمل الخلوي" وإن كان أسلوبا فرضته الظروف؛ ومنها كذلك بطء دراسة القضايا والتباطؤ في اتخاذ القرارات التي تخضع لمبدأ التسلسل الهرمي الذي يعطل فاعلية الخلايا والفروع واللجان التنسيقية؛ بل ويؤثر في أعمال المجالس. وقد ضاعف من هذا الضعف انهيار المعسكر الاشتراكي. وعليه، فضعفه المادي والتنظيمي أضعف حضوره وانخراطه في الشارع العربي منذ بداية الحراك أو قل أن وجوده بالشارع كان وجودا متواضعا. أما المركزيات النقابية كفاعل من خارج الدولة السلبية العربية فقد لعبت دورا قبل وأثناء الحراك في بعض البلدان كتونس ومصر، وأقل في دول أخرى كالمغرب، ومنعدم في دول كالسعودية والخليج, فللمركزيات النقابية الراديكالية العربية كفاعلة أهميتها بفعل كونها المجال المدافع والمنظم لأنشطة العبقة العمالية الطموحة دوما لتحقيق التغيير.وهناك فاعل آخر من خارج أشكال الدولة السلبية العربية يتجسد في الجماعات الدينية خاصة منها الإخوان المسلمين الذين لعبوا أدوارا ملحوظة في العلاقة بالحراك؛ فنظرا لعجز الدولة تلك عن تحقيق النمو والتنمية والعدالة،استولت على الدين ووظفته لإخفاء ضعفها؛ وقد نجحت في ذلك؛إلا أنه،وبفعل العديد من العوامل، تمكنت الجماعات الدينية من التوظيف الأكثر نجاعة للدين وبالتالي سحبه كبساط من تحت أقدام أشكال الدولة السلبية العربية.وهناك فاعل آخر من خارج الدولة السلبية العربية متمثلا في وسائل التواصل وفئة الشباب؛ وقد حاولنا التركيب بينهما نظرا لصعوبة الفصل بينهما.لقد استفاد الشباب من إمكانات وقدرات التكنولوجيا والمعلوميات في التأسيس والتعبئة وتنشيط الحراك وهو ما شجع الجماهير على تحدي الأنظمة وامتلاك العديد من أدوارها.إلا أن تحمل الشباب مسئولية الحراك كانت تفوق إمكاناته؛ لذا،وجدنا بينهم،فئات عمرية أخرى من الجماهير الغاضبة. وعليه، فالحراك لم يكن حراكا شبابيا فقط، بقدر ما أن الأصح هو اعتباره حراكا جماهيريا ألهبته وفرة المعلومات وشرحها وتبسيطها ونشرها بواسطة وسائل التواصل والاتصال,
بناء على ما سبق، نرى أن حصول الثورات- وهو ما لم يحصل في العالم العربي – يقتضي التحالف القوي والعقلاني بين الفاعلين من خارج أشكال الدولة السلبية العربية للتمكن من السيطرة على أدوارها التي كلما فقدتها أو فقدت أكبر قدر منها كلما أصابها الضعف والانهيار الذي يحل كبديل له، نظام أكثر عدالة ومساواة،نظام تبنيه الشعوب استجابة لحاحياتها.