إرهابيون - ستوكهولم - سيناريو8


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5010 - 2015 / 12 / 11 - 16:09
المحور: الادب والفن     

أوجه ندائي الحار إلى الناشرين والممولين لنشر "المشروعان مشروع التنوير ومشروع الدولة"، هذا الكتاب الأداة التثقيفية، بعشرات آلاف النسخ، وتوزيعه في جميع بلدان العالم العربي...




مجدي ماجد سوري في الثالثة والعشرين من عمره، يتعالج في أحد مستشفيات ستوكهولم من جرح حارق أصاب ذراعه وكتفه وعنقه ووجهه، ويبقى يتحرق شوقًا إلى أنامل جوانا، الممرضة التي تبدل له الضِمادة، كل يوم، إلى ابتسامتها البيضاء، إلى شعرها الذهبي، وفي الليل، يحرق فحمة ليله في التفكير فيها، ويقيم حوارًا بينه وبين نفسه:
- اشكر الله على نعمته، يقول لنفسه.
- جرح خطير كهذا نعمة، يؤكد لنفسه.
- كل الجروح نعمة من فضل الله بين أنامل جوانا.
- كل الجروح جوانا.
- جوانا كل الجروح.
- البيضاء الشقراء الثلجية.
- الغيداء الحوراء السكرية.
- يحسدك كل الأصحاء.
- يغير منك كل الشبان.
- لن يحلم بها أحد غيرك.
- لن يحس بها أحد بعدك.
- بعدي ليس بأكيد.
- هذا صحيح.
- جوانا تداوي الجميع.
- هذا صحيح.
- جوانا حمامة على وجهها تهيم.
- هذا صحيح.
- ما العمل إذن بعد أن أبرأ؟
- يجب ألا تبرأ.
- مستحيل.
- يجب ألا تخرج من المستشفى.
- مستحيل.
- يجب أن تفعل المستحيل.
- مستحيل.
- افقأ جرحك كلما اندمل جرحك.
أخذ مجدي ماجد يفقأ جرحه كلما اندمل، فأثار استغراب جوانا، لكن ما لبث الأمر أن أسعدها، أمر بربري كهذا أثار في نفسها كل ما عجزت عن تحقيقه، فانجذبت إلى الشاب السوري، وبأناملها الناعمة راحت تبادل الإرهاب بالإعجاب، والإعجاب بالدكتاتورية.

* * *

سعد الله عبد الله كاتب سوري في الخمسين من عمره، يحلم بجائزة نوبل رغم أنه لم يكتب سوى عشرة كتب بينها ثلاث روايات أو أربع، لهذا أنفق "تحويشة العمر" ليكون من بين المهاجرين إلى السويد. سيترجم كتبه إلى السويدية، وسينشرها بالسويدية، وسيهديها بنفسه إلى أعضاء الأكاديمية الصانعة للخالدين. سيكون أول عربي أول عالمي ينال الجائزة دون خلفيات سياسية، بفضل القيمة الإبداعية لأعماله.
- الآن وقد ترجمتَ كتبك إلى السويدية ونشرتَها على حسابك بالسويدية ماذا ستفعل؟
- سأنطر أعضاء أكاديمية نوبل على الباب لأعطيهم أعمالي وأوصيهم بها خيرًا.
- وما الذي يضمن لك أنهم سيقرأونها؟
- أعضاء الأكاديمية أسماء لامعة ومسئولة.
- هذا لا يعني شيئًا.
- كيف هذا لا يعني شيئًا؟
- كم نسخة بعتَ من كتبك؟
- ليس كثيرًا.
- تريدهم أن يقرأوك دون قراء؟
- سيكون لي قرائي بعد أن يقرأوني.
- تعني بعد حصولك على نوبل؟
- تمامًا.
- أنت تحمل السلم بالمقلوب.
- تمامًا.
- وبالعرض.
- تمامًا.
- نحن في السويد لا في سوريا.
- حتى ولو كنا في جهنم.
- نحن في ستوكهولم لا في دمشق.
- حتى ولو كنا في زحل.
- التكنولوجيا والديمقراطية هي نوبل.
- التخلف والدكتاتورية هي نوبل.
- نوبل هي إدراك نوبل.
- نوبل هي إجبار نوبل.
- أنت لا تعرف العقلية السويدية وأقل عقلية أعضاء نوبل.
- أعضاء نوبل لا يعرفون العقلية السورية وأقل عقليتي.

* * *

كانت أنّا السويدية وصديقتها أمينة السورية تشربان البيرة مع بعض الأصدقاء والصديقات من حول نار في موقد في الليل في الثلج، وكانت أنّا تقول إنها نابتية، وإن قتل الحيوانات جريمة ضد الإنسانية.
- وقتل الخضروات؟ تهكمت أمينة.
- الخضروات لا روح لها، أجابت أنّا.
- للخضروات روح وللفواكه روح وللأعشاب روح، فكل شيء من روح الله.
- الله السوري لا الله السويدي.
- هل هناك الله سوري والله سويدي؟
- هناك.
- الله السويدي من هو؟
- الثلج.
- للثلج روح؟
- للثلج روح.
- إن كانت روح للثلج، فهي روح عاتية! انظري إلى دكتاتورية الأبيض من حولنا، حتى في الليل الأبيض يظل أبيض، ونحن السويديين نحاول التحرر منه على طريقتنا.
- بالنار والبيرة.
- والمضاجعة.
- المضاجعة حيوانية.
- لهذا أنا نابتية... بيتر، تعال! أشتهي بعض اللحم، الجزر المبشور على الغداء لم يكن طيبًا! يا للهول أن تكون نابتيًا! لا تملأني بالثلج، يا وغد! تمارس الإرهاب على طريقتك؟ أنت ابن الثلج، وهذا شيء طبيعي؟ ابن قحبة بالأحرى! بعد عظيم البرودة عظيم الحرارة، هذا ما تردده أمي، لكنها هي ليست نابتية، هي أشبه بأمينة، تحب اللحم، تلتهمه من أفواهها الثلاثة، لِتَخضع كما يجب. يجب الخضوع لإلهنا الثلج، ليكتفي بخضوعنا، ويترك الصيف وشأنه، صيف خراء على كل حال، شمسه عند منتصف الليل أفظع شمس.




* * *

لكن أهم ما في فكرة الدولة هو إمكانية تحقيقها وممارستها في الحياة اليومية لكلٍ منا... الحلم بدولة الإنسان التي تحفظ كرامة الإنسان، هو حلم يراود الأذهان، وسوف يحققه المضطهدون والمقموعون...

قاسم حسن محاجنة