إرهابيون - نيويورك - سيناريو4


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 08:45
المحور: الادب والفن     

أوجه ندائي الحار إلى الناشرين والممولين لنشر "المشروعان مشروع التنوير ومشروع الدولة"، هذا الكتاب الأداة التثقيفية، بعشرات آلاف النسخ، وتوزيعه في جميع بلدان العالم العربي...



جيمس ستيوارت، رئيس تروست البيتزا الأمريكي المعروف، كان يحب كلبته ماريلين مونرو أكثر من زوجته، ويدللها أكثر من كل بناته، يطعمها البيتزا بالكافيار، ويسقيها الماء المعدني الفرنسي فيتيل، وعندما يأخذها معه إلى حفلة من الحفلات، كان يغسلها بالعطر، ويلف عنقها بالألماس، ويكسوها بالحرير، وكان يجند ثلاث خادمات للعناية بها، وثلاثة حراس لحمايتها. لكنه في السنترال بارك، غير بعيد من شقته الفخمة، كان ينزه كلبته بنفسه كأي شخص عادي، يبتسم لمن يعرفه، ولمن لا يعرفه، ولا يتوقف عن التكلم في تلفونه المحمول، وكأنه مربوط بالعالم على الطرف الآخر.
- كم بيتزا بعنا حتى هذه الساعة؟
كانت الساعة لم تتجاوز بعد العاشرة صباحًا.
- في العالم؟
- في أمريكا.
- مائة مليون بيتزا.
- وفي أوروبا؟
- خمسون مليون بيتزا.
- وفي الشرق الأوسط؟
- مليون ونصف بيتزا.
- مليون ونصف بيتزا فقط!
- إنهم يفضلون ساندويتشات الفلافل.
- يا له من ذوق متخلف ذوق العرب!
- همجي!
- سندخلهم من باب الحضارة العريض رغم أنوفهم.
- ماذا تعني؟
- سأقول لك فيما بعد.
- خلال عدة دقائق العداد ارتفع.
- كم؟
- بيعت في أمريكا مائة وعشرون مليون بيتزا.
- وفي أوروبا؟
- ستون مليون بيتزا.
- وفي بلاد الهمج؟
- مليون ونصف بيتزا دومًا.
- ماذا؟ لم يتحرك العداد في الشرق الأوسط؟
- لم يتحرك.
- سأنيك عرضهم.
- هذا رأيي أيضًا، أن تنيك عرضهم، فيضطرون لأكل بيتزا أكثر.
- انتظر على الخط قليلاً ريثما أكلم سكرتير الدفاع... هاي جوني! هل أعجبتك البيتزا بالكافيار التي أرسلتها لك مساء أمس؟... كنت أعرف ذلك، فهي البيتزا التي تفضلها كلبتي بين مائة نوع بيتزا... شكرًا شكرًا! والشيك الصغير هل استلمته؟... أنا تحت أمرك، سيكون المبلغ الذي تريده في المرة القادمة... قل لي جوني، الهمج، أنت تعرف من أعني، لا يأكلون بيتزا كما يجب... نعم، نعم، هي بيتزا خراء كما تقول، فهل يستحقون خيرًا منها؟... نعم، نعم، الكافيار لك ولكلبتي وللعرب الخراء كالعادة، لكنهم لا يأكلون منه كما يجب... نعم، نعم، أريد شغلة عملة بعض العون... أن تمنع تصدير الحمص الناشف لفلافلهم؟ ليس هذا بحل، فهم سيبدلونه بالفول الناشف، وعلى أي حال الحمص الناشف والفول الناشف والعدس الناشف مواد غذائية يصدرها التروست، يعني أنا، وأنا أبحث عن حل استراتيجي... نعم، نعم، الشيك القادم لن يتأخر، والمبلغ الذي تريده... العراق والسعودية وبلدان الخليج يأكلون الشاورما، أنا أعرف، فهم محشوون بالنقود القذرون... الحل؟... لا فض فوك! ستشعل حربًا بين الشاورما والفلافل لتخرج منها البيتزا رابحة وبالملايين! وبالمليارات تقول؟ شكرًا جوني، ماذا؟ نصف مليار دولار! تريد نصف مليار دولار وفي الحال؟ مقابل ألف مليار بيتزا هذا لا شيء؟ أوكي جوني، أوكي، مع السلامة!... مع ألف داهية! هل ما زلت هنا يا عاهرة البيتزا؟
- ما زلت هنا.
- هذا القذر جوني يريد نصف مليار دولار مقابل خدمة صغيرة طلبتها منه.
- من هو هذا القذر جوني؟
- سكرتير الدفاع.
- شهيته مفتوحة كما أرى ليس فقط للبيتزا.
- للخراء.
- هل تريد آخر أرقام العداد؟
- قل لنرى.
- مائتان وعشرون مليون بيتزا في أمريكا، مائة وعشرون مليون بيتزا في أوروبا، ثلاثمائة مليون بيتزا في جنوب آسيا، نصف مليار بيتزا في الصين...
- نصف مليار بيتزا في الصين! قليل هذا.
- لم يعتد الصُّفر بعد على بيتزانا، فهم يفضلون البط المبرنق.
- سأكلم سكرتير الدفاع بشأنهم في المرة القادمة.
- هل تريد القيام بحرب نووية؟
- لِمَ لا والبيتزا أقوى من كل شيء؟
- نصف مليار بيتزا في الهند...
- سأكلمه كذلك عن الهند.
- ستكلم من، يلعن دين؟
- جوني، سكرتير الدفاع، يا عاهرة البيتزا!
- هؤلاء الهنود كريهو الرائحة لن تنفع معهم كل الحروب النووية عندما يتعلق الأمر بالرز تاعهم، لهذا أنصحك بالاكتفاء بنصف مليار بيتزا تبيعها عندهم، ورمي كل ثقلك على الهمج.
- على الهمج؟
- هل نسيت؟ على الهمج!
- آه، الهمج! من هم، يا عاهرة البيتزا؟
- العرب، يلعن دين!
- وهل لهم حساب في الوجود هؤلاء القذرون؟ طيب طيب، سأرمي كل ثقلي على الهمج.
- أرقام العداد ترتفع ترتفع، ثلاثمائة مليون بيتزا في أمريكا، مائتا مليون بيتزا في أوروبا، نصف مليار بيتزا في جنوب آسيا، مليار بيتزا في الصين...
- وفي بلاد الهمج؟
- تحرك العداد.
- كم؟
- مليون ونصف بيتزا وبيتزا واحدة فقط.
- بيتزا واحدة فقط لا غير منذ ساعة.
- قل لجوني صاحبك أن يعجل.
- جوني صاحبي من؟
- سكرتير الدفاع، يلعن دين؟
- والله نسيته هذا القذر ولم أنس نصف المليار دولار تاعه.
- قل له أن يعجل.
- سأقول له أن يعجل.
- ليضطر همج الشاورما إلى دفع الفاتورة لهمج البيتزا.

* * *

بعد عدة أيام، والمعارك حَمِيَ وطيسها في الشرق الأوسط، قرع الهاتف المحمول لجيمس ستيوارت، وهو يطعم كلبته بنفسه البيتزا بالكافيار في الصالون الفخم.
- آلو!
- جيمس؟
- هو بعينه، يا عاهرة البيتزا!
- عندي رقم مفرح لك.
- مليار بيتزا بيعت في أمريكا حتى الساعة.
- مليار بيتزا بيعت في بلاد الهمج.
- ماذا؟ أنا لا أصدق أذنيّ! مليار بيتزا بيعت في بلاد الهمج؟
- غلب عليهم التمدن بعد تمزيقهم إلى دويلات.
- سأفتح قنينة شمبانيا حالاً، وسأشربها على صحة مليار البيتزا أنا وكلبتي.
- آه! يا إلهي...
- لماذا تصيح هكذا، يا عاهرة البيتزا؟
- أرقام العداد في بلاد الهمج لا تتوقف عن الارتفاع: مليار بيتزا ومائة مليون، مليار بيتزا ومائتا مليون، مليار بيتزا وثلاثمائة مليون، مليار بيتزا وأربعمائة مليون، مليار بيتزا وخمسمائة مليون، مليار بيتزا و... و... و...



* * *

لكن أهم ما في فكرة الدولة هو إمكانية تحقيقها وممارستها في الحياة اليومية لكلٍ منا... الحلم بدولة الإنسان التي تحفظ كرامة الإنسان، هو حلم يراود الأذهان، وسوف يحققه المضطهدون والمقموعون...

قاسم حسن محاجنة