هل كردستان العراق ضد كردستان سوريا (رجافا وكوباني)؟


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5000 - 2015 / 11 / 29 - 18:35
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

تأبى كوميديا التاريخ ومأزق الجغرافيا في منطقة شعوب كردستان المقسمة بين العراق وايران وتركيا وسوريا الا أن تحاصر هذه الشعوب بلعنتها. شعوب كردستان ضحية الاستبداد التاريخي للابراطورية الفارسية والعثمانية وتمزق هذه الاخيرة الى دويلات مبلقنة بحسب رغبة الامبرياليات المتصارعة والمنتصرة خلال الحرب العالمية الأولى في إطار مؤتمر سايس بيكو سنة 1916، حاولت وتحاول ضمن الجغرافيات الجديدة المنبثقة عن مخلفات الاستعمار بصيغتيه التقليدي والجديد، أن تتحرر بعزيمة رجالها وصلابة نسائها. هبات البشمركة أو فدائيي كردستان العراق منذ سنة 1991 ضد استبداد صدام حسين، وبدعم مباشر وغير باشر للتحالف الامبريالي الذي قرر منذ ذلك الحين اضعاف العراق وبالتالي اسقاط سيادته، أثمر عن تأسيس منطقة للحكم الذاتي غنية بالبترول.

مقاومة أكراد تركيا لاستبداد المافيات الحاكمة بهذا البلد، جعلها تعيش لمدى عقود تحت نيران القمع والاختطاف والتعذيب والمقاومة السياسية والمسلحة وبروز تطلعات مشروعة للأكراد في وطن قومي مكون من مناطق تواجدهم منذ الآلاف من السنين، وهي النظرية التي عبر عنها عبد الله أوجلان وجعلته هدفا للمافيا الحاكمة التي تمكنت مخابراته من اختطافه من كينيا والزج به في غياهب سجون تركيا في جزيرة امرالي الى اليوم. نفس النظرية تقوم عليها اطروحات الامازيغ في بلاد تامزغا شمال افريقيا والممزقة بين عدة دويلات وطنية تسيطر عليها عائلات مافيوزية عربية الأصول وتمنع على الأمازيغ بناء ذواتهم المتناقضة مع الذات العربية التي غزت المنطقة منذ أزيد من أربعة عشرة قرنا.

وبينما ظل أكراد ايران أضعف من مقاومة ومواجهة المافيات الظلامية الايرانية منذ ثورة الخميني سنة 1979، فان أكراد سوريا بمنطقة روجافا وخاصة بمدينة كوباني استفادوا من تحلل النظام الدكتاتوري بسوريا لكي يعلنوا عن استقلالهم الذاتي ومقاومة هذا الاخير مما دفع بشار الاسد الى قطع الماء والكهرباء عليهم ومنع تزويد المنطقة بحاجياتها وجعلها محاصرة بين الثلاثي الرجعي سوريا والعراق وتركيا ومنقطعة عن العالم بسبب الحصار الامبريالي.

لكن المؤامرات الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية الهادفة الى تمزيق المنطقة واعادة اخضاعها للإمبريالية من جديد في اطار سايس بيكو جديدة (1916 – 2016) ولدت فكرة جهنمية تمثلت في خلق كيان شيطاني ظلامي تحت تسمية "داعش" كامتداد للكيان الوهابي القائم بالعربية السعودية وبتمويل من قطر، القاعدة الحربية لانطلاق عدوان القوى الامبريالية على شعوب المنطقة ودفع هذا الكيان الى ارتكاب مجازر فضيعة يتم اتقان تصويرها وبثها عبر القنوات العالمية من أجل خلق وضع من عدم الاستقرار والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والفكري والنزوح بهذه المجتمعات نحو التقب الاسود للتخلف والظلامية، وفبركة عمليات ارهابية متقنة التنظيم في باريس وبلجيكا وتونس ومصر ومالي، لا يقوى على ارتكابها المتخلفون المرتزقة من ذوي اللحي الذين تم استقدامهم من كل مكان نحو سوريا بتمويل سعودي قطري، وذلك تعبئة للرأي العام الدولي وتحضيرا لإعادة غزو واستعمار منطقة الشرق الاوسط وتفتيته من جديد. وهو المشروع الايديولوجي الذي تعمل عليه الامبريالية لتشويه الفكر الطبقي البروليتاري عقب تحلل ايديولوجياتها الاستعمارية وتفاقم ازمات نمط انتاجها الرأسمالي، وبث الاعتقاد بالتالي بان اسباب الازمة الرأسمالية ليس نمط الانتاج الرأسمالي وانما التناقض الحضاري بين شعوب الشرق والغرب وبالتالي تتحتم ضرورة تجنيد بروليتاريا الغرب لمحاربة بروليتاريا الشرق.

وقد وجدت تركيا عضوة حلف الناتو مآربها في هذا الكيان الشيطاني الجديد المفبرك للتخلص من اكراد روجافا وكوباني فاتحة حدودها لتزويد داعش بالعتاد والاسلحة والتموين اللوجستيكي مقابل تصفية أكراد روجافا وهي المحاولة التي تم اطلاقها في خريف سنة 2014 لمدى ثلاثة أشهر ونصف. لكن هذه المحاولة الأولى تكسرت على صخور اصرار أكراد وكرديات روجافا وخصوصا نساء كوباني اللاتي دخلن التاريخ النضالي من أوسع أبوابه.

لكن حرب روجافا التي اصابت المنطقة بالكثير من الهشاشة أدت إلى تدمير أزيد من 80 في المائة من بنايات كوباني، وهو ما كانت تستهدفه المافيات الرجعية المحيطة بمنطقة روجافا وفي مقدمتها المافيات الظلامية بتركيا، فقد حدث نزوح للاجئين بمئات الآلاف نحو كردستان تركيا وكردستان العراق، تاركين ورائهم مدينة كوباني محطمة بالكامل مع منعهم منعا تاما من العودة الى ديارهم لإعادة بنائها. ومن هنا بدأت اطماع القوى المحيطة تتزايد لوضع اليد على منطقة روجافا المحاصرة من كل جانب.
لكن قوى التحرر والحركة العمالية العالمية بقيادة أحزاب ماركسية لينينية منتمية لأربع قارات وهي أوروبا وافريقيا وآسيا وأمريكا، مجتمعة في اطار منظمة انسانية تدعى بمنظمة "ايكور" تتطلع شعوبها إلى الديموقراطية والتحرر وتقرير المصير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اتجاه الامبرياليات المتكالبة والمتصارعة من اجل بسط نفوذها عليها؛ قررت دعم جماهير كوباني المقاومة بإعادة الحياة اليها عبر اعادة اعمارها مرتكزين على ثلاث مبادئ رئيسية، أولها اعادة اعمار كوباني كمنطلق لإعادة اعمار روجافا ثانيا مواجهة أطماع الامبرياليات والرجعيات المحيطة في وضع اليد على منطقة روجافا وحرمان سكانها من تقرير مصيرهم وثالثا تمكين شعوب المنطقة من تقرير مصيرهم. وهكذا ولد أول مشروع لإعادة اعمار مدينة كوباني وهو عبارة عن مركز استشفائي يمتد على مساحة تصل الى ازيد من 3000 متر مربع. وقد تقرر اطلاق المشروع يوم 20 يونيو 2015 على ان ينتهي في أواخر شهر شتنبر.

وقد تمثلت مكونات المشروع فيما يلي:

- عيادات طبية مع غرف معاينة ومعالجة بما يسمح أيضا القيام بعمليات مستعجلة. مع كوادر وأطباء محليين على دوام الساعة. خدمة دائمة.
بالإضافة الى غرف لأطباء اختصاصيين هناك من حين لآخر:
- صيدلية لصرف الأدوية عبر اختصاصيين؛
- مركز نسائي بإدارة الجمعيات النسائية؛
- غرف مهنية لتدريب الكوادر الطبية، اسعافات أولية ...
- تنظيم دورات نوعية.
- مركز للأطفال والناشئين ..
- مكاتب ومستودعات.
- الطموح للعمل على توحيد قوى الانسان والبيئة نظرا للدمار الكبير في البنية التحتية في كوباني. يتوجب بناء نظام تغذية مركزي مستقل يتناسب مع المحيط والبيئة. ويأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة والتخلص من النفايات والبقايا.
- محطة لتصفية المياه – ولتوليد الكهرباء "طاقة شمسية".
- توليد طاقة كهربائية عبر لوحات طاقة شمسية وبطاريات بالإضافة إلى مولد كهرباء احتياطي يعمل على المازوت والغاز الطبيعي بالإضافة للاستفادة من القمامة.
- تجهيز كافة الغرف بمصابيح اقتصادية؛
- تأمين مياه الصرف الصحي والاستفادة منها ومن بقايا الأطعمة لتوليد الغاز الطبيعي واستعمالها للطاقة.
- تحويل النفايات المتبقية إلى اسمدة طبيعية؛
- عزل الجدران الخارجية اتقاء للفوارق الكبيرة للحرارة، من 0 إلى 40 درجة بواسطة المواد المتوفرة بالمنطقة.
- بناء المركز الاستشفائي يحتاج الى مساحة 680 متر مربع من المساحة الاجمالية للارض المخصصة له.

وقد بلغ حجم الاستثمار في المشروع أزيد من 400.000 أورو. تم جمعها بالكامل عبر منح وتبرعات مالية ولوجيستيكية انسانية من مختلف القارات الأربع. كما تقرر انجاز المشروع بكامله من طرف متطوعين أمميين بالتعاون مع أهالي كوباني. وقد انطلق بناء المشروع من طرف المتطوعين الأمميين بالتناوب بلغ عددهم الى غاية شهر نونبر 2015 أزيد من 170 متطوع، تم توزيعهم الى سبع بعثات تقضي كل واحدة منها مدة شهر من الاقامة بمدينة كوباني لإنجاز أشغال البناء.

وتحت اشراف منظمة ايكور المتعددة الانتماءات تم تأسيس جمعية مدنية للتنمية والتضامن لبناء المركز الصحي بكوباني، ووضع تسجيلها ومقرها القانوني بألمانيا. كما تقرر بعد الانتهاء من الأشغال تسليم المشروع إلى ادارة ذاتية تتشكل من سكان كوباني لتسيير المركز في المدينة.

لكن المافيات الرجعية الحاكمة المحيطة بمنطقة روجافا لم يكن ليخطر ببالها ان هذه البعثات الأممية المتطوعة ستتمكن في ظرف زمني وجيز (خمسة أشهر) من استكمال بناء المركز بالكامل وتسليمه بتاريخ 20 نونبر 2015 الى الادارة الذاتية. لكنها ما ان استشعرت ان المشروع قد اشرف على الانتهاء وأن الاستعداد قد انطلق للاحتفال بانتهاء الأشغال، حتى انطلقت العراقيل البغيضة لمنع وصول البعثات الأممية الى روجافا. فقد انطلقت هذه العراقيل باعتقال مجموعة صغيرة من الالوية الاممية السادسة على الحدود التركية السورية تتمثل في ثلاث نساء وثلاث رجال، في فاتح أكتوبر 2015 حيث قامت السلطات التركية بترحيلهم نحو بلدانهم بعد ستة أيام من الاعتقال. وبعد اقفال الحدود نهائيا أمام البعثات الاممية لجأت البعثة الاممية السادسة الى السفر نحو السليمانية بكردستان العراق وانتقلت من هناك نحو روجافا بعد عرقلة متعمدة لعبورهم من قبل السلطات القائمة لمدة خمسة أيام.

لكن حكومة كردستان العراق الحليفة لحزب العدالة والتنمية بتركيا سترفض رفضا قاطعا تسليم البعثة الاممية الموالية ترخيص الدخول الى روجافا رغم الطلب المقدم لسلطات كردسان مبكرا وبذلك تم عرقلة دخول البعثة الاممية السابعة التطوعية من مطار اسطنبول أولا نحو مطار السليمانية ثم عرقلة انتقالها ثانيا من هذا المطار نحو اراضي كردستان العراق ثم منعها من دخول روجافا ثالثا. فقد بدأت متاعب البعثة مع الخطوط الجوية التركية التي باعت تذاكر السفر الى أعضاء البعثة الاممية من بلدانها نحو اسطنبول ثم نحو السليمانية. لكن حالما وصلت البعثة الى مدينة اسطنبول حتى رفضت الخطوط التركية سفر البعثة منها نحو مدينة السليمانية بكردستان العراق. وبعد يومين من الاحتجاج تم السماح للبعثة بالسفر نحو مدينة السليمانية. وعند وصول الوفد الى هذه الاخيرة تم رفض تسليمهم تأشيرة الدخول الى المدينة، وتهديدهم بالترحيل الفوري على متن نفس الطائرة الى مدينة اسطنبول. وبعد مفاوضات عسيرة تم القبول بالسماح للوفد بالمكوث بمطار السليمانية لمدة اثني عشرة ساعة للعمل على طلب التأشيرة من جديد.

ونتيجة الاتصالات المكثفة واعتصام الوفد بكامله بمطار السليمانية، تم السماح أخيرا للوفد بدخول المدينة بعد احتجاز جوازات سفرهم وطلب منهم مراجعة سلطات وزارة الداخلية في اليوم الموالي. ونظرا لاقتراب يوم الجمعة 20 نونبر موعد تسليم المشروع للإدارة الذاتية توجه الوفد بعد توصله بوعد بالترخيص بدخول منطقة روجافا من طرف الرجل الثاني بالحكومة "السيد الدارباندي" مما دفع بالبعثة الى قطع مسافة 600 كلمتر في اتجاه حدود روجافا ليصطدم هناك بالرفض المطلق لاجتياز الوفد للحدود. وقد تم تبليغ الوفد كما جاء على لسان "السيد الدارباندي" أن الوفد لن يدخل روجافا حتى وان اتصل به السيد "بان كيمون" الأمين العام للأمم المتحدة شخصيا. وبعد تسجيل الوفد لاحتجاجه على هذه المعاملة غير اللائقة لحكومة كردستان العراق، عاد الى مدينة السليمانية. وقد استطاعت البعثة بفضل دعم حزب الاتحاد الديموقراطي بمنطقة روجافا الحصول على تأشيرة دخول مدينة السليمانية بينما تم اخبار البعثة بانها ممنوعة من دخول منطقة روجافا. وعلى اثر ذلك تم عقد مقابلة صحفية مع قنوات تلفزية محلية للتعبير عن استنكار تعامل حكومة كردستان العراقية خاصة من طرف وزراء الحزب الديموقراطي الكردستاني غير اللائق مع البعثة الاممية مسجلين بان هذا الفعل يشكل عملا عدوانيا اتجاه أكراد روجافا بمنع المساعدات الاممية الموجهة اليهم وليس ضد البعثة الاممية. وقد علمت البعثة ان كمية من الادوية ارسلتها منظمات انسانية عالمية يصل وزنها الى 2 طن و500 كيلوغرام تم منع وصولها الى روجافا وبعد مفاوضات عسيرة لم يسمح سوى بمرور طن واحد من الأدوية بينما ضل الباقي عالقا بكردستان العراق معرضا للتلف.

متاعب البعثة لم تتوقف عندما تم اخبار بعضا منهم صباح يوم الاثنين 23 نونبر 2015، بمنع اي سفر لهم عبر مطار السليمانية لمدة ثمانية وأربعين ساعة انطلاقا من مطار السليمانية، وربما سيتم العمل على تمديد مدة منع البعثة الأممية لفترة أطول. وبعد تكثيف الاتصالات بالأحزاب السياسية المحلية وخاصة الحزب الثاني المشارك في الحكومة، حزب الاتحاد الكوردستاني والتوصل بوعد من قادته بالعمل على تسهيل دخول البعثة الى روجافا توجه أعضاء البعثة يوم 26 نونبر نحو الحدود بين العراق وسوريا الا ان سلطات الحدود منعتهم من الدخول مما جعل البعثة تعود الى مدينة السليمانية بعد اعتصامها بالحدود لمدة يومين كاملين. ولا زالت البعثة الانسانية الى غاية كتابة هذه الاسطر عالقة بمدينة السليمانية تنتظر الضوء الأخضر لتقديم مساعداتها الانسانية للشعب الكردستاني في روجافا. لذلك يجد التساؤل المطروح في العنوان مشروعيته وهو هل كردستان العراق ضد كردستان سوريا (روجافا وكوباني)؟