لمحة عن ( المكّى )و( المدنى ) فى التنزيل القرآنى:(1 ) فى الموضوعات


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4991 - 2015 / 11 / 20 - 21:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سأل الاستاذ ( احمد فتحى ) عن ( المكّى ) و ( المدنى ) فى القرآن الكريم ، ونعطى هنا لمحة نرجو أن يتابعها أبناؤنا الباحثون القرآنيون فى كتابات بحثية لاحقة :
أولا : لماذا هناك ( مكى ) و( مدنى ) فى القرآن الكريم :
1 ـ التسليم بوجود مكى ومدنى فى القرآن ليس لأنه مقولة متوارثة ، ولكنه أيضا بناء على تحليل مضمون للسياق القرآنى نفسه .
2 ـ على أنه من المهم التنبيه على حقيقة قرآنية فيما يخص المتوارث أو ( المتواتر ) أو ( التواتر ) او ( الثوابت ) ، وهى أنها ليست كلها باطلة وليست كلها صحيحة ، والدليل هو الاحتكام بشأنها للقرآن الكريم لأنه الميزان الذى نتعرف به على الحق وسط أكوام الباطل ، لذا يرتبط وصف الكتاب بالحق والميزان ، يقول جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) الشورى 17 ) ومن مراجعة آيات القرآن الكريم فى هذا الشأن نجد التكرار على إتباع ما أنزل الله جل وعلا فى كتابه إذا تعارض هذا المتوارث معه كما فى موضوع الطعام : ( البقرة 168 : 173 ،) والنذر للأولياء : ( المائدة 103 : 104 ) وتقديس البشر والحجر خروجا عن ملة ابراهيم عليه :( لقمان 21 : 23 ) وتقديس الملائكة : ( الزخرف 15 : 22 ) .
لقد توارث العرب وأهل الكتاب ملة ابراهيم فوقعوا فى تقديس البشر والحجر وحرّفوا ما فيها من عبادات ( صلاة وصيام وحج وزكاة مالية ). والتحريف ليس الالغاء التام ، ولكن خلط الباطل بالحق . لذا نزل القرآن الكريم يدعو الى إتباع مله ابراهيم حنيفا ، ( ليس ملة ابراهيم ) ولكن ( حنيفا ) بمعنى أنه كان إتباعا شكليا لملة ابراهيم مع تقديس البشر والحجر ، وكان إتباعا شكليا فى العبادات مع عبادة القبور والأوثان والأولياء ، بمثل ما يفعل المحمديون اليوم . هو تحريف هائل ينسف ملة ابراهيم ، فأنزل رب العزة القرآن الكريم بالتصحيح والاصلاح لما قاموا به من تحريف ، لذا أوجب جل وعلا الاحتكام الى كتابه العزيز فى هذا المتوارث ، ولنرفض ما يخالف القرآن الكريم لأنه الإتّباع هو لرب العزة جل وعلا فى كتابه الكريم .
أن الله جل وعلا قد ضمن حفظ القرآن الكريم الميزان الذى يجب أن نحتكم اليه فى أى متوارث وأى مستحدث يدخل فى إطار التدين، ولأن الشيطان لم ولن بقدم إستقالته ، ولأنه لا ييأس من إضلال بنى آدم فقد تلاعب بالمحمديين . عجزوا عن تحريف نصوص القرآن فإتخذوه مهجورا ، وتعاملوا معه بالنسخ بمعنى إلغاء إحكامه ، وبتأويل مفاهيمه وبإختراع وحى نسبوه للنبى عليه السلام ، وأقاموا بهذا أديانهم الأرضية من سنة وتشيع وتصوف . ثم ظهر أهل القرآن يحتكمون الى القرآن الكريم ويعيدون إستجلاء أنواره يدمرون بها خرافات التراث التى لم يكن يجرؤ أحد قبلنا على الاقتراب منها إلا بالتقديس . عملنا شجع الكثيرون على ( إنتقاد ) أساطير الأديان المحمدية والتراث وأئمتها وشيوخها ، وشجع كثيرين على قراءة القرآن الكريم بدون الرجوع الى التفاسير ، ولكن الشيطان الذى لا يياس نجح فى إغواء بعضهم ، فمنهم من ينكر العبادات الاسلامية والصلاة خصوصا ، ومنهم من يبيح الزنا ، ومنهم من يقوم بإختلاق دين على مقاسه الشخصى بتأويل الآيات حسب هواه وبما يتمتع به من جهل بالقرآن الكريم ومفاهيمه ومنهج التدبر فيه . وجميعهم يرفضون كل التراث جملة وتفصيلا ، لأنهم لا علم لهم به ، وهم ينسون أن القرآن الكريم لم ينزل فى فراغ ، ولم ينزل لإلغاء كل شىء وتقديم جديد فى كل شىء. القرآن الكريم لم يذكر الأشياء المعروفة حتى فى ما يدخل منها فى هوامش التشريعات . مثلا ذكر رب العزة أن عدة الشهور 12 شهرا ، ولم يذكر أسماء الشهور ، ذكر يومين فقط من أيام الأسبوع ( الجمعة والسبت ) ، اشار الى الشهر المعلومات والأيام المعدودات ( أى المعروفات ) وأمثلة كثيرة تؤكد أن القرآن نزل وسط ثقافة وهيكل معرفى يختلط فيه الحق والباطل ، لذا نزل ( ميزانا ) نحتكم اليه فى المتوارث ، فما يخالفه نرفضه لأن الإتباع هو لهذا الميزان فقط . وجميعهم ينسون أن من يتصدى للتبر القرآنى لا بد أن يتعمق فى فهم اللسان العربى واللسان القرآنى العربى الخاص بمثل تعمقه فى دراسة تاريخ ( المسلمين ) وتراثهم وأديانهم الأرضية وأسفارهم المقدسة ، وليس لكل من هبّ ودبّ أن يجادل فى كتاب الله جل وعلا بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير .
3 ـ وبالاحتكام للميزان الالهى ، للقرآن الكريم فإن المقولة التراثية بوجود المكى والمدنى تتفق مع التدبر القرآنى . وهنا ننصح بقراءة ما كتبناه فى كتاب( ليلة القدرهى ليلة الاسراء ) المنشور هنا ، وفى بحث فيه عن (كيفية نزول وحي القرآن علي خاتم النبيين عليهم السلام ).
قلنا إن القرآن الكريم نزل مرة واحدة ( كتابا ) ( مكتوبا ) بمعانيه فى قلب الرسول عليه السلام فى ليلة القدر حين إلتقى جبريل عليه السلام ، ثم بعدها كان ينزل القرآن مقروءا على لسانه باللسان العربى مفرّقا حسب الأحداث . ورب العزة هو الذى أنزله كتابا ثم أنزله ( قرآنا ) مقروءا فيما بعد ، وهو الذى يعلم غيب المستقبل وما سيأتى فيه من أحداث ، وهو جل وعلا الذى أحاط بكل شىء علما ، وهو الذى يستوى عنده العلم بالغيب والعلم بالشهادة . وفى بحث آخر منشور هنا أيضا أثبتنا بالقرآن الكريم أن النبى محمدا عليه السلام هو الذى كتب القرآن بنفسه ومعه بعض أصحابه يُملون عليه ، وأن للقرآن الكريم نوعية خاصة فى الكتابة تختلف عن الكتابة العادية للسان العربى ، وأن هذه الكتابة القرآنية الخاصة التى كتبها الرسول بنفسه مرتبطة بما اصبح معروفا اليوم بالاعجاز الرقمى العددى للقرآن الكريم . وهو مجال جديد أصبح له فرسانه من أهل القرآن ، كالاستاذ مراد الخولى والاستاذ محمد صادق والاستاذ جلغوم . اكرمهم الله جل وعلا . ومن هنا نفهم قوله جل وعلا : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ )( القيامة 17 : 19 ). ذلك إن ( جمع القرآن ) بسوره وآياته هو عمل قام به الرسول فى حياته بوحى الاهى ، فالله جل وعلا هو الذى ضمن حفظ القرآن وهو الذى ضمن جمعه بسوره وآياته سواء ما نزل منها فى مكة أو المدينة ، ثم هو الذى ضمن بيانه وتوضيحه من داخله ، وهذا البيان ميسور لمن آمن بالقرآن وحده حديثا ، أى مجاله مفتوح للمؤمنين بالقرآن الكريم فقط ، يقول جل وعلا عن تفصيلات كتابه الكريم : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ-;- عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الاعراف 52 ).
4 ـ وأوجه الإعجاز القرآنى متشعبة ، ليس فقط فى فصاحته وأنه مٌيسّر للذكر والهداية وأنه فى نفس الوقت يعطى مجالا لا نهائيا للتدبر والتعمق ، وليس فقط فى إعجازه فى إشاراته العلمية والاجتماعية والقصصية والتشريعية ، ولكن أيضا فى أنه لا تناقض ولا عوج فيه ، مع التكرار والتداخل فى الموضوعات التشريعية والقصصية ، ومع نزول آياته وسوره فى مكة والمدينة ، وما يعنى هذا من إختلاف الظروف . أى أن التنزيل القرآنى المكى منه والمدنى يحوى إعجازا فيما يتكرر فى موضوعاته . ونعطى بعض التفصيلات :
ثانيا : موضوعات ( التنزيل ) المكى ، والتنزيل ( المدنى )
1 ـ نظرة عامة أُفُقية نرى تركيز التنزيل المكى على ( لا إله إلا الله ) و ( الأخلاق ) . بينما يتركز التنزيل المدنى على التشريعات ومواكبة معاصرة لمجريات الأمور فى دولة النبى الاسلامية فى المدينة .
2 ـ التركيز فى التنزيل المكى على تصحيح العقيدة الايمانية والأخلاق يأتى تحقيقا لدور القرآن الكريم فى الأمر ب (إتّباع ) ملة ابراهيم ( حنيفا ) منزها من تقديس غير الله جل وعلا، وتكرر هذا فى التنزيل المكى : ( الانعام 79 ، 161 ( يونس 105) ( النحل 120 ، 123) والمدنى :( البقرة 135 )(آل عمران 67 ، 95 ) ( النساء 125 ) ، لكى يكون الدين لرب العزة خالصا والعبادة فيه خالصة لوجهه جل وعلا : ( الزمر 2 : 3 ، 11 ، 14 )، فقد كان العرب يؤدون الصلاة ولا يقيمون الصلاة ، وكانوا يحجون مع تقديس الأوثان وتحريف فى الحج وكانوا يصومون بلا تقوى وكانوا يقدمون الصدقة دون أن تتزكى اى تتطهر نفوسهم ، وكانوا ساقطين فى وحل الفواحش والمظالم يزعمون ان الله جل وعلا امرهم بها ( الاعراف 28 ). كان لا بد من إصلاح القلب بالتركيز على ( التقوى ) التقوى الايمانية : ( لا إله إلا الله ) والتقوى السلوكية بالحث على الخلاق السامية . وهذا رائع لأنه لا بد من البدء بتنقية القلب وإصلاح السلوكيات قبل الدخول فى التفصيلات التشريعية، وهو نفس المنهج فى التحول الديمقراطى الذى لا بد فيه من تعميق الثقافة الديمقراطية قبل تفعيل الديمقراطية، وإلا فإن الديمقراطية لا تنجح فى مجتمع تسوده ثقافة العبيد أو ثقافة القطيع . .
3 ــ ونلاحظ هنا إن إصلاح العقيدة الايمانية والسلوك الأخلاقى جاءت بهما معا الوصايا فى السور المكية ( الانعام 151 : 153 )( الرعد 19 : 25 ) (النحل 90 : 97 ) ( الاسراء 22 : 39 ) ( المؤمنون 1 : 11 )( الفرقان 63 : ــ ) ( لقمان 12 : 19 ) .
نقول ( التركيز ) لأن السور المدنية جاء فى بعضها تفصيلات أخلاقية إيمانية ( البقرة 261 : 274 ) ( النساء 36 : 38 )، كما أن تفصيلات التشريع فى التنزيل المدنى كانت تربطه بالتذكير وعظا بالتقوى ، وعلى سبيل المثال يقول جل وعلا فى تفصيلة جُزئية عن معاملة الزوجة المُطلّقة : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ-;- وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ-;- وَمَن يَفْعَلْ ذَٰ-;-لِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ-;- وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ-;- وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ-;- وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة 231 ) (فإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ-;- ذَٰ-;-لِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ-;- وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) الطلاق 2 )
4 ـ وفى تركيز التنزيل المكى على ( لا إله إلا الله ) إستعمل رب العزة أساليب مختلفة : منها :
4 / 1 : الحوار ، ونرى نماذج من هذا الحوار فى ( المؤمنون 84 : 91 ) (العنكبوت 61 : 63 )( لقمان 25 ) ( الرعد 16 )( الزمر 38 : 41 ) ( الزخرف 9 : 23، 87 : 89 ) ( ( الروم 17 : 27 )( سبأ 24 : 37 ).
4 / 2 : الحُجة والبرهان ( الاسراء 40 : 43 ) ( المؤمنون 91 : 92 ) والتذكير بنعم الخالق جل وعلا : ( النحل 3 : 26 ) ( لقمان 10 : 11 ) والنظر فى ملكوت السماوات والأرض والسير فى الأرض (يونس 101 ) (يوسف 105 : 109 ) ( العنكبوت 19 : 20 ) ( الروم 9 ، 42 ) ( غافر 21 ، 82 ).
4 / 3 ـ القصص القرآنى : للأنبياء نوح وهود وصالح وشعيب وابرهيم ولوط وموسى وفرعون فى سور مكية كثيرة مثل ( الأعراف ، هود ، يونس ، ابراهيم ، الكهف ، طه ، المؤمنون ، الشعراء ، النمل ، القصص ، العنكبوت ، سبأ ، الصافات ، ص ، غافر ، الزخرف ، الدخان ، الاحقاف ،الذاريات ، ق ، القمر ، الحاقة ، نوح ، النبأ ، الفجر ، الشمس ). وقصص بعض الأمم السابقة ( الكهف ، يس ، سبأ ).
4 / 4 : الوعظ باليوم الآخر : ( اهوال الساعة ، والبعث والحشر والحساب والخلود فى الجنة أو النار ) ، واحيانا يتزاوج التذكير بإقتراب الساعة مع قصص الأنبياء السابقين كما فى سورة الأنبياء التى تبدا وتنتهى بالحديث عن اليوم الآخر وبين هذا وذاك يأتى قصص الأنبياء . ونحو ذلك تقريبا فى سورة ( المؤمنون ) هذا مع تركيز فى قصار السور المكية على قيام الساعة ومظاهر اليوم الآخر فى سور مثل ( الواقعة ، الرحمن ، المرسلات ، النبأ ، النازعات ، التكوير ، عبس ، المطففين ،الانشقاق ، الانفطار ، الفجر ، الغاشية ، الزلزلة ، القارعة ، التكاثر ، الهمزة )
5 ـ ينقسم التاريخ الى تاريخ للماضى ، وتسجيل للتاريخ المعاصر . وفى التنزيل المكى تركيز على التاريخ الماضى من خلال قصص الأنبياء والأمم السابقة . ويختلف الوضع فى التنزيل المدنى ، حيث نرى قصصا معاصرا للنبى وتعاملاته مع كفار مكة حربيا ( معركة بدر فى سورتى الأنفال وآل عمران ) ( معركة أحد فى سورة آل عمران ) ( معركة الأحزاب فى سورة الأحزاب ) ( معركة حنين وذات العسرة فى سورة التوبة ) وبينما لم ترد أى إشارة الى المنافقين فى التنزيل المكى فإن التنزيل المدنى حفل بأخبارهم.
5 ـ ولم يرد قصص الأنبياء بنفس التركيز والتفصيل والتكرار فى التنزيل المدنى ، بل تعرض لها فى سياقات مختلفة تتسق مع نوعية جديدة جاء بها الوضع فى المدينة . فالحوار مع أهل الكتاب تكرر فى التنزيل المدنى ، وفي تفصيلاته جاءت الاشارة الى ابراهيم عليه السلام وملة ابراهيم وأنبياء بنى إسرائيل خصوصا موسى ـ عليهم جميعا السلام ، كما فى سور : ( البقرة 40 : 147 ، 211) ( آل عمران 18 : 25 ،61 : 101 ، 110 : 115 ، 181 : 184 ، 186 : 188 ، 199) ( النساء 44 : 55 ، 153 : 163 ، 171 : 175 ) ( المائدة 12 : 26 ، 41 : 53 ، 57 : 86 ، 110 : 120 ) (التوبة29 : 35 ).أى خفُت الحوار مع كفار العرب فى التنزيل المدنى وحل محله الحوار مع أهل الكتاب .
6 ـ ولم يأت فى التنزيل المدنى وصف القرآن الكريم بالحديث سوى مرة واحدة : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) النساء 87 ). بينما تكرر فى التنزيل المكى وصف القرآن الكريم بالحديث فى سياقات مختلفة : فى التأكيد على كُفر من يؤمن بحديث آخر غير حديث القرآن ( الأعراف ، المرسلات ) وفى مواجهة إختراع كفار العرب أحاديث أسماها رب العزة ( لهو الحديث ) مع كراهيتهم لحديث رب العزة فى القرآن الكريم ( الجاثية 6 : 8 )( لقمان 6 ـ ) وكفرهم بحديث القرآن ( الكهف 6 ) وعجبهم منه ومداهنتهم له وتكذيبهم به لأسباب إقتصادية ( الواقعة 81 : 82 ) ( النجم 59 ) وتهديد رب العزة من يكذب بحديث القرآن ( القلم 44 ) وتحديهم بأن يأتوا بحديث مثله ( الطور 34 )، ووصف القرآن الكريم بأنه ما كان حديثا يُفترى ( يوسف 111) وأنه أحسن الحديث. ( الزمر 23 ). هذا التركيز فى التنزيل المكى على ( الحديث القرآنى ) كان مواجهة لتكذيب للقرآن الكريم كله رفضا له ، وارتبط هذا بإفترائهم وحيا شيطانيا يضاهئون به القرآن الكريم ، أى إفتروا على الله جل وعلا وكذبوا بآياته ، وتكرر التركيز فى التنزيل المكى على أن هؤلاء هم الأظلم من بين البشر : ( الانعام 21 ، 93 ، 144 ، 157 )، ( الأعراف 37 ) ( يونس 16 : 17 ) ( هود 18 ) ( الكهف 15 ، 57 ) ( العنكبوت 68 ) ( السجدة 22 ) ( الزمر 32 ). ومن أسف أن الشيطان أعاد المحمديين الى ما كان عليه كُفار العرب وقت التنزيل المكّى .
7 ـ وجاءت التشريعات الاسلامية فى التنزيل المكى فى صورة عامة دون تفصيلات ، وجاءت أحيانا بين الوصايا الأخلاقية والايمانية ، ثم كان التفصيل فى التنزيل المدنى .
8 ــ وهنا ندخل فى مبحث جديد عن ديناميكية التنزيل القرآنى ، والتنزيل القرآنى بين ( الايجاز ) المكى و( التفصيل ) المدنى .