قتلت أبى .!!


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4990 - 2015 / 11 / 19 - 19:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

صاحبة الرسالة تقول :
( مات بابا بسبب انى كنت اعطيه زيادة فى كمية الدواء اللى وصفها الطبيب . كنت عايزة ربنا يشفيه بسرعة ، وعايزة أخفف من آلامه . لما مات جه الدكتور اللى بيعالجه وصرخ فىّ وقال انتى لازم لخبطتى فى الدوا . يعنى أنا اللى قتلت أعظم وأحن بابا فى الدنيا . الندم كان حيقتلنى . إزاى اتسبب فى قتل بابا اللى هو كل اللى لىّ فى الدنيا . وبعدين يوم القيامة أروح من ذنبه فين . فكرت أستشير شيخ الجامع. مش معقول أحكى له القصة بالظبط لأنه يعرفنى ويعرف المرحوم بابا . رحت وحكيت له عن واحد قتل واحد خطا بعربيته وعايز يكفر عن ذنبه . الشيخ قال يصوم ستين يوم ورا بعض أو يطعم ستين مسكين . أنا قلت بينى وبين نفسى أعمل ده وده . أفرق الفلوس رحمة ونور على المرحوم بابا وأصوم معاهم الستين يوم كفارة برضه عن بابا لأنه ما كانش بيصوم رمضان عشان السجاير . فرقت ست الاف جنيه على الناس الغلابة . بديت أصوم الستين يوم . بس فى الاسبوع الأول نزلت على الدورة وقطعت الصوم . وبقيت فى مشكلة إزاى أصوم الشهرين متتابعين يوم ورا يوم . كنت قاعدة مع صحباتى قعدة حريمى ، وكل واحدة منهم بتفتى فى الدين وعاملين كلهم دوشة . سألت عن موضوع الدورة ، ولو واحدة ضربت واحد بعربيتها ومات وبقى قتل خطأ إزاى تصوم ستين يوم وهى لازم تنزل عليها الدورة مرتين على الأقل . كلهم سكتوا . وبصوا لبعضهم . اتفقنا نسأل فى التليفون واحد من الشيوخ . صاحبتنا اللى اكبر واحدة بتفهم فى الدين طلبت شيخ من الأزهر بالتليفون وحطته على السبيكر عشان نسمع بيقول ايه . سألته فى الموضوع ، قال عليها اطعام ستين مسكين . قالت له : بس دى فقيرة ومش قدامها الا الصوم . يبقى تصوم ازاى ستين يوم ورا بعض ، وتعمل إيه لما تنزل عليها الدورة . الشيخ قال : تروح فى ستين داهية وقفل فى وشنا التليفون . واحدة صاحبتى تكلمت عنكم وعن موقعكم . الباقيين شتموكوا وقال عنكو كذا وكذا . انا دخلت الموقع وقريت فيه . ولقيت كلام غريب أول مرة أعرفه . بس تُهت فى الموقع . دورت شمال ويمين مفيش فايدة . قلت أسألك يا دكتور .. أعمل إيه . أنا مصممة أصوم الستين يوم ، وحأعتبرهم ريجيم وكفارة عن بابا . بس حكاية الدورة دى اعمل فيها إيه . وإزاى ربنا يحرم الصوم فى الحيض وبعدين يفرض صيام شهرين متتابعين . مش ده استغفر الله العظيم تناقض ؟ ) .
وأقول :
أولا :
حسب علمى ـ لم يمُت أبوكى بسبب زيادة فى كمية الدواء . كم حبة زيادة فى الدواء لا يمكن أن تتسبب فى الموت . ويمكن أن تتأكدى من هذا بنفسك من طبيب محترم غير طبيب عائلتكم . ابوك مات لأن اجله حان . سواء أخذ الدواء أو لم يأخذه . وبالتالى هوّنى على نفسك يا إبنتى فلست السبب فى موت أبيك .
ثانيا : بالتالى ليست عليك كفارة القتل الخطأ التى جاءت فى قول الله جل وعلا : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ-;- وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ-;- أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ-;- فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ-;- وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ-;- أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ-;- فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ-;- وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء ).
ثالثا : كفارة القتل الخطأ ــ فى عصرنا ــ هى دية يدفعها القاتل الى أهل القتيل إذا كان القتيل المؤمن فى نفس الدولة . إذا كان من دولة أخرى فالكفارة هى دية يدفعها القاتل ، وإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين .
ثالثا :
صيام شهرين متتابعين جاء فى كفارة القتل الخطأ وفى موضوع الظهار ، إذا حرّم الزوج زوجته على نفسه وأقسم بذلك ثم رجع فى قسمه فعليه صيام شهرين متتابعين ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا . يقول جل وعلا : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ-;- إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ-;- وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ-;- وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ . وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ-;- ذَٰ-;-لِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ-;- وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ-;- فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ-;- وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ-;- وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( المجادلة 2 : 4 ).
رابعا :
1 ــ موضوع الطهارة فى الحيض يتعلق فقط باللقاء الجنسى بين الزوجين . يقول جل وعلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ-;- وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ-;- يَطْهُرْنَ ۖ-;- فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ-;- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة 222 ). هنا أمر بإعتزال الزوجة جنسيا وهى حائض ، ونهى عن الاقتراب الجنسى منها الى أن تتطهر من ( اذى ) أو ( دم الحيض ). إى هو أمر خاص بالجماع الجنسى فقط ، بدليل أن الآية التالية تتحدث فى العلاقة الجنسية بين الزوجين ، يقول جل وعلا :
( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ-;- شِئْتُمْ ۖ-;- وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ-;- وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ-;- وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) البقرة 223 ). موضوع الطهارة للصلاة بالغسل الموضعى ( الوضوء ) أو بالاغتسال للجسد كله لم يرد فيه الحيض ، بل ملامسة النساء ( وهى فى غير وقت الحيض ) والجنابة والغائط . يقول جل وعلا فى سورة النساء - الآية 43 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ-;- حَتَّىٰ-;- تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ-;- تَغْتَسِلُوا ۚ-;- وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ-;- أَوْ عَلَىٰ-;- سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ-;- إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا )، ويقول جل وعلا فى سورة المائدة – الآية6 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ-;- وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ-;- وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ-;- أَوْ عَلَىٰ-;- سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ-;- مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰ-;-كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).
وهذا يعنى أن الطهارة الجُزئية للصلاة (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) يقطعها البول والغائط . وأن الجنابة تستلزم الطهارة الكاملة ( الغُسل )( حَتَّىٰ-;- تَغْتَسِلُوا ). وقبل الصلاة فلا بد من إعادة الطهارة الجزئية بعد البول والغائط ، ولا بد من الغُسل بعد الجنابة . وفى حالات المرض والسفر وعدم وجود الماء فيمكن التطهر بأى شىء طاهر نظيف ، ليس التراب ، بل (صَعِيدًا طَيِّبًا ) . والصعيد أى ( المرتفع ) الذى يعلو ويرتفع عن الأرض وترابها مثل المنديل والملابس النظيفة . وفى ذلك كله لم تأت أى إشارة للحيض لأنه له تشريعات خاصة بالعدة للمطلقة والأرملة و بمنع العلاقة الجنسية بين الزوجين .
وعليه فالحائض تصلى ( بعد الوضوء ) شأن من يأتى من ( الغائط ) وطبعا ( تتحفظ ) لمنع سيلان الدم وهى تصلى ،
2 ــ والحيض لا يقطع الصوم ، تستمر الحائض فى صومها . ولنتذكر أن أعذار الافطار فى رمضان هى للرجل والمرأة معا . فى سورة البقرة - الآية 184أ يقول جل وعلا عن صوم رمضان : (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ-;- فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ-;- سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ-;- وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ-;- فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ-;- وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ-;- إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 184 ) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ-;- وَالْفُرْقَانِ ۚ-;- فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ-;- وَمَن كَانَمَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ-;- سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ-;- يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ-;- مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( 185 ) البقرة )
والحيض لا يمنع الحج . فالحج على من إستطاع اليه سبيلا من الرجال والنساء . والحائض تؤدى كل المناسك من طواف ووقوف وتقديم للهدى بلا حرج .
والحيض لا يمنع قراءة القرآن الكريم ، وقوله جل وعلا عن القرآن الكريم ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ( الواقعة 79 ) يعنى أن القرآن لا يمس بهدايته إلا القلب الطاهر من الايمان بحديث آخر غير القرآن الكريم . أى يمكن للإنسان فى أى وقت قراءة القرآن الكريم وحمل المصحف و تسبيح الله جل وعلا وذكره والتوسل اليه خوفا وطمعا . كما يمكنه تقديم الصدقة والزكاة المالية فى أى وقت سرا وعلانية:( البقرة 274 ، الرعد 22 ، ابراهيم 31 ، فاطر 29 ).
خامسا :
1 ــ ليس فى الاسلام أن يصوم أحد عن أحد ، أو أن يحج أحد عن غيره ، أو أن يصلى شخص نيابة عن شخص آخر ، أو أن يتصدق فلان ويتنازل عن الثواب لفلان ، أو ان يقرأ أحد القرآن ويهب الثواب لفلان . ليس فى العبادات ‘ستنابة ، أى أن ينوب فلان عن فلان . حتى الدعاء للوالدين يذهب ثوابه للداعى نفسه، لأن الدعاء فى حد ذاته فريضة ، وإن كانت هى والتسبيح ـ فريضة منسية فى عصرنا . إن العبادات هى لتزكية نفس القائم بها ، وليس لتزكية نفس أخرى . وكما لا ينتقل ثواب عبادة شخص لشخص آخر فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، أى لا يتحمل شخص وزر شخص آخر . فكل نفس بما كسبت رهينة ، ولا تكسب كل نفس إلا لها أو عليها . وبالعمل الصالح يكون صاحبه صالحا لدخول الجنة، يتنعم بعمله . وبالعمل السيء يدخل صاحبه النار ويتم تعذيبه بعمله ، أى يتحول عمله الى نار يتعذب بها .
2 ــ وبدلا من أن نتبرع بعملنا للآخرين ـ وهذا ليس مقبولا ـ فلنقم بالعمل الصالح لأنفسنا إبتغاء مرضاة ربنا جل وعلا ، خصوصا وأنه يوم القيامة سيفر المرؤ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل إمرىء منهم يومئذ شأن يغنيه .
أخيرا
أهلا بك إبنتى فى موقع ( اهل القرآن ) وأنصح بأن تقرئى الفتاوى أولا .. ولو تنشغلى بموقعنا ساعة فى النهار خير لك من تضييع الوقت مع صديقاتك اللاتى يقمن بالافتاء فى الدين بلا علم ، ونوعا من الثرثرة والتسلية . وهذا خطأ فى وجهة نظرى .
هدانا الله جل وعلا الى الصراط المستقيم .