البورجوازية الوضيعة تستعر في محارية الشيوعية - 4


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 4986 - 2015 / 11 / 15 - 19:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

البورجوازية الوضيعة تستعر في محاربة الشيوعية ـ 4

يقول صموئل ويب (Samuel Webb) الإمين العام للحزب الشيوعي الأميركي أنه .. " قرأ ماركس ولينين ولكسمبورغ وغرامشي وكتابا آخرين كثيرين كتبوا في الماركسية وغير الماركسية، ولو سئل بعد كل هذه القراءات عن النتيجة التي خرج بها لقال .. أن البنيان النظري للشيوعيين أي الماركسية اللينينية بوصفاتها الثابتة والمحددة ليس مستريحاً على ذاته والتحليلات القائمة عليه يكتنفها افتراضات لم يُقطع بها وتقوم بمنهج غير ديالكتيكي شديد المركزية والنتيجة سياسات تتجاهل الواقع " .
بمثل هذه الشهادة المعادية للماركسية اللينينية التي شهد بها الأمين العام للحزب الشيوعي الأميركي صموئيل ويب لم يشهد بأسوأ منها أشد أعداء الشيوعية من أمثال زبغنيو بريجنسكي أو هنري كيسنجر ومع ذلك ظل ويب في الحزب جالساً على مقاعد الانتظار يجتذبه زعماء شيوعيون كبار سبقوه ونضالات الشيوعيين الأمريكان التي آثارها لم تمّحِ عبر الزمن .

ليس هناك من يدحض تهويمات أو تمويهات الرفيق صموئيل ويب كمثل التاريخ الذي أحكامه قاطعة غير قابلة للإستئناف . ويب نفسه يعرّف البنيان النظري للشيوعيين بالماركسية اللينينية . لكن لماذا الماركسية اللينينية وليس الماركسية فقط ؟ - لذلك سببان ينقضان ما ذهب إليه ويب من طعن بالماركسية اللينينية ..
أولهما هو أن زعماء الأممية الثانية التي شكلها فردريك إنجلز في العام 1889 وأشهرهما بعد رحيل إنجلز في العام 1895 هما كارل كاوتسكي وجيورجي بليخانوف اللذان كان لهما قراءة لماركس مختلفة عن قراءة لينين . فتح لينين معركة نظرية تاريخية عاصفة مع زعماء الأممية الثانية منذ العام 1903 وحتى العام 1921 حين أقرت الأممية الثانية بموت ماركسيتهم . وهكذا عرفت البشرية الماركسية بالقراءة اللينينية، والتي بغيرها ما كانت البشرية لتعرف ماركس على حقيقته ولماتت الماركسية بموت ماركسية الأممية الثانية . وقد أقسم ستالين فوق جثمان لينين في العام 1924 على أن لينين لن يغطي وجهه التراب وسيبقى حيّاً لا يموت . وفعلاً فإن أثر لينين في حياة الإنسان الحديث لن يزول مدى الحياة .
وثانيهما وهو أن لينين أضاف لنظرية الثورة الاشتراكية التي استشرفها ماركس إكتشافه التناقض بين مراكز الرأسمالية وشعوب المستعمرات، وأعلن شعاره الشهير : قال ماركس .. " يا عمال العالم اتحدوا ! " وأنا أقول .. "يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا ! " - إكتشف لينين الوحدة العضوية بين الثورة الاشتراكية وثورة التحرر الوطني التي قرر خروشتشوف تفكيكها في نهاية الخمسينيات استجابة لتعليمات العسكرتاريا السوفياتية . لذلك وصف ستالين لينين في محاضراته عن أسس اللينينية بأن لينين هو "ماركس عصر الإمبريالية".

بدون لينين القارئ العبقري للماركسية ما كانت لتكون ثورة أكتوبر الاشتراكية وما كان ليكون الاتحاد السوفياتي العظيم قاهر النازية والذي شكل الأساس الراسخ لثورة التحرر الوطني العالمية التي أكملت الحصار على الإمبريالية حتى كان تفكيكها في السبعينيات . تحررت البشرية إلى الأبد من علاقات الإنتاج البشعة للنظام الرأسمالي القائمة أصلاً على استغلال الإنسان للإنسان .

مسألتان تؤسسان للوعي الماركسي الحديث لم يدركهما شيوعيو عصر تفكك دولة العمال الدكتاتورية، الإتحاد السوفياتي، وهما أسباب تفكك الدولة السوفياتية، وأسباب انهيار الرأسمالية الإمبريالية !! كيف يمكن لشيوعي أن يحتفظ بخطاب ماركسي دون أن يبحث عميقا في تلك الأسباب خاصة وأن تطوير المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية كان هو السبب الرئيس في قيام جميع الأحزاب الشيوعية، وما كان لأحد أن يكون شيوعياً بغير إعلان لينين عن بداية الثورة الشيوعية العالمية في 6 مارس آذار 1919 . ثم ما كان الشيوعيون ليطوروا المشروع اللينيني بغير تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي وهو ما شكل الاستراتيجيا المرحلية للحركة الشيوعية بقيادة لينين ثم ستالين الذي أكد في نوفمبر 1952 على أن الامبريالية ستنتهي في وقت قريب .

الإتحاد السوفياتي الذي بدأ بالانهيار في سبتمبر 1953 مع إلغاء الخطة الخمسية الخامسة واكتمل الانقلاب على الاشتراكية وتفكيك المشروع اللينيني بالإنقلاب العسكري في يونيو 1957 وطرد سبعة أعضاء بلاشفة من مجموع تسعة أعضاء في المكتب السياسي للحزب، ذلك الإتحاد السوفياتي في الخمسينيات كان هو الاتحاد السوفياتي الذي تشكل بكل تفاصيله وفقاً للقراء اللينينية لماركس . وعليه نسأل الشيوعيين اليوم وفق أي قراءة سيبنون دولتهم الاشتراكية ؟ وفق القراء اللينينية التي لم تنجح كما يدعون أم وفق قراءات أخرى لم يقرأها أحد منهم حتى اليوم ؟ لئن عادوا يقرؤون ماركس كما قرأه لينين فيترتب عليهم مقدماً إذاك أن يبينوا أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي كيما يبرروا صدقيتهم الشيوعية .

هات فقط حزباً شيوعياً واحداً بحث في أسباب تفكك الاتحاد السوفياتي الذي هو محتد الشيوعيين الوحيد وأصل ظهورهم في التاريخ الحديث . كيف يسمح الشيوعيون لأنفسهم أن يستمروا في إعلان شيوعيتهم ومشروعهم الأساس انهار دون أن يعرفوا أسباب انهيارة ؟ كيف سيصدقهم العمال دون أن يؤكدوا الأسباب الموضوعية لانهيار دولة العمال العظمى الأولى في التاريخ بقيادتهم ؟ وهنا علينا ألا نستعجب الرفيق صموئيل ويب الأمين العام لحزب شيوعي عريق لا يعلم ما عليه أن يقوم به في اليوم التالي ؛ وبناءً عليه تحديداً التحية الخالصة للرفيق صموئيل ويب تغدو مستوجبة فهو لا يريد أن يخدع العمال ويأتي بدولة لهم تنهار في العام التالي . لو عرف الرفيق ويب لماذا انهارت دولة العمال العظمى لعرف بالتأكيد ما علية أن يفعل ولما تقاعد قاعداً على مقاعد الانتظار .
لكن لماذا أحجمت سائر الأحزاب الشيوعية عن البحث في أسباب انهيار المعسكر الاشتراكي ؟ أليس من واجب الأحزاب الشيوعية أن تتساءل وتعلل هذا الاحجام ؟ هي لم تفعل ولن تفعل، لماذا !؟ التفسير الوحيد لمثل هذا الإحجام المستهجن أبلغ الاستهجان هو أن سائر الأحزاب الشيوعية في العالم اصطفت وراء خروشتشوف عندما قاد انقلاباً على الاشتراكية حال رحيل ستالين متواطئاً مع العسكر . وليس إلا للتغطية على انحرافها وإنكار مسؤوليتها في انهيار الاتحاد السوفياتي يكذب الكثيرون بادعاء بيروقراطية ستالين وتصفيته لرفاقه في القيادة وغير القيادة . لنفرض صحة هذه الادعاءات فذلك لا يعني أن ستالين أخطأ في بناء الاشتراكية والمجتمع السوفياتي ونمط الانتاج فيه . هل كانت الاشتراكية السوفياتية ستتكامل مع تنفيذ الخطة الخمسية الخامسة في العام 1956 رغم الخسائر الهائلة في الحرب العظمى أم لا !؟ لو لم تكن ستتكامل في العام 56 لما ألغيت خرقاً للقانون والنظام . وإذا ما كانت ستتكامل فتكاملها لا يلغي بيروقراطية ستالين وتصفياته الدموية المدعاة . على الشيوعيين أم يكفوا عن مثل هذه الإدعاءات السخيفة ونظرا لفظاعة سخافتهً تحاشاه البعض ليدعي برأسمالية الدولة السوفياتية ضارباً بعرض الحائط أبسط قوانين الإقتصاد . البورجوازية الوضيعة تستعر في محاربة الشيوعية .

عندما يقفز الشيوعيون ومنهم صموئيل ويب الأمين العام للحزب الشيوعي الأميركي عن حقائق حديّة فاصلة في تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي أولها تسميم ستالين من قبل أقران له في المكتب السياسي في عشاء 28 فبراير 53، وإلغاء عضوية 12 عضواً في المكتب السياسي في صبيحة 6 مارس 53 من قبل سبعة أعضاء ثلاثة منهم سمموا ستالين قبل خمسة أيام، وإلغاء الخطة الخمسية الخامسة من قبل اللجنة المركزية المنتخبة لتنفيذ الخطة وليس لإلغائها في سبتمبر 53 أيضاً، والهجوم الوقح على ستالين من خارج أعمال المؤتمر العام للحزب من قبل خروشتشوف في فبراير 56، والإنقلاب العسكري الذي قام به المارشال جوكوف ضد الحزب في يونيو 57 وانتهى إلى طرد البلاشفة السبعة من المكتب السياسي من مجموع أعضائه التسعة فقط بتهمة التآمر على خروشتشوف وأخيراً الانقلاب العسكري على خروشتشوف في أكتوبر 64 .
القفز على جميع هذه الوقائع من قبل الأحزاب الشيوعية إنما هي دمغة الخيانة من جانب هذه الأحزاب للماركسية اللينينية، للإشتراكية وللشيوعية .
إننا ندعو رفيقنا الأمين صموئيل ويب لمراجعة هذه الوقائع في تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي قبل أن يقول كلمته الأخيرة .