المتصرفات والمتصرفون يضيعون موعدا مع التاريخ خلال مؤتمرهم الأول أيام 30، 31 وفاتح نونبر 2015


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 03:06
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

جرت أيام 30 و31 وفاتح نونبر 2015 أطوار المؤتمر الأول للاتحاد الوطني والمتصرفين. وقد نظم هذا المؤتمر بعد مرور اربع سنوات من صراع البناء الداخلي للاتحاد، لكن الصراع أدى أكثر الى اقصاء أو ابتعاد أو انسحاب العديد من المتصرفات والمتصرفين نتيجة العوامل الانقسامية والانتماءات القبلية والنقابية والحزبية والصراع من اجل الهيمنة على الاتحاد وتوجيه قراراته.

لقد صفق الجميع وخاصة المراقبون الخارجيون والمدعوون في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأول من خلال كلماتهم المشجعة للنجاح الباهر في تنظيم المؤتمر الاول. كما ردد الجميع ان عثرات فترة التأسيس ما هي الا مجرد سحابة صيف عابرة، وأن مرحلة البناء الحقيقي للاتحاد ستبدأ مباشرة عقب انتهاء أشغال المؤتمر الاول. كما ظل جميع المتدخلين يحثون المؤتمرات والمؤتمرين على عدم اقصاء بعضهم للبعض الآخر وبالتالي اعتبار الاتحاد الوطني للمتصرفين مسكنا لجميع فئات شغيلة الوظيفة العمومية من المتصرفين مع استلهام تجربة الاتحاد الوطني للمهندسين التي انطلقت سنة 1971 للاقتداء بنجاحها الباهر، والتي عرفت تطورا متصاعدا منذ ذلك الحين رغم كافة التحديات والتناقضات التي تعتمل داخلها، وتمكنت بالفعل من تحقيق مطالبها.

شخصية المتصرف


لكن يبدوا ان شخصية المتصرف تختلف تماما عن شخصية المهندس وان تناقضاته النفسية الداخلية تفوق التناقضات الداخلية لنفسية المهندس، حيث لا زالت العديد من الترسبات الاقطاعية التاريخية تعشعش في نفوس وعقول المتصرفين وتجعلهم غير قابلين للتحرر منها، أولا التحرر من التبعية والتراتبية الادارية وثانيا التحرر من جاذبية التناقضات التناحرية الانقسامية بين القطاعات المختلفة وبين المركز (العاصمة) والمحيط (المصالح الخارجية) وبين المسؤولين وغير المسؤولين وبين المرأة المتصرفة والرجل المتصرف وبين خطاب التطلعات التسلقية البرجوازية الصغرى وخطاب النضال الميداني البروليتاري من اجل اثبات الذات واثبات الهوية الطبقية الهادفة الى التحرر.

فمن المعلوم أن شخصية المتصرف كبرجوازي صغير تبعي الخاضع للتراتبية الادارية والمتماثل مع الخطاب الرسمي المعبر ايديولوجيا عن مصالح التحالف الطبقي الحاكم، عرفت تقلبات نفسية متوالية نتيجة واقع الموظف الطبقي داخل ادارة عمومية كانت تتوسع في البداية منذ عقد الستينيات نتيجة التدخل الكبير للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحاجتها لجيوش من الموظفات والموظفين خاصة من بين الاطر المتصرفين، وحيث كانت الاجور والامتيازات جيدة أو لا بأس بها، تؤدي إلى تميز هذه الفئة عن باقي فئات الشغيلة الأخرى وتجعل الكثير منهم يحققون رفاه وارتقاء اجتماعيا سريعا تقربهم من مربع السلطة ودوائر الطبقة البرجوازية المهيمنة وهو ما دفع الكثير من عناصر هذه الفئة من المتصرفين الى التنافس بشدة على خدمة اجندة الادارة بمفهومها السياسي والاقتصادي الى درجة انكار الذات وممارسة البيروقراطية والاستبداد المقيتين بمصالح المواطنات والمواطنين المرتفقين.

من هنا تيقن المتصرفات والمتصرفين من خلال تراكمات عقود الستينات والسبعينات والتسعينات من القرن العشرين، ان الارتقاء اداريا يتطلب من المتصرف الخنوع والامتثال المطلق للتراتبية العليا، حتى في ظل الحالات التي في الحالات التي لا يحترم فيها القانون وتمارس فيها التعسفات أو يتم فيها السطو على الاموال ونهب الاراضي وتلقي الرشوات، وقد أبانت التجربة المعاشة ان كل خروج عن هذا الامتثال يعرض صاحبها الى اقسى العقوبات وربما الى تلفيق التهم والسجن او الطرد والحرمان من التسلق الاجتماعي وبالتالي من الرفاه المنشود. وتتمثل مخاطر هذه الوضعية في درجة تشويهها لنفسية المتصرف والمتصرفة بل وتعميق خوفهما من الانخراط في النقابات أوفي الاحزاب السياسية المناضلة، والالتحاق في حالات ناذرة بالأحزاب والنقابات الرجعية والادارية.
ان هذه الحالة النفسية والذهنية للمتصرفات والمتصرفين جعلتهم اكثر انطوائية على أنفسهم من المهندسين وباقي فئات الموظفين، بل أصبحوا أكثر انقسامية ونفورا من بعضهم البعض بل وكراهية لبعضهم البعض، حيث يكره المتصرف العامل بالمصالح الخارجية، المتصرف العامل بالإدارة المركزية بسبب الامتيازات التي يعتقد انها تتوفر لهذا الاخير. بينما يحتقر متصرفو المصالح المركزية متصرفي المصالح الخارجية لتخلف ثقافتهم وعدم تحضرهم مقارنة بوضعهم المديني المتميز. كما يكره المتصرف بدون مسؤولية المتصرف الذي نجح في الحصول على المسؤولية لأنه يعلم ان الوصول الى المسؤولية لا يتم بشكل شفاف وديموقراطي ومنصف بل يخضع دائما للمحسوبية والزبونية والخنوع. اما المتصرف المسؤول فيحتقر المتصرف غير المسؤول لأنه يعتبر نفسه أكثر ذكاء من هذا الاخير فنجده يمعن في اضطهاده.
إن هذه الانقسامية بين مكونات المتصرفات والمتصرفين تجد جذورها في علاقات الانتاج الاقطاعية التي سادت في مغرب ما قبل الحماية وايضا خلال عهد الحماية. فانقسامية الفلاحين المرتبطين بالارض تحدث في ارتباط بالعلاقة التي تجوع هؤلاء الفلاحين بالاعيان والشرفاء والزوايا والقياد أصحاب حق الانتفاع والمالكين للارض ومن عليها. فرغبة الفلاحين في الحفاض على قوتهم عبر الاستمرار في خدمة الارض لصالح الاقطاعي تجعلهم يتفننون في التملق للاقطاعي وصناعة الدسائس المتنوعة للايقاع بالفلاحين الآخرين حتى لا ينافسونهم وهكذا يضمن الاقطاعي ولاء الجميع تحت الاضطهاد.

بوادر تحرر المتصرفين

إن مثل هذه النماذج من الانقسامية بين مكونات المتصرفات والمتصرفين داخل اقطاعية الوظيفة العمومية لم تشجع ابدا على تحقيق تقارب في مصالحهم كمنتمين لنفس الفئة وبالتالي النضال الجماعي من أجل الدفاع عنها. ولذلك ظلت السلطات العليا للتحالف الطبقي الحاكم لا تعبأ بوجودهم خاصة عقب الشروع في تطبيق سياسات التقويم الهيكلي، حيث بدأت بتجميد أجورهم. فالراتب الاساسي مجمد عمليا منذ سنة 1985 الا من بعض الحالات الاستثنائية التافهة، ورفع الضرائب على مداخيل الفئات الوسطى المتطابقة مع رواتب أغلبية المتصرفات والمتصرفين والتي تقترن بالزيادات المتوالية في اسعار السلع والخدمات مما يؤدي الى تدني متواصل لرواتبهم.

كما تبين أن المتصرفات والمتصرفين هم الأكثر تضررا من سياسات الخوصصة خاصة في مجالات التعليم والصحة وحيث تظل قدراتهم المادية محدودة ومتفاوتة من أجل مجابهة مصاريف تعليم ابنائهم في المدارس الخاصة المتفاوتة السعر أيضا، كما يعجزون عن تأمين تداويهم وتداوي ابنائهم في المصحات الخاصة المتفاوتة الاسعار ايضا وحيث تنعدم الانسانية والرفق بالانسان ماديا ومعنويا. فمنذ بداية عقد الثمانينات والى غاية نهاية عقد التسعينات ظلت المتصرفات والمتصرفين المتعجرفين اتجاه بعضهم البعض والمنقسمين والمتنافسين لقمة سائغة سهلة للسياسات البرجوازية النيوليبرالية المعتمدة التي يدافعون عنها من خلال عملهم والتي جردتهم من جزء متعاظم من فائض القيمة الذي كانوا يحصلون عليه جراء خدمتهم لمصالح التحالف الطبقي الحاكم انطلاقا من تحكمهم البيروقراطي في دواليب الادارة.

خلال العقد الاول من الالفية الثالثة حدث انفصال كبير في الاجور وفي الوضع الاعتباري بين وضع المهندسين ووضع المتصرفين العاملين بالوظيفة العمومية أدى الى صعود وضع المهندس اجتماعيا وتدهور وضع المتصرف. فقد توفق المهندسون بسهولة وعقب عمل نضالي جماعي زكاه تواجد مهندسين القناطر والطرق في الدوائر الادارية العليا وفي مربع السلطة، في الحصول على رواتب وامتيازات ابعدتهم كثيرا عن الوضع المتدهور للمتصرفات والمتصرفين الذين كانوا في نفس وضعيتهم قبل هذا التاريخ.

ورغم محاولة تأسيس رابطة المتصرفين من طرف العناصر التقدمية من المتصرفات والمتصرفين في بداية الالفية الثالثة للنضال من أجل الحصول على تسوية وضعهم الاعتباري مع وضع المهندسين، الا ان هذه المحاولة باءت بالفشل نظرا للوضع الانقسامي القائم والذهنية التآمرية بين مكونات نفس الاطار وانطلاقا من تعدد الانتماءات النقابية والسياسية الانتهازية. فقد انبرت فئة من المتصرفين داخل بعض النقابات للتوقيع على اتفاقية التمييز بين المتصرف والمهندس.

ونظرا لتوالي الضربات التي يتلقاها اطار التصرف وحشو الكثير من الفئات التي لا تتوفر على نفس مقومات المتصرف في هذا الاطار، فان هذا الاخير فقد هويته وتعمق اغترابه الفكري والمادي واصبح شبيها بأي بروليتاري مستغل ومضطهد ماديا واداريا. لكن هذا الوضع الجديد للمتصرفين دفع من جهة أخرى الى قيام عدد منهم بمحاولة الدعوة إلى التجميع وتأسيس حلقات نقاش من اجل تأسيس الاتحاد الوطني للمتصرفين كاطار مناضل مستقل للدفاع عن الوضع الاعتباري للمتصرف وهو ما سيتحقق في يوليوز 2012.

لكن التشتت والعقلية الانقسامية البرجوازية الصغرى ستقود بشكل حتمي الى تفاحش المؤامرات داخل هذا الكيان الحديث الولادة، فالبعض حاول الهيمنة على الاتحاد من خلال اطاراتهم السياسية بينما حاول البعض الاخر الهيمنة من خلال اطاراتهم النقابية أو لقربهم من دوائر السلطة والتأتير على قرارات الاتحاد النضالية. وقد تضخم التناقض بين الاتحاد الوطني للمتصرفين كاطار ومكوناته النقابية والسياسية نتيجة التنافس على الهيمنة عليه وتوجيهه حسب الاجندة السياسية لهذا الحزب او ذاك. وهذا دون اغفال استمرارية الخنوع والتبعية للدوائر البيروقراطية العليا ومحاولة الدفاع عن مصالح هذه الدوائر داخل الاتحاد كملحقة اقطاعية ادارية لهم. وهذا ما جعل نصوص القانون الاساسي تعكس هذا الخنوع والتبعية، وجعل مكونات الاتحاد تدخل في صراعات تناحرية فيما بينها.

لقد أدت المؤامرات داخل المؤتمر الاول للاتحاد الوطني للمتصرفات والمتصرفين أيام 30، 31 وفاتح نونبر 2015 الى تحالف كافة الجهات الجغرافية على قاعدة سياسية ونقابية موجهة ضد جهة الرباط العاصمة التي تتضمن مقرات كافة الوزارات من اجل اقصاء هذه الاخيرة من التواجد بقوة داخل اللجنة الادارية، علما ان هذا الاقصاء يعني ابعاد العناصر المناضلة القادرة على قلب موازين القوة مع القيادات الحكومية وبالتالي فرض تحقيق مطالب المتصرفات والمتصرفين وذلك في مواجهة تواضع مطالب فئات متصرفي المصالح الخارجية بباقي الجهات الجغرافية. حيث ينم هذا الاقصاء عن ارادة مبيتة لتعقيم وتلجيم الاتحاد الوطني للمتصرفين سياسيا واداريا.

ورغم بلادة المؤامرة فقد انطلت على متصرفي باقي الجهات التي ستتحالف ضد جهة الرباط لاقصائها من الاتحاد. فبعد فرض تمثيلية ثلاثة اعضاء عن كل جهة بطرق ملتوية وبالصراخ الكثير من طرف عناصر هستيرية داخل قاعة المؤتمر وخارج منطق نصوص القانون الاساسي وهو ما كان يجب رفضه جملة وتفصيلا من طرف جهة الرباط وعدم تزكيته ولو بالانسحاب من المؤتمر والاعتصام والاحتجاج الى ان يتم التراجع عن هذه المؤامرة البليدة. الا ان الارادة المزعومة للبعض من اجل المحافظة واستمرار الاتحاد وعدم تفجيره جعل جهة الرباط ترضخ وتوافق على الاقتراح المؤامرة المتعارض مع المنطق القانوني. وهذا ما كان ينتظره المتآمرون بالضبط من أجل تعميق تحالفهم ضد جهة الرباط اثناء التصويت على 68 عضوا الباقون لتشكيل اللجنة الادارية وحيث لم ينتخب في هذه الانتخابات المهزلة سوى اربعة اعضاء من جهة الرباط كانوا اعضاء سابقون في الكتابة التنفيذية من بينهم الرئيسة السابقة وذلك من اجل المحافظة على الخبرة المتراكمة أو ربما لتواطؤهم مع المتآمرين.

سفر الخروج من المأزق

أصبح الآن من اللازم على المتصرفات والمتصرفين من جهة الرباط الاجتماع سريعا لتقييم الوضع ولاتخاذ المواقف السديدة لتصحيح الانحراف الخطير الذي سار فيه المؤتمر الاول للاتحاد، وليبحث المتصرفون المجتمعون عن سبل اعادة الاعتبار للديموقراطية العمالية ونبذ الديموقراطية البرجوازية المتعفنة بالانتهازية والمؤامرات. ان تأسيس "حركة تصحيحية ديموقراطية للاتحاد الوطني للمتصرفات والمتصرفين" سيتكلل بسرعة بالنجاح نظرا لان مناضلي متصرفات ومتصرفي جهة الرباط هم الاكثر دراية بأساليب النضال ومواجهة السياسات المدمرة لكيانهم كمتصرفين وكجزء من الطبقات الشعبية المسحوقة وانجاحها. ولنأمل في أن تناضل الجهات المتآمرة في مواقعها ومصالحها الخارجية لترفع التحدي، فربما يحدث نوعا من التنافس الإيجابي لإنجاح مطالب المتصرفات والمتصرفين.