لا تحرر للمرأة من دون انعتاق المجتمعات من نمط الانتاج الرأسمالي الطبقي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4969 - 2015 / 10 / 28 - 20:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1 - هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟

• بقدر ما أرفض مصطلح "الربيع العربي" الملغوم، فإني لم المس أي تغيرات متميزة تخص وضد النساء على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم من أجل تجاوز السلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق، بل يمكن القول ان هذه العقلية بدأت تتكرس أكثر وبشكل منهجي ومنتظم عبر انتشار وفرض الاسلام السياسي في البلدان المغاربية والعربية. فما حدث في البلدان المغاربية والعربية هي مجرد تمردات وردود فعل قوية لكنها عفوية لم تحظ بقيادة تقدمية موحدة وبالتالي ترقى الى مستوى الثورات الشعبية التي من شأنها احداث تحولات جذرية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية.

فهذه التمردات وردود الفعل التي حدثت في الحلقات الاضعف من البلدان الرأسمالية العالم ثالثية والتي ثارت بسبب تعمق الازمتين الاقتصادية والمالية وما افرزته من تكريس الاستغلال المزدوج الكومبرادوري والامبريالي وآثارها الكارثية على هذه الشعوب، اقتصرت شعاراتها على المطالبة بالحرية والديموقراطية وما يرتبط بهما من اسقاط الفساد والاستبداد، اعتقادا من هذه الشعوب المضطهدة ان المصطلحين السحريين كفيلين بالارتقاء بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على شاكلة ما حدث خلال الثورات البرجوازية في أوروبا (خاصة الانجليزية والفرنسية) وبالتالي الارتقاء بالوضع الثقافي المتحرر من الهيمنة والاغتراب الديني والايديولوجي.

لكن مافيات القوى البرجوازية الصغرى الحاكمة وبدعم من القوى الامبريالية، استطاعت تحوير هذه المصطلحات لصالحها وبالتالي ايهام الجماهير الشعبية بمضامين ظلامية مغلفة بالدين لا تمت للحرية والديموقراطية بصلة، بل تفرض منظومة ثقافية وايديولوجية متناغمة بشكل كامل مع المنظومة البرجوازية المهيمنة، وتخضع الشعوب المضطهدة لمنظومة فاشستية ظلامية اكثر تشددا واغراقا في التخلف وبالتالي تحويل هذه الشعوب الى مجرد قطيع من الغنم في خدمة التراكم الرأسمالي الكومبرادوري والامبريالي. ففي ظل هذا الواقع نشهد اليوم انتكاسة جديدة للحداثة ولقابلية الانسان أن يصنع تاريخه وفي ظوء كل ذلك تردت حقوق النساء وحرياتنم.

قد يستغرب المتتبع لهذه الانتكاسة في منظومة القيم، نتيجة تشجيع الامبريالية للإسلام السياسي الذي يعيد الشعوب والمجتمعات قرونا الى الوراء، في حين ان البرجوازية المهيمنة ظلت منذ مرحلة صعودها خلال القرن الخامس والسادس عشر تعمل على تحطيم كافة المبادئ والقيم القديمة ولا تعبأ للمبادئ الدينية الا بما يخدم مصالحها واستراتيجيتها واهدافها التراكمية والتحكمية. لذلك لا يجب الاستغراب حينما نلاحظ أن نمط الانتاج الرأسمالي الذي يهيمن كوكبيا اليوم قد بدأ يعيش منذ بداية القرن العشرين مرحلة احتضار طويلة وبان ضرورات الحفاظ على النظام تدفع البرجوازية الى محاربة كافة الافكار والقوى التحررية، بل ومحاربة حتى ديموقراطية بالمفهوم البرجوازي بأساليب ملتوية حتى لا تتقوى الحركات الثورية في ظلها وتتمكن من الاطاحة بالنظام المهيمن.

المنظومة الثقافية السائدة في المنطقة والتي تسهر الامبريالية على تكريسها تقوم على نفس مبادئ نمط الانتاج الرأسمالي من حيث الملكية الخاصة والتفاوت الطبقي وهيمنة العقلية الذكورية. علما ان حرية المرأة وحقوقها الطبيعية ستظل ناقصة ما دامت هذه المبادئ هي القائمة. وفي ظل تحكم الاسلام السياسي في البلدان المغاربية والعربية تتزايد القيود المفروضة على حقوق النساء وحرياتهن بل نشاهد تفاقم مظاهر اضطهادها واستغلالها.

2 - هل ستحصل تغيرات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحصل تغيرات جوهرية في ضوء الحراك الشعبي الواسع والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية؟

• الصراع الطبقي لن يتوقف بهيمنة الاسلام السياسي على اجهزة الحكم وعلى شعوب المنطقة، فسرعان ما برزت التوجهات الفاشستية لهذه الانظمة وبنياتها الطبقية والاستغلالية المتناغمة مع السيطرة الامبريالية في عدد من الدول كتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق. فقد ظهر زيف الحرية والديموقراطية المتشدق بهما من طرف تيارات الاسلام السياسي والهادفة فقط لتخدير الطبقة العاملة نساء ورجالا من اجل تعميق استغلالها. فهذه المرحلة من انتكاسة المقاومة الجماهيرية للهيمنة الكومبرادورية الجديدة والامبريالية لن تكون طويلة، فسرعان ما ستستفيق طليعة البروليتارية لتنظيم نفسها من اجل تحرر حقيقي لها عبر اسقاط المافيات الحاكمة وأدوات تحكمها الايديولوجية ومن بينها الاسلام السياسي. ويظل تحرر المرأة لصيقا بتحرر البروليتارية والمجتمع من المنظومة البرجوازية المهيمنة بجميع تجلياتها.

لقد ظهر بأن سقوط بعض رؤوس الانظمة المغاربية والعربية كبنعلي ومبارك وعلي عبد الله صالح ومرسي من على هرم النظام الطبقي وأعوانه أنه شبيه بتغيير قميص قديم أصبح باليا بقميص جديد، بمعنى تغيير كومبرادورية قديمة طال تحكمها كالدكتاتور حسني مبارك بكومبرادورية جديدة كمورسلي والسيسي مضافا اليها مديونية هائلة لتهدئة الأوضاع شكليا، والتي أصبحت تشكل ريعا اضافيا لتدبير مؤقت لازمة النظام الرأسمالي المزمنة. وباسم الديموقراطية والحرية تم فرض الاسلام السياسي والقفز على حقوق وحريات النساء.

3 - ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها أحزاب الإسلامي السياسي إلى الحكم؟

• لقد كانت النساء القاعديات (وأعني هنا المرأة العاملة والفلاحة) على مر التاريخ شريكة في النضال العمالي ضد الاستغلال والاضطهاد البرجوازي. فالمشروع الاشتراكي التحرري الثوري لا يعزل النساء عن الرجال بل يجعلهما في خندق واحد من اجل اسقاط النظام الرأسمالي بكل قوانينه الطبقية وملكيته الخاصة وعمله المأجور وقيمه التبادلية. فبدون اسقاط هذه القوانين واقتصار نضال الحركات النسائية على حقوق وحريات شكلية داخل المنظومة الرأسمالية لا تلبي سوى رغبات جزء من النساء البرجوازيات، بينما تهمل بالمطلق شروط الوجود المادي للغالبية العظمى من النساء القاعديات اللاتي تتركن لمصيرهن في شروط مادية مأساوية تكرس المزيد من الاستغلال.

4 - تدعي أحزاب الإسلامي السياسي بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي، وهي التي تحمل شعار “الإسلام هو الحل”؟

• الاسلام السياسي يحمل منظومة ثقافية وايديولوجية طبقية ورجعية متناغمة مع الايديولوجية البرجوازية المهيمنة. والفكر الديني على العموم نشأ وتطور في مجتمعات طبقية واستغل على مر العصور من طرف الطبقات المهيمنة للحفاظ على نفس القيود التراتبية وفرض نظرية القطيع على الشعوب. ولا يرقى الاسلام السياسي حتى الى منظومة الحقوق والحريات البرجوازية التي كرستها المواثيق الدولية البرجوازية لحقوق الانسان والتي وضعت في فترة التوازن الدولي بين معسكرين اشتراكي ورأسمالي 1945. لكن البرجوازية المهيمنة لا تأبه لهذا التناقض لدى الاسلام السياسي ما دام منبطحا في خدمة شروط التراكم الرأسمالي ومنظومته الاستغلالية.

5 - هل تتحمل المرأة في الدول العربية مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها أيضاً؟ أين تكمن هذه المسؤولية وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟

• المسؤولية لا يمكن القائها على النساء كأفراد بقدر ما هي مسؤولية كينونة الطبقات الاجتماعية المضطهدة. فتشردم واغتراب الطبقة العاملة العربية والمغاربية وانقساماتها وخضوعها لاضطهاد ما يعرف بالاستبداد الشرقي لقرون هو بفعل المنظومة الثقافية التخذيرية السائدة التي يتم تكريسها بالقوة والقمع المادي والادبي. لكن نفس الاضطهاد والانقسام والقمع والاستغلال والاغتراب يخلق داخلها وعيا طبقيا سرعان ما يحتدم ويتجسد في أشكال من الصراع الطبقي وينتشر كالنار في الهشيم دافعا نحو تشكل انوية الدفاع الذاتي ومقاومة الانظمة الاستبدادية القائمة. وتلعب النساء دورا استراتيجيا داخل انوية المقاومة الجماهيرية التي تنشأ من أجل الثورة وقلب الوضع القائم ومواجهة المنظومة الثقافية والايديولوجية والدينية المتفككة بفعل انفضاحها من اجل تحرر الطبقة المضطهدة ومن بينها كينونة المرأة. لكن الامبريالية والكومبرادوريات الحاكمة التي ترفض نشوء مثل هذه الانوية الثورية فإنها تحاربها بالحديد والنار والاختطافات والاعتقالات وفبركة الاحكام الملفقة وخنق المثقفين باساليب ملتوية. فبناء وتقوية التنظيمات البروليتارية الثورية وانخراط النساء في نضالاتها سيظل هو الطريق الصحيح لإنهاء حالة اضطهاد النساء والطبقة العاملة ككل.

6 - ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه من سيادة المجتمع الذكوري ومن عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟

• ان محاربة العقلية الذكورية هي رديف لمحاربة العقلية البرجوازية والعمل من اجل اسقاط المنظومة البرجوازية بمختلف قيمها بدأ بالملكية الخاصة التي يدخل ضمنها تملك المرأة. فالعلاقات الجنسية في المجتمع البرجوازي يفرض على المرأة أن تجعل من موقعها السلبي حسابا اقتصاديا في كل مرة تصادف فيه الحب. أما الرجل فيقوم بهذا الحساب بشكل نشيط من خلال تخصيصه لمبلغ معين من اجل ارضاء نزواته. ومن هنا ففي ظل المجتمع البرجوازي، لا يتم ترجمة جميع الحاجيات الانسانية نقدا – وهذا هو حال الحاجة الى الحب لدى الرجل – بل، بالنسبة للمرأة تقتل الحاجة إلى النقود الحاجة الى الحب. وحيث لا يمكن تجاوز هذا النوع من الاغتراب أو الاستقطاب بدون الغاء الاقتصاد السلعي وانعدام الأمان المادي الذي يرافقه. فانعدام الأمان نجده على الخصوص لدى النساء. ويتطلب هذا الالغاء حذف نفي جميع البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعكس وتعيد انتاج العلاقات السوقية. إن المضمون الاقتصادي للثورة يتيح القاعدة المادية لنشوء علاقات جديدة نوعيا بين الكائنات الانسانية.