حزب اشتراكية في القرن الحادي والعشرين: كيف يبدو، ما يقول وماذا يفعل؟* سام ويب


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 4965 - 2015 / 10 / 24 - 00:23
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

حزب اشتراكية في القرن الحادي والعشرين: كيف يبدو، ما يقول وماذا يفعل؟*

بقلم: سام ويب**
ترجمة: رشيد غويلب

"لقد ولى زمن الهجمات المفاجئة، وزمن الثورات التي تقوم بها أقليات واعية صغيرة على رأس جماهير غير واعية. فحيثما تتعلق المسألة بالتحويل الكامل للنظام الاجتماعي، فان الجماهير ذاتها يجب ان تكون هي ايضاً مشاركة فيه، ويجب ان تكون هي بالذات قد أدركت بالفعل ما يعنيه ذلك، وما هي الاهداف التي تسعى لتحقيقها، جسداً وروحاً. لكن ذلك (...) يتطلب عملاً مديداً ودؤوباً.
"في فرنسا، التي شهدت على امتداد اكثر من مائة عام الثورة تلو الاخرى (...) وحيث الظروف للقيام بهجوم مباغت ذي طابع عصياني مؤاتية اكثر مما هو الحال في المانيا - حتى في فرنسا يدرك الاشتراكيون على نحو متزايد انه لا يمكن لهم تحقيق أي نصر دائم من دون أن يجتذبوا أولاً الى جانبهم الغالبية العظمى من الناس (...) هنا ايضاً يعتبر العمل الدعائي المديد والنشاط البرلماني هما المهمة الأولى للحزب."
مقتطف من مقدمة كتبها فردريك انجلز (لندن 6 آذار 1895) لطبعة صدرت في برلين من مؤلف كارل ماركس: "النضال الطبقي في فرنسا 1848 - 1850".
- - - - - - - - - - - - - - -


مقدمة:
هذه أزمان صعبة متغيرة. لا أحد يعرف ما سيحمله الغد. فماذا يتعين على الحزب الشيوعي واليسار عموماً القيام به كي يخوضا النضال بفاعلية اكبر من اجل العدالة الاجتماعية والاشتراكية؟
قبل الاجابة على هذا السؤال، أجد مناسباً ان اقدم ملاحظة ذات صلة بسيرتي الذاتية. انني اكتب انطلاقاً من وجهة نظر شخص ينتمي الى الحركة الشيوعية العالمية منذ أربعة عقود. وخلال تلك الفترة، كنت في حال انسجام تام سياسياً وايديولوجياً. لم تكن لدي "خلافات كبيرة". وخلال الجزء الأعظم من تلك الفترة، كنت في هذا او ذاك من المواقع القيادية. وقد انحزت الى جانب في صراع داخلي في 1991، لكنني انظر الى تلك التجربة بصورة مختلفة الآن.
لذا لم أكن معارضاً. ولكن عندما سقط جدار برلين في 1989 وانهار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بسنتين، أثار ذلك بعض الشكوك والاسئلة في ذهني، بما يكفي يجعلني ألقي نظرة جديدة على خبرتنا وممارستنا التقليدية.
أعدت قراءة ماركس وانجلز (خصوصاً المقدمة التي كتبها لمؤلف كارل ماركس "النضال الطبقي في فرنسا 1848-1850"، ورسائله الأخيرة)، ولينين (خصوصاً "تكتيكان للديمقراطية الاجتماعية"، مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"، "الضريبة العينية"، وخطاباته في مؤتمرات الأممية الشيوعية، ومقالاته الاخيرة)، وللقائد الشيوعي الايطالي انطونيو غرامشي (قرأت "دفاتر السجن" للمرة الأولى)، جورجي ديمتروف ("الجبهة الموحدة ضد الحرب والفاشية")، وروزا لكسمبورغ، وبالميرو تولياتي، وآخرين. في غضون ذلك، قرأت اعمالاً للعديد من الكتاب المعاصرين، التي لا يتسع المجال لذكرها، والتي ليس كلها من التراث الماركسي.
ومن خلال القيام بذلك، اصبحت أرى نظريتنا، ومنهجنا، وسياستنا، وممارستنا، وتاريخنا، ومستقبلنا بألوان جديدة.
واذا طُلب مني ان الخص الاستنتاجات التي توصلت اليها فانها ما يلي: كانت بنيتنا النظرية (الماركسية - اللينينية)ٍ جامدة ومثقلة بالوصفات الجاهزة، وتحليلنا مثقلاً بافتراضات مشكوك فيها، ومنهجنا غير ديالكتيكي الى حد كبير، وتنظيمنا مفرطاً بمركزيته، وسياستنا تبتعد عن الواقع السياسي.
ولم يغب عن ذهني ولو للحظة اولئك الرفاق الرائعين الذين ازدان بهم حزبنا في فترات مختلفة، ولا تلك المساهمات الكثيرة، الفردية أحياناً، على صعيد النظرية والممارسة التي تركها الشيوعيون في إرث القرن العشرين. (...) لا يمكن لأي تنظيم آخر في اليسار ان يدعي امتلاك ثبات النظرة والجهد ذاته، الذي تحقق في أحيان كثيرة بوجه قمع شرس وعداء لا عقلاني للشيوعية (اذا استعرنا تعبير مارتن لوثر كينغ).
ولكني أدركت أيضا أن مستقبل حزبنا لا يكمن في ماضيه، بل في عالم القرن الحادي والعشرين، الذي يحمل تحدياته الإستنائية الخاصة بمستقبل البشرية. هكذا، لم يكن الوقوف بلا حراك خياراً ممكناً. ومما يسجّل لنا أننا، قبل عقد من السنين، اخترنا التغيير. وفي هذا المقال سأواصل هذه العملية من التقصي والتعديل.
ان معظم ما اكتبه هو ذو طابع استكشافي. بمعنى آخر، انه عمل متواصل وغير مكتمل. وسيلاحظ القراء بالتأكيد وجود تناقضات ولحظات صمت وافكار غير مكتملة. وقد لا يشجعني ذلك على نشر هذه المادة، لكنني ادرك أمرين من شأنهما أن يخففا من ترددي. أولاً، لا أحد لديه اجابة كاملة على التحديات الهائلة للحاضر والمستقبل. وثانياً، لدى كل واحدٍ منا شىء يساهم به في تجديد اليسار الذي يمثل الحزب الشيوعي جزءاً لا يتجزأ منه.
من هذا المنطلق أقدم أفكاري:

1. ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يطور نظريته وممارسته في عالم يتسم بما يلي:

• نظام اجتماعي تصل فيه إعادة انتاج ظروف استغلال العمل والطبيعة، كما يبدو، الى نهاياتها.

• تحولا في السلطة المهيمنة في عالم مكتظ بالسكان ويشهد مستوى عالياً من التنافس، وإن كان في مراحله الأولى، يمكن له بسهولة ان يدفع العالم الى حمى منافسات شرسة بين الدول، والحرب شاملة، وفوضى.

• حدوث سلسلة من العمليات (ظاهرة الاحتباس الحراري، وانتشار الاسلحة النووية والحرب، والفقر العالمي ، والأمراض الوبائية، والضغوط السكانية، واستنفاد الموارد الطبيعية) يمكن أن تكون لها عواقب كارثية، تهدد وجود معظم الأنواع الحية.

• التطور الهائل وانتشار تكنولوجيات جديدة (الاتصالات خصوصاً) التي تعيد تشكيل البنى الاقتصادية والمهنية والطبقية والعرقية والجندرية، وأساليب الانتاج، وعادات الاستهلاك، والسياسات الطبقية والديمقراطية، وأشكال التفاعل الاجتماعي وقضاء وقت الفراغ، وقوة وسائل الدمار الشامل وطبيعة الحرب، ومفاهيم الزمان والمكان.

ومن الناحية الواقعية، يجب ان يبدأ حل هذه التحديات قبل وقت طويل من وصول الاشتراكية على صعيد عالمي. لأننا اذا انتظرنا حتى ذلك الحين، فان الاشتراكية والانسانية محكوم عليها بالفناء. لذا فان هناك "ضرورة ملحة للتحرك من الآن" وتترتب على تجاهلها عواقب خطيرة.

ولكن هنا تكمن المفارقة: ان "الضرورة الملحة للتحرك من الآن" لا تواكبها حتى الآن تحركات شعبية على مستوى الدولة والمستوى العالمي تمتلك الرؤية والقدرة على حل هذه التحديات الهائلة والمترابطة.


2. ان حزب الاشتراكية في القرن القرن الحادي والعشرين يعتنق الماركسية، باعتبارها منهجاً نظرياً واسعاً يصل الى مديات أبعد من الحركة الشيوعية. وهو في الوقت نفسه يستوعب على نحو حاسم الإرث الراديكالي الديمقراطي الاميركي ورؤى مناهج فكرية وسياسية اخرى.

أما بالنسبة الى "الماركسية - اللينينية"، فان هذا المصطلح ينبغي التخلي عنه لصالح "الماركسية" فحسب. فهو، من جانب، ذو دلالة سلبية بين الاميركيين العاديين، حتى في اوساط يسارية وتقدمية. واعتماداً على من تسأل، يوحي المصطلح اما انه اجنبي او دوغمائي او غير ديمقراطي او كل هذه مجتمعة.

ومن جانب آخر، الماركسية - اللينينية ليست مطابقة للماركسية الكلاسيكية. فإن افكار ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من الماركسيين الاوائل تحتفظ على نحو لا يصدق بقدرتها التحليلية، اذا جرى دراستها وتطبيقها بصورة خلاقة على الواقع الراهن.

لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الماركسية – اللينينية. فقد أخذت شكلها الرسمي خلال فترة ستالين عندما قام علماء سوفيات، وفقاً لتوجيهات ستالين، باختزال وتبسيط الكتابات الماركسية السابقة، ناهيك عن تكييف الايديولوجيا لاحتياجات الدولة السوفيتية والحزب.
هذا التبسيط للماركسية، إلى جانب ترسيخ مكانة حزب واحد وجعله "المترجم الرسمي" للماركسية، ترتب عليه ثمن. فقد قيّد وأثّر سلباً، نظرياً وعملياً، على عمل حزبنا.

وسيكون مدى هذا التأثير السلبي موضع جدل لسنوات قادمة. لكن هناك شيئاً واحداً واضحاً: الماركسية، إذا أريد لها أن تكون نظرية حيوية للتحول الاشتراكي، يجب أن تكون تاريخية، ومحافظة على البيئة، وديالكتيكية، وشاملة، ويجري تطويرها بصورة مستقلة، من دون اختزالات او تبسيطات او حدود رسمية. ولا يمكن لها أن تكون الامتياز الحصري لحزب أو مدرسة أو منهج بمفرده.

ان نقطة الانطلاق للماركسية هي الحاجات والنضالات والمصالح الفعلية للطبقة العاملة والشعب: أي الحركة الفعلية. ومركزاهتمامها ينصب على العمليات الاجتماعية (الطبقية خصوصاً)، والعلاقات، والتناقضات، والاختلالات، والتمزقات، وليس التعاريف المنمقة والصيغ الأنيقة.

ان الماركسية لا تخلط أبداً بين الشعارات والروح الكفاحية (كلاهما مطلوبان) عند التحليل. انها توظف المبادئ والعموميات والتجريد (الدولة ليست سوى أداة سياسية للطبقة الحاكمة، والحزبان الرئيسيان هما حزبان للرأسمالية... الخ – المقصود الحزبان الجمهوري والديمقراطي - المترجم)، ولكنها تصر أيضا على عرض ملموس لكل قضية. وهي تتعامل، على نحو مفهوم، بحذر من اعتبار الاشياء حتمية (الاشتراكية)، ومتصلة دون انقطاع (التعمق المستمر للنزعة الثورية للطبقة العاملة، والاشتداد المستمر للأزمات)، وغير قابلة للارتداد (العملية الثورية العالمية).

ان الماركسية ثورية في النظرية والممارسة، لكنها لا تعتبر "التدريجي" و "الاصلاح" كلمتين كريهتين، وايضاً لا تعتبر كل لحظة سياسية على مستوى الواقع الملموس هي بالفعل، او يحتمل ان تكون، راديكالية او ثورية. فالوضع القائم هو ظاهرة تتسم بالعناد ومتكررة تحتاج هي ايضاً الى تفسير. كما ان الماركسية لا تتقبل فكرة ان التغيير الاجتماعي يستند كلياً على الارادة السياسية ("أي قلعة يمكن اقتحامها") او يرتبط بالجدول الزمني لشخص ما.

باختصار، ان الماركسية هي طريقة في التحليل تقوم على أسس علمية، وبوصلة للنضال، وتيار مشروع (وضروري) داخل الطبقة العاملة والحركة الشعبية.

واذا كان لي أن أقيّم جهود حزبنا في ميدان التحليل على مدى العقود المنصرمة، يمكن القول أن عيننا الناقدة كانت أحياناً مقيدة. بعض الأمور كان لا يمكن الخوض بها (السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي وتطوره). وكانت هناك مساحات فارغة (ما يتعلق بالجندر)، والكثير من التبسيطات (حول مسار الاقتصاد: "عصر من التراجع والانكماش")، وآراء واسعة تقوم على أدلة تفتقر الى التحليل العلمي (مثل تزايد راديكالية الطبقة العاملة، وان الحزب على قاب قوسين او أدنى من التحول الى حزب يضم مئات الالاف). وكانت هناك في احيان كثيرة خلال نقاشاتنا مواقف تتسم بعدم الاكتراث تجاه التيارات الماركسية والراديكالية و الاجتماعية الديمقراطيةالاخرى.

لكن الاكتفاء بهذه الملاحظات سيكون وحيد الجانب وخاطئاً. فقد كان تحليلنا للمسألة القومية بشأن الاميركيين من اصل افريقي والاميركيين من اصل مكسيكي (التشيكانو)، والنضال ضد العنصرية والدور الخاص للعمال البيض، وتاريخ الاميركيين من اصل افريقي، والرأسمالية الاحتكارية ودور الدولة، والطبيعة الامبريالية للحرب، والاقتصاد الرأسمالي، و"الرياح الجديدة" في الحركة العمالية، ودور الطبقة العاملة وتحالفاتها الاستراتيجية، ودور الديمقراطية والنضال الديمقراطي، ونمو التطرف اليميني، وعلم البيئة الماركسي، وإمكان الانتقال السلمي، و"قانون الحقوق"، والاشتراكية، وغير ذلك... كل هذا كان مشهوداً.


3. ان أقدام حزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين تقف على تربة الأزمة الاقتصادية، وعلى المدى الطويل.

فالاقتصاد العالمي وثالوث الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان لم يعثروا بعد على مسار تنموي وبنية للإدارة الاقتصادية تحقق النمو الاقتصادي المستدام والعمالة الكاملة تقريباً.

وهذا لا يعني أن الاقتصاد يدخل "حالة ثابتة". فالأرجح اكثر بكثير، في المستقبل المنظور، هو أن يتأرجح الاقتصاد حول مستويات متدنية من النمو ومستويات عالية من البطالة.

ومع ارتفاع أرباح الشركات إلى مستويات قياسية، ليست هناك زيادة مماثلة في معدلات النمو وفرص العمل. في الواقع ، ما نلاحظه هو انفكاك لأرباح الشركات عن النمو الاقتصادي وخصوصاً العمالة.

وعلى المدى القصير، ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل. وعلى المدى الطويل، تمثل الحواجز الاقتصادية والبيئية التي تعوق عملية تراكم رأس المال والنمو الاقتصادي ونمو فرص العمل عقبات هائلة. وما لم يتم التوصل الى "اتفاق أخضر جديد" جديد على المستوى العالمي، من الصعب ان نتصور من أين ستأتي الديناميكية المطلوبة لتحقيق طفرة مستدامة، ناهيك عن تحقيق ازدهار طويل.

ان الأزمة التي لا تزال فصولها تتكشف ليست مجرد أزمة ضوابط اقتصادية وأزمة النموذج الليبرالي الجديد. لكن ليس هناك شك في أن انهيار الضوابط الاقتصادية، الى جانب السياسات الليبرالية الجديدة، مهّد لصعود القطاع المالي قبل ثلاثة عقود، ولنمو غير مسبوق للتفاوت الاجتماعي، وانفجار الديون، والتراكم المفرط لرأس المال (وفرة كبيرة من رأس المال ومكامن استثمار قليلة جداً)، بالاضافة الى الأزمة العامة التي بدأت قبل عامين ولا تزال مستمرة من دون نهاية تلوح في الأفق.

ان إغماض العين عن هذا الوضع، وعدم ايلاء الاهتمام لطغيان الطابع المالي للاقتصاد الرأسمالي، وعدم اعطاء وزن كافي لدور الليبرالية الجديدة، والاكتفاء بتوصيف الأزمة الحالية بأنها أزمة فيض الإنتاج، يعني إغفال شىء بالغ الاهمية حول الديناميكيات والحركة الملموسة لاقتصاد الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي على مدى العقود الثلاثة الماضية.

ان الطبقة الرأسمالية في الوقت الحاضر، وخصوصاً مستوياتها العليا، تجلس على كميات هائلة من فائض رأس المال. وعلاوة على ذلك، فإنها لا تتعجل القيام بأي شيء مختلف. فوجهة تحركها الرئيسي هي خلق أفضل الظروف لاستغلال اليد العاملة اقتصاديا وسحقها سياسياً.


4- ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يناضل من اجل مصالح الأمة بأكملها. فقد رأينا منذ ثمانينات القرن العشرين تدهور البنية التحتية، وتدمير شبكة الحماية الاجتماعية، وإضعاف نظام المدارس العامة، وتدهور اوضاع التجمعات السكانية في المدينة والريف، وخصخصة الأصول العامة، وتنامي الفقر والتفاوت الاجتماعي، وإفراغ قطاع التصنيع، وخفض اجور العمال، وتعثر الاقتصاد المحلي الذي اصبح يعاني الركود حالياً.
وفي الواقع الفعلي، لجأت أقسام كبيرة من الشركات العابرة للحدود القومية الى التخلي عن الشعب الاميركي والاقتصاد والدولة ووقف دعمها. فاستراتيجيتها العملياتية ذات منظور عالمي يتخطى حدودنا كثيرا. وأدى تطور الرأسمالية وديناميكيتها والضرورات التي تمليها ربحيتها في العقود الاخيرة الى تحويل الاقتصاد العالمي الى وحدة التحليل الرئيسية لطبقة الشركات الاميركية العابرة للحدود القومية.
ان الاسواق، والمعروض من قوة العمل المستغلة، واستراتيجيات الاستثمار للشركات الاميركية العابرة للحدود القومية هي الآن منظور عالمي. وتمتد مواقعها الانتاجية متجاوزة مناطق في ارجاء العالم ومجالات الوقت، وذلك بفضل تكنولوجيات جديدة وقوة العمل المتوفرة.
ولا يعني هذا ان مواقع الانتاج واسواق الاستهلاك وقوى العمل المحلية لم يعد لها أي تأثير، بل ان سادة العالم المتخطين للحدود القومية الذين يتمركزون في الولايات المتحدة هم على نحو متزايد أقل ارتباطاً بالاقتصاد الوطني. وبالتالي فان التزام اقسام رئيسية من النخبة المتخطية للحدود القومية ازاء قطاع عام يخدم الشعب، وازاء اقتصاد محلي ينبض بالحيوية، قد تراجع وضعف. في الواقع، تقوم هذه النخبة بتحويل الدولة الى أشبه بجهاز آلي لسحب النقود خاص بها وماكنة عسكرية ضخمة لفرض ارادتها في الداخل والخارج. وليس من المبالغة القول ان هذا التجمع الاجتماعي قد تحول الى كائن طفيلي يمتص الحياة من حكومتنا واقتصادنا ومجتمعنا، بينما هو يعيش في فقاعات من الترف والانفراد العرقي والامتيازات الطبقية.
هذا الواقع الجديد تترتب عليه نتائج مشؤومة بالنسبة الى مستقبل الشعب الاميركي. انه لا يغير الضرورة الاستراتيجية لدحر المتطرفين اليمينيين الذين يهدف مشروعهم الى استعادة السيطرة على الحكومة الفيدرالية في 2012 ( الموضوعات نشرت في شباط 2011) وفرض هذا الواقع الجديد قسراً على الشعب. وما يفعله هو انه يوسع الأرضية لتوسيع وتعميق نضال الشعب من اجل مستقبل البلاد.

5- ان على حزب للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين أن يطور سياسية استراتيجية في كل مرحلة من النضال. اذ لايوجد أي طريق مباشر او حتمي الى الاشتراكية. كما ان الطبقة العاملة لن "تنتفض" فحسب في وقت ما يتم تحديده وتكافح من مجتمع ينعم بالعدالة. فالنضال من اجل الاشتراكية يمر عبر اطوار ومراحل، وهي على الأرجح اكثر مما نتوقع في كتاباتنا وبرنامجنا الحالي.
ان وضع سياسة استراتيجية يستند على تقدير لاصطفاف القوى السياسية والاجتماعية في كل مرحلة من النضال على الطريق الى الاشتراكية. وعلى هذا الأساس، تتبلور سياسة استراتيجية وتاكتيكية محددة تبرز بقوة طيف القوى الطبقية والاجتماعية المتنازعة، والمهمات الديمقراطية والطبقية الرئيسية في أي لحظة، والائتلاف السياسي الذي يجب تشكيله اذا كان لميزان القوى أن يتغير في اتجاه تقدمي.
ان المشهد التأريخي لبلادنا يتميز بفترات حدثت خلالها مثل هذه التحولات: 1765-1790، 1840-1876، 1890-1915، 1932-1948، 1954-1965.
وفي كل من هذه الفترات كانت القوى المتنازعة وطبيعة النضال متباينة من حيث المحتوى. ولكن في كل مرة كان يجري توسيع حدود الديمقراطية بصورة نوعية، ويبرز اصطفاف جديد للقوى، وتحتل موقع الصدارة مهمات ديمقراطية جديدة.
وفتح الفوز الانتخابي في 2008 الباب لـ"دفقة اخرى من الحرية". لكن تحقيق هذه الامكانية جرى إعاقته حتى الآن من قبل التطرف اليميني، وهو التجمع السياسي الذي يهيمن على الحزب الجمهوري ويمثل الأوساط الأشد رجعية من الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود القومية. وهو ليس مجرد عقبة، او العقبة الوحيدة، بوجه التغيير والتحول الاجتماعي. انه العقبة الرئيسية بوجه التقدم الاجتماعي في هذه المرحلة من النضال. ان الوحدة العريضة للشعب وحدها تملك الوسائل الضرورية لالحاق هزيمة حاسمة بالنفوذ المترسخ بقوة للتطرف اليميني، وهي بدورها ستضعف الطبقة الاحتكارية وكتلتها المتحالفة ككل.
وليس من المنطقي مجابهة الطبقة الرأسمالية بأكملها عندما لا يكون هذا ضرورياً. وعلى نحو مماثل، من الحماقة القيام بـ"تسريع" مصطنع للعملية السياسية عندما يؤدي إتباع مثل هذا الخيار على الأرجح الى هزيمة.


6- ان على حزب الاشتراكية ان يدرك أنه في أي ائتلاف عريض من اجل التغيير الاجتماعي سيكون وجود وجهات نظر متنافسة شيئاً محتماً. ويكمن دور اليسار في التعبير عن وجهات نظره بشكل صريح، ولكن بطريقة تعزز، لا تفتت، الوحدة العريضة التي تمثل أحد مستلزمات التقدم الاجتماعي.
ان القوى الرئيسية في هذا الائتلاف، من وجهة نظرنا، هي الطبقة العاملة والملونين والنساء والشباب وكبار السن. ويتمثل التحدي الأساسي بتحويل هذه القوى الاجتماعية (التي تتأثر مصالحها بالموقع الذي تشغله في بنية اجتماعية) الى حركات اجتماعية تتميز بدرجات متباينة من الوحدة، والقدرة التنظيمية، والتعبئة، والعلاقات التحالفية، وايضاً، بدرجة لا تقل أهمية، عمق وثبات تطلعاتها السياسية.
وكان المثال الاكثر دراماتيكية على هذا التحول للقوى الاجتماعية الى حركات اجتماعية هو ما حدث في الحملة الانتخابية في 2008. ومما يؤسف له ان "حركة" هذه القوى الاجتماعية العريضة لم تتواصل في الفترة التي اعقبت الانتخابات.


7- على حزب من اجل الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين ان يعتمد كنقطة انطلاق القضايا التي تكون الجماهير (وهو مصطلح نسبي) مستعدة للنضال من أجله.
وقد يبدو هذا شيئاً لا يستدعي جهداً ذهنياً. ومع ذلك، فان هناك ضغوط مستمرة من اجل جعل مطالب اليسار، او الاصلاحات المناهضة للاصلاح (وهي الكلمة الطنانة الجديدة)، الأساس لوحدة عريضة. ولا يزال كثيرون ضمن اليسار يعتقدون ان دور اليسار يكمن في تصعيد الرهان، وفي وضع مطالبه في تعارض مع مطالب الحركة الأوسع.
لا أحد يشك في ان مطالب اليسار تحتل موقعاً في النضالات الطبقية والشعبية. ولكنها ليست نقطة الانطلاق للعمل الموحد، وايضاً ليست الشىء الوحيد الذي يجلبه اليسار الى النضالات الجماهيرية. الأهم من ذلك هو تقديم مقاربة استراتيجية، ومهارات بناء القدرة، وتحليل ورؤى وقيم بديلة، والتزام مستدام لتوحيد حركة شعبية عريضة.


8- على حزب للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين ان ينأى بنفسه عن التعارضات الزائفة بين المطالب الجزئية والاكثر تقدماً، بين التغيير التدريجي والجذري، بين اشكال العمل الانتخابية والعمل المباشر، بين التحرك الجماهيري والعصيان المدني اللاعنفي، بين الشعور الوطني ومناهضة الامبريالية، بين النضال ضد الدولة والنضال داخل الدولة، بين مناهضة الرأسمالية والتعامل بحساسية ازاء الانقسامات في الطبقة الرأسمالية، وبين المطالب العامة (مثلاً بشأن الوظائف) والمطالب الخاصة (مثلاً مكافحة التمييز).
ويمكن الاستمرار بتقديم الامثلة، لكنني اعتقد ان قصدي واضح: ان على حزب للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين أن يقدّر بأن الاشياء المتضادة ظاهرياً تتداخل في بعضها البعض، وحيثما يجري توظيفها بصورة سليمة فانها تعزز النضالات الطبقية والديمقراطية.

9- ان على حزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين أن لا يحول الى اعداء: الليبراليين، ودعاة سياسات الهوية، والحركات التي تتمحور حول قضية منفردة، والزعماء الوسطيين والتقدميين لحركات اجتماعية كبيرة، والديمقراطيين الاجتماعيين، والمنظمات الاجتماعية غير الربحية، والمنظمات غير الحكومية، والحلفاء غير الموثوقين، والـ"الشعب" (وهو حسب البعض مصطلح لاطبقي يخفي الاضطهاد الطبقي والعرقي والجندري).
كما ان هذا الحزب لا ينسحب من المشاركة في مؤسسات ديمقراطية رأسمالية. فبدلاً من المشاركة بتردد وبصورة متقطعة، وبدلاً من اعتبار مثل هذه المشاركة مهمة من مرتبة أدنى، فان حزباً للاشتراكية يرفع النضال الانتخابي والبرلماني الى مصاف ميدان رئيسي للنضال، اذ يرى ان مثل هذه المشاركة شيئاً ضرورياً تماماً في كل مرحلة من النضال.
ان النضال داخل الدولة لا يقل أهمية عن النضال ضد الدولة. فالاثنان مترابطان ديالكتيكياً، ولكن في لحظات مختلفة يمكن لأحد جانبي الديالكتيك ان يكتسب أولوية ويتقدم على الآخر.


10- ان على حزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين ان يكون مشبعاً بمفاهيم الطببقة والصراع الطبقي. ان هدفنا الأساسي هو مجتمع تختفي فيه الانقسامات الطبقية بمرور الزمن. فالانقسامات الطبقية تكمن، في النهاية، في جوهر الرأسمالية وعلاقاتها الانتاجية وسياساتها وثقافتها.
ويفسر هذا الواقع المادي لماذا تحاول الطبقة الرأسمالية وجهازها الايديولوجي المترامي الاطراف ان تخفي الانقسامات الطبقية. فنحن نسمع عن انقسامات اخرى، وهي بالطبع موجودة، تسهم الى هذا الحد او ذاك في صوغ او إعادة صوغ الاقتصاد السياسي للرأسمالية وسياساتها وثقافتها. لكن يتعين على المرء ان يبحث طويلاً وبقوة ليعثر على أي ذكر لانقسامات طبقية ، ناهيك عن عداوات طبقية وصراع طبقي.
بالاضافة الى ذلك، يتلقى محو الطبقة والصراع الطبقي في الخطاب الشعبي مساعدة من بعض الاوساط اليسارية والتقدمية والاكاديمية التي تنهمك في التقليل من اهمية المسألة الطبقية. ويجري ذلك باسم مقاومة الاختزالية الطبقية والحتمية الاقتصادية من جهة، والسماح من جهة اخرى بحتميات متعددة.
وفي الوقت الذي ينبغي فيه تجنب الاختزالية الطبقية، والحتمية الاقتصادية، والتفسيرات التبسيطية للعملية التاريخية، فاننا لن نقترب اكثر من الحقيقة عبر التخلي عن المادية التاريخية ومفاهيم الطبقة والصراع الطبقي.
وفي الواقع، مع تقدم الطبقة العاملة في مجرى النضال الى أمام كزعيمة للحركة الأوسع (وهو ما يحدث الآن)، ومع بروز المسائل المتعلقة بالسلطة بقوة اكبر، ليس مثيراً للاستغراب ان نرى عودة الى المفاهيم الطبقية والمادية التاريخية، ناهيك عن اهتمام جديد بالمساهمات النظرية وسيرة لينين السياسية. فلا يمكن لأحد في القرن الحالي او القرن المنصرم ان يضاهي اعماله حول قضايا الطبقة، والديمقراطية، وسياسة التحالف، والقومية، والسلطة، والثورة الاشتراكية.
وينبغي القول ان أي تفكير بتحقيق الاشتراكية في الولايات المتحدة سيكون محض خيال اذا لم يتضمن كحجر أساس وجود غالبية نشطة وموحدة وواعية طبقياً وكبيرة عددياً من الطبقة العاملة في قيادة ائتلاف شعبي اكبر.

ولهذا فإن المهمة الأساسية لحزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين هي التركيز على الطبقة العاملة والقضايا التي تتعامل معها يوميا. و لم تكن الطبقة العاملة في ظروف صعبة وعدم اليقين أساسي، منذ الثلاثينيات، كما هي عليه اليوم. اجور منخفضة، وفرض عمل ضائعة، وقطاع صحي، ومعاشات تقاعدية منهارة، ومنافسة غير مسبوقة على فرص العمل، وعوامل اخرى تخلق ضغوط هائلة تدفع الى دوامة تنازلية تشمل مستوى المعيشة وظروف العمل. واذا لم يتوفر اكثرمن مصدر لتمويل العائلة، فان ساعات العمل الإضافي، والوظيفة الثانية وحتى الثالثة، والديون الإستهلاكية الفلكية ، ستجعل وضع الطبقة العملة اكثر سوءا.
وتحتل الحركة العمالية – القطاع المنظم من الطبقة العاملة مركز اهتمامنا. هذا القطاع يشكل بوعية السياسي، خبرته، تنظيمه، خبراته العلمية، فطنته التكتيكية، وامكانياته، يشكل جوهر كل تحالف حيوي بين الطبقة العاملة والشعب.
وهنا تبرز مشكلة: إن القوة المنظمة من الطبقة العاملة (في النقابات والأحزاب السياسية)، قد انخفضت بشكل ملحوظ. ويتم تنظيم حوالي 12في المائة من الأشخاص الذين يعملون في النقابات،. وفي نفس الوقت (وارتباطا بذلك) فان سلطة العمل الهيكلية (السلطة الاستراتيجية، والمتأتية من موقع العمل في مركز قطاعات الإقتصاد الإستراتيجية)، والتي تمارس ضغطا من اجل مصالحها الخاصة، هي الأخرى ضعفت ، نتيجة الإنخفاض الحاداللإنتاج الصناعي بالجملة ، الذي كان سائدا في القرن العشرين.
فهناك تحديات كبيرة، في كيفية تغييرذلك، في كيفية رفع سلطة العمل التفاوضية في موقع العمل، ورفع سلطة العمل المجتمعية في البلديات والدول، وفي كيفية بناء قدراتها السياسية والتنظيمية. وطالما بقي عدد العمال المنظميين بهذا الإنخفاض، فان تأثير معسكر العمل، وبغض النظر عن نوعية مبادراته، سيبقى محدودا.
ولهذا فان توسيع الجزء المنظم من الطبقة العاملة، يمثل مهمة استراتيجية في غاية ألأهمية، للعمل، ولكل منظمة وشخص ديمقراطي التفكير. وان مستقبل البلاد يتوقف على ذلك.
وهناك عملان يسهلان هذه المهمة: أولا، الإنتصار على التطرف اليميني، الذي من شأنه أن يفتح إمكانية بيئة صديقة للعمال، وثانيا، التطوير المستمر للعمل نحو حركة اجتماعية، وهذا يعني، ان تكون محفز حقيقي ومنبر للحركة الشعبية الأوسع.

11 – بالنسبة لحزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين تتمتع (الإصلاحات -) الديمقراطية النضالات (من اجل حق العمل، والصحة، والإسكان، والمساواة، والتعليم، والهواء النقي، من أجل حقوق المهاجرين، من أجل السلام، وحق الإنتخاب، وحرية التعبير، ..الخ، بأهمية جذرية. وتمثل عنصر اساسي في نضال الطيقة العاملة في سبيل التقدم والإشتراكية.
ان كل من يسخر و يقلل من اهمية النضال من من اجل الديمقراطية، يقف مباشرة ضد بذور وتجربة حركة الإصلاح الديمقراطي الكبيرة وقادتها الاوائل، الذين ناضلوا في سبيل توسيع الحقوق، ومن اجل الإصلاح، وفي سبيل كل سنتمتر لتوسيع رقعة النضال الديمقراطي.
و تطور هذه النضالات في اطار الديمقراطية الرأسمالية لا يقلل من شانها. وفي الواقع اتخذت العناصر الفاعلة في كل الأحوال ماهو مفيد في ألأطر الموجودة والحقوق القائمة، لتويظيفها في الدفاع عن قضيتها.
وهذا ما ينبغي لحزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين فعله. وعلى هذا الأساس: ان النضال من اجل الديمقراطية والإصلاح في القرن الحادي والعشرين مهم ايضا كما كان عليه الحال سابقا. وهو مهم في تحديد الوسيلة والهدف. فهو يجعل الشعب اكثر قوة، والشعب يعزز الديمقراطية. وهو لا يخفف بعض الشيء من الإستغلال والإضطهاد الراسمالي، بل هو الطريق الأهم الذي يؤدي الى التغيير الجذري.
وفي الواقع، من الصعب أن نتصور كيف يمكن تجميع وتوحيد قوى النضال الضرورية في جميع مراحله، بما في ذلك المرحلة الاشتراكية، اذا لم تكن الطبقة العاملة والحركات الشعبية منخرطة تماما في النضال الديمقراطي والنضال من أجل الإصلاحات - وقبل كل شيء في النضال من أجل الحق في العمل، والذي يمكننا من العيش، والنضال من أجل الحقوق الاقتصادية الأخرى.
وهل يمكن لأحد الإعتراض، على اني اعطي الأولوية النضال الديمقراطي على النضال الطبقي؟ قطعا لا، لأن التغييرات في توازن القوى الطبقية، اما ان تفتح افاقا جديدة للتحول الديمقراطي والإشتراكي، او تقلصها، بغض النظر عن هوية الطبقة وحلفائها المستفيدة، في اللحظة المعينة، سياسيا واديولوجيا.
ان ما ارفضه هو الموقف الداعي، وبغض النظر عن الظروف المحيطة، اخضاع كل شيء للطبقة والصراع الطبقي.
والأمر الذي ادعمه من الناحية التحليلية والعملية بقوة، هو ان العلاقة بين الأثنين – الطبقة والديمقراطية علاقة جدلية. فكلاهما يتغلغل ويؤثر في الآخر. ولا يمكن أن يفهم احدهما بشكل كامل بمعزل عن الآخر. وكلاهما يتفاعل في اطار عملية اجتماعية لتراكم رأس المال.

12 - حزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين لا يحصر قوى اجتماعية، منظمات وشخصيات سياسية في تقسيمات اجتماعية ضيقة، وغير قابلة للتبديل، تلك التقسيمات التي لا تترك لهذه القوى والمنظمات والشخصيات مجالا للتغيير ، تحت تأثير القضايا والأحداث وتوازن القوى المتغيرة، نفسها .
وكما كتب، على سبيل المثال، مراقب نافذ البصيرة: " في ضوء تطور الأمور حتى اللحظة، يمكن للمرء ان يفترض، من السهولة لبعض اليسار، منذ البداية، رفض ظاهرة اوباما باعتبارها مجرد خرافة ووهم . ويجري لصق ماركة "الليبرالية الجديدة" به، "لقد كان دوما محافظا"، " حقيقة هو من معسكر الوول ستريت". ان هذه القولبة ووضع الأفراد في ادراج سياسية مغلقة يتناقض مع التجربة التاريخية. وتستطيع الحركات والأحداث تغيير الكيفية التي ينظر فيها الأفراد للأشياء وكيف يتعاملون معها. وعندما يأخذ المرء بنظر الإعتبار جميع الجوانب، فسوف لن يكون هناك ادنى شك، في ان اوباما يجد نفسه الى جانب المناضليين الأمريكان، وليس هناك ادنى شك ايضا في ان الهدف الرئيس لغوغاء الفاشية الجديدة هزيمته و "والفوز بالبلاد ثانية"". وهذا تقييم ناضج.

13 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يرحب بالمثقفين، وينبغي عليه ازالة جميع المواقف المسبقة المضادة للمثقفين من تقاليده السياسية. ان حزبا يريد أن يحقق تحولا في عالم معقد جدا يحتاج مجموعة متزايدة من المثقفين الماركسيين.
وفي نفس الوقت يستقيد المثقفون الماركسيون في الجامعات كثيرا من الصلات بالنضالات العمالية والحركات الاجتماعية الأخرى. وفي حالات كثيرة جدا، ليس لديهم ما يقدمونه اليوم في قضايا الاستراتيجية والتكتيك.

14 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يبحث عن الشقوق والتصدعات داخل الطبقة الحاكمة والقوى الاجتماعية الأخرى ولا يخشى من توظيف الفوائد، التي يمكن استخلاصها من هذه الخلافات لصالحه. ان نضالا ناجحا ضد طبقة متحدة حاكمة هو حصاد صعب.

15 - حزب الاشتراكية يستخرج من خصومه كل تنازل ممكن، ولكنه لا يغفل الحلول الوسطية، اذا تطلب توازن القوى تبني هذا المسار. قد لا تؤدي التسوية سوى الى فرق صغير، ولكنها ربما ستكون ضرورة حياتية لكثير من الناس.
باتأكيد ان انتصارات صغيرة يمكن ان تساهم في ابطاء تحقيق التغيرات المحلة، وتثير الأوهام، ولكنها يمكن ان تؤدي الى انعاش الآمال وتحفيز التوقعات، وتعزز التفاهم والوحدة وترفع مستوى النضال الى مستويات جديدة. ان انتصار للشعب، حتى لوكان صغيرا، فانه اكثر فائدة ، ويعطي دروس اعمق من الخطب الرائعة لإفضلنا.

16 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين ينطلق من ان أكثرية الحركات السياسية تساعد على ولادة الإصلاحات – ان الأقلية المتشددة من القوى التقدمية واليسارية الساعية الى التحولات البيئة والإشتراكية، تستطيع ان تعطي لقضية ما وجه آخر، ولكنها لا تستطيع ان تكون بديلا لحشود الشعب الكبيرة، وينبغي عليها ألا تحاول ذلك أيضا. يمكن ان تكون القضية عادلة وقد تكون الحجج مقنعة، ولكن فقط عندما يترافق خطاب الصحيح مع قوة مادية، يمكن حقا تحقيق بعض التغيير.

17 – ان مهمة حزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين توفير قيادة لمجموع الحركة، قوة تعمل من اجل وحدة واسعة بين الطبقة العاملة والشعب،وذلك لربط المطالب الخاصة والعامة لحركة مجتمعية متعددة، مع بعضها البعض، لغرض صياغة رؤية اشتراكية، وقيم اشتراكية – حقا ان ذلك يمثل تحديا كبيرا.
وليس لدينا اوهام، بشأن عدم قدرتنا منفردين على مواجهة هذا التحدي، ولا نعتقد ان منظمة او حركة يسارية اخرى قادرة على ذلك. ان الطريق إلى ديمقراطية جذرية واشتراكية يعتمد على أكبر من ذلك بكثير، ايجاد يسار أوسع وأكثر نضجا مما هو عليه اليوم.
وفي نفس الوقت نحن مقتنعون، ان الحزب الشيوعي الأمريكي يشغل حيزا فريدا وضروريا في اطار استمرارية الحركة الجذرية. ان خبرتنا، و مفاهيمنا الاستراتيجية والتكتيكية الواسعة والمرنة في النضال، ومعرفتنا الواضحة بضرورة الوحدة الواسعة، مواقفنا وجذورنا في الطبقة العاملة، ونهجنا الأممي والجدلي، و استعدادنا لاستكشاف وممارسة أشكال جديدة من التنظيم و التواصل والعمل المشترك، وكذلك رؤيتنا تؤهلنا لتقديم مساهمة هامة لمشروع اليسار والنضال من أجل التحرر الإنساني.

18 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يعطي اهمية خاصة للنضال من المساواة العرقية والجندرية.
و في العقود الأخيرة، حدثت تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وديمغرافية هائلة. ومع ذلك، فإن النضال من أجل المساواة العرقية والجندرية الكاملة احتفظت بأهميتها الملحة – بالنسبة لهذه النضالات وفي اطار الاستراتيجية الشاملة.
ان كل من يسخر من اهمية النضال في سبيل المساواة العرقية والجندرية ، يقلل في احسن الأحوال من زخم اي انتصار.ويعطي في أسوأ الأحوال الأوساط الأكثر تخلفا في الطبقة الحاكمة وأنصارها فرصة للتفوق الفكري والسياسي.وحقيقة الأمر ان الحملة المعادية للنساء والحريات الجنسية في العقود الثلاث المنصرمة، ساعدت اليمين المتطرف في الوصول الى السلطة.
ومنذ انتخاب اوباما قبل عامين، قان هذه الأوساخ لم تخف حدتها. والآن يجري هجوم ايديلوجي يميني غاضب ومضاد. ولهذا هناك ضرورة قصوى لرفض هذا الهجوم المضاد، وهنا يتحمل المواطنون البيض والعمال مسؤولية استثنائية. فليس العنصرية أو التمييز على أساس الجنس من نتاج الحركة العمالية، كما يدعي بعض الناس. وهذا لا يعني أن الطبقة العاملة ليس لها أي دور في إعادة إنتاج هذه الأشكال من عدم المساواة والظلم. وسيكون من السذاجة تبني مثل هذا الإدعاء. ولكن الأكثر سذاجة ، الإعتقاد بأن العمال البيض والذكور ليس لديهم مصلحة في النضال من أجل المساواة العرقية والمساواة بين الجنسين ومكافحة العنصرية والتفوق الذكوري.ان لهم مصلحة اخلاقية ومادية. ان العنصرية والتميز الجنسي تجرد الطبقة العاملة من انسانيتها، وتجعلها تعاني من فقر روحي ومادي.
و على الرغم من الرسوخ العميق للعلاقات غير المتساوية في الهياكل والاقتصادية والسياسية للرأسمالية وعلى الرغم من الدعاية المتواصلة، وخصوصا اليمنية المتطرفة منها، ، فمن الممكن الإنتصار في المعركة ضد العنصرية والتمييز على أساس الجنس - ولكن فقط على أساس حركة طبقية واسعة، موحدة، متعددة الأعراق.وسوف لن يكون النجاح في ظل الظرف الراهن حليف اي خيار آخر، وسيخلق احباط لأي تقدم اشتراكي.

19 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين سيناضل بقوة ضد كراهية الأجانب.فالمهاجرون يجلبون الى بلدنا ثقافاتهم، وقوة عملهم وتقاليدهم النضالية.
ولا يستطيع المساهم في النضالات المعاصرة، ان يتجاهل دور العمال المهاجرين في النضال من اجل الديمقراطية، وحقوق العمال، والتأهيل النوعي، وتعزيز دور البلديات، والحفاظ على التراث الثقافي والإنساني، وفي سبيل قوانين عادلة للهجرة. انهم يفكرون بطريقة متشددة ومناهضة للرأسمالية. ولا غرابة في ان يعتبرهم اليمين شياطين. ان حملات العداء للمهاجرين وانكار حقوقهم شديدة الإرتباط بالعنصرية، والمنظومات الفكرية والممارسات المتخلفة، التي تعمل على تنمية شق الحركة الشعبية. ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين سيصعد مستوى هذه النضالات، وسيدافع عن المهاجرين في جميع انحاد البلاد.

20 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين سيعطي الأولوية لنشاطه السياسي المستقل، ويبني حزبا مستقلا عن الشركات الرئسمالية.
ويمكن ملاحظة اتجاهين متناقضين. من ناحية يسجل الملايين انفسهم للانتخابات كـ"مستقلين"، وأكثر من هذا يشعرون بالغربة عن العملية السياسية، وتظهر على المستوى المحلي أحزاب وجماعات مستقلة جديدة.
ومن ناحية اخرى يستمر عمل القوى الإجتماعية المهمة ومنظمات الأستقلالية السياسية - لبناء القاعدة الضرورية لحزب سياسي مستقل – في اطار الحزب الديمقراطي. ولكن بوجود هذا التشابك: هم يعملون بشكل مستقل عن الهياكل التنظيمية لهذا الحزب. ومن المرجح ان يستمر هذا الوضع: وبالحجم الذي ينمو فيه يأسهم، سيحاولون الحديث بصوت اعلى، ليحصلوا على المزيد من النفوذ.

بعبارة اخرى: ان القوى المهة والضرورية العاملة في سبيل حزب سياسي مستقل، ستستنفذ كل الإمكانيات تقريبا، في سبيل اصلاح الحزب الديمقراطي، بما في ذلك محاولة الهيمنة عليه، قبل محاولته البحث على مخرج له. وعلى تكتيكاتنا ملاحظة ذلك. وملاحظة اخيره: نحن نقول بشكل قاطع، ان القوى المستقلة لا فرصة لديها اطلاقا للهيمنة على الحزب الديمقراطي. وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن سيكون من الخطأ في هذه المرحلة، استبعاد هذه الإمكانية بالكامل.

21 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يحدد توجهاته وممارسته على اساس الوضع العالمي. وهذا ايضا امر جيد.
على الرغم من أننا امضينا بالكاد عقد واحد فقط في القرن الحادي والعشرين، يمكننا بشكل جيد معرفة، كيف ستبدو الحالة في البلاد في العقود المقبلة.
ان هناك ضرورة ملحة للتعامل في الوقت المناسب مع المشاكل العالمية وحلها – الإنحباس الحراري، تلوث البيئة، انتشار الأسلحة النووية، الحروب التي لا تتوقف، الصراع على المواد الخام، الفقر الهائل، والتنمية غير المتوازنة، والأوبئة.. الخ.
ماذا ستكون المحصلة؟ اذا لم يتم كبح هذا كله، فان الأرض ستصبح غير صالحة للسكن. ان في هذه السحابة المظلمة هناك بصيص من الأمل: في جميع أنحاء العالم، يدرك مئات الملايين من الناس خطورة الوضع ويفهمون ضرورة الإضطلاع بدور نشيط. وهنا تندمج المصلحة الشخصية بالإممية ، لكن هل يتم ذلك بالسرعة الكافية؟
وتقف في طريق ذلك الإمبريالية الأمريكية، التي ما تزال العقبة الرئيسية أمام الوصول الى كوكب سلمي، ينمو بشكل مستدام، و يمكن للمرء أن يعيش على سطحه. ان كلا جناحي الطبقة الحاكمة مصمان على الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، حتى و أن استخدما أساليب حكم مختلفة – احدهما باستخدام القوة والآخر بمزيج من الدبلوماسية والتعددية، واستخدام القوة الناعمة والعنف؛ ولكن تطبق بذكاء اكبر.
و في حين أن الاختلافات بين هذا المنهج او ذاك مهمة ، ويجب أن لا يتم تجاهلها، فان الهدف العام ما يزال الحفاظ على الدور القيادي العالمي، بغض النظر عمن يحدد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ولهذا فان حركة قوية فقط ، تكون قادرة على إجبار الإمبريالية الأمريكية هنا وفي الخارج، على البدء بتراجعا استراتيجيا في كل مناطق العالم، بدءا في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. و يتعلق الأمر بوضع حد لاحتلال أفغانستان، والانتهاء من سحب التواجد العسكري الأمريكي في العراق، وحل للنزاع القائم منذ فترة طويلة بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية، ورفع العقوبات المفروضة على إيران وغيرها من البلدان، وانهاء ة الحصار المفروض على كوبا، وتخفيض وإزالة الأسلحة النووية، وإغلاق القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم، وحل حلف الناتو .. الخ .

و هذا بالتأكيد تحد كبير، وإذا كنا نريد كسب الشعب الأمريكي للمشاركة في مثل هذه الحركة، فنحن بحاجة إلى إعادة تعريف دورنا في المجتمع الدولي. وبالنسبة لحكومة الولايات المتحدة، لايمكن أن يتعلق الأمر ببساطة في الانسحاب فقط إلى دائرة القضايا الوطنية، بل ان تتلائم مع أسس التعاون والسلام والمساواة والمنفعة المتبادلة في الشؤون الدولية. ولكن مادام مبدأ "قدرنا" (الأمة التي لا غنى عنها) هو السائد، فسيكون النضال من اجل سياسة خارجية ديمقراطية جديدة صعب للغاية.
ويترتب على ذلك، ان دور حزب للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يكمن في تسهيل هذه العملية، والنضال من أجل الوحدة والسلام الدوليين - ضد الإمبريالية في بلده - وبلورة رؤية بديلة لدور الولايات المتحدة في المجتمع الدولي.

22 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يأخذ على محمل الجد الانجازات الهائلة في المجتمعات الاشتراكية ويستخلص الدروس منها. ان مشاكل اجتماعية (كالبطالة مثلا، وعدم توفر الرعاية الكافية للأطفال)، التي ما تزال موجودة في المجتمعات الرأسمالية، كانت في العديد من الدول الاشتراكية، ان لم تكن محلولة، فعلى الأقل انخفضت انخفاضا كبيرا. ولا يمكننا أن ننسى تضامن الإتحاد السوفيتي والبلدان الإشتراكية الأخرى مع البلدان التي ناضلت ن اجل الإفلات من الشبكة الأستعمار والإستعمار الجديد، وكذلك الدور الحاسم للجيش الأحمر في هزيمة ألمانيا النازية أو مقاومة الاتحاد السوفيتي الأكيدة دائما ضد الحرب النووية.
وما ينبغي قوله، ان حزب الإشتراكية يعلن القطيعة مع ستالين واتباعه، ليس لإرضاء أعداء أو نقاد لاشتراكية، ولكن للاعتراف امام ملايين من الناس، بان الإجبار واقامة التعاونيات الزراعية بالعنف، حملات التطهير واعدام مئات اللآف من الشيوعيين والوطنيين الآخرين، معسكرات العمل واعتقال اعداد لاتحصى من الشعب واستغلالهم والتسبب بموتهم المبكر، وكذالك تهجير العديد ن الشعوب من اوطانها، لا يمكن تبريرها بدعوى الضرورة التاريخية، او تحت يافطة الدفاع عن الإشتراكية. هذه كانت جرائم ضد الإنسانية. وتوصيف هذه الفظائع بالخطأ هو الخطأ بعينه. لقد كانت بالتأكيد جرائم جنائية، نعم كانت في الواقع رعبا، ووصمة عار على جبين قيم ومثل الإشتراكية.

وما يزيد الطين بلة: إن ممارسات السلطة الستالينية انتجت آراء نظرية، هياكل إدارية، قوانين اقتصاد اشتراكي، مبررات تمركز السلطة وظاهرة القائد العظيم، مما أضعف في نهاية المطاف الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.
لا استطيع الحديث باسماء احزاب اخرى، وليس في نيتي ذلك، ولكن ينبغي على حزبنا ادانة سلطة ستالين بوضوح تام.

23 - ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يدرك جيدا، أن الانتقال إلى الاشتراكية معقد ويشمل عوامل كثيرة، مقصودة وغير مقصودة، متوقعة وغير متوقعة، ويستند على افعال واعية للقوى المتنافسة، و يقع قسمها الأكبر، الى حد كبير خارج سيطرتها (الحروب الإمبريالية، والأزمات الاقتصادية، الاحتباس العالمي والحروب على الموارد، والكوارث الطبيعية، والأعمال الإرهابية.. الخ).
وبالتالي هناك توقفات وكذلك انتكاسات، تغيرات على صعيد النمو تخلي المكان لتغييرات كبيرة تفكك الرابط المجتمعي بالكامل، السيطرة على مواقع في الدولة، وفي الإقتصاد، وفي المجتمع المدني، ولكن التراجعات تشكل جزء من مجمل العملية. وان البروفات العامة تحدث اكثر من مرة.
وعلى النقيض من فهمنا التقليدي، ان عملية الإنتقال تتحد بحدث منفرد، تغيير كبير ياتي على شكل انتفاضة، ارى ان عملية الإنتقال تتميز بسلسلة من نقاط التغيير تحدث في فترة طويلة من الزمن. بعبارة اخرى: ان هناك اكثر من لحظة تاسيسية تحدد فترة الأنتقال الى الإشتراكية، وهي تشكل بمجموعها الظروف لمجتمع اشتراكي ناجح. وهكذا تكون السيطرة على الدولة ودمقرطتها، تمثل فقط - جزء ، وان كان يسهل عملية انتقال شاملة ومتفاعلة، تبني سلطة الشعب اللامركزية في المجتمع.
اي ان الدولة مؤسسة واحدة، وليس الوحيدة، التي تجري التحولات فيها بفعل قوى داخل الدولة وخارجها.
والسؤال من يأتي اولا – التحول في الدولة او في المجتمع المدني- يمتلك قيمة تحليلية ضيئلة. ان العلاقة بين ألإثنين ديالكتيكية، وتتفاعل بطريقة معقدة باستمرار.
وكل ذلك يتطلب تعميق وتوسيع الوعي الاشتراكي، وبناء القدرات السياسية والتنظيمية للطبقة العاملة وحلفائها، عبر تعبئة مستمرة في مستوى لم يسبق له مثيل، والقدرة على إحباط محاولات منع والإنجازات الديمقراطية، والعودة بها ثانية الى الوراء عبر ممارسات غير قانونية وغير دستورية.
ويستند ذلك على مرونة تنظيمية واستراتيجية بارعة، وقيادة موحدة ومجربة (للأحزاب والحركات) التي تناضل من اجل اوسع تحالف، وتستفاد من اصغر التناقضات في المعسكر المضاد، وقبل كل شيء تعمل من اجل اوسع وحدة واستمرار للنشاطات الجماهيرية.
و في السنوات الأخيرة حدثت في أمريكا اللاتينية تحولات اجتماعية، وسلمية نسبيا (وهي صفة ليست سلبية). وقد تم تنظيم والوصول الى اكثرية ساحقة من الناس العاملين بقيادة تحالفات يسارية يمثل الشيوعيون جزء منها، استطاعت السيطرة على مواقع في هيكلية الدولة، ووظفتها لعزل النخب ، واستبدال حكومات الليبرالية الجديدة، وتهيئة الأرضية لتحولات ديمقراطية اجتماعية اشتراكية.
و ينبغي على حزب الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين دراسة هذه التجربة بعناية . وعلى العموم أفترض، ان الانتقال إلى الاشتراكية في الولايات المتحدة سيجري بشكل مماثل، ومن الطبيعي ان تنوجد ايضا اختلافات.
ان الصورة التقليدية للعملية الثورية - الانهيار الاقتصادي، والتمرد، ازدواجية السلطة والعنف والمواجهات الدامية، تحطيم الدولة والانتقال السريع إلى الاشتراكية – تعكس رؤية ضيقة. واود القول حتى من الناحية التحليلية لايضيف شيء: فمنطق كهذا يجعل التبسيط جذابا، ويجعل القدرة على تصور الإشتراكية بطيئة ومرهقة، ويسلبنا قدراتنا الإستراتيجية والتكتتيكية.
ووراء الكثير مما سبق يمكن القول، ان الدولة ليست مجرد اداة الطبقة الحاكمة – انها ليست كتلة طبقة متكاملة ومتجانسة ولا سلاحها. وفي حين تكون الطبقة الرأسمالية هي المهيمنة، فان والدولة مليئة بالتناقضات الداخلية ومسرحا لنضالات طبقية وديمقراطية. وانها ليس اية مسرح، وانما هي المسرح الرئيسي.
وبالتالي فإن طبيعة الصراع لاتنحصر بالشعب ضد الدولة، بل الشعب يسيطر على مواقع ويصبح ذا نفوذ داخل الدولة، ويوظفها لفرض تغييرات (داخل وخارج الدولة) في بيئة سياسية تنافسية للغاية، بيئة صراعات حادة ونتائج غير اكيدة، يكون فيها السكان نشطين.
وهنا سيقول البعض ان ذلك مستبعد، وحتى طاوباوي. ولكن على المرء ان يتسائل:هل ان الاستيلاء على السلطة والتدمير السريع للدولة القائمة لصالح اشتراكية "ناهضة من رماد" أقل طوباوية؟ نموذج الإشتراكية الأخير قام منذ قرن تقريبا، وما تزال الإشتراكية بالنسبة للشيوعيين في العالم الرأسمالي المتطور ليس اكثر من رغبة.
وبالطبع ان اسباب ذلك متعددة، ولكني لا اعتقد، ان نموذج الإنتفاضة الثورة سيجعل الطريق اسهل، أو أكثر واقعية في المستقبل.

24 . ان تصور حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين بشان الإشتراكية هو عملية دائمة التطور. وتملك ميزات وخصائص ناشئة من تاريخنا وتجربتنا، ومحددة للغاية. وستحل المهام الديمقراطية التي لم تستطع الراسمالية حلها، وفي نفس الوقت ستحافظ على الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعمقها. وتعيد الحياة للديمقراطية التمثيلية، وتحترم سيادة القانون. وستتعامل باستقلالية مع الشعب، وتدعم حكومة نظام التعددية الحزبية، التي بموجبها تفقد الأحزاب سلطتها، اذا قرر الشعب ذلك.
وستنهي اشتراكيتنا استغلال العمل المأجور بشكل تدريجي، وليس بضربة واحدة. و سيتم توسيع الحقوق الجماعية والديمقراطية، في الوقت نفسه ستعطي الإشتراكية الأولوية لتحقيق التطلعات الإنسانية والإبداع. وسيكافح حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين الجماعية البيروقراطية والإقتصاد الأوامري، التي تجعل ترس في آلة من العلاقات الإجتماعية ، وثقافة رمادية بعض الشيء ومملة.
ان اشتراكيتنا ستكوت مختلفة عن كل ما هو كئيب وممل. وستعبر عن مشاعر حيوية ومعاصرة. وستكون موسيقى لضربات قلب شعبنا، واختلافنا الثقافي، وسترقص على ايقاعتنا المتنوعة. وستحتفل بافضل تقاليد امتنا وستعطي " حب الوطن" محتوى ديمقراطي جديد.
وستتضمن اشتراكيتنا نظام إنساني وقيمي جديد، عندما نتغلب على الطبقة والجنس والانقسامات العرقية. وستهيمن على الحياة اليومية جماعية الرعاية والعطف والمساواة والتضامن. وستعزز اشتراكيتنا مشاركة الجماهير في كل مجال من مجالات الحياة. و للقيام بذلك،سيصبح يوم العمل واسبوع العمل أقصر، وسيشرع "ألأجور الاجتماعية" بموجب القانون. ولكن هذه التدابير وحدها ليست كافية لما لا يقل عن نصف السكان. ان ضغط العمل قد رتفع على النساء في العقود الأخيرة، وذلك لزدياد عدد النساء المشاركات في حياة المهنية، وتعاني النساء اعباء غير متناسبة بسبب متطلبات الحياة اليومية العصرية مثل (ارتفاع متوسط العمر المتوقع للمسنين).
ولهذا فان ترتيبات اجتماعية جديدة بشأن رعاية الصغار جدا (رعاية مجانية ، ذات جودة عالية للأطفال تشمل الجميع) هي ضرورية جدا، وكذلك الأمر بالنسبة للمسنين مثل البدائل الجماعية لكل مايزال يعد "عمل المرأة - كالطهي والتنظيف والغسيل. بالنسبة للنساء يتوحد العمل مدفوع الأجر مع العمل المنزلي المجاني في يوم عمل واحد ، يبدأ مع شروق الشمس وينتهي بغروبها.

ستصر اشتراكيتنا على مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة، لكنها سوف تنطلق أيضا من مشاركة المؤمنين بنشاط في الحياة الاجتماعية.
وخلال الفترة الانتقالية، في بداية الاشتراكية في بلدنا وفي بلدان أخرى، وحتى لفترة أطول، أتوقع هيمنة اقتصاد مختلط في سياق سوق منظم اشتراكي. اقتصاد يجمع بين اشكال الملكية الاشتراكية والتعاونية والخاصة، حتى وان كان مصحوبا بتوترات وتناقضات وأخطار.
كيف سيبدو هذا الخليط بالضبط وكيف سيتطور، سيتوقف الأمر على حجم تغير اشكال الرقابة الديمقراطي، وكيف تتغير الظروف الموضوعية والذاتية. هكذا أشكال للملكية تستبعد اقتصاد مخطط، وكذلك استراتيجة استثمار واحدة على الصعيد الوطني.
وإذا افترضنا أن المهمة بعيدة المدى لدولة اشتراكية ومجتمع اشتراكي تمكن في تغيير منطق إنتاج الثروة لقليل من النزعة العسكرية ونمو غير محدود وصولا الى إنتاج يلبي الاحتياجات البشرية والاستدامة الاقتصادية، فمن من الصعب تصور كيف يمكن لهذا التحول الهائل ان يعالج بنجاح، دون تخطيط و استراتيجية استثمار مجتمعية شاملة ، وبطبيعة الحال، بأوسع قدر ممكن من التشاور مع العاملين والرقابة الديمقراطية من قبلهم و قبل ممثليهم.
وبالضد من انصار الرأسمالية، الذين بالنسبة لهم ملكية الأقلية تشكل القاعدة المادية للحرية والأمن الأقتصادي، سيقوم ممثلوا الإشتراكية رفض مثل هذه المزاعم بواسطة دعاية الفعل: سيبينون من خلال الممارسة العملية، ان اشكال الملكية الإشتراكية وتنظيم الإقتصاد هما الأرضية التي بمقدور الحرية ان تزدهر عليها. ان التحدي لبناء الإشتراكية يكمن في جعل كل ماهو اجتماعي وديمقراطي في الميدان الرئيسي للبناء أجتماعي – في الدولة، الإقتصاد، الإعلام، والثقافة، وينبغي على الإشتراكية في هذا القرن، شديدة الوضوح في ان المهمة صعبة ولكنها ضرورية، وتتمثل في إخضاع الدولة لسلطة المجتمع.
وبتعبير آخر: ينبغي على الدولة في المجتمع الإشتراكي ان لاتقف فوق المجتمع، وتسيطر على كل جانب فيه. ان اشتراكية على هذه الشاكلة ستكون غريبة عن الناس، عدوانية، وبيروقراطية. وبدلا من ذلك ينبغي على بناة الإشتراكية انشاء شبكة شديدة الوثوق من العمال والمنظمات الحلية (البلدية)، تكون سياسيا وماليا قادرة على الحكم في مستويات متعددة.
وخلافا لبعض الآراء في اوساط اليسار لايمكن اختزال العناصر الأساسية للإشتراكية في علاقات الملكية والسلطة المجردة لطبقة. وعلى الرغم ان كلا العنصرين من الأسس الهيكلية لمجتمع اشتراكي، ولكنهما بمفردهما لايشكلان الإشتراكية، بل ان ذلك يخلق فرصة لبناء لمجتمع اشتراكي، ولكن الإشتراكية تكون حقيقية بالقدر الذي الذي يستبدل في الناس العاملين الإغتراب والعجز بالإلتزام وتطوير، والمشاركة الديمقراطية الكاملة، وفقط بالقدر الذي تكون فيه السلطة، وصنع القرار، والتخطيط ممتدة الى اوسع نطاق في الراي العام. وخلاف ذلك فانها ستتحول الى دهاليز محيرة تخفي هياكل وممارسات ليست اشتراكية.
ان مبادرات الطبقة العاملة والشعور بالملكية الحقيقية للسلع الاجتماعية هي العضلات والأوتار الرابطة للاشتراكية، بينما العلاقات القانونية، والملكية العامة وهياكل السلطة الطبقة تمثل آليات معززة.
باختصار ان حزباً للاشتراكية في القرن الحادي والعشرين يقدر درجة التطور الإشتراكي على اساس العلاقات الحقيقية، وليس على ما يتحقق رسميا.
ان الاشتراكية هي الاستدامة وتحديد الأولويات الضرورية، وليس نمو واستهلاك لا محدود. ولا يمكن للانتاج الأشتراكي التركيز الضيق على الارقام الداخلة والخارجة
Input- and Output ، ولا يتخذ من معايير الكمية الضيقة مقياسا للكفاءة ولتحديد الأهداف الإقتصادية. كما لا يمكن حصر الوضع وتلبية الحاجات الإنسانية بالمضاعفة المستمرة للسلع الإستهلاكية. والإشتركية ليست مجرد "مجتمع لتوفير السلع والحقوق".
وشيء آخر: لا يمكننا انتظار الإشتراكية، حتى نواجه مخاطر التحول المناخي والتدهور البيئي. فيجب ان تنجزهذة المهمة اليوم. نحن نقترب من النقاط التي يأخذ فيها ألإحتباس الحراري تطوره الخاص، والذي من الصعب، او حتى لايمكن السيطرة عليه بالفعل الإنساني.
و في الختام: إذا كان لمجتمع اشتراكي أن يزدهر، فيجب ان تبدأعملية التغيير في وقت واحد تقريبا وعلى مختلف المستويات. اي بالضبط كما ظهرت الراسمالية استنادا الى تزامن عمليات مختلفة مترابطة مع بعضها البعض.

25 . على حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين ان يطور نموذجه التنظيمي الخاص وفقا لظروفه المادية واحتياجاته. ولا يبغي ان ياتي من الفراغ اويستنسخ من بلد آخر. ان عدد الأعضاء، والتركيز المحلي للعضوية، ونوعية القيادة، ومدى الصراع الطبقي وشدته وأهداف الحزب، هي أهم العوامل المحددة للهيكل التنظيمي للحزب الإشتراكية في القرن العشرين، هيكليته، اشكال عمله ونظامه الداخلي.
و يجب ان تتوافق الهيكلية والأشكال والقواعد التنظمية أيضا مع التقاليد التنظيمية والثقافية في بلادنا.
ان عقد الاجتماعات الحزبية كل أسبوعين، والإصرار على انظمام كل عضو الى هيئة حزبية، ودفع الإشتراك الشهري، وتنظيم الهيئات الحزبية على اساس السكن والعمل، وأن نتوقع من كل عضو في الحزب عكس برنامج الحزب بكامله،وتوزيع صحافة الحزب، والإلتزام بقرارات اغلبية الحزب ، هي وسيلة لهيكلة الحزب الشيوعي. ولكنها ليس الوسيلة الوحيدة. فنحن بحاجة إلى المزيد من المرونة فيما يتعلق بهيكلة المنظمات ودرجة استجابة الأعضاء.
ونحن حزب صغير متلزم بقضية، ومجموعة قيادية صغيرة، تامل في وضع ليس ثوريا، ان نصبح حزبا اكبر مما نحن عليه بكثير – وفي بلد مترامي الأطراف وفي عصر الإنترنت.
وفي هذا العصر، الذي يجري تفسيره بطرق متعددة عبر اٌنترنيت، ينبغي علينا ان لا نحاول ان نستسخ على الأغلب، واحيانا بالكامل النموذج القديم للمنظمة الشيوعية. ان حزبا بانظباط شديد وهيكلية مركزية لا يتلائم مع وضع حزبنا الحالي، او مع روح العصر. ونحن لانعيش في عام 1917 – ومجتمعنا يزداد تعقيدا، وتتراجع ثقافة الحرب الباردة، ووالناس غارقون في مشاغلهم، والكثير من الكسب في فترة الصعود قد استنفذ، واعضاء الحزب من الشبيبة يتنقلون بين حياتهم المنهية، والمديونية والمشاركة في النشاط العام.
و هذه الحقائق تتطلب أشكالا جديدة من التفاعل والتواصل، والتأهيل، واتخاذ القرارات، والتنظيم ونشر مواقفنا والتعريف بها. وأخيرا وليس آخرا، فإن هذه الحقائق تتطلب معايير جديدة لعضوية الحزب ونمط جديد من القيادة، يقود وينشط اعضاء الحزب سياسيا بقوة الحجة.
ولكن ماذا سيحل يالمركزية الديمقراطية؟ انا مع ترك هذا المصطلح. ولكن لا تفهموني بشكل خاطئ. فانا مع النقاش المشترك، والتفاعل الواسع والقرارات الديمقراطية، واختبار القرارات في الحياة والنضال في سبيل وحدة النشاط.
ولكن القاعد القائلة ان على كل عضو تنفيذ جميع قرارات الحزب، لم تعد تناسب ظروفنا اليوم. وفي الحقيقة اننا لن نفرض تنفيذ ذلك. وعندما يقرر احدنا، عدم تنفيذ قرار ما، لم يحدث في معظم الحالات شيئا ما. وعندما لا نستطيع الحصول على اعضاء او كوادر لإحتلال مواقعهم، فالمرجح ان لاتساعدنا الإجرات الإدارية.
والأسلوب الرئيسي لتعبئة الحزب وتوحيده تكمن في المناقشات السياسية، التأهيل السياسي، شفافية القرارات، الإقتاع، وقرارات سياسية عقلانية.
ولأسباب مماثلة اقترح، الغاء مصطلح "وحدة الإرادة". والى جانب اسباب أخرى، ان هذا المصطلح، او المفهوم، يمكن استخدامه بشكل سيء بسهولة، وفي ماضينا تعرض ايضا لسوء الإستخدام.

26 . ويجب ان يوظف حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين شبكة الإنترنيت. والإعتقاد خلاف ذلك سيعني اعطاء الظهر للتجارب الحديثة، وخصوصا حملة اوباما للإنتخابات الرئاسية في عام 2008 .وينبغي ان تترك حجة ان العمل بواسطة الإنترنيت يتقاطع مع ممارسة التنظيم في المناطق.
يوفر لنا الإنترنيت أداة لتنظيم الناس في مناطق ابع بكثير من مناطق تواجدنا، وتتيح لنا أن ننمو أسرع في المناطق القديمة والجديدة؛ ويوصل بسهولة برنامجنا وخدماتنا الى كل عضو في المجموعة. ويتيح لنا التعويض عن طاقات ، ويمكننا من تقسيم جديد للعمل، ويعطينا القدرة على التواصل مع جميع الأعضاء في الوقت المناسب؛ ويوصل مجلتنا النظرية الإسبوعية الى جمهور أكبر ؛ و يسمح لنا تنظيم الإجتماعات عبر آلاف الأميال ، ويزيد من التعريف الواضح بوجودنا. وتجربتنا المتحققة في هذا المجال لحد الأن ايجابية، ولكننا لم نستخدم للآن سوى سطح الإمكانيات التي يوفرها الإنترنيت.

27 . ينبغي على حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين فتح الأبواب لإعضاء جدد. ولا ينبغي ان يكون الانضمام الى الحزب اصعب من الانضمام للمنظمات الإجتماعية الأخرى. فليس هناك ضرورة للتدقيق الممل. فهذا امر يخص الطامحين الى الوصول للبيت الأبيض، وليس للناس القادمين لنا.
نحن لا نحتاج إلى معايير إلزامية، ولكن الى سلسلة من الطرق، ليتعرف الأعضاء الجدد على برنامجنا، وجهات نظرنا السياسية و أنشطتنا العشرين (اشارة الى عدد متواضع من الأنشطة – المترجم). وفي هذا الصدد، فان شبكة الإنترنت مهمة، و أود أن أضيف أننا بحاجة إلى فريق ميداني، يزور مناطق منظماتنا، والمناطق التي ليس لنا فيها تنظيم، للقاء بالأعضاء الجدد والترحيب بهم، ولتعريفهم بحزبنا ومواقفه والاستماع إلى آرائهم.

28 . ان حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين يراجع تاريخه بروحية ناقده، وخلاف ذلك سيقوم بفصل حزب اليوم عن تجربته التاريخية. وليس هناك حركة اجتماعية بإمكانها الإشارة الى تاريخها الغني مثلنا. ولكن هذا الكنز يكشف عن قيمته فقط، عندما نعاينه بكل تعقيداته.
أحيانا نتصرف كما لو أن خطأنا الوحيد كان تسليم قيادة الحزب لـ "ايرل برودر" (زعيم الحزب ، الذي ارادعام 1945 حل الحزب الشيوعي الأمريكي) ، واحيانا ننقل بشكل ميكانيكي اشكال تنظيم واساليب نضال من مرحلة الى اخرى، كما لو ان لم يحدث شيء في هذه الثناء. وفي حالات أخرى نقاوم انفسنا لوضع أفكار تقليدية، وخطط، وعقائد ورموز وممارسات على الرف، تلك التي تجاوزها الزمن، والتي يجب في هذه الأثناء تقيمها بشكل سلبي.لايوجد حزب، بما في ذلك حزبنا خالي من الأخطاء. ان السياسة معقدة وتتغير بسرعة، ونحن نخطأ اليوم وفي السابق، والأخطاء في النظرية، والتقديرات، والممارسات لا مفر نها.
ولا نقدم خدمة للآجيال السابقة واللاحقة من الشيوعيين، لو اغمضنا العيون في مواجهة اخطائنا. اذا ما استطعنا استحضار ارواح الماضيين من رفاقنا، فساكون واثقا، من انهم سيصرون ، على ضررورة النظر الى ماضينا بعين ناقدة وناضجة. وسيقولون لنا ، لا ينبغي لكم ان تقلقوا على مشاعرنا وارثنا . ان هذه المشاعر والإرث خير من يمثل ذاته.
ان حزب ألإشتراكية في القرن الحادي والعشرين يستلهم ماضينا، ولا يضل حبيسه، والماضي ينبغي ان يكون مرشدنا الى المستقبل، ولا يكون مشروعا له.
وكما ذكرت في بداية هذه المقالة، فان القوى والتحالفات المؤثرة، والتي يمكن أن تلبي تحديات القرن الحادي والعشرين ، لم تتحقق بعد. ولكننا هادئون وعلى ثقة بقتاعاتنا ان ذلك سينمو، عندما نقطع شوطا في اعماق القرن. ونحن على ثقة كذلك، ان الحزب الشيوعي سينمو ويتطور بحجم التحديات التاريخية، وهذا يعني اننا سنتغير، وننمو ، وسنتقدم الناس الذي يبحثون عن حياة افضل ومجتمع عادل.

*- كتب سام ويب 29 موضوعة، شكلت مراجعة فكرية وسياسية وتنظيمية شخصية لتجربة الحزب الشيوعي الأمريكي، وتجربة الإشتراكية في العشرين. ولطول المادة فقد حذفنا المادة 20 في النص الأصلي، وكذلك بعض الفقرات المحدودة من بعض الموضوعات دون ان يؤثر ذلك على طبيعة المادة والأفكار التي تضمنتها- المترجم
**- الرئيس السابق للحزب الشيوعي الأمريكي. نشرت الورقة لأول مرة في 3 شباط 2011 على موقع المجلة الحزب النظرية "الشؤون السياسية": http://www.politicalaffairs.net/ .