أسلوبان في مواجهة «داعش»؛ تطور الدور الروسي في سوريا


نايف سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 4949 - 2015 / 10 / 8 - 13:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


لقد بات واضحاً الدور الوظيفي الخطير لمنظمات إسلامية جهادية دولية إرهابية كداعش و»القاعدة» في الاستراتيجية الأميركية القاضية بتفتيت وتذرير أقطار الشرق الأوسط العربية باستثناء الإمارات والمشيخات والملكيات؛ فهي «جفالك» أو أراض أميرية أميركية معفية من ضريبة التمزيق والتفتيت!

فحين قررت الولايات المتحدة إنشاء حلف خلّبي جوّي مع وجود أرضي محدود لمواجهة «داعش»، كانت تهدف فعلياً إلى الإشراف عن قرب وعن كسب على مسرح عمليات «داعش» في العراق وسوريا، ولكي تمارس تحكماً وضبطاً لسلوكات وكيلها على الأرض، وحتى لا يخرج عن السيطرة. كما أنها تمارس بهذه الطريقة إشرافاً وضغطاً على القوات الحكومية في العراق وسوريا كي يخدم مشاغلة القوات الحكومية الاستراتيجية الكبرى للغرب الإمبريالي في الشرق الأوسط.
فبعد تنفيذ قوات التحالف الأميركي لأكثر من ستة آلاف طلعة جوية لضرب «داعش» لا يزال هذا الأخير مستقراً في عاصمته (الرقة) منتشياً بانتقامه من ذكرى موقعة صفين قرب الرقة السورية على الفرات. ولا يزال مستقراً في الموصل والأنبار العراقيتين، ولا يزال قادراً على مهاجمة مدن وبلدات عدة في وقت واحد في الدولتين؛ فهو يهاجم في الشمالي السوري (مارع) والعراقي (كركوك) ويهاجم في الوسط (القريتين – تدمر - جزل في سوريا) مهدداً الطريق الدولية دمشق- حمص وفي الشمال والشرق في الحسكة، والأنبار في العراق. وبعد التقارير الاستخبارية الأميركية الكاذبة حول التقدم الذي أحرزه التحالف الأميركي، ها هو الرئيس الفرنسي ينخرط في الحرب المجيدة مبتدئاً بطلعات جوية لأن الفرنسي يرى أفضل من الأميركي خاصة من الجو! ورغم القيمة المضافة العسكرية الفرنسية لا يزال الدور الوظيفي لداعش في الخطة الأميركية قائماً بكامل حلته في العراق وسوريا، ولا تزال القاعدة تلعب هذا الدور الوظيفي في شمال أفريقيا وفي مصر واليمن بهدف نشر الفوضى والتذرير في الشرق الأوسط العربي، ولسوف يشكل داعش الأداة الذهبية لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد أو مشروع نشر الفوضى والدمار والخراب في هذه البلدان. في المقابل حاولت روسيا إلى وقت قريب التشدّد تجاه الغرب في المسألة السورية وممارسة شيء من اللين والتراخي تجاه بعض الأطراف الإقليمية خاصة السعودية وتركيا، وقد ظهر هذا الأمر مع تركيا في المجال الاقتصادي ومع السعودية في المجال السياسي الذي كانت علامته مهادنة الإعلام الروسي للسعودية وتحالفها «العربي» ضد اليمن، حيث حاولت موسكو في هذه الفترة القيام بمعجزة جمع الأطراف المتصارعة في سوريا في زمرة واحدة لمواجهة داعش، وتحولت المعجزة إلى نوع من السحر البابلي لكون السعودية وتحالفها العربي هم بالذات حماة «داعش» ومزوديه الإقليميين! وقد قيل في المثل الشعبي: «بو زهيرة بيقعّد قرق والمطاربة بيضمنو ورق!».


وجد الروس الطريق أمامهم معبداً
بالمخاوف الدولية من انهيار الوضع السوري


وبعد أن انقلبت المعجزة إلى سحر وشعوذة وباءت وأحبطت الأماني الروسية تجاه سياسات السعودية العدوانية في سوريا واليمن، قررت موسكو الانتقال من خطة وزارة الخارجية إلى خطة وزارة الدفاع الأكثر تشدداً وحزماً والتي فحواها زيادة التدخل الروسي في الكم والنوع للقضاء على «داعش» الذراع الضاربة للخطة الأميركية - السعودية في تفتيت المنطقة. وكانت العلامة تحوّل في الأداء الإعلامي لقناة «روسيا اليوم» العربية خاصة تجاه الأزمة في كل من سوريا واليمن. وقد ساعدت هذا التطور في الأداء الروسي تجاه الأزمة السورية عوامل عدة منها التخوف الأميركي ـ الإسرائيلي من انهيار دراماتيكي في الوضع السوري، وهو ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة، والعامل الثاني هو حساسية الدور الإيراني وتوسعه في سوريا لجهة السعودية وإسرائيل. فإسرائيل تخشى من اقتراب الحرس الثوري الإيراني من حدودها في الجولان ومعه مجاهدي حزب الله اللبناني، والسعودية ترى في تزايد النفوذ الروسي في سوريا تلطيفاً للدور الإيراني كون المملكة تخوض حرباً «مقدسة» ضد التغلغل الإيراني «الشيعي» في المنطقة العربية متّزرة بالوهابية ومدرعة بداعش والقاعدة ومنها النصرة. فإسرائيل والمملكة السعودية اختارتا أهون الشريّن كون الوجود الروسي بنظرهما محايداً عسكرياً لجهة إسرائيل واعتقادياً لجهة السعودية.
هكذا وجد الروس الطريق أمامهم معبداً بالمخاوف الدولية والاقليمية من انهيار الوضع السوري، ومن البدائل الإيرانية لملء الفراغات الناجمة عن هذا الانهيار.
تقوم الخطة الروسية على فكرة أساسية مفادها أن محاربة «داعش» فعلياً والحسم العسكري معه يقوم على اساس اعتبار الجيش السوري معززاً بمجاهدي حزب الله اللبناني هو حجر الزاوية في هذا الحسم، وما على روسيا سوى تطوير الدعم العسكري كمّاً ونوعاً بما في ذلك زيادة الاستشاريين العسكريين الروس.
الولايات المتحدة قلقة في حال أحدث هذا الدعم الجديد تفوقاً للقوات الحكومية على قوات المعارضة المسلحة بجميع أصنافها، وما يعنيه ذلك من تداعيات تؤثر في شكل الحل السياسي لغير مصلحة التحالف الأميركي – السعودي، خاصة أن الأميركيين وخلال بحثهم عن معارضين مسلحين معتدلين لم يجدوا سوى العشرات، وأيضاً وجدوا وحدات حماية الشعب الكردية. هذه الأخيرة ما أن حققت بعض التقدم على «داعش» بمساندة طيران التحالف حتى أثارت رعب الحكومة التركية ومن ولاها من الكتائب التركمانية السورية وجبهة النصرة (قاعدة بلاد الشام) في الشمال السوري.
نحن إذاً أمام اسلوبين في مواجهة «داعش»، واحد أميركي انتهازي/ وظيفي وآخر روسي فعلي وبالتنسيق مع إيران، رهانه الجيش السوري ومجاهدو المقاومة اللبنانية.