التظاهرات الحالية في العراق مقدمة لمسار سياسي اجتماعي جديد -2-


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 4914 - 2015 / 9 / 3 - 13:34
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     



ثورات الفقراء
يسرقها في كل الازمان لصوص الثورات. عبد الوهاب البياتي

مع انطلاق احتجاجات شمالي البصرة للمطالبة بالكهرباء، اصطدم المحتجون بمجمل النظام السياسي، من قمع ودفع للمليشيات للتصدي للمتظاهرين، الى العجز عن الاجابة عن مطلب توفير الكهرباء بسبب الفساد. اذن بدأت الصورة ترتسم، فساد، نقص خدمات، قمع وتسليط المليشيات لتطلق النار على المواطنين العزل، ان هذه ببساطة مظاهر ازمة سياسية واجتماعية عميقة، كشفت عنها هذه الاحداث.
السلطة ارتبكت مع اول بوادر اتساع الحركة وشمولها، وشرعت باطلاق سلسلة وعود؛ في 13-8-2015 وعشية الاستعداد لتظاهرة كبرى، تحدث رئيس البرلمان سليم الجبوري الى الشعب ووعد بتوسيع الاصلاحات ووعد بصرف راتب لكل عاطل عن العمل، دون ان يكون هذا الوعد مسندا بقرار او مرسوم تستند عليه الدوائر المختصة او الوزارات، اي مجرد كلام لا اساس له، ثم شكر المتظاهرين.
وتحدث رئيس الوزراء حيدر العبادي في نفس الليلة، عن خطر اسقاط النظام وانتشار الفوضى وسيادة المليشيات، وتحدث بايجابية عن التظاهرات. وفي 14-8-2015 جرى الاعتداء على المتظاهرين والمتظاهرات من قبل جماعات منظمة تابعة للمخلوع نوري المالكي ولبعض الاحزاب الاسلامية والمخابرات. وفي 15-8-2015 صوت مجلس النواب على قانون العمل الذي تأخر أكثر من ثلاث سنوات. جميع الوزراء والنواب تحولوا الى اصلاحيين، بمن فيهم المطلوب بتهم فساد، ومن يتم رشق صورهم بالاحذية والهتاف بمحاكمتهم.

الفساد كشكل تجلي انحطاط النظام السياسي.
فئات السكان المتضررة من الفساد هي؛ الطبقات الكادحة من عمال، موظفين، فئات النساء الكادحات ، عاطلين عن العمل، معدمين. وفئات السياسيين والمثقفين اليساريين والشباب المتطلع للحرية والمدنية.
يشكل المثقفون جماعات ضغط ويشتركون مع الجموع المحتجة من سائر فئات المجتمع. ووسائلهم هي الاحتجاج السلمي، واهدافهم المرفوعة هي اصلاح، توسيع تدخل الجماهير في السياسة، مواجهة الفساد، وكذلك طرح قضية الشكل السياسي للدولة. ومواجهة ايديولوجية مثل نقد التيارات السائدة او نقد ممارسات التيارات الاسلامية.
ما هي عناصر قوة الاحتجاجات؟ ما هي ارضيتها الاجتماعية؟
ان الشكل الحالي للنضال هو تظاهرات احتجاجية، تجمعات واعتصامات، يعني ان الجماهير تحس بقوتها عند التجمعات العامة، هذه التجمعات تتحقق خلال التظاهرات. ليس هناك شكل للوحدة وممارسة النشاط خارج التظاهرة، مثلا تواجد اجتماعي للناشطين في محلات السكن، او تجمعات دائمية او مستمرة للعمال في مواقع العمل، تأثير معنوي وسياسي على المجتمع من خلال القادة الجماهيريين. ماهو غير متبلور وغير ناضج الى الان، هو تحديد الذات الثورية التي ترى فيها سائر الفئات المعترضة ممثلها وبؤرة حركتها، والمعبر عن مضمون وروح الحركة، او بكلام اخر، ما هو التجسد السياسي للممثل الحي لمطالب الحركة؟
الثورات هي قوة الطبقات المظلومة في وجه الحكام وقد بلغت درجة من التصاعد، هي تعبير هذه الطبقات عن ارادتها وفرضها بالقوة. تكنس الثورات والانتفاضات مع اول هبوبها، اكداسا من الاوهام المتراكمة والافكار والتيارات التي كانت تعيش على الركود، وتبني نظرياتها على اساسه. وتفتح الثورات افاقا امام عشرات التصورات، ولكنها لاتستجيب الا لفهم المضمون الفعلي لانبثاقها والتعبير عنه. ان تحديد مضمون الحركة هو في فهم حاجات الجمهور الثائر، اي منطلق الحركة، وسبل ووسائل تحقيقها، ومادة وعناصر التغيير او انجاز الاهداف.
لقد اتسعت التظاهرات وفتحت الملفات العالقة ورفعت المطالب المتراكمة وجرائم النهب والاختلاسات والمشاريع الوهمية، والمسؤولين الفاسدين المرتشين، ومن يقوم بتشغيل المئات من اقربائه حول منصبه ومركزه وبرواتب عالية دون تقديم اي عمل. ورفعت شعارات تطالب بمدنية وعلمانية الدولة، و جرت مهاجمة الاحزاب الاسلامية الحاكمة ورموزها والمطالبة بتغيير الدستور.
وبهذا المعنى فان الحركة قد طرحت مسألة الشكل السياسي للدولة والمحتوى الطبقي لها، ولكن الشكل هو تعبير عن المضمون او هو تجلي له، ولا يمكننا تناول الشكل السياسي للدولة دون معرفة اساسه ومضمونه الاجتماعي والطبقي، الذي يفرض هذا القالب دون سواه كمعبر عن تناسب القوى السياسية. اذا اردنا ان نبسط الامور فنقول ان المحتوى الطبقي للدولة العراقية اليوم هو سيطرة الطبقة البرجوازية على الطبقات الاجتماعية، وافقار الملايين والتحكم بحياتهم. وان اركان النظام السياسي هي الاسلام السياسي كأحزاب ومؤسسات دينية، وكنفوذ سياسي ومعنوي، وكذلك القوى المحافظة المستندة الى العشائرية كمنظومة ومستودع للقيم المحافظة بل الرجعية، وكبنية قابلة للاستخدام في اتجاه تكريس السلطة والثروة، والقوى القومية الكردية كقوى برجوازية حاكمة، والتي تشكل العشائرية والروابط الامبريالية ركنا اساسيا في بنيتها كذلك، وبدرجة اقل تشكل بقايا التيارات القومية العروبية المتحالفة مع السلفية ركنا من اركان النظام له نفوذه وسيطرته في المناطق الغربية، وقد تطور هذا التحالف ليؤدي الى سيطرة داعش. الركن الاخر للنظام السياسي الارتباطات العالمية عن طريق البرجوازية بالامبريالية والقوى الاقليمية.
ان اكتفاءنا بالقول ان البرجوازية هي الطبقة المسيطرة لا يساعدنا على التقدم في تحليل الاوضاع الراهنة للمجتمع ومعرفة تناسب القوى الطبقية والمرتكزاتها والسند الاجتماعي للطبقات السائدة والمسيطرة.
وبكلام اخر، علينا ان نوضح ما هو شكل تجسم البرجوازية في العراق؟ ومن هي الفئة القائدة التي تمثل القوة الصاعدة والمهيمنة للراسمالية؟ هل هم الرأسماليون الصناعيون، الرأسمال التجاري، اصحاب البنوك والرأسمال المالي، البيروقراطيون الحكوميون " بمن فيهم البرلمانيين والحكومة"، الملاكون العقاريون، تجار الحروب، قطاع الطرق، الطغمة المالية الحكومية المرتبطة بشركات النفط ، الاستثمارات الاجنبية، رجال الدين المتنفذون، المرابون وسماسرة البورصة، كبار القادة العسكريين، رؤساء الكتل البرلمانية المتخمين، شركاء الشركات العالمية وممثلوها؟ من من هؤلاء يمثل الفئة القائدة وبأي وسيلة يجري تدوير رأس المال والسيطرة على عمل الاخرين وحياتهم؟ ما هو مصدر ثراء هذه الفئة القائدة والمهيمنة وما هو سندها الاجتماعي؟ وما هي القوانين التي تكرس سيطرتها؟ كيف يتم تقاسم مئات المليارات وتمرير العملية في اطار " برلمان منتخب" و"حكومة" منتخبة، ومؤسسات تنفيذية وجيش وادارة وامن؟ وكيف يصبح جهاز الدولة وسيلة بأيديهم لاخضاع المجتمع وسد الطريق على التدخل السياسي للجماهير؟
ان هذه الظفيرة الشائكة من اقسام البرجوازية الوارد ذكرها اعلاه، مع استثناء واحد او اكثر، تعبر عن نفسها في تيارات سياسية حاكمة ومتصارعة، وتستخدم جهاز الدولة الواسع والغامض والسائب لتدوير واستملاك عوائد بمئات المليارات، وتأمين ارباح من استغلال عمل الملايين. ولكن ما هو السند الاجتماعي لهم؟ وما هو التبرير الايديولوجي أو الغطاء الفوقي السياسي والحقوقي لهذا النهب السافر ولهذه السلطة؟ بدون التعرف على هذين العاملين بدقة ومعرفة القنوات التي يتم بواسطتها ومن خلالها تأمين الغطاء الاجتماعي والسياسي لها، لا يمكن توجيه القوى التي تسعى للتغيير، وسيظل التظاهر تعبيرا عن احتجاج وغضب دون ضرب الاسس التي يرتكز عليها هذا النظام السياسي.
ان ما يؤمن التبرير الايديولوجي للشكل الحالي للبرجوازية في العراق، هو الاسلام السياسي بالدرجة الاساس، وهو تبرير وغطاء ايديولوجي ديني لهذه السلطة، اكثر مما هو جواب على متطلبات نمو واعادة انتاج كيان او نموذج سياسي محلي او اقليمي، كما هو الامر في ايران. في حين تشكل العشائرية كمؤسسة قائمة اصلا ومتوارثة، السند الاجتماعي الابرز لهذه السلطة. ان اي نقد سياسي للايديولوجية البرجوازية في العراق غير مجدي بدون نقد الاسلام السياسي والبنى العشائرية، نقدا علميا وتحري جذورها الثقافية والاجتماعية والتاريخية وبناها ووسائلها التي تديم سيطرتها من خلالها. ان هذين العاملين، لم يلعبا هذا الدور من خلال قواهما الذاتية، لقد بلغا السلطة عن طريق عامل خارجي، اي الاحتلال، واصبحت المصالح العالمية للرأسمالية وتوازن القوى العالمي والاقليمي اساس ادامة واستمرار هذه القوى. ولا يشكل فهم هذه الظاهرة درسا اكاديميا او اضافة معرفية فقط، انها مسألة سياسية متجذرة، ولا يقتصر الامر على فهم قدرة هذه القوى في ادارة الدولة، بل علينا ان نعرف بأن أوساط العمال والشباب المتأثرين بتيارات واحزاب الاسلام السياسي وشخصياته هم اكثر بكثير من العمال المتأثرين بالافكار الأشتراكية، على الاقل قبل اندلاع الاحتجاجات الاخيرة.
وفي ميدان السياسة الاقتصادية، يتعين نقد النيوليبرالية وتعرية محتواها الرجعي الفاسد على الصعيد العالمي، ودورها التخريبي الاستعبادي للجماهير في العراق. هذه السياسة التي يجري تنفيذها من خلال صندوق النقد والبنك الدولي، هي وسيلة الامبريالية للتحكم بالاقتصاد وبالسياسة في العراق.
وبنفس الدرجة، يتعين نقد التصورات البرجوازية الصغيرة التي تريد انقاذ سلطة رأس المال في العراق عن طريق اصلاح الدولة وتبرير السياسات البرجوازية، وعدم التهاون مع هذه التصورات التي تعرض على انها معارضة واحتجاج بوجه الفساد.
يتبع
3-9-2015