ماذا فعل العرب بالعُلماء والعَباقرة الفارسيين ؟


حميد بعلوان
الحوار المتمدن - العدد: 4908 - 2015 / 8 / 26 - 21:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

لو طرحت سؤال : " لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمين؟ ".. لوجدت أن أسهل جواب ، هو أن تقول بأن الغرب "الكافر" استفاد من أبحاث ونظريات علماء العرب المسلمين وطوروها، ولم يتوقفوا عن البحث العلمي حتى وصل الغرب إلى كل هذا التقدم الحضاري، عكس العرب الذين أصابهم الحنين إلى الماضي .. فضلوا يحلمون بإعادة التاريخ إلى زمن الخلافة، حيث تُقام الشريعة ويسود الإسلام."

في هذا المقال سأسرد معلومات يتحاشون تدريسها لنا في المدارس العربية عن بعض علماء الفرس الذين ينسبهم البعض زورا وبهتانا للعرب، حتى يخفوا بذلك قصورهم وتخلفهم، رغم أن التاريخ يشهد أن العرب لم يكن لهم أي علماء غير علماء الدين (الشيوخ)، وكل العباقرة الذين نتفاخر بكونهم عُلماء عرب ومسلمين، هم في الحقيقة من الفرس والروم وشمال إفريقيا ... وغيرها من المناطق ... تعلموا العربية وألفوا بعض كُتبهم بالعربية، وهذا هو اسبب الذي جعل الناس ينسبونهم فيما بعد للعروبة والإسلام رغم أنهم عبروا في عصرهم عن أراء جعلت المسلمين آن ذاك يتهمونهم بالكفر والزندقة، بل وقُتِل بعضهم وأحرقت كتب البعض الآخر.

حينما تعرف ماذا كان المسلمين يقولون عن ابن سينا والرازي وابن المقفع ستستغرب من كون أسماء هؤلاء تُطلق الآن على الشوارع والمؤسسات التعليمية.. وهنا أذكر بعض المعلومات التي لا نسمعها عنها في الوطن العربي :

- ابن سينا: هو فيلسوف وطبيب فارسي عاش بين 980م و1037م، ألّف 200 كتابا في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب، ويعد ابن سينا من أول من كتب عن الطبّ في العالم، وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في علم الطب.

- يُعد ابن سينا أوَّل من وصف التهاب السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان ، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء. اتهمه الكثير من المسلمين في عصره بالكُفر والإلحاد حتى أن ابن القيم وصفه ب"شيخ الملحدين"، وقال عنه الإمام ابن تيمية في كتابه "فـتـاوى" : " ابن سينا أخد الإلهيات والشرائع عن الملاحدة، وكان هو وأهل بيته (يعني أسرته) معروفين عند المسلمين بالإلحاد، وكان المسلمين يُجاهدوهم باللسان واليد، ويكشفون أسرارهم ويهتكون أستارهم .. وكانوا بالجهاد أحق من اليهود والنصارى ... ولهذا حدثني ابن الشيخ الحصيري أن فقهاء بخارى يقولون عن ابن سينا: كان كافرا ذكيا ".

أما الإمام الغزالي فقد وصف ابن سينا في كتاب "شذرات الذهب"، قائلا : "ابن سينا لم يكن من علماء الإسلام ، بل كان شيطانا من شياطين الإنس".

- أبا نصر الفرابي: فيلسوف وطبيب فارسي تأثر بمؤلفات ابن سينا وتعلم المنطق في بغداد على يد فيلسوف مسيحي اسمه أبو بشر متى بن يونس. ألف الفرابي كُتبا عدة بالعربية والفارسية والتي يشرح فيها نظرياته وأبحاثه في الفلسفة والطب، وترجمة أغلبها لعدة لغات أخرى، لكن الكثير من علماء الإسلام وأعلامه حذّروا من قِرأت كتب الفرابي لأنها في نظرهم تقود للضلال، ومنهم الإمام الغزالي الذي قال : " الفرابي له كُتب مشهورة، مَن ابتغى الهدى مِنها، ضل وحار، ومنها تخرج ابن سينا، ولا نشك في كفرهما ".

- عبد الله بن المقفع : هو كاتب وعالم ومترجم فارسي زراديشتي، اشتهر عند العرب لترجمته قصص "كليلة ودمنة" إلى العربية .. قُتل بسبب اتهامه بالزندقة بأمر من الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وقد تم تعذيبه قبل قتله، حيث قام سُفيان ابن معاوية بقطع يديه ورجليه من خلاف، ثم رماها تُشوى أمامه وهو ينظر.. لكن رغم أن ابن المقفع كُفر وقُتل بسبب آرائه إلّا أن المسلمين اليوم يفتخرون به ويعتبرونه رمزا للثقافة الإسلامية !! .. وأصبح اسمه يطلق على المدارس والمكتبات ... ! وأصبحت قصص "كليلة ودمنة" التي ترجمها للعربية من بين أشهر القصص في العالم الإسلامي .

- محمد ابن زكرياء الرازي : طبيب فارسي عاش بين 864م و923م، اتهم بالكفر والزندقة، حتى قال عنه ابن تيمية في كتاب "إغاثة اللهفان" : " الطبيب الرازي يتبع مذاهب الصابئة والدهرية والفلاسفة، فكان قد أخد من كل دين شر ما فيه، وألف كتاب في إبطال النبوات، ورسالة في إبطال المعاد، وركب مذهبا مجموعا من زنادقة العالم. (مقتطف من كتاب "إغاثة اللهفان ج2. ص 443)

- جابر بن حيان : مخترع وكميائي فارسي، وصفه ابن خلدون بأنه "كبير السحرة في هذه الملة"، وقال عنه صلاح الدين الصفدي أنه : "شيطان يريد إغواء المسلمين" .

المهم أن كل هؤلاء العلماء الدين يفتخر بهم المسلمين اليوم ويسميهم "العلماء المسلمين" هم في الحقيقة فارسيين تعلموا العربية وتعلموا علوم اليونان من المسيحيين في بلاد فارس، وحاولوا بمؤلفاتهم التي كتبوا بعضها بالعربية أن ينهضوا بالأمة العربية لكن أمة "ما أنا بقارئ" لم تستسغ أفكارهم، فقابلتهم بالنبذ والتكفير و القتل كما حدث لابن المقفع .

الآن أحس المسلمين بالخجل والخيبة بعد أن قادهم ضلالهم إلى أن يُصبحوا عالة على العالم ولا ينتجون شيئا.. فما كان منهم إلا أن يقولوا: " كل ما وصل إليه الغرب من تقدم حضاري كان بفضل عُلمائنا المسلمين " .. سبحان الله ! .. سبحان الله ! .. كيف تقولون عنهم "علمائنا المسلمين" وكل علماء الإسلام كانوا في الماضي يكفرون .. بل ويعترفون في كتبهم أنهم يتعرضون للاضطهاد من طرف المسلمين .

الآن أصبحتم تقولون عنهم "علمائنا المسلمين" بعد أن لم تجدوا لكم لا في التاريخ ولا في الواقع الحالي ما تفتخرون به .. لكن للأسف كل هؤلاء العُظماء فارسيين وليسوا عرب .. وكانوا عباقرة - ليس بسبب إسلامهم كما يحاول المسلمين إيهام الناس- بل بفضل ثقافتهم الفارسية والعلوم التي تلقوها من مسيحيين درسوا علوم اليونان.