رسالة بنكيران التقشفية لميزانية 2016


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4900 - 2015 / 8 / 18 - 02:23
المحور: الادارة و الاقتصاد     

في اتصال هاتفي من طرف الصحافية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي مع عبد السلام أديب، تم اجراء حوار مقتضب حول الرسالة التوجيهية الاخيرة لرئيس الحكومة عبد الاله بنكيران الى مختلف الوزارات من اجل وضع اطار محدد للميزانية العامة لسنة 2016. وفي ما يلي نص الحوار .

●-;- ما رأيكم في الأولويات الأربع التي حددتها الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة حول قانون المالية 2016؟

●-;-●-;- ككل سنة ومع الشروع في اعداد القانون المالي للسنة المقبلة، يقوم رئيس الحكومة بصياغة رسالة توجيهية الى أعضاء الحكومة بخصوص التوجهات الكبرى التي يجب ان يتناولها مشروع قانون المالية للسنة الموالية. وتعتبر وزارة الاقتصاد والمالية ومصالحها المختصة بالوزارة المكلفة بالميزانية هي الجهة التي تسهر على وضع تفاصيل الرسالة التوجيهية. فالرسالة اذن عبارة عن بروتوكول روتيني سنوي، قد يتم تفصيل بنودها أو قد يتم اختزالها. لكنها تخضع في نهاية المطاف للأهداف السياسة العامة للحكومة.
تتناول الرسالة التوجيهية الأخيرة تفصيل أربع أولويات تتمثل في:

1 – توطيد أسس نمو اقتصادي متوازن، يواصل دعم الطلب ويشجع العرض عبر تحفيز التصنيع وانعاش الاستثمار الخاص ودعم المقاولة.

2 – توطيد أسس نمو اقتصادي مدمج، يقلص الفوارق الاجتماعية والمجالية ويوفر فرص الشغل الكريم.

3 تفعيل الجهوية وتسريع وتيرة الاصلاحات الهيكلية الكبرى.

4 – تفعيل اصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية ومواصلة مجهود الاستعادة التدريجية للتوازنات الماكروا اقتصادية.

لنلاحظ جيدا النقطتين الأوليتين يبدآن بكلمة توطيد نمو اقتصادي متوازن ومدمج، أما النقطتين الثالثة والرابعة فيبدآن بكلمة تفعيل وتسريع وتفعيل ومواصلة. ان استعمال هذه المصطلحات في بداية ما يسمونه بالاولويات تفضح ان الأمر يتعلق فقط ببنود يتم تكرارها سنويا في الميزانية العامة وان الامر يتعلق فقط بتوطيد تلك البنود أو تفعيل ما لم يفعل منها.

لكن ما هو جدير بالذكر هو ان الرسالة التوجيهية تؤكد على أن مشروع ميزانية 2016، لن تخرج عن الاطار العام للميزانيات العامة السابقة، وأن الخطاب الاجتماعي المستعمل هو فقط للاستهلاك خصوصا وان الرسالة تؤكد على التقشف في نفقات الموظفين والمعدات وهذا يعني لا زيادة البتة في الاجور التي اثيرت خلال جلسات الحوار الاجتماعي الاخيرة وأيضا تفعيل القرار الذي تداولته الصحف حول تجميد التوظيف العمومي لمدة خمس سنوات. وهو القرار الذي سيقع وبالا على حاملي الشهادات العليا الذين تتجاوز اعدادهم المليون نسمة. كما أن تجميد الأجور ووقف التوظيف يعني السير في اتجاه معاكس لما تذكره الرسالة التوجيهية من ضرورة دعم الطلب، اللهم الا اذا كان دعم الطلب يعني طلب الوزارات والقطاعات العمومية لتجديد وصيانة بناياتها وتأثيتاتها، أما مجال البنيات التحتية فهي معروفة ومحصورة وتتبع خطوات بطيئة على مدى عدة سنوات.


وتجدر الاشارة هنا أن حكومة عبد الاله بنكيران بصيغتيها منذ مجيئها سنة 2011، وهي تشتغل على واجهتين، تتمثل الواجهة الأولى في زيادة كافة أسعار السلع والخدمات، سواء عبر الاعدام التدريجي لصندوق المقاصة ورفع الدعم عن المحروقات أو عبر الزيادة في فواتير الماء والكهرباء أو عبر الزيادة في معدلات الضريبة، فالنتيجة هي التهاب كافة الاسعار وهو ما يؤدي مباشرة الى ضرب القدرة الشرائية للطبقات المسحوقة من عمال وفلاحين فقراء وكذا شرائح عريضة من البرجوازية الصغرى. الواجهة الثانية اذن تمثل في تدير منهجي لسعر قوة العمل، فمقابل الزيادة في اسعار جميع اسعار السلع والخدمات الاخرى كانت لدى حكومة بنكيران ارادة مبيتة لتخفيض سعر قوة العمل والمتمثل في الرواتب والاجور، فبالاضافة الى مفعول الزيادة في الاسعار وفي الضرائب هناك تجميد الاجور والرواتب بل وتجميد التوظيف وحماية التسريحات الفردية والجماعية التي تقوم بها الباطرونا بين الحين والحين.

من جهة أخرى فإن ما ركزت عليه الرسالة التوجيهية أكثر لرئيس الحكومة فهو تدمير ما تبقى من صندوق المقاصة والذي يدخل في اطار التقشف أيضا وكذلك ارادة استهداف تقاعد الموظفات والموظفين بما يسمى بالثلاثي الملعون أي رفع سن التقاعد والزيادة في الاقتطاعات مع تقليص رواتب التقاعد. وأيضا البحث عن كافة السبل لتوسيع القاعدة الضريبية وهو ما يطرح كافة الاحتمالات وفي مقدمتها الزيادة في المعدلات الضريبية لمحاولة تعويض التراجع الخطير في المداخيل الضريبية التي تنازلت عن 60 في المائة من عائدات الميزانية.

●-;- يتضمن المحور الرابع إجراءات تقشفية، ألا ترون بأنها ستمس بالجانب السوسيو اقتصادي وبخاصة جانب التشغيل ؟

●-;-●-;- الحرص على مواجهة التبذير وضغط النفقات العمومية يعتبر محبذا لو كان يهم كافة واجهات الاسراف خاصة لدى قطاعات مبذرة لكنها تبقى فوق الرقابة، أما أن يهم التقشف فقط أجور الموظفات والموظفين وتقاعدهم ووسائل العمل اليومية البسيطة التي اصبحت مفقودة بل يضطر بعض الموظفين الى اقتنائها من مالهم الخاص للقيام بعملهم الاداري. إذن فاختيارات التقشف الحكومية هي اختيارات غير عادلة حتى لا نقول أكثر.



●-;- كيف يمكن تسريع وثيرة الإصلاحات المذكورة في الرسالة التوجيهية "قضاء ، تقاعد ، مقاصة ، جبايات " خارج إطار الحوار الاجتماعي ؟

●-;-●-;- ليس هناك حوار اجتماعي بل هناك مسرحية يحتكرها كبار اللاعبين النقابيين البيروقراطيين الذين يجب ان يحالوا على التقاعد بالمناسبة لان اصغرهم سنا يتجاوز عمره 65 سنة. ان العلاقات الاجتماعية اليوم هي مختلة بشكل كبير، فمن جهة هناك كافة الاحزاب والنقابات ولا أستثني منهم أحدا سواء اعتبرو نفسهم يمينيين أو يساريين أو اسلامويين وسواء كانوا في الاغلبية أو في المعارضة، فانهم لا يعبرون سياسيا عن آلام الجماهير الشعبية المسحوقة وتأوهاتها، فهذه الطبقات الشعبية الاخيرة تعتبر يتيمة سياسيا ونقابيا. فمنذ اربعين سنة كلما صعدت احزاب ائتلافية الى الحكومة الا كانت تخطط فقط لضرب القوت اليومي لهذه الجماهير سواء عبر الزيادة في الضرائب وفي الاسعار أو عبر تفكيك المرافق العمومية وخوصصتها أو عبر تجميد الأجور ومباشرة التسريحات الفردية والجماعية ... الخ. ومعلوم ان كل حزب من هذه الاحزاب يهيمن على نقابة أو نقابتين، وعبر تلك النقابات تمارس مسرحيات الحوار الاجتماعي وتمطيط الحوارات وبالتالي الخروج باتفاقات هزيلة لا تنفذ، فأيننا نحن اليوم من اتفاق 26 أبريل 2011 المشؤوم. بل أنه من افراط الضعف والتواطؤ للقيادات البيروقراطية الشائخة للمركزيات النقابية بدأت الحكومة تسخر من الزعماء النقابيين وهي تعلم ان هذه الزعامات الكاريكاتورية لن تجرأ على أن تفعل شيئا يهدد ما يسمى بالسلم الاجتماعي.