الحريات7: الجزائر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4894 - 2015 / 8 / 12 - 15:13
المحور: الادب والفن     

أولاً
سأبدأ الحديث من حيث انتهيت عن الحريات العراقية!
يقوم النظام السياسي في أمريكا على النظام الاقتصادي، يرفد أحدهما الآخر لدرجة أن إستراتيجيتهما تصبح واحدة، فالطبيعة الأمريكية التي وصفتها هي من الطبيعة الليبرالية الجديدة للإمبراطورية الرأسمالية، الإمبراطورية الإجمالية (Empire Global)وهذه الإمبراطورية الإجمالية هي التي تدير في الواقع شئون العالم، أو تدار شئون العالم بالطرق التي تخدم مصالحها، فقط مصالحها، ما يدر عليها من مكاسب، والنتائج، لا بأسَ، أيًا كانت النتائج، كما هي حال الجزائر خلال الحرب الأهلية المفبركة في التسعينات من القرن الماضي. إنه هذا الجانب المصلحي الذي دمر الجزائر كما دمر الجانب الهيبوي العراق. في العراق، كانت هيبة أمريكا حجر المحك، وفي الجزائر ثروة بعض الشركات المتعددة الجنسيات وبعض كبار رؤوس الأموال، هذا لا يعني أن العراق لم يكن جزءًا من الإمبراطورية الإجمالية، فثروته النفطية هائلة، لكن التكتيك الأمريكي قَدَّمَ الهيبة على الثروة في العراق بتدخله العسكري المباشر، هذا ما توجبه الهيبة، بينما في الجزائر كان التعامل الأمريكي اقتصاديًا بغطاء عسكري جزائري: الجنرالات الذين دمروا الجزائر، بينما الغاز والبترول الجزائريان لم يتوقفا عن الإرسال إلى عنوانهما: الإمبراطورية الإجمالية.

ثانيًا
والحال هذه جعلت أمريكا (والغرب فرانسوا ميتيران بالذات الرئيس الفرنسي الاشتراكي بطل حقوق الإنسان) الجزائر لقمة سائغة للعساكر!
بعد أن ألغى الجنرالات الانتخابات في 11 يناير 1992 تحولت الجزائر إلى أكبر مجزرة في التاريخ، وهذا طوال عشر سنين، والعالم يتفرج، لأن العالم يتفرج من عيني الليبرالية الجديدة الباردتين. باسم الديمقراطية هدم الجنرالات صرح الديمقراطية، وذلك بتعميم العسكرة كمؤسسة أخذت مكان مؤسسات الدولة: إلغاء الانتخابات، حل المجالس المحلية، إعلان حالة الطوارئ، منع حزب جبهة الإنقاذ الوطني (إسلاميين)، إنشاء محاكم خاصة، تكميم الصحافة، تعميم المعتقلات، اعتقالات، اختطافات، تصفيات، اختفاءات، التنكيل بعشرات آلاف الإسلاميين والمتعاطفين معهم، التعذيب، التسليخ (من سلخَ يسلخُ)، كل هذا كمرحلة أولى، وكمرحلة ثانية كان القمع يتم فقط للترويع، وقلب حياة الناس إلى جحيم، فتفنن الجنرالات في كل شيء بعد أن زيفوا كل شيء: أطلق جنودهم لحاهم، وارتدوا ثياب الإسلاميين، فقتلوا باسمهم، ولتصل الفوضى إلى أقصاها (الفوضى الخلاقة على الطريقة الجزائرية)، أطلقوا عساكرهم في لباسهم المدنية ليقتلَ –كما أرادوا أن يوحوا- مدنيون مدنيين آخرين. هل قلتُ ليقتلوا؟ ليذبحوا كما تُذبح النعاج، ليبرروا للهمجية، وليقولوا للناس ها هم الإسلاميون الذين أردتم أن يحكموكم! ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ادعى الجنرالات أن جماعات إسلامية تهاجم الجزائر من الخارج، بينما هي فرقهم الخاصة، وكل شيء يديره جهاز المخابرات والأمن.

ثالثًا
بوتفليقة غطاء للجنرالات الحكام الفعليين للجزائر!
الدليل على ذلك أنه هنا دومًا لفترة رابعة، وليسه هنا إلا بالاسم، ربما مات، ولا أحد يعرف، ومع ذلك البلد تدار من وزارة الدفاع، وها هم اليوم يقومون بتغيير البنية العسكرتارية للجيش، وتغيير امتداداتها المجتمعية، فقمع الحريات بقي على حاله لكن أساليب القمع تغيرت، وهي تدار بيد هادئة: أولاً) تزوير الانتخابات بنتائج 99 فاصل 99 بالمئة على الطريقة الستالينية. ثانيًا) تعميم الإشاعات الجزائر بطلة في تدجين وعي مواطنيها. ثالثًا) تعسيس شمولي على كل جزائري واحد مخابراتي فالنظام البوليسي يفوق وحده الشين بيت والإف بي آي والمخابرات الأردنية معًا. رابعًا) تجهيل الشباب وقمعهم في لقمة عيشهم نسبة البطالة أقوى نسبة في العالم بعد بنغلاديش. خامسًا) تنقيع الأُسَر في علب سردين عشرة أنفار في غرفة ونص مع أن أزمة السكن أخف بكثير من الماضي. سادسًا) توريط الناس فيما بينهم من السمكري الذي يقوم بنصف شغله ولا يكمله إلى المافيوي في جهاز الأمن الذي يوقع شريكه في فخ ليُحاكَم ويُلقى في السجن أسهل طريقة للتخلص منه. سابعًا) التكذيب والكذب الممنهجين إعلاميًا فما أسهل الكذب في الجزائر! ثامنًا) خلق طبقة أرثّ من رثة من لصوص صغار وبائعي مخدرات ومقامري الزوايا وخاصة مشتري الأحلام الذين يقضون كل عمرهم حالمين بالذهاب إلى فرنسا. تاسعًا) تديين العهر من تحت الحجاب تعمل المرأة السبعة وذمتها. عاشرًا) تصعيد الأسعار كل يوم عن يوم أكثر فأكثر فالغلاء الفاحش يفوق الغلاء في فرنسا لطبقات مدقعة أحيانًا لا تجد خبز يومها عندما نعلم أن اقتصاد الجزائر في يد كمشة من التجار الذين من بينهم أَخَوَا بوتفليقة.

رابعًا
والحال هذه يستفحل الفساد الإداري!
البيروقراطية في الجزائر لا مثيل لها في العالم، القوانين نفسها تعسفية، وإذا ما أضفت إليها طمع الموظف بمائة دينار (أحيانًا بآلاف الدنانير هذا يتوقف على المعاملة التي بين يديه)، أي جحيم إداري هي المؤسسات في الجزائر! لهذا، "البستون"، الوساطة، هو/هي رب كل شيء! وينعكس هذا الصراع المؤسساتي على الأرض: من التفريق بين القادر وغير القادر إلى التفريق بين القبائلي (البربري) والعربي، وأكثر من هذا، التفريق بين مناطق البربر ومناطق العرب: في ميزانيات البلديات، في التمثيل الانتخابي، في المشاريع الوطنية إلى آخره. لهذا، كانت "الحُقْرة" (احتقار الشعب من طرف الحكومة) كما يسميها الجزائريون، وهذه الحُقْرة تنزل على العربي والبربري نزول الصاعقة عندما يضطر النظام البوليسي إلى ذلك دون أي تفريق، لكن، هناك دومًا لكن، دون أن يشاء دكتاتوريو الجزائر الصغار والكبار، بالتآخى البربري والعربي تكون مواجهتها، يتعاضدون، ويتزوجون من بعضهم، ويتحابون، إلا أن هذا لا يعني أن العنصرية التي يغذيها النظام البوليسي هنا وهناك لا تفعل فعلها.

خامسًا
لا أعتقد أن الجزائر ستدخل مجلس التعاون المشرقي طوعًا!
ثروات البلد التي هي بالمليارات يتوزعها الجنرالات، هذا الأمر مؤسساتي بنيوي جزائري لا جدال فيه، وثروات الوعي الديني –الوعي الديني اللاثوري يجب عليّ أن أحدد وهو كثروات بالنسبة للطغمة العسكرية الحاكمة- التي هي بالمليارات كذلك، ثروات فاقت الوعي الديني في السعودية وفي بولونيا وفي كافة بلدان أمريكا اللاتينية معًا، لهذا من الطبيعي أن تنعدم كل الحريات في الجزائر، ولهذا لا أمل بالمستقبل، وبالتالي لا أمل بالتغيير الذي يؤسس مشروعي التنويري له إلا إذا، هناك إلا إذا صغيرة لكنها من حيث الأهمية كبيرة، إلا إذا تمكن الشعب الجزائري من خلق الشروط التي تؤهله ليمارس حرياته عبر مجلس التعاون المشرقي: يقول الشعب الجزائري إن العشرية التي عاناها في تسعينات القرن الماضي لن يتخلص منها بسهولة، وهذا صحيح: في خضم الربيعات العربية نزل البعض إلى الشوارع، لكن الناس فضلت البقاء في بيوتها.


يتبع الحريات8