الحريات6: العراق


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4893 - 2015 / 8 / 11 - 12:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أولاً
أمريكا ذهبت رؤيتها للعالم بقيت!
الحريات، كل الحريات في العراق منعدمة، هل تعرفون لماذا؟ ليس للنفط، النفط شيء بديهي، كالموقع الإستراتيجي للعراق، كالثقل السياسي للعراق، والبديهيات ليست الأسباب الفعلية، لأنها بكل بساطة بديهيات. الحريات في العراق منعدمة لأن الحرب من طبيعة النظام الأمريكي، وبالتالي الشك والارتياب، وبتالي التالي شحذ أدوات القتال. إنه السلوك الحربجي بلغتنا، والحال هذه الاستعداد الدائم للقتال، وليس هذا في العراق فقط بل وفي سوريا وفي الأردن لو يسمح شرط الأردن بذلك، وفي قطاع غزة، فلنقل في قطاع غزة حرب أمريكا بالواسطة، وهذه هي كل أسلحتها، وفي كل بلدان العالم العربي، حتى في أبعد بقعة فيه، اليمن مثلاً، حربها الأخرى بالواسطة، وواسطتها هناك السعودية كما هي إسرائيل واسطتها هنا، فهي حيث هناك فوضى تكون، بالفوضى تكون، وبالدم، وبالدمع، وبالدمار –على ألا يحصل في بيتها إلا إذا اضطرها ذلك كما حدث في 11 سبتمبر- وحيث هناك فوضى من الطبيعي أن تنعدم الحريات –هكذا هي تبرر- من الطبيعي أن تنعدم الوحدة بين العرب، من الطبيعي أن تكون هذه الأنظمة الكرتونية هي الأنظمة، من الطبيعي أن يبدأ الدمار في فلسطين، ثم في العراق، ثم في سوريا، ثم في سائر البلدان العربية حتى اليمن، وألا يقف الأمر عند هذا، فتنقلب المعايير، نرى في العدل ظلمًا، وفي الظلم عدلاً، تغيب المعاني، ما العدل؟ ما الظلم؟ تختفي القوانين، أين العدل؟ أين الظلم؟ عندئذ لا تبقى سوى حرية واحدة، الحرية الأمريكية، حريتها المطلقة فيما يرفد مصالحها، وفقط مصالحها.

ثانيًا
لهذا السبب كل هذا الدمار!
دمار العراق ودمار العراقي هما ابنان لهذا المنطق، فعلى هذين الدمارين تبني أمريكا علاقاتها بالبلدان العربية وبلدان العالم، ليس بسبب النفط، ليس بسبب الموقع الإستراتيجي لهذا البلد أو ذاك، ليس بسبب البعد السياسي الذي يخطئ المحللون ويعتبرونه سببًا بارزًا، ولكن بسبب كون علاقاتها التي هي من طبيعة نظامها تتطلب ذلك. وهي بموجب ذلك لا تفعل لأنها تتعامل مع دول ضعيفة دول ذليلة دول خائنة، وإنما لتبرهن للدول الأخرى القوية في العالم أنها قادرة على مواجهتها، لا روسيا ولا الصين ولا الهند فقط بل حتى الدول التي تدعوها بحلفائها فرنسا إنجلترا ألمانيا إلى آخره، أنها قادرة على مواجهتها، أنها قادرة على هزيمتها، أنها قادرة على الأقل على إضعافها: هذه هي أمريكا التي تحل مشاكلها ومشاكل العالم بالحرب لا بالسلم. عندئذ كل ما هو سلمي يُنظر إليه من عين الحرب، من عين القوة، من عين العنف، وبكل الوسائل، ولا علاقة هنا بالأخلاق، لا علاقة هنا بالمثل العليا، لا علاقة هنا بجائزة نوبل، ما يهم، أول وآخر ما يهم، إثبات أني قوي في أعين حلفائي قبل خصومي.

ثالثًا
لهذا كان الثمن الباهظ الذي دفعه العراق!
الثمن الباهظ؟ بالنسبة لأمريكا تفاصيل كل هذا، الطائفية، تقسيم العراق، انعدام الحريات، انعدام القيم الإنسانية، انعدام الإنسانية، قشور الديمقراطية، عذابات الناس اليومية، أن لا يوجد ماء صالح للشرب، أن لا يوجد شارع مضاء في الليل، أن لا يوجد سمك في دجلة، أن لا يوجد دواء لمعالجة الأطفال، أن لا يوجد خبز بعد منتصف النهار، أن لا يوجد بنزين في بلاد البنزين، أن لا يوجد، أن لا يوجد، أن لا يوجد... في السياسة الأمريكية العنف لا شيء هام، الهام أن تبقى أمريكا على قوتها، وبالتالي على وجودها، بفضل هذا العنف، بالعنف، بالاعتداء، بالتدمير، بكل هذا تزيد من قوتها، وتزداد هيبتها: الصراع بين الشيعة والسنة، الصراع بين الكرد والشيعة والسنة، فالكرد يريدون دولة كردية للكرد (نفس الصراع في سوريا مع اختلاف بين أطراف الصراع ونفس الشيء بين فتح وحماس)، الصراع بين الدولة الكردية والدولة العراقية، الصراع بين الدولة السنية (داعش) والدولة الكردية (البرازاني)، الصراع بين الدولة السنية (داعش كذلك) والدولة الشيعية (المنطقة الخضراء)، الصراع بين الدولة العراقية (العراق) والدولة الإيرانية (إيران)، الصراع بين إيران وكل دولة من دول العالم العربي، الصراع بين إيران وكل دول العالم العربي، الصراع بين دول العالم العربي ودول العالم (بالأحرى ريع واستهلاك وكمبرادور وتسلح)، الصراع بين دول العالم العربي ودولة من دول العالم (الدول العربية وإسرائيل نظريًا)، الصراع بين كل دولة من دول العالم العربي ودول العالم (سوريا، السودان، العراق، اليمن، ليبيا...)، الصراع بين كل دولة من دول العالم العربي ودولة من هذا العالم (الكويت والعراق)، الصراع بين دولة من هذا العالم وكل دول العالم العربي (اليمن والتحالف السعودي)، الصراع بين دول العالم ودولة من العالم (التحالف الدولي والعراق أو الصومال أو ليبيا أو أفغانستان أمس والدولة الإسلامية اليوم وليس بالصدفة أن تكون هذه الدولة عربية أو إسلامية)، الصراع بين كل دولة –أيًا كانت- وكل دول العالم، الصراع، الصراع، الصراع... كل هذا يتجاوز حريات الأفراد إلى حريات الدول التي هي في الواقع من دون حرية أمام حرية أمريكا.

رابعًا
هناك تصوري المضاد!
أنا أنفي الحرب بمشروعي السلمي: مجلس التعاون المشرقي. بمعنى أنني أقيم قوانين جديدة بين البلدان العربية من جهة، وبين هذه البلدان وأمريكا (الغرب) من جهة، والتي أوجز فيها كل ما تسعى إليه أمريكا عن طريق العنف: مصالحها أسلحتها عضلاتها اعتباراتها ارتياباتها تخوفاتها إلى آخره، فأتسلل إلى طبيعتها باحثًا عن نقاط الضعف، نقاط الضعف هذه التي هي نقاط قوة في حالة السلم، مؤكدًا ما لهذه البلدان من إمكانيات كامنة فيها ستصل بأمريكا إلى تحقيق نفس الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها في الوضع النقيض، العدواني، العنفي، كما ذكرت سابقًا. وأنا بهذا أصيب مرمى هامًا يتعلق بطبيعتها، وآخر يتعلق بسلوكها. محل الحرب كوسيلة يحل السلم كوسيلة وغاية في آن. العدالات، الحريات، من بين هذه العدالات الحرب العادلة: داعش ليست حربًا عادلة إذن انتهت. من بين هذه الحريات التقسيم الديمقراطي على أساس المسئوليات والواجبات لا الملل والأصول: التقسيم الطائفي ليس تقسيمًا ديمقراطياً إذن انتهى. العدالات والحريات توجب التوزيع الديمقراطي والعادل للثروات: توزيع الثروات المنهوبة يمينًا يسارًا ليس توزيعًا ديمقراطيًا وعادلاً إذن انتهى. وهكذا إلى ما لا نهاية... إنها إجراءات الحق التي هي إجراءات مجلس التعاون المشرقي والإجراءات الأمريكية (الغربية) في آن، هنا تغدو الطبيعة الأمريكية طبيعة الحرية.

خامسًا
النضج في علاقتنا يبدأ من هنا!
علاقاتنا بأمريكا (الغرب) طبعًا، وعلاقاتنا بنا كبلدان عربية، وعلاقة كل بلد بتشكيلاته السياسية والاجتماعية والإثنية والجغرافية. عندئذ لا حاجة للأكراد إلى الانفصال عن العراق، سيرتوى ظمأهم القومي في بناء دولة خاصة بهم تشريعيًا من خلال الحريات الفعلية، وليس على الطريقة الصّدّامية، كالفلسطينيين كما اقترحت أمس تحت راية المملكة الأردنية الهاشمية، خاصة بما أننا سنزيل الحدود بين كل البلدان العربية في إطار مجلس التعاون المشرقي، فما حاجتنا إذن إلى حدود جديدة؟ البنية الحدودية لن تمنعنا من تشكيل مجتمع الدول (بالنسبة إلى الدول العربية كمجتمع واحد)، أو إذا أحببتم البنية الحدودية لن تمنعنا من تشكيل مجتمعات الدولة (بالنسبة إلى المجتمعات العربية كدولة واحدة)، لأننا عندئذ سنرى بعضنا من عين مصالحنا المشتركة كمجلس تعاون مُكَوَّن من مؤسسات وقوانين تجمعنا فيما بيننا من ناحية، وتجمع أمريكا (الغرب) معنا كشريك حضاري على كافة الأصعدة من ناحية. عندئذ الدمار في العراق لن يصبح حلاً، بل بناء العراق، عندئذ النفط، هذه الثروة العراقية المهولة، سيكون من الطبيعي استثماره، ولغايات تخدم وترضي كل العراقيين، غايات التقدم والرخاء وكل أصناف الحريات والقيم الإنسانية التي هم أهل بها.


يتبع الحريات7