الحريات5: الأردن


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 13:49
المحور: الادب والفن     

أولاً
أعظم حرية للجراثيم والميكروبات النادرة في العالم!
أنا لا أجد كلماتي التي تعبر عن لعنة الشعب الأردني في حرياته، شعب ملعون مركول مذموم مغضوب عليه مهجور مرجوم كأنه الطاعون ليذل نفسه بنفسه، بعد أن استطاع جهاز المخابرات خلع ماضيه وحاضره ومستقبله، وجعل منه قطيعًا من البشر الضائع، الباحث عن لا شيء، عن عدم الفهم، عدم الإدراك، عدم السؤال، عدم الانتباه، عدم الالتفات... إلى نفسه، فأين نفسه، وأينه من نفسه؟ لا يجد نفسه، فكيف يجد حريته، والحرية ليست أن تعيش، فالكلاب تعيش، الحرية أن تعيش حرًا! الحرية ليست ماذا تأكل، ولكن كيف تأكل! الحرية ليست ماذا تعمل، ولكن كيف تعمل! الحرية ليست ماذا تشخ، ولكن كيف تشخ! نعم، كيف تبول في هذه المبولة الكبيرة التي صارها الأردن! أنا لن أقول السجن الكبير، فالسجن غدا موضة قديمة، لن أقول النير الوجودي، فالنِير لعبودية غابرة، لن أقول العناء اليومي، فالعناء كالعواء للذئاب، إنه البلد المختبر، أبناؤه، كل أبنائه، تحولوا إلى خنازير الهند (الحيوانات التي تستعمل في المختبرات)، هل رأيتم أجمل من هذا قمع؟ قمع علمي، ومدروس بدقة من طرف الجلادين لا وكمشاهير الأطباء في العالم: أكبر نسبة سرطان في العالم (كل الخضروات والفواكه المعدلة جيناتها تزرع أول ما تزرع في الأردن، وتؤكل أول ما تؤكل في الأردن، فهل رأيتم أطفالاً مصابين بالسرطان في بلد آخر غير الأردن؟)، أكبر نسبة فقر في العالم (يأكل أكثر من نصف السكان وجبة طعام واحدة في اليوم، وفي أغلب الأحيان ساندويش شاورما)، أكبر نسبة جهل في العالم (ليست المعرفة بالشهادات المباعة بالكيلو وبالبرامج التدريسية الملمومة من صناديق القمامة)، أكبر نسبة تلوث في العالم (ابنة أخي سارة ثلاث عشرة سنة ماتت صعقًا بميكروب نادر الوجود في العالم، واحد على مليون يصاب به، في أقل من أربع وعشرين ساعة).

ثانيًا
في كل جريدة من واحد صحفي مخابراتي إلى كلهم!
مختبر العقل أخطر بكثير من مختبر خنازير الهند، فالإعلام الأردني إعلام نموذجي، حر كما يدعي وزير الإعلام، فوزارة الإعلام –التي ألغتها كل الدول الديمقراطية في العالم- هي الوحيدة التي ليست كباقي الوزارات قفة بطاطا: عبد الله الثاني ألغى الراتب الثاني من مكتب المخابرات للصحفي المخابراتي، راتب بكمشة من الدنانير التي لا تكفي لشراء نصف كيلو فستق وقضامة، لإذلال الصحفي المخابراتي، خاصة بعد إجباره على توقيع استلامه لهذا الراتب للعار ثمنًا، وهي لفتة إنسانية عظيمة من جلالته تجاه أساطين حرية التعبير في المملكة. لكن التلفزيون شيء آخر، التلفزيون ملك للأسرة الملكية المالكة لكل شيء للإنسان والوطن والله، فهو منذ اللحظة التي يفتح فيها برامجه ولا يغلقها ليس هناك حديث آخر غير الحديث عن جلالتها وجلالته سموها وسموه، مع تذييل ألماسي "حفظه الله أو حفظها الله!" هكذا يفعل السمكرية بترصيص الزنك، الفرق بينهم وبين المشرفين على التلفزيون الأردني أن الزنك هو مخ الأردنيين!

ثالثًا
الإخوان المسلمون والنظام لعبتهم منفضحة وليست ابنة اليوم!
منذ أيامي في الستينات كان الحزب الوحيد المصرح به في الأردن الحزب الإخواني، وكان الكل يعلم أن ممولة هذا الحزب هي السي آي إيه، لهذا السبب! لكن النظام لم يكن يغمض عن الإخوان عينه، إذا صعدوا ضربهم ليقلل من حجمهم، وإذا هبطوا رفدهم ودعمهم ليصعدوا من جديد وهكذا. وقت المحن التي مر بها الأردن في الستينات، كانت كل الأحزاب –مع أنها ممنوعة- تنزل إلى الشوارع ويعرّض المتظاهرون صدورهم لمدافع الدبابات، بينما الإخوان لا أحد يراهم، يعني يقفون بشكل غير مباشر إلى جانب النظام، وفي الحال بعد أن هدأت الأحوال كنا نراهم ينشطون، نواديهم، مكتباتهم، مساجدهم، تجمعاتهم، ليوحوا إلى الناس بأن الحياة عادت إلى طبيعتها. خلال الربيعات العربية، تمت اللعبة نفسها بإشراف السي آي إيه دومًا، ولكن بشكل معاكس، الإخوان المسلمون هم الذين نزلوا إلى الشوارع، ليوحوا إلى الناس بأنهم أصحاب مطالب والربيع الأردني ربيعهم، وفي ذات الوقت ليبرروا للفوضى الخلاقة –أليسهم الأمريكان أولياء أمرهم؟- فيستفيد الأمريكان من ناحية، ويقول النظام عن نفسه نظام حرية وديمقراطية من ناحية. اليوم، ولم يعد لهم لزوم، ركلهم جهاز المخابرات في المكان الذي عليهم أن يكونوا فيه.

رابعًا
الأردن أكبر قاعدة أمريكية!
أنا لا أتكلم عن قاعدة الرويشدات ولا عن مارينز العقبة، أنا أتكلم عن الأردن من معان إلى السلط ومن البحر الأحمر إلى نهر الأردن، كل الأردن كبلد مفتوح للعم سام، يسرح فيه ويمرح على حساب حرية مواطنيه، ورغم إرادتهم، فخضوع النظام كلي، مقابل حماية الملكية وأفرادها، حماية مباشرة وهائلة، أعظمها حماية أبناء الملك من قبل عناصر من المخابرات الأمريكية، كل ما تقدمه المخابرات الأردنية للملك من خدمات وتضحيات إلا أنه لا يثق بها!

خامسًا
نأتي الآن إلى جد الجد!
أنا أتوجه بحديثي مباشرة إلى جلالة الملك عبد الله الثاني بكل احترام وكل ود، وكل همي خدمة الأردن وحل كافة مسائله التي أهمها مسألة الحريات:
بعد أن قطعت صلتي بياسر عرفات في بداية تسعينات القرن الماضي (كيف ولماذا الرجاء الرجوع إلى كتابي "أربعون يومًا بانتظار الرئيس")، أقمت جسرًا مع الملك حسين، فرحب بي رغم معاداتي التي لم أكن أخفيها لنظامه. كانت فكرتي أن يعيد الملك حسين ارتباطه بالضفة، ويشكل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أردنية برئاستي لإنهاء الاحتلال وتشكيل كونفدرالية (كتبت في هذا مقالاً تحت عنوان "مهمة الملك حسين التاريخية" نشرته مجلة البيادر السياسي الصادرة في القدس آنذاك). تلفن لي جلالته، وطلب مني أن نلتقي في زيارتي المقبلة لعمان. لكن المفاجأة الكبرى جاءت من ياسر عرفات باتفاقه : "غزة وأريحا أولاً"، فعطل كل شيء. للخروج من المأزق الفلسطيني، وبالتالي الأردني، فكرتي بعد عشرين عامًا لم تزل صالحة وكأنها ابنة اليوم: أولاً إعادة الارتباط بالضفة، ثانيًا تحت راية المملكة الأردنية الهاشمية على رأسها الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس (لا مساعد ولا رجل ثانٍ ولا مستشار ولا غيره رجل أول+رجل أول) مع حكومة وحدة وطنية (على أي حال دومًا ما التزم الأردن بتشكيل حكوماته نصف وزرائها أردنيون ونصفهم فلسطينيون)، ثالثًا الاعتراف بفلسطين اعتراف ضمني، كجزء من المملكة الأردنية الهاشمية، رابعًا الاحتلال انتهى وللمستوطنين جنسية مزدوجة إسرائيلية وأردنية، خامسًا للاجئين تعويض أكثر من محترم وحق العمل والسكن في إسرائيل أسوة بالمستوطنين، سادسًا القدس الغربية دومًا ما كانت أردنية، سابعًا غزة سنغافورة المملكة مشروع قديم، إلى آخره إلى آخره، كل المسألة الفلسطينية يمكن حلها بخمس دقائق! وبالطبع، الضامن لكل هذا مجلس التعاون المشرقي.


يتبع الحريات6