الحريات4: مصر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4891 - 2015 / 8 / 9 - 15:41
المحور: الادب والفن     

أولاً
العساكر إلى ثكناتهم!
نحن لن نحاكم واحدًا منهم، ربما تركنا الناس تبصق على وجوههم، خاصة وجه السيسي، وهو يضع نظارته الشمسية، متشبهًا بعبد الناصر، ويا ما أبشعه! لكننا لن نحاكمه، ولن نحاكم زمرته، سنرجوهم بكل احترام العودة –كعساكر- إلى ثكناتهم، هناك مكانهم الطبيعي لا في قصر عابدين وفيلات جاردن سيتي. مغتصبو السلطة هؤلاء دشنوا عصرًا استبداديًا قديمًا جديدًا منذ انتهاء عهد الفراعنة –عهد الحرية الوحيد الذي عرفته مصر طوال تاريخها، على عكس ما تقوله أفلام هوليود، مع الفترة القصيرة التي أعقبت الإطاحة بمبارك- فالحبيبة مصر لم تذق طعم الحرية، ولم ترتو من ماء النيل، ولم تحلم كسائر البشر، لكنها ذاقت الأمرين من حكم العسكر، والسيسي وزمرته سيكونون آخرهم، وذلك للأسباب التالية: الشرط الأمريكي في عزل مصر عن محيطها العربي لحماية الجناح الشمالي لإسرائيل، مع ديناميكية مجلس التعاون المشرقي، لن يعود له أي مبرر. الشرط الإسرائيلي في عسكرة مصر لتظفر بحدود هادئة مع الجار الأكبر كما هي مع الجارين الأصغرين الأردني واللبناني، مع تنافسية مجلس التعاون المشرقي، لن يعود له أي مبرر. الشرط العربي في إسقاط الدور القومي-القومجي لمصر، مع تناغمية وتساوقية وتوافقية مجلس التعاون المشرقي، لن يعود له أي مبرر.

ثانيًا
مرسي رئيس شرعي كيف؟
لم أكن يومًا مع الإخوان المسلمين، لكني مع الشرعية سواء أكانت إخوان مسلمين أم إخوان شياطين. لم أكن يومًا مع حكم إسلامي، لكني مع التعاقبية سواء أكانت حكمًا إسلاميًا أم حكمًا شيوعيًا. أنا شخصيًا ضد الحكمين! لم أكن يومًا مع دستورية حسب العرض والطلب، لكني ضد كل دستورية مفبركة حسب شبق حزبي تحزبي عهري، كما أراد نواب الإخوان المسلمين، وكل دستورية عسكرتارية ضع فيها كل ما تشاء من أحلام الحرية والمساواة والعدالة، وأنا –يا سيسي- أفعل كل ما أشاء من كوابيسي، أولها ليس تكميم الصحافة وتكميم المعارضة وآخرها ليس إطلاق سراح المجرم محمد حسني مبارك، ومن قبله إطلاق سراح ابنيه المجرمين محمد جمال محمد حسني مبارك وعديم الذكر أخيه محمد بن محمد بن محمد، ومن قبل قبلهما أمهما المجرمة محمدة سوزان مبارك –يا للهول!- مرسي سيقضي باقي حكمه دون حساب لمدة اعتقاله، وسيكون هو رئيسًا لمصر في وسط مجلس التعاون المشرقي، لكن، دومًا هناك لكن، تحت شروط ثلاثة: أولاً تعليق الدين في خزانة من خزانات مسجد سيدي الحسين، وتعال نشتغل سياسة. ثانيًا الحكم ليس كرئيس حزب بل كرئيس لكل المصريين على كافة أهوائهم وانتماءاتهم، وخلينا من يا أهلي ويا عشيرتي، وخلينا من أيها الإخوة المواطنون، أيتها المصريات نعم، وأيها المصريون نعم. ثالثًا هناك ألف قانوني مصري أحسن مني، لكني مستعد بمساعدتهم لكتابة دستور مدني يستوحي بنوده من دستور الجمهورية الخامسة المعمول به في فرنسا، والذي وضع حدًا لكافة أزماتها، وهو كضامن بقوة الحديد لكل الحريات.

ثالثًا
كل الحريات بما فيها حرية الإنجاب؟
الديموغرافيا في مصر مشكلة المشاكل إذا استمر الإحصاء البشري في الارتفاع، في الصين مثلاً وضع حد للنسل سيؤدي إلى يد عاملة شيخة خلال عدة عقود، مما سيضطرها، كما فعلت فرنسا في السبعينات من القرن الماضي عند استقدامها للمغاربة، إلى البحث عن الأيدي العاملة من كل مكان حتى من أمريكا، وقد انقلبت الآية مع تبوئها عرش الدولة الأعظم، لكن مصر لن تعرف هذه الظاهرة عند تحديدها للنسل اليوم، وذلك لمدخرها الديموغرافي الشبابي الهائل، وعلى الأقل خلال الخمسين السنة القادمة، بعد ذلك سنرى. طبعًا هناك شرط أساسي، التوعية منه وفيه، إنه توفير العمل للمرأة قبل الرجل، وهو لن يكون لكل الناس، حتى بالاستثمارات، والحال الديموغرافي الكارثي، بينما المخرج السريع فتح الحدود بين كافة بلدان العالم العربي، حسب خطة استيعاب لليد العاملة العربية يقرها مجلس التعاون المشرقي، وعلى أي حال، إن لم يكن الحل هو هذا المجلس، الحل المنظم العقلاني، فستضطر الأوضاع الديموغرافية الكارثية، عاجلاً أم آجلاً، جموع المصريين وجحافلهم للزحف –كما يجري اليوم في آسيا- مخترقة الحدود بما فيها الحدود الإسرائيلية، دون أي رابط سياسي. ها أنا، يا إسرائيل، أحذرك! انت مش أحسن من غيرك! لهذا أن تداوم أمريكا على تجاهل أوضاع مصر والعالم العربي، وتبقى إستراتيجيتها الترقيع السياسي، أمريكا هي الخاسرة، وأن تداوم إسرائيل على تفاقم هذه الأوضاع، وعمل كل ما بوسعها للإبقاء على تخلف مصر والعالم العربي، إسرائيل ستدفع الثمن غاليًا.

رابعًا
ما يهم اليوم ما يحدث اليوم!
منذ انقلاب الفاشية العسكرية 2013، أينها ملايين ساحة التحرير؟ أينها صرخات الأمل؟ أينها ورشات العمل؟ أينها الوجوه الجميلة للشباب، للشابات، للورد؟ أينها الأماني؟ السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، وال... وال... وال...؟ العهر العسكري كلي: كم الأفواه، تكميم الإعلام، زج كل من يأتي برأي مخالف في السجن، مخالف أو غير مخالف، عشرات آلاف المعتقلين، وكل ذلك تحت شعار دميم: مصر تحارب الإرهاب! والإرهاب هم المفبركينه، كل الطرق الخسيسة لنظام مبارك ها هنا: البلطجية عادوا يسرحون ويمرحون، الاعتداءات المنظمة ضد الكنائس تارة وضد الجوامع تارة، الاتهامات المجانية، وبالأطنان، ويا ما أسهلها، المحاكمات التهريجية، تلفيقات وأحكام تتم في مكتب ملمع حذاء السيسي، الملوخية بالأرانب يقولون، بأمعاء شبان تظاهروا في الصعيد، وهذا قبطي، وهذا مسلم، ومحمد، والمسيح، والسيسي سيد الجميع، وتحيا مصر! ما هذه البهدلة؟ ما هذه الهرجلة؟ هل هذه مصر ثورة 21 يناير؟ هذه مصر العساكر، يعني لا مصر! والأنكى هو أن يبرر الغرب الرسمي لكل هذا أو يصمت دون حشمة.

خامسًا
المخجل هم المثقفون المصريون الذين أيدوه!
المثقفون الذين أيدوا انقلاب العساكر هم العار، ليس عار مصر، ولا عار الثقافة، العار، فقط العار، ويا لجسامة هذه الكلمة التي لا توجد كلمة أخرى غيرها تليق بهم: العار! ويقولون الشعب اللي صحح، والشعب اللي ثار، والشعب اللي تحرر! أين أعينكم، أيها العميان؟ أين شرفكم الكتابي؟ أين طه حسين ومحمد عبده ونجيب محفوظ الذين تدعون الانتماء إليهم؟ أين بهية أمكم التي أرضعتكم؟ أين النيل أبوكم الذي لفظكم كالتماسيح؟ الإخوان المسلمون كانوا كارثة لمصر، لكنكم أبدلتم كارثة بأخرى أعظم؟ أريد أن أعرف ما هي مكاسبكم الشخصية؟ حتى مكاسب شخصية لا توجد! إنهم مرتزقة الكلمة الطوعيون، أو لأنهم كقضيبيين الإناث منهم قبل الذكور، وجدوا في السيسي ما يرضي عقدتهم، وها هم صاموا كل عمرهم الكتابي، وأفطروا على بصلة! لأن الإخوان المسلمين لا يمكن تحييدهم بانقلاب، لأن الدين لا يمكن تحييده مع العسكر، والأزهر بعفن شيوخه مرجعهم، لأن التنوير حرية العقل هذا صحيح، ينفي الدين السياسي، لكنه لا يلغي الدين، الدين في شروط صحية لا عسكرتارية يجد حلوله بنفسه، لا يحل أبدًا نفسه، وإنما يغدو إنسانيًا.


يتبع الحريات5