الحريات2: قطر


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4889 - 2015 / 8 / 7 - 19:23
المحور: الادب والفن     

أولاً
قطر وما أدراك ما قطر!
مسألة الحرية في قطر من التعقيد بحيث أني على يقين من أنها تفوق الخيال، لكني ككاتب لعشرات الروايات سأحاول تقديم بعض الاقتراحات لإرضاء كل الأطراف، ولأقيم جسرًا بيني وبين الشيخ تميم، أمير قطر الجديد، دون ذلك لن يكون هناك تغيير، وعلى أي حال، التنديد لن يجدي نفعًا، ولا التشهير، ولا حمل السلم بالعرض، ولا التهزيء، كما دأبت عليه مئات آلاف الأقلام، ولا التهديد، وخاصة ولا التعيير، أنت، صفتك، نعتك، أبوك، أمك... فقطر حفروا لها حفرة أوقعوها فيها، القاعدة الأمريكية من ناحية، وكل الباقي الجزيرة الكنيسة إسرائيل الألعاب الأولمبية المعارضة السورية داعش الإخوان حماس... من ناحية. القاعدة الأمريكية يمكن إزالتها بعد حل كلي يشمل كافة بلدان المنطقة، كما اقترحت من خلال مجلس التعاون الخليجي، بعد توسيعه، ليشمل باقي الدول العربية، وتسميته حينذاك بمجلس التعاون المشرقي، ضمانات هذا المجلس العسكرية لبلدانه، ستضطر الأمريكيين إلى تصفية قاعدتهم. وعن الإعلام، وأعني هنا الجزيرة، ودومًا من خلال إعلام موحد لمجلس التعاون المشرقي، سنتخلص من كل فهلوته التطبيلية –على طريقة الجزيرة- فندخل عالم الإعلام الذي هو محايد بالفعل –على الأقل أكثر ما يكون- وديمقراطي بالفعل –على الأقل أكثر ما يكون. عندئذ مع دمقرطة الإعلام ستتم مشاركة الرأي العام في كل المسائل التي تهمه، والتي من بينها مسألة بناء الكنيسة، عن طريق الإقناع لا الإملاء، والمساواة بين المساجد أولاً فيما بينها، وبعد ذلك بين المساجد وباقي المعابد، بما أنها كلها لإله واحد.

ثانيًا
قاعدة أمريكية إذن سياسة أمريكية!
الأمر أجلى من الشمس، هناك سياسة قطرية لأمريكا تُلزم قطر بفعل كل ما تمليه عليها واشنطن، هذا من البديهيات بوجود القاعدة العسكرية الأمريكية، في السعودية الشيء نفسه، هناك سياسة سعودية لأمريكا تُلزم السعودية بفعل كل ما تمليه عليها واشنطن، وبخصوص تونس كذلك، فالقليل من يعلم أن أمريكا غداة ثورة الياسمين بنت في الجنوب التونسي قاعدة أمريكية أكبر بكثير مما هي عليه في قطر أو في السعودية، القاعدة التي رفضها لهم بن علي (!) يعني بموافقة "القادة" الذين جاءت بهم الثورة، ويا للعار! إذن سياسة قطر باتجاه إسرائيل، باتجاه المعارضة السورية، باتجاه داعش، باتجاه الإخوان، باتجاه حماس إلى آخره، مع صعود هذه السياسة وهبوطها وكل تقلباتها، جزء من الإستراتيجية الجيوسياسية والجيوعسكرية لأمريكا في المنطقة، الباقي ماكياج: الألعاب الأولمبية، الفنادق، ناطحات السحاب، السياح، البارات، السيارات... قشور للحضارة لا تخدع أحدًا.

ثالثًا
قمع الحريات شيء غير مقبول إطلاقًا!
لا توجد حرية رأي في قطر ولا حرية تعبير، سجناء هاتين الحريتين بعشرات الآلاف، والذين في مقدمتهم محمد ابن الذيب، شاعر الياسمين! بينما في جو ديمقراطي صحي، نقد السلطة تدعيم لركائزها، في الغرب كل ثقل النظام يقوم على هاتين الحريتين، إنهما رئتاه، وفي قطر لأن النظام ضعيف، يلقي بأصحاب الرأي المخالف في المعتقلات، وليس هذا فقط، يمارس الابتزاز بحرمان أفراد هذه العشيرة أو تلك من جنسيتهم، وإعطائها لغيرهم تحت أسماء عشائر أخرى لا يمتون إليها بصلة من عراقيين وسوريين وزحليين. هذا أيضًا برهان ساطع على ضعف النظام، بينما قوته تأتي في لف جميع مواطنيه من حوله، وذلك بتوزيع الثروات على الجميع توزيعًا عادلاً، وإجراء انتخابات نزيهة، تتجاوز هذه العائلة أو تلك، وتعمل على تأكيد المساواة بين القطري والقطرية بالفعل.

رابعًا
سياسة رثة مُقَرَّرة من فوق تعطي اقتصاد رث مُقَرَّر كذلك من فوق!
والعكس بالعكس. في الحالة القطرية كل شيء زئبقي، كل شيء استهلاكي، كمبرادوري، تقايضي، كم برميل غاز سائل تريد مقابل ساعة كارتييه؟ فبالله عليكم، كل هذه المليارات التي يقال إن قطر تستثمرها في الخارج أليسها الصك المفتوح لحكم الإعدام عليها، المؤجل، لكن الحتمي، لأن كل دولة حديثة، تكون استثماراتها، الصناعية خاصة، داخلها، واستثمارات الدول المتطورة –أهم الأهم- فيها، فقطر مع كل المليارات التي تُنفق في الخارج لا فائدة تجنى منها، الفائدة كل الفائدة أن يتم التأسيس لصناعة تكنولوجية ونانوتكنولوجية، فالصناعة الثقيلة في صدد الانتهاء، وصناعات المستقبل هي تكنولوجية. ماذا يهم القطري استثمار المليارات في أمريكا وفي أوروبا وفي فرقاء كرة القدم –فرقاء كرة القدم هدية فالصو ماكياج كما سبق وقلت- زيادة فلوس على فلوس، يلعن أبو الفلوس، عندنا من الفلوس ما يكفي لتبليط البحر (لاحظ أن الفقر والإدقاع على أشدهما في قطر)، فيكون قمع القطريين بأموالهم، بينما مع اقتصاد حر مستقل وديناميكي، تبادلاته ليست تجارية فقط، بل علمية وتقنية، اقتصاد حر كهذا يوجب الحرية الفردية، لا الدولاتية (من دولة، الواقع أن الدولة هي الوزراء والوزراء يتقاسمون الدولة كمؤسسات ومشاريع ما بينهم)، فيبعد الاقتصاد الحر كل البؤس الاجتماعي التاجم عن احتكار الوزراء، احتكار الدولة.

خامسًا
هل سمعت بدولة حداثية تمارس الجَلد؟
نعم، قطر، وتقتل بلا إنسانية عمالها الذين يبنون ملاعبها الأولمبية، رمز الإنسانية، تحت درجة حرارة تصل أحيانًا إلى خمسين ستين سبعين درجة فوق الصفر بلا أية وقاية، ورواتب تقترب مما لا يكفي قوت الكلاب. هذه هي عظمة الحداثة القطرية، وعليها تستحق ميدالية ذهبية! وإن كان هذا هو القمع الحداثي للأجانب من العمال، فالقمع الحدائي للقطريين من نوع آخر، مخابراتي، كل قطري "مفشش" (من فيش بطاقة)، فكل قطري إرهابي محتمل، وكل القطريين في حاسوبات القاعدة الأمريكية، يعني الحريات كل الحريات في قطر منعدمة. الدعارة ممنوعة في قطر، ولكن. المخدرات ممنوعة في قطر، ولكن. الكحول غير ممنوع في قطر، ولكن. التصوير ممنوع في قطر، ولكن. المثلية ممنوعة في قطر، ولكن. الجنسية ممنوعة في قطر، ولكن. الإعدام غير ممنوع في قطر، ولكن. وحب قطر؟ كلنا نحب قطر، ولكن، ولكن، ولكن...


يتبع الحريات3