التنوير7 وأخير: آفاق


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4885 - 2015 / 8 / 2 - 21:12
المحور: الادب والفن     

أمريكا
إستراتيجية أمريكا الأمنية في شرقنا الكل يعرف ما وراءها: النفط وإسرائيل. لوضع يدها على النفط وضعت يدها على الأنظمة، ولحماية إسرائيل مارست سياسة فرّق تسد بالسلم ليس ببعيد وبالحرب منذ احتلالها للعراق حتى تعميمها في معظم بلدان المنطقة كما نشهد اليوم. إذن في السلم كالحرب كان منطق القوة هو الذي يغلب على منطق الحوار، لأنها باتجاه الأنظمة العربية لا تفعل سوى إملاء إرادتها عليها، وباتجاه لعبتها الجيوسياسية الجيوعسكرية يكفي أن تُصَدر العنف بعد أن عَدَلت عن ممارسته بجيوشها وأعتدتها عن طريق تنظيمات مستعدة لكل شيء، أحيانًا مقابل لا شيء، مثل داعش وغير داعش. لكن البيت الأبيض ومخططيه الإستراتيجيين ينسون أمرين بنيويين هامين: الأمر الأول القوة الديموغرافية للبلدان العربية، التي ستفلت إن عاجلاً أم آجلاً من قبضتهم، وهي على الرغم من تفتتها اليوم، علماء الاجتماع يرون في هذه القوة الديموغرافية عقبة كأداء في المستقبل أمام كل انتهاك لمشاعرها وأحاسيسها، وبالتالي للأوضاع التي تُفرض عليها فرضًا كما تفعل اليوم الولايات المتحدة. الأمر الثاني العالم في تطوره الاقتصادي لن يكون في صالح أمريكا مهما حاولت استيعابه أو التحايل عليه عن طريق هيمنتها الجغرافية على أكبر قدر ممكن من بقاع العالم أولها نحن، لأنها مع أفق 2050 ثقلها الاقتصادي العالمي الذي كان في 2010 يعادل 25 بالمائة، في 2050 سيعادل 9 بالمائة، مقابل الصين 33 بالمائة (حسب معهد سيبيي CEPII)، وإن كان الثقل الاقتصادي لمجموع دول العالم الثالث بما فيها نحن بمعدل 25 بالمائة عند العام 2050، فعلى أمريكا منذ الآن تبديل كل إستراتيجيتها، للتعامل مع هذه البلدان بما فيها نحن معاملة الشريك بالفعل، الحليف. نعم، التشارك والتحالف إن لم يكن الدمج والتوحيد الاقتصاديين. وبالطبع، لن يكون هذا لا بالعنف ولا بالإملاء كما دأبت على فعله، بل بالإصلاح لأجل تأسيس بنى جديدة لأنظمتنا تكون الديمقراطية عماد كل سياسة اقتصادية. الشيء ذاته بخصوص أوروبا 12 بالمائة مع أفق 2050، وإلا أمام الصين 33 بالمائة والهند 8 بالمائة بمجموع 41 بالمائة يعني راحت عليهم، وستروح عليهم أكثر إذا ما تركوا أمورنا على ما هي عليه، فنرتمي في أحضان الصين أو الهند بدلاً من أحضانهم، والعياذ بالله من أحضان الهند والصين، فلا مع هؤلاء نحن كاسبون (الهنود والصينيون)، ولا مع أولئك (الأمريكيون والأوروبيون)، لأن ما يهم الصين والهند أن ترثنا الواحدة والأخرى كتركة اقتصادية، بمعنى تحويلنا من استعمار أشقر إلى استعمار أصفر أو أسمر.

البلدان العربية
تظن الأنظمة العربية أنها ستبقى إلى الأبد طالما بقيت أمريكا تقف في ظهرها، لكني كما أوضحت، أمريكا –يالله يالله- تقف هي في ظهرها، ليس مع أفق 2050، مع الأفق القريب، يكفي أن تضربها هذه المرة أزمة من الأزمات، والأزمات في النظام الرأسمالي كل يوم متوقعة، لأن ما يجري لتفاديها ترقيع لا أكثر. إذن أزمات النظام الرأسمالي بنيوية، وهي من هذه الناحية كذلك ستجرف الأنظمة العربية في لُجَّتِهَا. لهذا إن لم تنقذ هذه الأنظمة نفسها منذ الآن، لن ينقذها أحد. هناك بنية جاهزة: مجلس التعاون الخليجي، إذن لماذا نتعب في تأسيس بنية جديدة ولدينا هذا الهيكل؟ من اللازم تطوير هذا المجلس من ناحيتين: الناحية الأولى ناحية البرنامج، فلا يقتصر على التبادلات التجارية وتحركات الأفراد، عليه أن يشمل الحريات الفردية والحريات الجماعية التي منها الثقافة المتماشية مع العصر لا تحفيظ الأطفال القرآن كما تريد أن تفعل السعودية بشكل عشوائي، فتلغي الشخصية في مهدها بينما هي تظن العكس، وتُدَنِّي من روحانيات الإسلام. والأنكى هو أن تُقطع يد السارق، والسارق اقطع له اليدين والقدمين، اقطع له راسه، سيظل يسرق! أما فتاوى الجلد، ففي أي عصر نعيش! أية إنسانية هي إنسانيتنا؟ الحيوانية أرحم! في الغرب ألغوا حكم الإعدام، يعني الأفظع، ونحن كساديين يتلذذ الإنسان في جَلد أخيه الإنسان! الناحية الثانية ناحية الأعضاء، على طريقة الاتحاد الأوروبي كل بلد عربي يدخل في مجلس التعاون الخليجي، ليكون التكافل الاقتصادي، لكن دون التكافل الاجتماعي على أساس ديمقراطي بلاش –شو بدنا بهالشغلِه؟- لا أساس حربجي داخل بلدانها وخارجها، أساس داعشي وطني تارة، وداعشي قومي تارة، والمليارات تنفق لشراء الأسلحة، ومن هو المستفيد؟ العراب الأمريكي، فيتجاوز بفلوسنا أزماته! هكذا تستطيع الدول العربية أن تقول عن نفسها دولاً لا شُرَّابات خُرج! خاصة لعرابها الأمريكي، وعند ذاك بدلاً من أن يضغط عليها تضغط عليه. هل تعرفون، يا أعضاء مجلس التعاون الخليجي، أي البلدان من العالم الثالث سوف تكون في مقدمة بلدان هذا العالم تطورًا ورخاء وعدالة اجتماعية؟ بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، ستكون هذه البلدان الأكثر ديناميكية، وسيكون معدل نموها الاقتصادي 5 بالمائة سنويًا حتى حدود 2050، لماذا هي فهمت ما يجب عليها فعله؟ رغم الضغوطات الفرنسية عليها، ورغم كل الضغوطات، اليوم هي التي تضغط.


باريس الأحد 2015.08,02