قحطانيات1: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4867 - 2015 / 7 / 15 - 10:25
المحور: الادب والفن     

أولاً
لم أقرأ حتى اليوم دراسة عن الدين تكون فيها البنيوية منهجًا، وبالتالي لم أجد ما هو جديد في الطرح نظريًا وفي الاستنتاج علميًا، الجديد في النظرة نعم، كما نرى عند عبد الله مطلق القحطاني، وفي التأمل، بينما يكون الجديد فيما نطبقه من أفكار، وفيما نستخدمه من طرق، والبنيوية كنظرية وكمنهج مليئة بالأفكار الجديدة والطرق الجديدة، ربما غدت قديمة في الغرب بعد أن نهل الغرب منها في دراساته الأنتروبولوجية والإثنولوجية وباقي العلوم الإنسانية ما نهل، لكنها تبقى جديدة بالنسبة لنا، وعلى أي حال الطرق والأفكار الأصيلة لا تشيخ، تتكيف مع مادتها في التطبيق، وبقدر ما تَنْفَح المادة بالجديد بقدر ما تستمد قوتها منها.

ثانيًا
تتركز المقالات عن الدين -أقول مقالات فلا دراسات بالفعل هناك- على ملاحظات عامة حقًا لكنها قلما تكون ذكية، كما هو الحال عند عبد الله مطلق القحطاني، وهي لا ترقى إلى حد تشكيل تيار نظري، لأنها هي نفسها تبحث عن نظرية، تبحث عن منهج، فتقع في شَرَك الوصفية، بكلمات أخرى الوصف لا التحليل، الحكم لا المعايير، وغالبًا التشبيه لا التوضيح، وكلنا يعلم أن التشبيه ليس بحجة. مما يجعلنا نبقى ندور في فلك إعادة بناء للدين من حجره القديم، وفي ظننا أننا نرمي إلى تحديثه، وفي الحالات القصوى إلى نفيه، نفي دين على حساب دين آخر، أو نفي كل الأديان، وهذا ما أدعوه بسلبية القرابة، عندما يتعلق الأمر بالديانات التوحيدية الثلاثة، التي لا تهمني في هذا المقام، بل ما يهمني المقاربة النقدية لها التي لم تتطور اعتمادًا منها على البنيوية كمنهج وكنظرية، وإنما على انطباعات ذاتية أو تاريخية.

ثالثًا
لن أنزع عن المقاربات الدينية التي لم تعتمد البنيوية كنظرية وكمنهج أهميتها، خاصة الذكية منها كما تعودنا عليه لدى عبد الله مطلق القحطاني، فهذه المقاربات مقدمة لا بد منها لهذا التيار النقدي تحت الشروط الموضوعية التي تمليها الحداثة: تاريخية فيما يخص المنقود بالنسبة لزمنه (قرآن، إنجيل، توراة...) وعلمية فيما يخص الناقد كذلك بالنسبة لزمنه (تقليدي، تجديدي، بنيوي...). واعتمادي البنيوية للمقاربة –انتبه- للنصوص التي قاربت الدين لا للدين، فالمقاربة للدين مغامرة كبرى لن أخوضها اليوم في حديثي عن كتابات عبد الله مطلق القحطاني، اعتمادي إذن البنيوية لمقاربة النصوص التي قاربت الدين سيركز على الكيفية التي تمت فيها رؤية الأشياء، لأنير الطريق، بفضل البنيوية كمنهج وكنظرية، لما ينبغي عليه أن تكون هذه الكيفية، أقول "ينبغي" كمفردة شرطية غير ملزِمة فيها نظر، أي أنني أقترح طريقة أخرى لرؤية الأشياء، ولا أقوم بقطيعة، لهذا نوهت بكتابات عبد الله مطلق القحطاني كمقدمة ضرورية لنفهم عبر الأفكار البنيوية موضع الدين في مجتمعاتنا، ووضع هذه المجتمعات في الدين، وبالتالي الدين كما نحياه، تأثيره على حياتنا، وتأثير حياتنا عليه، بلا أية عدوانية في الاعتقاد مسبقة، أو أية تعصبية في الاعتقاد كذلك مسبقة. ما يهمنا هو الأسئلة الجديدة التي تطرحها علينا البنيوية، من خارج الصهيل والعواء اليوميين اللذين يثقبان طبلة أذننا عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

رابعًا
مع الأسف البنيوية كمنهج وكنظرية لا توجد لا من قريب ولا من بعيد في أعمال عبد الله مطلق القحطاني، علمًا بأنها كنظام دلالي ورمزي تتوافق مع الدين كنظام دلالي ورمزي، وبالتالي ينهل كلاهما من نظام أعم وأشمل، الأنتروبولوجيا (الإناسة أو علم الإنسان علم يبحث في أصل الجنس البشري وتطوره وأعرافه وعاداته ومعتقداته)، بمعنى أن البنيوية لا تتنافى مع الشريعة اختصاصه، وهو لم يفعل سوى ملامسة هذه الدلالات وهذه الرموز، فأعاد تحديدها في مكانها وزمانها، لكنه لم يحددها في مكاننا وزماننا، أي بشكل جديد لمعانيها، فبقي سجينًا للثقافة التقليدية، رغم سعيه الحثيث للنجاة منها: إنه مع التنوير وضد الإقصاء، ولهذان الموقفان شرف المعارض لهذه الثقافة، لكنه لا يلبث أن يعارض بين مسيحية وإسلام، فيقصي ما يقصي نفسه بنفسه من شتى الأديان تحت شروط محددة، ويساهم في التعتيم (عكس تنوير)، بكلمات أخرى في حجب النور، لينتقل من سجين للثقافة التقليدية إلى سجين للثقافة السائدة (الثقافة كإيديولوجيا أخطبوطية سلطوية قمعية).

خامسًا
سأحاول في الحلقتين القادمتين عند تحليلي البنيوي لنصين من نصوصه إثبات الفرضية السابقة، والتي أوجزها في ثنائية التعتيم/التنوير، دون ذلك يبقى ما قلته في إطار التخمين، لهذا أفترض حتى هذه اللحظة ولا أؤكد ما أقول، وسيكون إثباتي اعتمادًا مني على دلالات الألفاظ (اللغة) ومدلولاتها (المعاني) كعناصر للتحليل البنيوي، والعلاقات ما بينها، فأصل إلى ما يقترحه النص القحطاني من تصور للدين وللفرد وللمجتمع.


يتبع قحطانيات2: عبد الله مطلق القحطاني