عساكر الفصل السادس عشر والأخير


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 12:35
المحور: الادب والفن     

أشارت الساعة الخارجية للبيت الأبيض، التي كانت دومًا واقفة، إلى منتصف الليل، وفي الداخل كان يدور حفل استقبال كبير يشبه حفل الاستقبال الذي أقيم قبل الحرب على العراق، المدعوون كلهم عساكر، أو على كل حال يرتدون اللباس العسكري، كلهم ما عدا الرئيس ونظيره الكوري الجنوبي وزوجتيهما. فقعت فلينات الشمبانيا، جاد بلس أميريكا، دقت الأقداح الأقداح، نخب انتصار أمريكا، تحطمت الأقداح، تجمدت الابتسامات، تعالت الموسيقى، وكان الرقص الميكانيكي.
أخذوا كلهم يرقصون، متحاشين حطام الزجاج، كيفما اتفق، والقيام بحركات ميكانيكية. كانت لهم هيئات الروبوت العازم على رقص التانجو حسب السْلُو، بينما جنديان كهلان أو ثلاثة نصف نيام يلتقطون بمجرفاتهم ومكانسهم شظايا الزجاج، وهم يندسون بين الراقصين، ويتثاءبون ملقين مِلَحَهُم:
- هذا أبوك الذي يحرك إليتيه بكثير من النعومة، جيمي؟
- لا، هذا أخوك، روبي.
- أخي، جيمي؟
- من تريد أن يكون، روبي؟ جون ترافولتا؟
- إن لم يكن جون ترافولتا، فهو حسبك أخي، جيمي؟
- ليس جون ترافولتا، وليس أخاك، إنه جون إليتيّ، فلا تزعل، روبي.
- هل أنت متأكد أنه جون إليتيك، جيمي؟
- أنا متأكد، روبي.
- لكن كأخي، لم تعد لك إليتان، جيمي.
اقترب ثالث، وهو يرقص مع مكنسته، على نحو محزن.
- هو، لم تعد له إليتان، ومع ذلك...
- لم يجد سوى مكنسة المراحيض كمراقصة.
قلده بابتسامة مجمدة وحركات ميكانيكية، بينما ناح الثالث:
- لم أعد أحتمل! هذا مرهِق لسنواتي العشرين!
- هذا لأن ليست لك إليتا جون ترافولتا، سامّي!
- نعم، انتهت الحرب لنا، روبي.
- انتهينا بلا حرب، سامّي. آه! انتهينا، أليس كذلك، جيمي؟
- يُبرع الآخرون في الرقص كما سيبرعون في الحرب، التي على الأبواب، روبي.
- لماذا، هم يتدربون في البيت الأبيض، جيمي؟
- لن تكون أكثر من رقصة هذه الحرب المعلنة في شبه جزيرة العرب. أن تعرف كيف تحرك إليتيك، قال جيمي مقلدًا، فتكسبها، هذه الحرب المعلنة في شبه جزيرة العرب.
- في شبه جزيرة كوريا، جيمي، صحح سامّي.
- في ماذا؟
- في كوريا الشمالية، جيمي.
- نعم، في... قلتَ أين، سامّي؟
- قال لك في كوريا الشمالية، تدخل روبي. هناك حيث يرقصون مع الزِّبْلين بلا حاجة إلى إليتين كإليتي جون ترافولتا، جيمي. في كوريا الشمالية.
- في شبه جزيرة العرب.
لم يتوقف رئيس كوريا الجنوبية عن الهمس في أذن زوجته بالكورية، وهو يشير إلى الثريات الكريستال تارة وإلى لوحات رؤساء الولايات المتحدة تارة، وهذه تومئ رأسها، وتقول "هاه... هاه..."، موافقة. احتار الزوجان الرئاسيان، إلى أن تجرأ بولوش، وسأل:
- هل أعجبتكما الثريات؟
- أعجبتنا، قال الزوجان الكوريان، وهما ينحنيان احترامًا.
- واللوحات؟ سألت مسز بريزيدنت.
- أعجبتنا، أجاب الزوجان الكوريان، وهما ينحنيان احترامًا.
ثم عاد الرئيس الكوري الجنوبي يهمس في أذن زوجته بالكورية، وهذه تقول "هاه... هاه..."، فتجرأ بولوش من جديد:
- ولماذا؟
- هذا لكيم-كيم، أجاب الرئيس الكوري الجنوبي، وهو يومئ رأسه مؤكدًا.
- بالأحرى لزوجة كيم-كيم، قالت زوجة الرئيس الكوري، وهي تومئ رأسها مؤكدةً.
- أنا لا أفهم، تحيرت زوجة الرئيس الأمريكي.
- الحقيقة أنها أوصتني على هدية من الولايات المتحدة الأمريكية.
- هدية، وأنتم في حرب قريبة معهم؟ استغرب الرئيس.
- بيني وبين مسز كيم-كيم لن تكون حرب هناك حتى ولو كانت حرب هناك، أوضحت الرئيسة الكورية الجنوبية.
- آه! فهمت، قال الرئيس بغباوة.
- ماذا فهمتَ؟ طلبت الرئيسة بحدة.
- الحقيقة لا شيء!
- إذن، اخرس، ودعني أفهم منها!
- السيدة كيم-كيم والسيد كيم-كيم، كشف رئيس كوريا الجنوبية، أوصيانا بلوحة وبثريا نجلبهما لهما معنا قبل أن يرسلا بقنبلة نووية إلى البيت الأبيض، ونحن حائران بين لوحة جورج واشنطن وأبراهام لنكولن.
- ماذا؟ صاح الرئيس، هذا الدكتاتور، هذا الصد-صد...
- هذا الكيم-كيم.
- هذا الكيم-كيم، أرجو المعذرة، لسوف يرى!
- لكني اقترحت على زوجي...
- اقترحي، اقترحي، تهكمت الرئيسة، يبدو أننا لنحمي البيت الأبيض من قنابل كيم-كيم النووية سنبيع ثرياتنا في التشاينا تاون، وبثمنها سنشتري أقنعة واقية، ودومًا من كيم-كيم!
- هذا بالضبط ما اقترحته، مسز بريزيدنت، لماذا التشاينا تاون، سنشتريها نحن، فسحنات رؤسائكم لا تعجب أحدًا، تُذَكر بالمجازر التي ارتكبت ضد الهنود الحمر، ونحن في أصلنا هنود حمر كوريون.
- هنود حمر كوريون!
- أو صينيون.
- هنود حمر صينيون!
- أو صفر.
- أُفَضِّلُ هذا.
- على كل حال أيًا كان أصلنا، أنا أفضل الثريات على اللوحات.
- ولكن... ولكن... ردد الرئيس مهمهمًا، هذه الثريات... هذه الثريات...
- ماذا، مستر بريزيدنت؟ احتار الرئيس الكوري الجنوبي.
- هذه الثريات من عندكم.
- من عندنا!
- كالسيارات، كالثلاجات، كالتلفونات، كالسخانات، كالألبسة العسكرية، كالشحاطات، كأوراق التواليت، كمحاقن المخدرات، كدجاج المزارع، ك... ك... ك... كلها من عندكم، نشتريها بنصف الثمن الذي نبيعها فيه، ونحن لهذا نريد شن الحرب على كوريا الجنوبية.
- كوريا الجنوبية بلدنا!
- أقصد كوريا الشمالية، في مادة البيع والشراء الأمر سيان.
- هاه!!! أطلق الزوجان الكوريان نفسًا مرتاحًا.
رقص المدعوون على إيقاع واحد، وكرروا كلهم نفس الحركات الميكانيكية. مالوا يمينًا، وفي الحال يسارًا، أو يسارًا، وفي الحال يمينًا. ابتساماتهم مجمدة. جاءت الناطقة الرسمية السوداء الرئيس، مس رز، في اللباس العسكري هي كذلك، لتهمس في أذنه. فجأة، صاح الرئيس:
- كيم-كيم هنا!
- لا ترفع صوتك عاليًا لئلا يسمعك، رئيس!
- كيم-كيم هنا، قال هذه المرة بصوت واطئ.
- والسيدة كيم-كيم، سألت الرئيسة الجنوبية الكورية، هل هي هنا كذلك؟ لو عرفتْ أن ثريات الكريستال هذه من عندنا، وبنصف ثمنها، لأوقفتْ حربها النووية.
- يجب ألا تعرف، قالت مس رز، على الحرب أن تقع بثريات أو بدون ثريات. ثم للرئيس: ماذا نفعل؟ مستر بريزيدنت.
- ماذا نفعل ماذا؟
- قلت لك كيم-كيم هنا، في الجناح الأخضر.
- أنا أعرف الآن، إنها لعبة على لعبة على لعبة لصد-صد. أين أفكارك العبقرية، رز ولحم وتوابل؟
- بكل بساطة، رئيس...
- ماذا؟
- سنتجاهل وجوده، وسنشن الحرب عليه كما اتفقنا، وليحمد ربه أنه طالما بقي في البيت الأبيض لن يلحقة أقل أذى.
- أنت جوهرة نادرة، رز ولحم وتوابل، ولم يمتنع عن تقبيلها من فمها أمام العيون المحملقة للسيدتين الأُوُلَيَيْن وللرجل القوي.
في جناح أخضر من أجنحة البيت الأبيض، كان صد-صد يلعب الورق مع كيم-كيم ولاد-لاد والشيخ العُمَرِي، والتحق بهم كل الدكتاتوريين الأحياء والأموات: هتلر، ستالين، ماو، بورقيبة، بومدين، بونجو، بوكاسا، عرفات، قذافي، بينوشيه، بيتان، كاسترو، حسن ثانٍ، أسد، حمد بن عيسى، صالح، بن علي، موبوتو، هو جنتاو، موسوليني... إلى آخره. ثم صد-صد ثانٍ، ثم صد-صد ثالث، ثم صد-صد رابع، ثم صد-صد خامس، كل واحد منهم ليم الدكتاتور العراقي. رويدًا، رويدًا، امتلأ البيت الأبيض بأطفال في اللباس العسكري، وهم يحملون أحدث الأسلحة المتطورة. اجتاح الأطفال الجنود حدائق البيت الأبيض، والشوارع المجاورة، كل واشنطن، كل أمريكا، كل العالم، وصعدت بنت صغيرة لتعيد الساعة إلى السير، فدقت معلنة عن منتصف الليل، وتقدمت نحو منتصف الليل ودقيقة، الدقيقة الأخيرة للفرصة الأخيرة لإنقاذ العالم.


الكتابة الأولى بالفرنسية باريس 2003
الكتابة الثانية بالعربية باريس الاثنين 13 يوليو 2005