عساكر الفصل الثامن


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4856 - 2015 / 7 / 4 - 16:50
المحور: الادب والفن     

بالتأكيد هذا الحب البريء قد وضع حدًا لخطة النساء الأربع العظيمات، وللرد على هذا العار، أوقعت السيدة الرئيسة ملك الأردن الصغير في شباكها، فطلبت الملكة بدافع الغيظ عون الإنجليزية، لكنها هي أيضًا وقعت في غرام الملك الصغير، كالمصرية. اعتزلت ملكة الأردن، وبكت: كانت منافستها خديجة، الآن السيدتان الأُوُليان لأمريكا ومصر والسيدة الثانية لإنجلترا. وبالتالي، الوداع للمهمة "التاريخية" لسفيرة الأناقة الباريسية!
انضم إليها بركة.
- ساعة العشاء لا تجيء، قال. أنا جائع، وأنا لا أحب الهمبرجر.
أخذ يبكي.
- كأنك مصري من بولاق، أفقر حي في القاهرة، وليس رئيس كل المصريين، قالت الملكة ساخطة.
- لكني جائع، تباكى الرئيس المصري، لهذا أنا لا أحب المجيء إلى البيت الأبيض: نحن لا نأكل جيدًا هنا، خاصة مع هذا الطعام الخاص بالقادة العرب. جلالتك، أنت لا تموتين من الجوع؟
- أموت من الألم، أتعذب، أجابت الملكة، وهي تعمل كل ما في وسعها ألا تبكي.
- لأن زوجك يخونك، يا حبيبتي؟
- و-مع-زوجتك، صاحت الملكة بأعلى صوتها.
- ليس هذا خطيرًا، يا حبيبتي، أنا كذلك يمكنني أن أخونها معك، يا حبيبتي، هكذا سنكون متعادلين، يا حبيبتي.
- أولاً لست حبيبتك، ثانيًا أنا ملكة، سفيرة للأناقة الباريسية، وأنت رئيس بائس من بولاق، شحاذ لا يتوقف عن النواح كمعظم مواطنيّ الذين هم جوعى. ليس هناك سوى الأكل في الحياة!
- وماذا هناك غيره، يا حبيبتي؟
- ل-س-ت-ح-ب-ي-ب-ت-ك!
- طيب، يا حبيبتي، أنت لست حبيبتي، لكنك لم تجيبي على سؤالي، يا حبيبتي!
- معتوه!
- هذا يمكنك قوله، يا حبيبتي.
بليرو، رئيس الوزراء البريطاني، انضم إليهما.
- زوجتي، قال، لم تعد تريدني، كالملكة الأم قبلها، أنا المحبوب المكروه في شخصي!
- أنت أيضًا تموت من الألم، تتعذب، كالمسكينة ملكتي حبيبتي؟ قال بركة.
- ماذا عليّ أن أفعل؟ سأل بليرو.
- ماذا علينا أن نفعل؟ سألت ملكة الأردن.
- مهما يكن، ليست غلطة زوجك، يا حبيبتي، عاد بركة إلى القول. إذا كان جميلاً كقمر، ليست غلطته. أنا أيضًا يمكنني أن أقع في غرامه. إضافة إلى ذلك، يا حبيبتي، أنا مغرم به، لكن زوجتي تمنعني. تريده لها وحدها، أريد القول، لها وللأخريات.
- الأخريات؟
- المرأتان الهامتان الأُخْرَيان، يا حبيبتي.
- هذا أعرفه، ظننت للحظة أنك تتكلم عن الشخاخة كذلك.
- الشخاخة، يا حبيبتي؟
- خديجة، يا رب بولاق!
تدخل بليرو:
- خديجة مع الرئيس، يا حبيبتي!
تكلم كبركة. والملكة تسمعه يقول "يا حبيبتي"، حملقت استغرابَا.
- إنها في صدد اعتناقه للإسلام، يا حبيبتي.
- اعتناقه للإسلام؟
- هذا ما يريده أبوها، لغزو أمريكا دونما حاجة إلى طائرات انتحارية، يا حبيبتي.
- وزوجها، لا يقول شيئًا؟
- هو موافق، يا حبيبتي.
- ما قصة المجانين هذه؟
- هذا كما تقولين، يا حبيبتي. قصة مهابيل!
شرح بركة:
- الإرهابيان –والجبان يلتفت حوله- تخليا عن فكرة أسلمة بووي-بووي لغزو البيت الأبيض عند الانتخابات القادمة. أسلمة الرئيس الحالي، أكثر سرعة، يا حبيبتي.
- وهذه الشخاخة خديجة هي المكلفة بهذه المهمة. في أي جناح من البيت الأبيض: شرق، غرب، شمال أو جنوب؟
- شرق، أجاب الرجلان بصوت واحد، ثم: يا حبيبتي. جناح الإسلام. الكعبة شرق البيت الأبيض. لأجل الصلاة.
وقلد الرجلان الذين يصلون، وانحنيا إلى الأمام عدة مرات:
- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر...
- حدثني قلبي بذلك. إنه الجناح المضاد لجناح الصليب، حيث "النساء الثلاث العظيمات"، كما تقولان، أخذن زوجي.
- لكنه كان مسيحيًا، ويتظاهر بكونه مسلمًا، كديك دوكر اليهودي الذي يتظاهر بكونه مسيحيًا.
- إذن، اطلبيني ما تشائين، يا حبيبتي، قال رئيس الوزراء البريطاني، يمكنني أن أُمَسْحِحَكِ، أنا كذلك، يا حبيبتي.
وأخذ يحضنها بعينيه، بهيئة غزلية.
- كفى، بليرو! نبرت. بدلاً من أن تذهب لتنتزع زوجتك من ذراعي زوجي، تريد أن تأخذني إلى أي جناح، شرق أم غرب؟
والرجلان:
- شمال.
ثم:
- يا حبيبتي.
- شمال، لماذا؟
- بكل بساطة لأنه شاغر، يا حبيبتي.
- لا، سأذهب إلى الجناح الجنوبي.
- تريدين أن تصبحي يهودية، يا حبيبتي؟ سأل بليرو.
- لماذا؟ أم ديك دوكر من تسكنه؟
- لا، إنه... الجناح الجنوبي محجوز لحريم مسز بريزيدنت، لكن عندما يكون هنا... ثم للرئيس المصري: قل لها، أنت، يا حبيبي.
سقسق قلب بركة من كثرة السعادة على سماعه من يناديه هكذا، أدار عينيه، ابتسم بسعة، حتى أنه أرسل إليه بوسات حيية.
- قل لها، يا خول، نهره بليرو.
- إنه الجناح المحجوز لشوشو.
- شوشو؟ من هو؟ طلبت ملكة الأردن.
- شوشو، شوشو، ردد بركة مع بعض النرفزة، ثم: يا حبيبتي.
- آه! شوشو، قالت الملكة.
ابتسم الآخر، بوجه يعبر عن الرضى، لما بعد بضع ثوان، أضافت المرأة بصوت خفيض:
- شوشو من؟
- أول رجل ضاجعني، زد على ذلك ضاجعنا كلنا، أنا وكل الحكام العرب بمن فيهم زوجك، وأشبعنا كلنا!
- آه! شوشو! قذفت الملكة التي فهمت أخيرًا. وهو هنا؟
- يا دوبه جاي، يا حبيبتي.
- أنت سعيد إذن؟
- سعيد جدًا، يا حبيبتي. بلا طعام، بلا مضاجعة، البيت الأبيض أشبه بكنيسة. لكن معه كل شيء يتبدل، سترين، يا حبيبتي. الجناح الجنوبي يصبح قلب أمريكا. آه! كل شيء يتبدل معه، أليس كذلك، يا بليرو؟
- معه، كل شيء يصبح آية من السحر، يا صاحبة الجلالة، هذا صحيح. البيت الأبيض لا يعود البيت الأبيض، خاصة الجناح الجنوبي.
- وماذا سيتبدل؟
- كل شيء، كل شيء يَتَهَوَّد، حتى الماء، حتى الهواء...
- حتى الخبز البولاقي اللي في غاية الضخامة، شوربة العدس، الفول المدمس، الملوخية بالأرانب...
حالِمًا يضيف:
- يا حبيبتي.
- سترين، عاد رئيس الوزراء الإنجليزي إلى القول، سيجد طريقة لاسترداد زوجك.
- ومتى سيكون هنا السيد رئيس الوزراء الإسرائيلي؟
- لن يتأخر، يا حبيبتي.
بصفتها فلسطينية الأصل، تستطيع ملكة الأردن التفاوض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول اتفاق يَغِير منه الرئيس الفلسطيني عر-عر وزوجها في آن واحد. أرادت تحقيق هذه المهمة "التاريخية" لتعود إلى أخذ الأخرى بيدها، والتي ترتكز على نسل "عمالقة" بين أفراد الأسرة الملكية. إنها الطريقة الوحيدة التي ستربط بها زوجها إلى الأبد. تركت الرجلين التعسين، الأول يصرخ من الجوع، والثاني من عذاب الروح، وذلك للالتقاء بالمس رز في مكتبها.
- أنا مستعدة لعونك، يا حبيبتي، قالت لها مس رز بصوتها الرجولي. شوشو يفضل الحكام العرب عليّ، لكن لم يزل لدي بعض النفوذ الذي أمارسه عليه. اسأليني كيف، يا حبيبتي، قالت، وهي تزلق بأصابعها في الشعر الحريري للملكة.
- كيف، مس رز؟ قالت الملكة، وهي تبتعد حتى الطرف الآخر للكنبة.
- أنا لا أستطيع استخدام جمال زوجك، لأن شوشو يفضل الأولاد ذوي بنيان الإِسْمَنْت المسلح، وهذه ليست حالتي بطبيعة الأحوال. وبما أننا نتكلم في هذا، زوجك رفض كل عروضي في مادة الشرق الأدنى، أعني الشرق الأدنى جدًا.
- هذا أقوى منه، مس رز. الحق يقال، أعرف جيدًا ذوق زوجي.
- وذوقي أنا، يا حبيبتي؟ سألت الأخرى، وهي تزلق على الكنبة لتلتصق بالملكة. هل تعرفينه؟
- الآن أعتقد أنني أعرفه، قالت الملكة ناهضة.
دخل بووي-بووي، فأراح مقدمه الملكة. استغلت وجود سكرتير الدولة لتكرر مطلبها، وسكرتير الدولة الذي أصابه الحول لشد ما حاول مع السيدة الرئيسة، منذ كان قائدًا لبولوش الأب، دون أن ينجح، ها هو يجد نفسه ملقى لصالح الملك الصغير. لقد حان وقت الانتقام!


يتبع الفصل التاسع